الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصحابنا؛ لأن الإحرام بالحج قبل أشهرٍ مكروه، وإن أراد أن يصرفه إلى عمرة مفردة جاز أيضًا فيما ذكره أصحابنا.
فإن طاف وسعى قبل أن يفرضه في شيء فقال القاضي في «المجرد» ....
(1)
وغيرهما: لا يعتدّ بذلك الطواف؛ لأنه طاف لا في حج ولا في عمرة. وقال: يتعين طوافه للعمرة.
المسألة الثانية
(2)
: أنه يجوز أن يحرم بالعمرة، ثم يُدخل عليها الحج، ويصير قارنًا
؛ لأن في حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم المتقدم: «وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحج» . متفق عليه. إلا أن هذا يحتمل أن يكون بعد انقضاء عمل العمرة. وفي حديث علي أنه لما رأى ذلك من عثمان أهلَّ بهما جميعًا
(3)
.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة
(4)
، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(5)
: «من كان معه هديٌ فليهلَّ بالحج مع العمرة، ثم لا يحلُّ حتى يحلَّ منهما جميعًا» وذكرت الحديث، متفق عليه
(6)
.
وعن نافع قال: أراد ابن عمر رضي الله عنهما الحج عام حجَّت الحرورية في
(1)
بياض في النسختين.
(2)
من المسائل (أو الفصول) التي تقدم ذكرها (ص 282).
(3)
سبق تخريجه (ص 317).
(4)
«فأهللنا بعمرة» ساقطة من س.
(5)
«رسول الله صلى الله عليه وسلم» ليست في س.
(6)
البخاري (1556، 1638، 4395) ومسلم (1211).
عهد ابن الزبير، فقيل له: إن الناس كائنٌ
(1)
بينهم قتال، ونخاف أن يصدُّوك، فقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، إذًا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُشهِدكم أني قد أوجبتُ عمرة. ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد
(2)
، أُشهِدكم أني قد جمعتُ حجة مع عمرتي. وأهدى هديًا مقلَّدًا
(3)
اشتراه بقُدَيْد، وانطلق حتى قدم مكة، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة
(4)
، ولم يزد على ذلك، ولم يتحلَّل من شيء حرم منه حتى يوم النحر، فحلق ونحر، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، ثم قال: كذلك صنع النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه
(5)
.
ومعنى قوله: كذلك
(6)
صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يطفْ بالبيت وبين الصفا والمروة إلا مرة واحدة
(7)
قبل التعريف، مع أنه كان قد جمع الحج إلى العمرة، ولم يُرِد به أنه لم يطف بالبيت بعد النحر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد طاف بعد التعريف، وقد روى ذلك ابن عمر في غير موضع هو وسائر الصحابة
(8)
. وإنما قصد نافع أنه اكتفى للقران بطواف واحد بالبيت وبين
(9)
(1)
س: «كان» .
(2)
س: «واحدًا» .
(3)
«مقلدا» ليست في ق.
(4)
«والمروة» ليست في س.
(5)
البخاري (1708) ومسلم (1230/ 182).
(6)
ق: «هكذا» .
(7)
«واحدة» ليست في س.
(8)
ق: «أصحابه» .
(9)
«بين» ليست في ق.
الصفا والمروة، لم يطف طوافين ويسْعَ سعيين.
وعن عبد الرحمن بن أبي نصر، عن أبيه قال: خرجتُ وأنا أريد الحج، فقلت: أمرُّ بالمدينة فألقَى عليًّا، فأقتدي به، فقدِمتُ المدينة، فإذا علي رضي الله عنه قد خرج حاجًّا، فأهللتُ بالحج، ثم خرجت، فأدركت عليًّا في الطريق وهو يهلُّ بعمرة وحجة، فقلت له
(1)
: يا أبا الحسن، إنما خرجتُ من الكوفة لأقتدي بك، وقد سبقتَني فأهللتُ بالحج، أفأستطيع أن أدخل معك فيما أنت فيه؟ فقال: لا؛ إنما ذاك لو كنتَ أهللتَ بعمرة. فخرجتُ معه حتى قدم، فطاف بالبيت وبين الصفا
(2)
والمروة لعمرته، ثم عاد فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة
(3)
لحجته، ثم أقام حرامًا إلى يوم النحر. رواه سعيد والأثرم
(4)
.
ويجوز إضافة الحج إلى العمرة لكل محرم بالعمرة، ثم إن أضافه إليها قبل الطواف وقع الطواف عن القران، وكان قارنًا، وإن فعل ذلك بعد الشروع
(1)
«له» ليست في ق.
(2)
ق: «وبالصفا» .
(3)
«لعمرته
…
والمروة» ساقطة من ق.
(4)
وأخرجه أيضًا أبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (317) والعُقيلي في «الضعفاء» (3/ 438). وأخرجه الدارقطني (2/ 265) والبيهقي في «الكبرى» (4/ 348) من طريق مالك بن الحارث عن أبي نصر. وأبو نصر السلمي هذا مجهول، وقد طعن في حديثه هذا الشافعي والبخاري وابن المنذر وابن حبّان وغيرهم. انظر:«السنن الكبرى» (4/ 348) و «التاريخ الكبير» (5/ 358) و «معرفة السنن والآثار» (7/ 279) و «المجروحين» (2/ 59) وِلاءً.
في الطواف لم يجز ذلك. وهذه الإضافة
(1)
تتعين على من أحرم بعمرة وضاق الوقت عن أن يعتمر قبل الحج فخشي فوته، إما بأن تكون امرأة وقد حاضت، فلم يمكنها أن تطوف بالبيت، فتُحرِم بالحج، وتصير
(2)
قارنة، وتترك طواف القدوم كما لو كانت مفردة. أو بأن يوافي مكة يوم عرفة، ويضيق الوقت عن إتمام العمرة والإحرام بالحج، ونحو ذلك، فلو أراد أن يبقى على العمرة ويفوت الحج
…
(3)
.
وكذلك من لم يخشَ فوات
(4)
الحج وهو قارِنٌ، إذا وقف بعرفة
(5)
قبل أن يطوف بالبيت فهو باقٍ على قرانه، والوقوف بعرفة لا ينقض العمرة. هذا هو المذهب المنصوص. قال
(6)
في رواية أبي طالب
(7)
فيمن قدم بعمرة، فخشي الفوت: لم يطفْ، وأهلّ بالحج، وأمسك عن العمرة، كما فعلت عائشة. قيل له: إن أبا حنيفة يقول: قد رفض العمرة وصار حجًّا، فقال: ما قال هذا أحد غير أبي حنيفة، إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة
(8)
: «أمسكي عن عمرتك، وامتشطي، وأهِلّي بالحج» ، وما رفضت العمرة، فلما قالت: أيرجع أزواجك بعمرة وحج؟ قال لعبد الرحمن: أعمِرْها من التنعيم، أراد أن يُطيِّب
(1)
في المطبوع: «الإفاضة» ، تحريف.
(2)
ق: «فتصير» .
(3)
بياض في النسختين.
(4)
ق: «فوت» .
(5)
«بعرفة» ساقطة من المطبوع.
(6)
«قال» ليست في س.
(7)
كما في «التعليقة» (2/ 80).
(8)
«لعائشة» ليست في س.
نفسها، ولم يأمرها [ق 218] بالقضاء.
وقال أبو طالب
(1)
: سألته
(2)
عن حديث عائشة لما حاضت كيف يصنع مثلها
(3)
؟ قال: لما دخلت بعمرة حاضت بعدما أهلَّت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أمسكي عن العمرة، وأهلِّي بالحج» ، فهذه شُبِّهت بالقارن، فتذهب فتقضي المناسك كلها، فإذا كان يوم النحر جاءت إلى مكة، فطافت بالبيت، وسعَتْ بين الصفا والمروة. قيل له: طواف؟ قال: نعم، طواف
(4)
واحد يجزئ القارنَ، وهذه يُجزِئها طواف واحد.
وقال في رواية الميموني
(5)
وقد ذُكر له عن أبي معاوية يرويه «انقُضي عمرتك»
(6)
فقال: غيرُ واحد يرويه «أمسكي عن عمرتك» ، أيشٍ معنى انقُضي؟ هو
(7)
شيء تنقُضه؟ هو ثوب تُلقِيه؟ وعجِبَ من أبي معاوية.
وهذا يستقيم على قولنا: إنه ليس في عمل القارن زيادةٌ على عمل المفرد.
(1)
كما في «التعليقة» (2/ 64).
(2)
ق: «سألت» .
(3)
ق: «كيف لمثلها» .
(4)
«طواف» ليست في س.
(5)
كما في «التعليقة» (2/ 80، 81).
(6)
لم أجده بهذا اللفظ، ولكن أخرجه البخاري (1783) من طريقه بلفظ:«ارفُضي عمرتك» . وغيره يرويه بلفظ: «دَعِي عمرتك» أو «أمسكي عن عمرتك» . انظر: «صحيح البخاري» (316، 317، 1556، 1786) و «صحيح مسلم» (1211).
(7)
ق: «وهو» .
فأما إذا قلنا: يلزم القارنَ أن يطوف ويسعى أولًا
(1)
للعمرة، ثم يطوف بعد ذلك ويسعى للحج، فإن عمرته تنقضي قبل التعريف، ولا يبقى إلا في إحرام الحج.
فعلى هذا: إذا لم يطفْ للعمرة، ولم يسعَ قبل الوقوف، فإن عمرته تنتقض وعليه قضاؤها، ويكون مفرِدًا وعليه دمُ جنايةٍ، ذكر ذلك القاضي
(2)
وابن عقيل وغيرهما. فعلى هذا إذا رفض العمرة لم يحلّ، وإنما يكون قد فسخ العمرة إلى الحج.
وأصل ذلك حديث عائشة، فإنها قدمت مكة وهي متمتعة، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تهلّ بالحج وتترك العمرة.
فمن قال بالوجه الثاني
(3)
قال: أمرها برفض العمرة
(4)
وأن تصير مفرِدةً للحج، ولم يوجب عليها دم قران، بل ذبح عنها يوم النحر دمَ جُبْرانٍ؛ لتأخير العمرة، وأوجب عليها قضاء تلك العمرة التي رفضتها.
قالوا: لأن في حديثها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من كان معه هدي فليهلَّ بالحج مع العمرة، ثم لا يحلّ حتى يحلّ منهما جميعًا» ، فقدمتُ مكة وأنا حائض، فلم أطُفْ بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
(1)
(2)
في «التعليقة» (2/ 81).
(3)
سيأتي بعد خمس صفحات الكلام على الوجه الأول.
(4)
«فمن قال
…
العمرة» ساقطة من ق.
«انقُضي رأسك وامتشطي، وأهلّي بالحج، ودعي العمرة» . قالت: ففعلتُ، فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فاعتمرت، فقال:«هذه مكان عمرتك» ، فطاف الذين كانوا أهلُّوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم حلُّوا، ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم. وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدا
(1)
.
وفي لفظ
(2)
: «قالت: فحضتُ، فلم أزل حائضًا حتى كان
(3)
يوم عرفة، ولم أُهْلِلْ
(4)
إلا بعمرة، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنقُض رأسي وأمتشط، وأُهِلَّ بالحج وأترك العمرة، ففعلت ذلك حتى قضيت حجي، فبعث معي عبد الرحمن بن أبي بكر، فأمرني أن أعتمر مكان عمرتي من التنعيم».
وفي لفظ
(5)
وفي رواية
(6)
: «فلما كانت ليلة الحصبة، قلت: يا رسول الله، يرجع
(1)
أخرجه البخاري (1556) ومسلم (1211/ 111).
(2)
للبخاري (319) ومسلم (1211/ 112).
(3)
«كان» ساقطة من المطبوع.
(4)
س: «أهل» .
(5)
للبخاري (316).
(6)
لمسلم (1211/ 128).
الناس بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة، قال:«أوَ ما كنتِ طفتِ لياليَ قدِمْنا مكة؟» قالت: قلت: لا، قال:«فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فأهلّي بعمرة» .
وفي لفظ
(1)
: «حتى جئنا
(2)
إلى التنعيم، فأهللتُ
(3)
منها بعمرة جزاءً بعمرة الناس التي اعتمروها».
وفي لفظ
(4)
: قلت: يا رسول الله، يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد؟ قال:«انتظري، فإذا طهرتِ فاخرجي إلى التنعيم فأهلّي منه، ثم ائْتِينا بمكان كذا وكذا، ولكنها على قدر نفقتك أو نَصَبك» .
وفي لفظ
(5)
وفي لفظ
(6)
: «فخرجت في حجتي حتى قدمنا منًى، فطهرتُ» ، وساق الحديث، متفق عليه.
(1)
لمسلم (1211/ 120).
(2)
ق: «حتى إذا جئنا» .
(3)
س: «فأهللنا» .
(4)
للبخاري (1787) ومسلم (1211/ 126).
(5)
للبخاري (1560).
(6)
لمسلم (1211/ 123).
وللبخاري
(1)
: أنها قالت: يا رسول الله، اعتمرتم
(2)
ولم أعتمر؟ قال: «يا عبد الرحمن، اذهب بأختك فأعمِرْها من التنعيم» .
وفي رواية له
(3)
: أنها قالت: يا رسول الله، يرجع أصحابك بأجر حج وعمرة، ولم أزد على الحج؟ فقال لها:«اذهبي وليُرْدِفْكِ عبد الرحمن» ، فأمر عبد الرحمن أن يُعمِرها من التنعيم.
وفي رواية لمسلم
(4)
: أنها قالت: يا رسول الله، أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجرٍ؟
قالوا: فهذا دليل على أنها صارت مفردة، وأنها رفضت العمرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«انقُضي رأسك وامتشطي، وأهلّي بالحج» . ولو كان الإحرام بحاله لم يأمرها بالامتشاط، ولقوله:«أهلِّي بالحج ودعي العمرة» ، وفي لفظ
(5)
: «واتركي العمرة» ، وفي لفظ:«وأمسكي عن عمرتك» ، وهذا ظاهر في أنها ترفض العمرة.
وقد روى ....
(6)
لاسيما وكان هذا ليلة عرفة أو يومها، والناس قد [ق 219] خرجوا من مكة يوم التروية، وقد تعذَّر فعلُ
(7)
العمرة، فعُلِم أنه أراد
(1)
رقم (1518).
(2)
س: «اعتمرت» .
(3)
«له» ساقطة من س. والرواية للبخاري (2984).
(4)
رقم (1211/ 134).
(5)
«وفي لفظ» ساقطة من المطبوع.
(6)
بياض في النسختين.
(7)
«فعل» ساقطة من س.
ترك إحرامها.
ولقوله: «هذه مكان عمرتك» ، ولو كانت
(1)
عمرتها بحالها لم يقل: «هذه مكان عمرتك» ، كما لم يحتج إلى ذلك سائر من قرنَ من أصحابه؛ لأنه كانت لهم عمرة صحيحة.
وأيضًا فقولها: أيرجع
(2)
الناس بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة؟ فقال:«أوَ ما كنتِ طفتِ لياليَ قدِمنا مكة؟» قالت: لا، قال:«فاذهبي مع أخيك فأهلّي بعمرة» ، فأقرَّها على قولها إنها ترجع بحجة، وسائر الناس يرجعون بحجة وعمرة، ثم بيَّن أن من لم يطف في
(3)
تلك الليالي يكون حاله كذلك، يرجع بحجة بدون عمرة، ثم أمرها بالقضاء بحرف الفاء
(4)
.
وأيضًا فقوله لها لما ذكرت له
(5)
الحيض: «فعسى الله أن يرزقكيها» ، قالت:«فخرجنا في حجته» دليل على أنها لم تبق في عمرة، وأنها
(6)
ترتجي ذلك فيما بعدُ.
وأيضًا فلو كان الواقف بعرفة في إحرام بعمرة لكان لا يحلُّ حتى يطوف بالبيت، ومعلوم أنه إذا رمى جمرة العقبة تحلَّل التحلُّلَ الأول.
(1)
ق: «كان» .
(2)
س: «أرجع» .
(3)
«في» ساقطة من المطبوع.
(4)
يقصد قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فاذهبي مع أخيك فأهلّي
…
» بحرف الفاء تعقيبًا على قول عائشة. ولا علاقة له بكلمة «القضاء» كما توهّمه محقق الطبعة (ص 563).
(5)
«له» ساقطة من س.
(6)
ق: «وانا» .
وأيضًا فإن الوقوف من خصائص الحج، فامتنع أن يكون في عمرة وهو واقف بعرفة، وكذلك ما بعد الوقوف من الوقوف بمزدلفة ومنى؛ ولهذا إذا فاته الوقوف تحلَّل بطواف وسعي، ولم يقف بالمواقف الثلاثة؛ لأن ذلك لا يكون في عمرة.
ووجه الأول: ما روى طاوس عن عائشة رضي الله عنها أنها أهلَّت بعمرة، فقدمتْ ولم تطُفْ بالبيت حتى حاضت، فنسكت المناسك كلها وقد أهلّت بالحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر:«يسَعُكِ طوافكِ لحجكِ وعمرتك» ، فأَبَتْ فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج. رواه أحمد ومسلم
(1)
.
وعن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها أنها حاضت بسَرِفَ، فتطهرت بعرفة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«يُجزِئ عنك طوافكِ بالصفا والمروة عن حجِّك وعمرتك» رواه مسلم
(2)
.
وعن عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «طوافكِ بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيكِ لحجك وعمرتك» . رواه أبو داود
(3)
.
وعن جابر قال: ثم
(4)
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة، ثم وجدها تبكي، وقالت: قد حضتُ، وقد حلَّ الناس ولم أحلِلْ، ولم أطف بالبيت،
(1)
أحمد (24932) ومسلم (1211/ 132).
(2)
رقم (1211/ 133).
(3)
رقم (1897) بإسناد صحيح.
(4)
«ثم» ساقطة من المطبوع.
فقال: «اغتسلي، ثم أهلّي بالحج» . ففعلت، ووقفت المواقف كلها، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة
(1)
وبالصفا والمروة، ثم قال:«قد حللتِ من حجك وعمرتك جميعًا» ، قالت: يا رسول الله، إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت، قال:«فاذهب بها يا عبد الرحمن، فأعمِرْها من التنعيم» ، وذلك ليلة الحصبة. متفق عليه
(2)
.
فهذا نصٌّ في أنه لا يجب عليها قضاء العمرة، وأن الطواف الذي طافته
(3)
يوم النحر بالبيت وبين الصفا والمروة يسعُها لحجها وعمرتها، وأنها باقية على عمرتها مقيمة عليها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بقضاء العمرة حتى ألحَّت عليه.
ويؤيِّد ذلك أن عامة الروايات تدلُّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها ابتداءً بالعمرة، ولو كان القضاء واجبًا عليها لما أهمل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر به حتى تطلب هي ذلك، بل كان أمرها بذلك، بل أعلَمها
(4)
به حين قال لها: «اقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت» بأن يقول: فإذا حللتِ فاقضي عمرتك.
ويؤيِّد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى عنها، وبعث إليها من هدْيِها
(5)
. فعُلِم أنه كان دم نسك؛ لأنه لو كان دم جناية لم يجز الأكل منه.
(1)
س: «بالبيت» . وفي هامشها التصويب.
(2)
أخرجه مسلم (1213/ 136). وعند البخاري (1651، 1785) حديث جابر بسياق آخر.
(3)
ق: «طافت» .
(4)
في المطبوع: «أعملها» .
(5)
ثبت ذلك من حديثها في «الصحيحين» ، وقد سبق لفظه (ص 291).
وقوله لها: «دعي عمرتك» ، «وأمسكي عن عمرتك» يعني عن إتمامها مفردةً كما كنتِ
(1)
أوجبتِه، وأهلِّي بالحج، فتصير العمرة في ضمن الحج ولا يبقى لها صورة
(2)
؛ فإنه صرح ببقاء العمرة كما ذكرناه؛ ولهذا قال: أمسكي عنها، والإمساك عنها لا يقتضي الخروج منها، وإنما يقتضي ترك عملها الذي به تتمّ وتُخرج منها.
وأما نقض الرأس ....
وأما القضاء فإنما يدلُّ على ضعف عمرة القران، وأنها ليست بتامة. وسنتكلم إن شاء الله على ذلك، وكذلك قولها:«يرجع الناس بحجة وعمرة، وأرجع أنا بحجة» .
المسألة الثالثة
(3)
: أنه إذا أحرم بالحج لم يجز أن يُدخِل عليه العمرة، فإن أدخلها عليه لم تنعقد هذه، ولم يلزمه بها شيء، وهو باقٍ على حجه. هذا هو المذهب المنصوص في غير موضع.
قال في رواية المرُّوذي
(4)
فيمن قدم يوم عرفة معتمرًا، فخاف أن يفوته الحج إن طاف: أدخلَ الحج على العمرة ويكون قارنًا، قيل له: فيُدخِل العمرة على الحج؟ فقال: لا.
ونقل عنه حنبل
(5)
: إذا أهلّ بعمرة أضاف إليها الحج، وإذا أهلّ بالحج
(1)
ق: «كانت» .
(2)
ق: «ضرورة» .
(3)
من المسائل (أو الفصول) التي تقدم ذكرها (ص 282).
(4)
كما في «التعليقة» (2/ 213).
(5)
كما في المصدر السابق.
لم يُضِفْ إليه عمرة.
ونقل عنه أبو الحارث
(1)
: إذا أحرم بعمرة فلا بأس أن يضيف إليها حجة، فإذا أهلَّ بالحج لم يضف إليه
(2)
عمرة.
وقد روى عنه حرب
(3)
وقد سأله عمن أهلّ بالحج، فأراد أن يضمّ إليها عمرة، فكرهه.
ونقل عنه الأثرم
(4)
: إذا أهلّ بعمرة أضاف إليها الحج ولا بأس، إنما الشأن [ق 220] في الذي يهلّ بالحج أيضيف إليه عمرة، ثم قال: عليٌّ يقول: لو كنت بدأت بالعمرة
(5)
.
وقال في رواية عبد الله
(6)
: قوله «دخلت العمرة في الحج» يعني العمرة في أشهر الحج، وقال
(7)
: لم أسمع في ضمِّ العمرة إلى الحج إلا شيئًا ضعيفًا.
ولعل هذا يُحمل على كراهة ذلك لا على بطلانه، فإنهم كلهم يكرهون ذلك.
(1)
المصدر نفسه (2/ 214).
(2)
س: «إليها» .
(3)
المصدر نفسه (2/ 214).
(4)
المصدر نفسه (2/ 213، 214).
(5)
أخرجه بهذا اللفظ الدارقطني (2/ 265)، وقد سبق (ص 388) تخريجه وبيان ضعفه.
(6)
في «مسائله» (ص 219).
(7)
ق: «فقال» .
ووجه ذلك: ما احتج به أحمد من حديث علي المتقدم لما سأله المحرم بالحج وكان علي رضي الله عنه قد أحرم بالعمرة والحج، فقال: هل أستطيع أن أدخل معك فيما أنت فيه؟ قال: لا، إنما ذلك لو كنت أهللتَ بعمرة. فأخبره علي رضي الله عنه أنه لا يستطيع القران إذا أحرم بالحج أولًا، ويستطيعه إذا أحرم بالعمرة أولًا. وقوله: لا تستطيع
(1)
دليل أن ذلك لا يمكن البتة، وهو أبلغ من النهي.
فصل
فأما إذا
(2)
أحرم بحجتين أو عمرتين فإنه ينعقد بإحداهما، ولا يلزمه قضاء الآخر؛ نصَّ عليه فيمن أهلَّ بحجتين لا يلزمه إلا حجة؛ وذلك لأن الجمع بينهما غير ممكن، فأشبه ما لو أحرم بصلاتين.
قال في رواية أبي طالب
(3)
: إذا قال: لبيك العامَ وعامَ قابلٍ، فإن عطاء يقول: يحج العام ويعتمر قابل
(4)
. فإن قال: لبيك بحجتين، فليس عليه إلا حجة واحدة التي لبَّى بها، ولا يكون إهلالًا بشيئين. ولو قال: لبيك بمائة حجة، أكان يجب عليه مائة حجة؟ ليس عليه شيء.
وأصل قول عطاء التسهيل، يقول: المشي إلى بيت الله وعليه حجة
(1)
س: «لا تستطيعه» .
(2)
ق: «فإذا» .
(3)
انظر «التعليقة» (2/ 208). وفيه النص باختصار.
(4)
لم أجده، ولكن أخرج ابن أبي شيبة (15411) عنه أنه قال في الرجل يهل بحجَّتين:«هو متمتع» .
وكفارة، وذكر معه أبو بكر
(1)
إذا نذر أن يطوف على أربع ....
(2)
.
فصل
وإذا نسي المحرم ما أحرم به، أو أحرم بمثل فلان
(3)
، وتعذَّر معرفته، قال
(4)
أحمد في رواية أبي داود
(5)
في رجل لبَّى فنسي لا يدري بحج أو عمرة: يجعلها عمرة، ثم يلبّي من مكة.
وقال في رواية ابن منصور
(6)
وذكر له قول سفيان في رجل أهلَّ لا يدري بحج أو عمرة: فأحبُّ إليَّ أن يجمعهما، قال أحمد: أنا أقول: إن كان أهلَّ بحج فشاء أن يجعله
(7)
عمرة فعل، وإن كان أهلَّ بحج وعمرة ولم يَسُقِ الهدي، وشاء أن يجعلها عمرة فعل.
فقد نصَّ على أنه يجعله عمرة
(8)
فيتمتَّع بها إلى الحج، وهذا حسن مستقيم على الأصل الذي تقدم، فإنه إذا شُرِع لمن يذكر ما أحرم به أن يجعله متعة، فلِمَن لا يذكر أولى.
ثم اختلف أصحابنا فأقرَّه بعضهم على ظاهره، وهذه طريقة أبي
(1)
هو غلام الخلال.
(2)
بياض في النسختين.
(3)
(4)
ق: «فقال» .
(5)
«مسائله» (ص 172).
(6)
«مسائله» (1/ 589، 590).
(7)
س: «يجعلها» . وكذا في «المسائل» . والمثبت كما في ق و «التعليقة» (1/ 335).
(8)
«ولم يسق
…
عمرة» ساقطة من ق.
الخطاب
(1)
وغيره، ثم بعض هؤلاء قال: إنما يلزمه عمرة على ظاهر رواية أبي طالب
(2)
.
والصواب أنه يلزمه عمرة يتمتع بها إلى الحج، فيلزمه
(3)
عمرة وحج، كما بيَّنه في رواية أبي داود. إلا أن
(4)
يكون قد ساق الهدي، فإن قياس هذا أن يلزمه القران، وهذا لأنه قد تيقَّن وجوب أحد الثلاثة في ذمته، فلزمه الخروج منه بيقين، كما لو نسي صلاةً من يوم لا يعلم عينها. وإذا تمتع فإنه قد خرج بيقين، أما إذا أفرد جاز أن يكون الذي في ذمته عمرة أو قرانًا، وإذا قرن جاز أن يكون
(5)
قد أحرم بالحج أولًا، فلا يصح إدخال العمرة عليه.
وأما القاضي
(6)
وأكثر أصحابه كالشريف
(7)
وأبي الخطاب في «خلافه» وابن عقيل وغيرهم فإنهم يخيِّرونه بين العمرة والحج
(8)
، وحملوا كلام أحمد على الاستحباب؛ لأن الأصل براءة ذمته من الأنساك الثلاثة، فلم يجب إلزامه بالشك.
وزعم القاضي
(9)
أنه لو نذر إحرامًا ونسيه لم يلزمه إلا عمرة؛ لأنها
(1)
في «الهداية» (ص 176).
(2)
ق: «أبي الخطاب» .
(3)
في المطبوع: «فلزمه» .
(4)
س: «أن لا ان» .
(5)
«الذي في
…
أن يكون» ساقطة من ق.
(6)
في «التعليقة» (1/ 334).
(7)
ق: «مثل الشريف» . وهو الشريف أبو جعفر، انظر كتابه «رؤوس المسائل» (1/ 368).
(8)
ق: «بين العمرة وبين الحج وبين العمرة والحج» .
(9)
في «التعليقة» (1/ 335).
الأولى، فكذلك
(1)
هنا، ولأن الشكّ في التعيين يجعل التعيين كعدمه، فيكون بمنزلة من أحرم مطلقًا، فله صرْفُه إلى ما شاء. وهذا بخلاف الصلاة، فإن التعيين شرط في صحة
(2)
إحرامها، فإذا صلّى صلاة مطلقة لم تصحّ. والحج بخلاف ذلك، فإنه يصح مع الإبهام، فإذا شكّ في عين ما أحرم به فالأصل عدم ذلك
(3)
التعيين، وإنما يتيقَّن
(4)
أنه محرم، والإحرام بأحد الثلاثة يُبرِئ الذمة من هذا الإحرام.
فعلى هذا إن عيَّنه بقران، فإن كان قارنًا فقد أجزأ عنه، وإن كان معتمرًا فقد أدخل الحج على العمرة، وذلك صحيح إلا أن يقال: إن المتمتع يجب عليه الحج، وإن كان مفردًا فقد أدخل الحج على العمرة
(5)
. فإن قيل: يصح إدخال العمرة على الحج، أجزأته عنهما، وإن قيل: لا يصح على المشهور من المذهب، فيصح له الحج بكل حال.
وأما العمرة فهل تجزئه؟ على وجهين:
أحدهما: تجزئه، لأنه قد صار قارنًا.
والثاني: لا تجزئه، وهو أصح لأنه غير متيقن لصحة قرانه. فعلى هذا إن كان قد طاف للعمرة وسعى لها، ثم طاف للحج وسعى
(6)
، وإن لم يزد على
(1)
س: «وكذلك» .
(2)
«صحة» ساقطة من المطبوع.
(3)
«ذلك» ساقطة من المطبوع.
(4)
ق: «يتعين» . وفي المطبوع: «يتقين» .
(5)
كذا في النسختين، ولعل الصواب:«أدخل العمرة على الحج» ، ليناسب السياق.
(6)
كذا في النسختين بدون جواب الشرط، وهو «صحَّ» أو نحوه.
أعمال المفرد، وقلنا بأن أعمال العمرة لا تدخل في الحج= لم يخرج من إحرامه إلا بطوافٍ للعمرة. وهل يحتاج إلى إعادة طواف الحج لكونه قد شرَّك في طوافه الأول بين الحج والعمرة على ما سيأتي؟
وإن قلنا: تدخل أعمال العمرة في الحج وهو ظاهر المذهب، فإنه قد شرَّك في الطواف بين حج صحيح وعمرة لم تصح، وذلك يجزئه في أشهر الوجهين، قاله القاضي.
ثم إن قلنا: [ق 221] يسقط النسكان عنه، لزمه الدم. وإن قلنا: إنما يسقط الحج، ففي وجوب الدم وجهان:
أحدهما: لا يجب، وهو الصحيح للشك في سببه.
والثاني: يجب؛ لأنه التزمه ظاهرًا، ولأنه أحوط.
وإن اختار الإفراد سقط عنه الحج يقينًا، سواء كان قد أحرم أولًا به، أو بالعمرة، أو بهما، ولا دم عليه؛ لأنه لم يلتزمه، ولا تحقق وجوبه، وهل يحتاج في خروجه من الإحرام إلى طوافٍ بنية العمرة؟ على وجهين.
وإن عيَّنه بتمتع ولم يسق الهدي فهو متمتع ظاهرًا وباطنًا، ويجزئه عن العمرة والحج. قال بعض أصحابنا: ولو بدا له بعد قضاء العمرة أنه لا يحج لم يكن عليه شيء، وهذا ليس بجيد.
وإن كان قد ساق الهدي وتمّم أعمال الحج فقد حصل له الحج يقينًا. وأما العمرة فهو فيها كالقارن؛ لجواز أن يكون قد أحرم أولًا بالحج، فلا يصح فسخه إلى العمرة، ثم هو قد طاف أولًا وسعى للعمرة، ثم طاف بعد التعريف وسعى للحج.
فإن قلنا: إن أفعال العمرة لا تدخل في أعمال الحج إذا كان قارنًا، فقد خرج من الإحرام بيقين، وكذلك إن
(1)
قلنا: إنه يجوز للقارن أن يطوف لها قبل التعريف.
وأما إن قلنا: إن أفعال العمرة تدخل في الحج ولا يجزئ الطواف لها قبل التعريف، فإن طوافه قبل التعريف لم يقع عن عمرة القران، وهو بعد الوقوف إنما طاف عن الحج خاصة، فلا يخرج من إحرامه حتى يطوف لها ثانيًا بعد الوقوف، وهذا على قول من يوجب على القارن أن ينوي عنهما. وأما من قال: الطواف للحج يجزئ عن النسكين
(2)
إذا كان في الباطن كذلك، فكذلك هنا.
وفي وجوب الدم وجهان ذكرهما القاضي وغيره كما قلنا في القارن:
أحدهما: عليه الدم؛ لأنه التزم موجبه، وهو أحوط.
والثاني: لا دم عليه؛ لجواز أن يكون إحرامه في الأصل بحجة وقد فسخها بعمرة، فلا دم عليه.
وهذا غير مستقيم على أصلنا، بل الصواب أنه إن حج من عامه فهو متمتع ظاهرًا وباطنًا، فعليه دم المتعة بلا تردد، إلا أن يكون إحرامه أولًا بعمرة بلا نية تمتع، ونقول: إن نية التمتع شرط في وجوب الدم، وإن لم يحج من عامه فلا دمَ عليه قولًا واحدًا، ولا وجه لإيجابه.
(1)
ق: «إذا» .
(2)
ق: «للنسكين» .