الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحج والعمرة فريضتان واجبتان» .
وروى سعيد بن أبي عَروبة في «المناسك»
(1)
عن قتادة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما هي حجة وعمرة، فمن قضاهما فقد قضى الفريضة، ومن أصاب بعد ذلك فهو تطوُّع» .
وعن قتادة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «يا أيها الناس، كُتِب عليكم الحج، يا أيها الناس كُتِب عليكم العمرة، يا أيها الناس كُتِب عليكم أن يأخذ أحدكم من ماله فيبتغي به من
(2)
فضل الله فإن فيه الغنى والتصديق، وأَيمُ الله! لأن أموتَ وأنا أبتغي بمالي في الأرض من فضل الله عز وجل أحبُّ إليَّ من أن أموت على فراشي»
(3)
.
وأيضًا ف
إن العمرة هي الحج الأصغر
بدليل قوله سبحانه: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} [التوبة: 3]، فإن الصفة إذا لم تكن مبيِّنةً لحال الموصوف فإنها تكون مقيِّدة له ومميِّزة له عما يشاركه في الاسم. فلما قال:{يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} عُلم أن هنالك حجًّا
(4)
أصغر لا يختصُّ بذلك اليوم، لأن الحج الأكبر له وقت واحد لا يصح في غيره، والحج الأصغر لا يختصُّ بوقت.
وقد روى الدارقطني
(5)
عن ابن عباس قال: «الحج الأكبر يوم النحر،
(1)
(2، 80). والحديث ضعيف للإرسال.
(2)
«من» ساقطة من ق.
(3)
«المناسك» لابن أبي عروبة (81). وهو مُرسل أيضًا، قتادة لم يولَد إلا بعد وفاة عمر.
(4)
س: «هناك حج» .
(5)
(2/ 285) ومن طريقه البيهقي في «الكبرى» (4/ 352)، وإسناده صحيح. وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (13839) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (1762) بنحوه بإسناد آخر صحيح.
والحج الأصغر العمرة».
وأيضًا ففي كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم له
(1)
لما بعثه إلى اليمن
(2)
: «وأن العمرة الحج الأصغر» . رواه الدارقطني
(3)
من حديث الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده.
وهذا الكتاب ــ وذِكْرُ
(4)
هذا فيه ــ مشهور مستفيض عند أهل العلم، وهو عند كثير منهم أبلغُ من خبر الواحد العدل المتصل، وهو صحيح بإجماعهم
(5)
.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بيَّن أنها الحج الأصغر كما دلّ عليه كتاب الله عز وجل= عُلِم أنها
(6)
واجبة؛ لأن قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} وسائر
(1)
«له» ليست في س.
(2)
ق: «أهل اليمن» .
(3)
(2/ 285). وأخرجه ابن حبان (6559)، والحاكم (1/ 395 - 397) وقال:«هذا حديث كبير مفسَّر في هذا الباب يشهد له أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وإمام العلماء في عصره محمد بن مسلم الزهري بالصحة» . وأخرجه أبو داود في «المراسيل» (94) عن الزهري مُرسلًا بلفظ: قرأتُ صحيفةً عند آل أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
…
إلخ. قال أبو داود: روي هذا الحديث مسندًا ولا يصح. وانظر «التلخيص الحبير» (4/ 17 - 18).
(4)
ق: «ذكر» .
(5)
انظر «الاستذكار» (8/ 10) و «التلخيص الحبير» (4/ 17 - 18).
(6)
س: «أنه» .
الأحاديث التي فيها ذِكْر فرض الحج: إما أن يعمَّ الحجَّين الأكبر والأصغر، كما أن قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يقبل الله صلاةً بغير طهور»
(1)
يعمُّ نوعي الطهور الأكبر والأصغر. وإما أن تكون مطلقة، ولا يجوز أن يكون المفروض مطلق الحج، لأن ذلك يحصل بوجود الأكبر أو الأصغر، فيلزم أن تكفيه العمرة فقط، وذلك غير صحيح، فيجب أن يكون عامًّا. ولا يجوز أن يعني الحج الأكبر فقط؛ لأنه يكون تخصيصًا للعام وتقييدًا
(2)
للمطلق، وذلك لا يجوز إلا بدليل. ولو أريد ذلك لقُيِّد كما قيِّد في قوله:{يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} ، بل الناس إلى التقييد هنا أحوج، لأن هذا ذِكرٌ للمفروض الواجب، والاسم يشملهما
(3)
، وذاك أمر بالنداء يوم الحج الأكبر، والنداء لا يمكن إلا في المجتمع، والاجتماع العام إنما يقع في الحج الأكبر، لاسيما وقوله {يَوْمَ} ، والحج الأصغر لا يومَ له
(4)
يختصّ به.
وبهذا يجاب عن كل موضعٍ أُطلق فيه ذِكر الحج. وأما المواضع التي عُطِف فيها فللبيان والتفسير وقطع الشبهة، لئلا يتوهَّم متوهِّم أن حكم العمرة مخالف لحكم الحج، وأنها خارجة عنه في هذا الموضع، لأنها كثيرًا ما تُذكر بالاسم الخاص، وكثيرًا ما يكون لفظ الحج لا يتناولها.
وأما الأحاديث فضعيفة
…
(5)
.
(1)
أخرجه مسلم (224) وأحمد (4700) من حديث ابن عمر. واللفظ لأحمد.
(2)
س: «وتقييد» .
(3)
ق: «شملهما» . وفي المطبوع: «يشملها» ، خطا.
(4)
«لا يوم له» ساقطة من المطبوع.
(5)
هنا بياض في النسختين.
وأما كونها لا [ق 140] تختصُّ بوقتٍ وكونُها بعضَ الحج، فلا يمنع الوجوب.
وأيضًا فإنها عبادة تلزم بالشروع، ويجب المضيُّ في فاسدها، فوجبت بالشرع كالحج، وعكس ذلك الطواف.
فصل
وقد
(1)
أطلق أحمد القول بأن العمرة واجبة وأن العمرة فريضة في رواية جماعة، منهم أبو طالب والفضل وحرب
(2)
، وكذلك أطلقه كثير من أصحابه، منهم ابن أبي موسى
(3)
، وقال في رواية الأثرم
(4)
وقد سئل عن عمرة
(5)
أهل مكة فقال: أهل مكة ليس عليهم عمرة، إنما قال الله تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]، فقيل له: إنما ذاك في الهدي في المتعة، فقال: كان ابن عباس يرى المتعة واجبة، ويقول:«يا أهل مكة، ليس عليكم عمرة، إنما عمرتكم طوافكم بالبيت»
(6)
. قيل له: كأنّ إقامتهم بمكة يُجزئهم من العمرة؟ فقال: نعم.
وكذلك قال في رواية ابن الحكم: ليس على أهل مكة عمرة، لأنهم
(1)
ق: «قد» .
(2)
انظر «التعليقة» (1/ 211).
(3)
في «الإرشاد» (ص 156).
(4)
كما في «التعليقة» (1/ 210).
(5)
«عمرة» ساقطة من المطبوع.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (15936) بإسناد صحيح.
يعتمرون في كل يوم يطوفون بالبيت، فمن أراد منهم أن يعتمر
(1)
خرج إلى التنعيم أو تَجاوز الحرم.
وقال في رواية الميموني
(2)
: ليس على أهل مكة عمرة، وإنما العمرة لغيرهم، قال الله تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، إلا أن ابن عباس قال:«يا أهل مكة، من أراد منكم العمرة فليجعل بينه وبينها بطن محسِّر»
(3)
.
وإذا أراد المكي وغيره العمرة أهلَّ من الحلّ، وأدناه التنعيم. ولأصحابنا في هذا ثلاث
(4)
طرق:
أحدها
(5)
: أن المسألة رواية واحدة بوجوبها على المكي وغيره، وأن قوله «ليس عليهم متعة» يعني في زمن الحج، لأن أهل الأمصار غالبًا إنما يعتمرون
(6)
أيام الموسم، وأهل مكة يعتمرون في غير ذلك الوقت. قاله القاضي قديمًا، قال: لأنه قد
(7)
قال: «لأنهم يعتمرون في كل يوم يطوفون بالبيت» . وهذه طريقة ضعيفة.
الثانية: أن في وجوبها على أهل مكة روايتين، لأنه أوجبها مطلقًا في
(1)
«أن يعتمر» ساقطة من ق.
(2)
أشار إليها أبو يعلى في «التعليقة» (1/ 210).
(3)
لم أجده بهذا اللفظ، وقد روي عن ابن عباس بنحوه، وسيأتي قريبًا.
(4)
س: «ثلاثة» .
(5)
كذا في النسختين، والمناسب لما سيأتي «إحداها» ، على أن الطريق مؤنث.
(6)
(7)
«قد» ساقطة من س.
رواية، واستثنى أهل مكة في أخرى. وهذه طريقة القاضي أخيرًا
(1)
، وابن عقيل، وجدّي وغيرهم.
والثالثة
(2)
: أن المسألة رواية واحدة أنها لا تجب على أهل مكة، وأن مطلق كلامه محمول على مقيّده، ومجمله على مفسّره. وهذه طريقة أبي بكر وأبي محمد
(3)
صاحب الكتاب، وهؤلاء [لا]
(4)
يختارون وجوبها على أهل مكة.
ووجه عدم وجوبها ما روى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يا أهل مكة، ليس عليكم عمرة
(5)
.
وعن عمرو بن كيسان قال: سمعت ابن عباس يقول: لا يضرُّكم يا أهل مكة أن لا تعتمروا، فإن أبيتم فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطنَ وادٍ
(6)
.
وعن عطاء أنه كان يقول: يا أهل مكة، إنما عمرتكم الطواف بالبيت، فإن كنتم لا بدَّ فاعلين فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطنَ وادٍ
(7)
. رواهن سعيد
(8)
.
هذا مع قوله: إن العمرة واجبة. ولا يُعرف له مخالف من الصحابة.
(1)
ق: «آخرًا» . وانظر «التعليقة» (1/ 210، 211).
(2)
س: «والثالث» .
(3)
أي ابن قدامة، انظر «المغني» (5/ 14، 15).
(4)
زيادة لابد منها ليستقيم المعنى.
(5)
سبق تخريجه.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (15932). وعمرو بن كيسان لم يوثّقه معتبَر، وأورده ابن حبّان في «الثقات» (5/ 184). وقد تابعه عطاء عن ابن عباس بنحوه كما سيأتي.
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة (15936) والدارقطني (2/ 284) بنحوه.
(8)
لم أجده في القسم المطبوع من «سنن سعيد بن منصور» ، وكتاب الحج منه لا زال في عداد المفقود، كما سبق.
ولأن الله سبحانه قال: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، فجعل التمتع بالعمرة إلى الحج الموجب لهديٍ أو صيامٍ لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فإذا كان حاضر
(1)
المسجد الحرام يفارق غيرَه في حكم المتعة وواجباتها فارقَه
(2)
في وجوب العمرة.
وأيضًا فإن العمرة هي
(3)
زيارة البيت وقصده، وأهل مكة مجاوروه وعامروه بالمقام عنده، فأغناهم ذلك عن زيارته من مكان بعيد، فإن الزيارة للشيء إنما تكون للأجنبي منه البعيد عنه. أما المقيم عنده فهو زائر دائمًا.
وأيضًا فإن مقصود العمرة إنما هو الطواف، وأهل مكة يطوفون في
(4)
كل وقت.
وهؤلاء الذين لا تجب عليهم العمرة هم الذين ليس عليهم هديُ متعةٍ على ظاهر كلامه في رواية الأثرم والميموني، في استدلاله بقوله تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} . وظاهرُ قوله في رواية ابن الحكم والأثرم أيضًا
(5)
أنها إنما تسقط عن أهل مكة وهم أهل الحرم؛ لأنهم هم المقيمون بمكة والطوَّافون بالبيت. فأما المجاور بالبيت فقال عطاء: هو بمنزلة أهل مكة
(6)
.
(1)
س: «حاضري» .
(2)
في المطبوع: «فارقة» ، خطأ مطبعي.
(3)
س: «هو» .
(4)
«في» ليست في س.
(5)
«أيضًا» ساقطة من ق.
(6)
ذكره محب الدين الطبري في «القرى» (ص 604) وعزاه إلى سعيد بن منصور.