المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أما كون النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ولم يعتمر في أشهره، فعنه ثلاثة أجوبة: - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحج

- ‌جماعُ معنى الحج في أصل اللغة

- ‌مسألة(1): (يجب الحج والعمرة مرةً في العمر على المسلم العاقل البالغ الحرِّ)

- ‌الفصل الثانيأن العمرة أيضًا واجبة

- ‌ عنه رواية أخرى: أنها سنة

- ‌إن العمرة هي الحج الأصغر

- ‌الفصل الثالثأنهما إنما يجبان مرةً في العمر بإيجاب الشرع، فأما إيجاب المرء على نفسه فيجب في الذمة بالنذر

- ‌الفصل الرابعأنه لا يجب الوجوب المقتضي للفعل وصحتِه إلا على مسلم

- ‌الفصل الخامسأنه لا حج على مجنون(3)كسائر العبادات

- ‌الفصل السادسأنه لا حجَّ على الصبي قبل البلوغ

- ‌الفصل السابعأنه لا يجب إلا على حرٍّ كاملِ الحرية

- ‌مسألة(1): (إذا استطاع إليه سبيلًا، وهو(2)أن يجد زادًا وراحلةً بآلتها(3)مما يَصلُح لمثله، فاضلًا عما يحتاج إليه لقضاء ديونه(4)ومُؤْنةِ نفسه وعياله على الدوام)

- ‌الفصل الرابعأن يجد ذلك بعد ما يحتاج إليه من قضاء دينه ومُؤْنة نفسه وعياله على الدوام

- ‌إن كان له كتبُ علمٍ يحتاج(6)إليها لم يلزمه بيعها

- ‌إذا أَحجَّ(3)عن نفسه أجزأ عنه وإن عوفي

- ‌فصلإمكان المسير والأداء بسعة الوقت، وخلوِّ الطريق، والصحة(2): هل هو شرط للوجوب أو للزوم الأداء(3)فقط؟ على روايتين

- ‌مسألة(1): (ويُعتبر للمرأة وجودُ مَحْرمها، وهو زوجها، ومن تَحْرم عليه على التأبيد بنسبٍ أو سببٍ مباح)

- ‌لا يجوز لها(2)أن تسافر بغير محرم إلا في الهجرة

- ‌الفصل الثاني في المَحْرم

- ‌مسألة(6): (فمن فرَّط حتى مات أُخرِج عنه من ماله حجة وعمرة)

- ‌ من زعم أن العمل لا ينفع غير عامله في جميع المواضع فقد خرج عن دين الإسلام

- ‌فصليجب الحج عن الميت والعاجز من حيث وجب عليه

- ‌إذا لم يقدر له النفقة، فإنه ينفق بالمعروف، ويردُّ ما فضلَ

- ‌مسألة(4): (ولا يصحُّ الحجُّ من كافرٍ ولا مجنونٍ)

- ‌الثاني: أن يُجنَّ بعد إحرامه، فهذا إن كان صرعًا وخَنْقًا لم يبطل إحرامه

- ‌مسألة(4): (ويصحُّ من العبد والصبيِّ، ولا يُجزِئهما)

- ‌الفصل الثانيأن حج الصبي صحيح(2)، سواء كان مميِّزًا أو طفلًا

- ‌إن كان غير مميز عقد الإحرامَ له وليُّه

- ‌مسألة(1): (ويصحُّ من غير المستطيع والمرأةِ بغير مَحْرم، ويُجزئهما)

- ‌مسألة(4): (ومن حجَّ عن غيره ولم يكن حجَّ(5)عن نفسه، أو عن نذرِه ونَفْلِه(6)قبل حجة الإسلام، وقع عن فرض نفسه دون غيره)

- ‌ إذا خالف وأحرم عن غيره ففيه روايتان

- ‌الفصل الثانيإذا كان عليه فرضٌ ونفْلٌ لم يجز أن يُحرِم إلا بالفرض، وإن كان عليه فرضان لم يجز أن يبدأ إلا بأوكدِهما

- ‌باب المواقيت

- ‌مسألة(2): (وميقات أهل المدينة ذو الحُلَيفة(3)، والشام ومصر والمغرب الجُحْفة، واليمن يَلَمْلَم، ولنجدٍ قَرْن، وللمشرق ذات عِرْق)

- ‌مسألة(1): (وهذه المواقيتُ لأهلها، ولكلِّ من مرَّ عليها)

- ‌ومن مرَّ على ميقاتين فعليه أن يحرم من أبعدهما من مكة

- ‌مسألة(4): (ومن كان منزلُه دون الميقات فميقاته من موضعه، حتى أهلُ مكة يُهِلُّون منها لحجّهم، ويُهِلُّون للعمرة من الحلّ)

- ‌فصلوأما المكي إذا أراد أن يعتمر فإنه يخرج إلى الحلّ

- ‌الإحرام بالعمرة من أقصى الحلّ أفضلُ من أدناه

- ‌فأما الاعتمار من الحديبية فلا فضلَ فيه على غيره

- ‌مسألة(3): (ومن لم يكن طريقُه على ميقاتٍ(4)فميقاتُه حذوَ أقربِها إليه)

- ‌مسألة(1): (ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوزُ الميقات غيرَ محرمٍ(2)إلا لقتال مباح، أو حاجةٍ تتكرَّر كالحطَّاب ونحوه. ثم إن أراد النسك أحرم من موضعه، وإن تجاوزه غيره(3)رجع فأحرم من الميقات، فإن أحرم مِن دونِه فعليه دم، سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع)

- ‌إن دخل مكة(4)غيرَ مُحرمٍ لزمه قضاء هذا الإحرام

- ‌الفصل الثانيأن من دخل مكة لقتال مباح فإنه لا إحرام عليه

- ‌وكذلك من دخلها خائفًا لفتنةٍ عرضتْ ونحو ذلك

- ‌مسألة(1): (والأفضل أن لا يُحرِم قبل الميقات، فإن فعلَ فهو مُحرِم)

- ‌ تفسير الحديث: «أن تُحرِم من دُوَيرة أهلك»

- ‌مسألة(5): (وأشهرُ الحج: شوال وذو القعدة وعشْرٌ من ذي الحجة)

- ‌فإن خالف وأحرم بالحج قبل أشهره فإنه ينعقد الإحرام بالحج في أشهر الروايتين

- ‌باب الإحرام

- ‌مسألة(1): (من أراد الإحرام استُحِبَّ له أن يغتسل، ويتنظَّف، ويتطيَّب، ويتجرَّد عن المَخِيْط في إزارٍ ورداء أبيضَينِ نظيفينِ)

- ‌ وليس هذا الغسل واجبًا، نصَّ عليه

- ‌ يُستحبُّ أن يتطيَّب في بدنه دون ثيابه

- ‌مسألة(2): (ثم يصلِّي ركعتين ويُحرم عقيبَهما؛ وهو أن ينوي الإحرام، ويُستحبُّ أن ينطق به ويشترط

- ‌الفصل الثانيفي الوقت الذي يُستحب فيه الإحرام

- ‌إذا أحرم دُبر الصلاة ففي أول أوقات التلبية ثلاثة أوجه:

- ‌ التلبية(6)والإهلال والإحرام وفرْضُ الحج بمعنى واحد

- ‌الفصل الثالثأن الإحرام ينعقد بمجرد النية عند أصحابنا

- ‌مسألة(1): (وهو مخيَّر بين التمتع والإفراد والقران، وأفضلُها التمتع، وهو أن يُحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم يشرع في الحج في عامه، ثم الإفراد، وهو أن يُحرم بالحج مفردًا، ثم القِران

- ‌إن الرجل إذا أنشأ للعمرة سفرًا من مصره كان أفضل من عمرة التمتع

- ‌أما كون النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ولم يعتمر في أشهره، فعنه ثلاثة أجوبة:

- ‌المسألة الثانية(2): أنه يجوز أن يحرم بالعمرة، ثم يُدخل عليها الحج، ويصير قارنًا

- ‌مسألة(1): (وإذا استوى على راحلته لبَّى، فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)

- ‌سبب التلبية ومعناها

- ‌مسألة(5): (ويُستحبُّ الإكثارُ منها ورفعُ الصوت بها لغير النساء)

- ‌أما المرأة فيستحبُّ لها أن تُسمِع رفيقتها

- ‌يُكره إظهار التلبية في الأمصار والحِلَل

- ‌باب(1)محظورات الإحرام

- ‌مسألة(2): (وهي تسع(3): حَلْق الشعر، وقَلْم الظُّفر)

- ‌مسألة(1): (ففي ثلاثٍ منها دمٌ، وفي كل واحد مما دونها مُدُّ طعامٍ، وهو ربعُ الصاعِ)

- ‌مسألة(5): (الثالث: لُبس المَخيط إلا أن لا يجد إزارًا فيلبس سراويلَ، أو لا يجد نعلين فيلبسْ خفينِ، ولا فدية عليه)

- ‌مسألة(6): (الرابع: تغطية الرأس، والأذنان منه)

- ‌وحيث كُرِه له التظليل فهل تجب الفدية؟ على روايتين منصوصتين

- ‌مسألة(3): (الخامس: الطِّيب في بدنه وثيابه)

- ‌فصليحرم عليه أن يتطيَّب في بدنه وثيابه، سواء مسَّ الطيبُ بدنه أو لم يمسَّه

- ‌وليس له أن يستصحب ما يجد ريحه لتجارة ولا غيرها وإن لم يقصد شمَّه

- ‌فصلفأما الثياب المصبوغة بغير طيب؛ فلا يُكره منها في الإحرام إلا ما يُكره في الحلّ

- ‌أما الكحل إذا كان فيه طيب فإنه لا يجوز إلا لضرورة

- ‌مسألة(3): (السادس: قتل صيد البرِّ، وهو ما كان وحشيًّا مباحًا، فأما صيد البحر والأهليّ وما حرم أكلُه فلا شيء فيه، إلا ما كان متولِّدًا من مأكولٍ وغيره)

- ‌إذا وجد المضطرُّ ميتة وصيدًا فإنه يأكل الميتة ويدع الصيد

- ‌إذا أكل الصيد مَن صِيْد لأجله من المحرمين وجب عليه الجزاء

- ‌مسألة(2): (السابع: عقْدُ النكاح لا يصحُّ منه، ولا فديةَ فيه)

- ‌مسألة(2): (الثامن: المباشرة لشهوة فيما دون الفرج، فإن أنزلَ بها ففيها بدنةٌ، وإلا ففيها شاةٌ)

- ‌إن كانت المباشرة وطأً دون الفرج ففيها بدنة، وإن كانت قبلةً أو غمزًا ففيها شاة

- ‌مسألة(2): (التاسع: الوطء في الفرج، فإن كان قبل التحلُّل الأول أفسد الحج، ووجب المضيُّ في فاسده والحجُّ من قابلٍ، وعليه بدنة، وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة، ويُحرِم من التنعيم ليطوف محرمًا)

- ‌الفصل الرابعإذا وطئ بعد التحلل الأول لم يبطل حجه

- ‌فصلوهل عليه بدنة أو شاة؟ على روايتين:

- ‌مسألة(3): (وإن وطئ في العمرة أفسدها، وعليه شاة)

- ‌مسألة(1): (ولا يفسد النسك بغيره)

- ‌مسألة(5): (والمرأة كالرجل، إلا أن إحرامها في وجهها، ولها لُبْسُ المخيط)

- ‌الفصل الثالث: أن إحرامها في وجهها، فلا يجوز لها أن تلبس النقاب والبرقع

الفصل: ‌أما كون النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ولم يعتمر في أشهره، فعنه ثلاثة أجوبة:

لفعلتُ

(1)

. رواهن سعيد.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تمتّع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون، أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون

(2)

: نهى أبو بكر وعمر. رواه أبو حفص

(3)

.

و‌

‌أما كون النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ولم يعتمر في أشهره، فعنه ثلاثة أجوبة:

أحدها: أن هذا ليس بصحيح، فإن أكابر الصحابة مثل عمر، وعثمان، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، وعمران بن حصين، وابن عمر، وعائشة، وابن عباس، وأبي طلحة، وأنس بن مالك، وسراقة بن مالك، كل هؤلاء يروون التمتع، إما بأن يكون أحرم بالعمرة فلما قضاها أحرم بالحج، أو أحرم بالعمرة والحج جميعًا.

فإن رواية من قرنَ لا تخالف رواية من روى التمتع، سواء أراد به أنه أهلّ بهما جميعًا، أو جمعهما في سفرة واحدة في أشهر الحج، وهذا لا

(1)

ومن طريق سعيد بن منصور أخرجه الطحاوي في «معاني الآثار» (3/ 24)، وإسناده صحيح. وقد أخرجه أحمد (16103، 26917) من رواية إسحاق بن يسار ومجاهد بن جبر بنحوه مختصرًا.

تنبيه: وهناك قصة أخرى مشابهة جرت بين ابن الزبير وابن عباس، أخرجها مسلم في «صحيحه» (1406/ 27) من رواية عروة، ولكنها في شأن متعة النساء.

(2)

س: «ويقول» .

(3)

وأخرجه أيضًا أحمد (3121) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (379) من رواية سعيد بن جبير، وفي إسناده شريك بن عبد الله النخعي، فيه لين. ولكن صحّ نحوه من رواية ابن أبي مليكة، وقد سبق تخريجه (ص 297).

ص: 367

يُشكّ

(1)

فيه؛ لأنه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر مع حجته.

فروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عُمَرٍ كلهن في ذي القعدة، إلا التي مع حجته: عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صدَّه المشركون، وعمرة في العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم، وعمرة الجعرانة حيث قسمَ غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته. متفق عليه

(2)

.

وعن ابن عمر أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عُمَرٍ، وأقرته عائشة على ذلك. متفق عليه

(3)

.

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: اعتمرتَ ولم أعتمر، قال:«يا عبد الرحمن، اذهب بأختك فأعمِرْها من التنعيم» . رواه البخاري

(4)

.

وفي جميع الأحاديث تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: «تذهبون بحجة وعمرة، وأذهب أنا بحجة» .

وهذه نصوص في أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل أن يحلَّ من حجه، وهو أيضًا دليل على أن جميع الصحابة رضي الله عنهم قد اعتمروا مع حجهم قبل ليلة الحصبة، فعُلِم أنهم كانوا إما

(5)

متمتعين أو قارنين.

(1)

ق: «لا شك» .

(2)

البخاري (1780، 4148) ومسلم (1253).

(3)

البخاري (1776، 4254) ومسلم (1255).

(4)

رقم (1518).

(5)

«إما» ليست في س.

ص: 368

وعن ابن عباس قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عُمَر: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء من قابلٍ، والثالثة من الجعرانة، والرابعة مع حجته. رواه الخمسة إلا النسائي

(1)

.

وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حجَّ ثلاث حجج: حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعدما هاجر معها عمرة. رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: غريب

(2)

.

ومعلوم قطعًا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر عقيب الحجة هو ولا أحد من أصحابه سوى عائشة، وإنما خرج من مكة ليلة الصدر.

وإنما اعتمد الناس في العمرة بعد الحج على حديث عائشة، وقد تقدم ذلك مفسرًا، فيجب أن يكون اعتمر في أشهر الحج، إما قبل الحج أو معه، ولم يحلَّ من إحرامه، ومثل هذا يسمَّى قارنًا ومتمتعًا بكل حال؛ لأنه جمعهما في إحرام واحد.

وأيضًا فإنه قد رُوي عنه ألفاظ صريحة من قوله؛ مثل قوله: «لبيك عمرة

(1)

أحمد (2211) وأبو داود (1993) والترمذي (816) وابن ماجه (3003) من طريق داود العطار، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن عباس. وهذا إسناد صحيح، إلا أن الترمذي أعله بالإرسال فأخرجه من طريق ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة مُرسلًا.

(2)

ابن ماجه (3076) والترمذي (815) وقال: «هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد بن حباب» . ثم نقل عن شيخه محمد بن إسماعيل البخاري أنه لم يَعدّ هذا الحديث محفوظًا، وأن الصواب فيه عن مجاهد مُرسلًا.

ص: 369

وحجًّا»، وقوله:«إني قرنتُ»

(1)

، وقوله: «قال لي

(2)

: قل عمرة في حجة»، ومثل ما روت حفصة قالت: قلت: يا رسول الله، ما بال الناس حلُّوا ولم تحِلَّ من عمرتك؟ قال:«إني لبَّدتُ رأسي وقلَّدت هديي، فلا أحلُّ حتى أنحر» . متفق عليه

(3)

.

ومن ذكر أنه أفرد الحج فإنما أخبر عن اعتقاده.

وأيضًا فإن رواة التمتع أكثر عددًا

(4)

وأجلُّ قدرًا، وروايتهم أصح سندًا وأشهر نقلًا.

وأيضًا فإن كل من روى الإفراد روى عنه أنه تمتَّع من غير عكس، بل طرق الروايات [ق 214] عن ابن عمر وعائشة بأنه تمتع أصح.

وأيضًا فإن عامة الروايات التي فيها الإفراد إنما ذكروه مع أصحابه، مثل حديث جابر وابن عباس، وكان قصدهم بذلك

(5)

.

(1)

جاء ذلك في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عند أبي داود (1797) والنسائي (2725، 2745) بلفظ: «فإني قد سُقت الهديَ وقرنتُ» وإسناده صحيح، إلا أن البيهقي قال بعد ما أخرجه في «الكبرى» (5/ 15) من طريق أبي داود:«كذا في هذه الرواية: (وقرنت)، وليس ذلك في حديث جابر بن عبد الله حين وصف قدوم علي رضي الله عنه وإهلاله، وحديث جابر أصح سندًا وأحسن سياقةً. ومع حديث جابر حديث أنس بن مالك» . وانظر لفظ حديثَي جابر وأنس فيما سيأتي.

(2)

«قال لي» ليست في.

(3)

البخاري (1566، 1697، 1725، 5916) ومسلم (1229).

(4)

س: «عدد» .

(5)

بياض في س.

ص: 370

وأيضًا فمعنى قولهم: أفرد الحج؛ أي أنه لم يحلَّ من إحرامه بعمرة مفردة، ولم يطف للعمرة طوافًا يتميز به، فصورته صورة المفرد.

وإن لم يكن لكلامهم محمل صحيح، فيجب أن يُحكَم بوقوع الخطأ في تلك الروايات؛ لما تقدم.

وأيضًا فإن من روى أنه تمتَّع مُثبِت لزيادة نفاها غيره، والمثبت أولى من النافي.

وقال أحمد في رواية أبي طالب

(1)

: كان هذا في أول الأمر بالمدينة.

وقد زعم بعض أصحابنا

(2)

أنه يجوز أنه كان قد تحلَّل من عمرته، ثم أحرم بالحج مفردًا، فسمِّي

(3)

مفردًا لذلك. قال: وعلى هذا يجمع بين كونه متمتعًا وكونه لم يفسخ الحج، وإنما يمتنع الفسخ ممن كان قارنًا أو مفردًا.

وهذا غلط؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتحلل في حجته، وهم إنما سألوه عن كونه لم يحلّ، سواء كان قد أحرم بعمرة أو بحجة، ولم يسألوه عن كونه لم يفسخ، كأن من أراد أن يجمع بينهما تمتع ولم يفرد، على أنهم لو سألوه عن ذلك فلأنه كان قارنًا.

الثاني: أنه وإن كان أفرده فهو لم يعتمر بعد حجته من التنعيم ولا من غيره هو ولا أحد من أصحابه غير عائشة، وإنما كان قد اعتمر قبل ذلك، والإفراد على هذا الوجه هو أفضل من التمتع ومن القران عندنا. وهذا هو الجواب

(1)

كما في «التعليقة» (1/ 235).

(2)

هو أبو يعلى في المصدر السابق (1/ 217).

(3)

في المطبوع: «فيسمى» .

ص: 371

عمن أفرد الحج من الخلفاء الراشدين، فإن أحدًا منهم لم يُنقَل عنه أنه اعتمر في سفرته تلك، وإنما كانوا يحجون ويرجعون، ويعتمرون في وقت آخر أو لا

(1)

يعتمرون، وإفراد الحج على هذا الوجه أفضل من المتعة.

الثالث: أن آخر الأمرين منه كان التأسُّف على المتعة؛ لأنه رأى الإحلال أفضل، كما في حديث جابر، وهو لم يكن يشك في جواز العمرة في أشهر الحج حتى يعتقد ما اعتقد

(2)

في أصحابه من أنهم فسخوا؛ لكونهم لم يكونوا يجوِّزون العمرة في أشهر الحج.

وأما كون المتعة تفتقر إلى دم، فذلك الدم دم نسك، بدليل أنه يجوز التمتع لغير عذر، ودماء الجبارين

(3)

لا يجوز إلزامها

(4)

إلا لعذر، وبدليل جواز الأكل منه، كما نطقت به الأحاديث الصحيحة.

ثم نقول: وإن كان دم جبران فهو مخيَّر بين استدامة الإحرام بلا جبران، وبين الإحلال والجبران. وهذا أفضل؛ لأن كلامهم

(5)

فيمن يعتمر في ذي الحجة من أدنى الحل، وهذه العمرة ليست بطائل. فالإحلال

(6)

والدم والعمرة في أثناء الحج أفضل منها.

وهذا هو الجواب عن قولهم: المفرِد يأتي بنسكين تامّين، فإنه متى أتمَّ

(1)

ق: «ولا» .

(2)

في المطبوع: «اعتقده» .

(3)

س: «الجبران» ، وفي هامشها التصويب. وكأنها جمع «جُبران» .

(4)

في المطبوع: «التزامها» .

(5)

ق: «الكلام» .

(6)

«فالإحلال» ليست في س.

ص: 372

العمرة من دُوَيرة أهله أو من [الميقات]

(1)

فهو أفضل من التمتع. والعمرة من أدنى الحل ليست بتلك التامة.

وأما كون المتعة رخصة فكذلك الإحرام من أدنى الحلّ رخصة، ثم الرُّخَص في العبادات أفضل من الشدائد كما تقدم تقريره في الصلاة

(2)

.

وأيضًا فإنه إذا اعتمر بعد الحجة لم يتمكَّنِ من حلق رأسه؛ لأنه لم يكن قد نبت شعره، والحلق أو التقصير

(3)

سنة عظيمة، فعمرة وحجة يأتي فيهما

(4)

بالحلق أفضلُ من عمرة وحجة

(5)

تخلو إحداهما

(6)

عن الحلق والتقصير، فإنه من

(7)

جملة أعمال النسك.

وأيضًا فإن بعض الناس قد ذهب إلى أن العمرة من أدنى الحل لا تُجزئ عن حجة الإسلام، وكذلك عمرة القارن، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وذهب بعضهم إلى أن الاعتياض عنها بالطواف أفضل، فيجب أن يكون ما أُجمِع على إجزائه ويتسع الوقت بعده للطواف أفضل.

وأيضًا فإنه إذا أراد أن يجمع بينهما في سفرة واحدة كان تقديم العمرة أحوطَ له بخلاف ما إذا أخَّرها، فإنه تغريرٌ بها؛ لأن وقت الواحد واحد لا

(1)

هنا بياض في النسختين.

(2)

ليس في القسم الذي وصلنا من الكتاب.

(3)

س: «والتقصير» .

(4)

في المطبوع: «فيها» .

(5)

«وحجة» ساقطة من المطبوع.

(6)

ق: «إحداهن» .

(7)

«من» ساقطة من س.

ص: 373

يتغير بتقديم العمرة وتأخيرها، وهذا معنى قول أحمد

(1)

: هو آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجمع الحج والعمرة جميعًا، ويعمل لكل واحد على حدة، فبيَّن أنه يجمع الحج والعمرة فيحلّ منهما جميعًا إذا قضى حجه، وله فضيلة على القارن بأنه يعمل لكل واحد على حدة.

وأيضًا فإن التمتع بالعمرة إلى الحج مخالفة لهدْي المشركين ودَلِّهم

(2)

، فإنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، وكلُّ ما كان من المناسك فيه مخالفة لهدي المشركين فإنه واجب أو مستحب، مثل الخروج إلى عرفة، وترك الوقوف عشية عرفة بمزدلفة، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، والإفاضة من جَمْعٍ قبل طلوع الشمس، والطواف بالثياب، ودخول البيت من الباب وهو محرم، والطواف بالصفا والمروة.

وأيضًا فما أشار إليه أحمد في رواية أبي طالب

(3)

فقال: إذا دخل بعمرة فيكون قد جمع الله له عمرة وحجة ودمًا. وهذا لأنه يأتي بالعمرة والحج على حدة، وذلك أفضل من أن يجمعهما

(4)

بإحرام واحد؛ لأنه يأتي بإهلالين

(5)

، وإحرامين، وتلبيتين، وإحلالين

(6)

، وطوافين، وسعيين، فهو يترجح على القارن [ق 215] من هذا الوجه، وعمرته تُجزِئه عن عمرة

(1)

كما في «التعليقة» (1/ 213). وقد سبق ذكره.

(2)

الدلّ: الحالة.

(3)

كما في «التعليقة» (1/ 227).

(4)

في المطبوع: «يجمعها» .

(5)

في النسختين: «بإحلالين» ، والصواب ما أثبته، وسيأتي ذكر «إحلالين» .

(6)

«وإحلالين» ساقطة من المطبوع.

ص: 374

الإسلام بالاتفاق، بخلاف عمرة القارن فإن فيها اختلافًا

(1)

، وليس القارن بأعجلَ من المتمتع؛ لأن كلاهما

(2)

يفرغ من العمرة والحج جميعًا، ويزيد المتمتع عليه بأنه يفرغ من العمرة قبله، فيكون أسبق منه إلى أداء النسك.

ويترجح على المفرد بأنه يأتي بالعمرة والحج في الوقت الذي يأتي فيه المفرد بالحج وحده، ونسكانِ أفضل من نسكٍ، وأنه يأتي مع ذلك بدم التمتع

(3)

، وهو دم نسك كما تقدم؛ فيكون ما اشتمل على

(4)

زيادة أفضل، كما فُضِل المفرد على القارن لأنه يطوف ويسعى مرتين. وعمرة وحجة وهديٌ أفضل من حجة لا عمرة فيها ولا هدي.

وقد تقدم عن ابن عمر أنه نبَّه على هذا المعنى حيث قال: لأن أعتمرَ في أشهر الحج وأُهدِي أحبُّ إليَّ من أن أعتمر في ذي الحجة بعد الحج ولا أُهدي.

ويتسع الوقت للمتمتع بعد الصدر من منى إن أحبَّ أن يأتي بعمرة أخرى، وإن أحبّ أن يطوف بالبيت، فيكون ذلك زيادة، لا سيما

(5)

إن خِيْف أن لا يتمكن من الاعتمار بعد الحج لخوفٍ أو غلاءٍ أو غير ذلك، فتحصيل العمرة قبل الحج أوثق. وإن كان الحاج امرأة خِيْفَ عليها أن تحيض بعد الصدر، ويستمرّ بها الحيض حتى لا تتمكّن من الاعتمار، فإذا دخلت متمتعة

(1)

س: «اختلاف» .

(2)

كذا في النسختين، على طريقة المؤلف. انظر التعليق عليه في كتاب الطهارة (1/ 276).

(3)

في المطبوع: «المتمتع» .

(4)

س: «عليه» .

(5)

ق: «ولاسيما» .

ص: 375

وحاضت صنعت كما صنعت عائشة رضي الله عنها.

فأما إن ساق الهدي فينبغي أن يكون أفضل من الإفراد بلا تردد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا شكَّ أنه ساق الهدي، وكان إمّا

(1)

قارنًا أو متمتعًا. والأظهر أنه كان قارنًا، فكيف يفضَّل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم على ما

(2)

فعلَه؟ وذلك لأنه يأتي بالعمرة والحج جميعًا كما تقدم.

وأما كون الإفراد أفضلَ من القران، فهكذا قال أصحابنا، وهذا إذا لم يَسُقِ الهدي، ولم أجد عن أحمد نصًّا بذلك، قالوا: لأن في عمل المفرد زيادةً على عمل

(3)

القارن، وهو أنه

(4)

يأتي بإحرامين، وإحلالين، وتلبيتين، وطوافين، وسعيين، ويتوجه

(5)

.

وأيضًا فإن المتعة قد اختُلِف في وجوبها، سواء أحرم بالعمرة أولًا، أو بالحج، أو بهما، فكان ابن عباس يرى وجوبها؛ فعن عطاء ومجاهد أن ابن عباس كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يكن ساق الهدي

(6)

.

وعن أبي هاشم

(7)

أنه قد قدم حاجًّا، فسأل ابن عباس، فقال: اجعلها

(1)

«إما» ليست في س.

(2)

«ما» ساقطة من المطبوع.

(3)

«عمل» ليست في س.

(4)

ق: «أن» .

(5)

بياض في النسختين.

(6)

أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» ومن طريقه ابن حزم في «المحلَّى» (7/ 103). وفي إسناده خصيف الجزري، وهو ضعيف ولكنه يُحتمل في المتابعات كما هنا.

(7)

في المطبوع: «أبي هشام» ، خطأ. واسمه سعد السنجاري، تابعي، وثقه ابن معين، كما في «الجرح والتعديل» (4/ 98).

ص: 376

عمرة، ثم لقيت ابن عمر، فقال: اثبُتْ على إحرامك، ثم رجعت إلى ابن عباس فأخبرتُه بقوله، فقال: إن طوافك بالبيت ينقض حرمك، كلما طفتَ فجدِّد إهلالًا

(1)

.

وفي رواية

(2)

قال: أهللتُ بالحج، فلقيت ابن عباس وأنا أطوف وأُلبِّي، فقال: أبحجة أو بعمرة؟ قلت: حجة، قال: اجعلها عمرة، قلت: كيف أجعلها عمرة وهذا أول ما حججتُ؟ قال: فأكثِرْ من التلبية فإن التلبية تشدُّ الإحرام، وإن البيت ينقض، والصفا والمروة تنقض.

وعن مسلم القُرِّي قال: سمعت ابن عباس يقول: يحلّ الحج الطواف

(3)

والسعي

(4)

.

وعن عبد الله بن أبي الهذيل

(5)

قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني قدِمتُ حاجًّا ولم أذكر عمرة، فطفتُ بالبيت وبين الصفا والمروة، فقال له ابن عباس: اعتمرت. فقال له القوم: إنك لم تُفهِمه، فعاد فقال: إني قدِمتُ

(1)

لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 66 - 67) مختصًرا، والخطيب في «تلخيص المتشابه» (2/ 657) من وجه آخر بنحوه.

(2)

لم أقف عليها.

(3)

ق: «بالطواف» .

(4)

لم أقف عليه بهذا اللفظ. وقد أخرجه ابن الجعد في «مسنده» (1355) عن شعبة عن مسلم القُرِّي بلفظ: «الحج الطواف والسعي» دون «يحلّ» في أوّله، ولعله سقط من مطبوعته.

(5)

س: «بن الهذيل» .

ص: 377

حاجًّا، قال: فصنعتَ ماذا؟ قال: طفتُ بالبيت وبين الصفا والمروة، فقال: اعتمرتَ. فقالوا له: عُدْ؛ فإنه لم يفهم، فقال: إني قدِمتُ حاجًّا ولم أذكر عمرة، فطفتُ بالبيت وبين الصفا والمروة، فقال: حدثَ إمْراغي

(1)

ثلاثًا فإن أُبْتَ

(2)

فأربع، ولم يقل: هو ذاك. قال: وددتُ أنك قصَّرت

(3)

.

وتقدم عنه أنه قال: والله ما تمَّتْ حجة رجل إلا بمتعة، إلا رجل اعتمر في وسط السنة. وقد تأوَّل على ذلك الكتاب والسنة.

قال أحمد

(4)

: ثنا يحيى بن سعيد، حدثني ابن جريج، قال: أخبرني

(5)

عطاء، قال: قلت له: من أين كان ابن عباس يأخذ أنه من طاف بالبيت فقد حلّ؟ قال: من قول الله عز وجل {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33]، ومن أمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحلُّوا في حجة الوداع.

قال ابن أبي موسى

(6)

: ولا يُستحبُّ لأحدٍ أن يحرم بنية الفسخ، فأما من أحرم بالحج بنية المضي فيه، ثم بدا له أن يفسخ رغبةً في الجمع بين النسكين في قلبه جاز.

(1)

في النسختين: «امراهي» وفي المطبوع: «أمرهي» . ولعل الصواب ما أثبته، والإمراغ مصدر أمرغَ أي أكثر الكلام في غير صواب.

(2)

في المطبوع: «أنت» ، تحريف.

(3)

أخرجه الدولابي في «الكنى والأسماء» (1848) مختصرًا.

(4)

في «مسائله» رواية أبي داود (ص 143). وهو متفق عليه، أخرجه البخاري (4396) ومسلم (1245).

(5)

س: «فأخبرني» .

(6)

في «الإرشاد» (ص 177).

ص: 378

فإن قيل: فقد اختُلِف في كراهة المتعة كما حكيتم عن رجال من الصحابة، وعن حَيْوة بن شُريح قال: أخبرني أبو عيسى الخراساني، عن عبد الله بن القاسم، عن سعيد بن المسيب أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

في مرضه الذي قُبِض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج

(2)

.

وعن قتادة عن أبي شيخ الهُنائي ــ ممن قرأ على أبي موسى الأشعري من أهل البصرة ــ أن معاوية بن أبي سفيان قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كذا وكذا، وركوب جلود النمور؟ قالوا:[ق 216] نعم، قال: فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة

(3)

، فقالوا: أما هذا فلا، قال: أما إنها معها ولكن نسيتم. رواهما أبو داود

(4)

.

(1)

«أتى

صلى الله عليه وسلم» ساقطة من المطبوع.

(2)

رواه أبو داود (1793). وإسناده ضعيف لجهالة أبي عيسى وعبد الله بن القاسم، ومتنه شاذّ منكر كما سينصّ عليه المؤلف. وانظر «حجة الوداع» لابن حزم (ص 782 - 784) و «السلسلة الضعيفة» للألباني (4723).

(3)

«والعمرة» ليست في ق.

(4)

حديث معاوية برقم (1794) ورواته ثقات، إلا النهي عن الجمع بين الحج والعمرة شاذّ كما سينصّ عليه المؤلف. وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (9733) من رواية الحسن البصري عن معاوية ولفظه:«وسمعتُه يَنهى عن المتعة» ، وفي إسناده ضعف. قال ابن القيم:«هذا أصح من حديث أبي شيخ، وإنما فيه النهي عن المتعة، وهي ــ والله أعلم ــ متعة النساء، فظنّ من ظنّ أنها متعة الحج ــ والقِران متعة ــ فرواه بالمعنى فأخطأ خطأ فاحشًا. وعلى كل حال فليس أبو شيخ ممن يعارَض به كبارُ الصحابة الذين رووا القرانَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخبارَه أن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة، وأجمعت الأمة عليه» . انظر «تهذيب السنن» (2/ 544 - 549 ط. دار المعرفة) و «البداية والنهاية» (7/ 488 - 491 ط. دار هجر).

ص: 379

وهذا النهي إما

(1)

أن يفيد الكراهة، أو يكون معناه النهي عن فسخ الحج

(2)

إلى العمرة، وهو جمع بين الحج والعمرة.

قلنا: قد أجمع العلماء على أن المتعة لا تُكْره، وقد ذكرنا معنى ما نُقِل في ذلك عن الصحابة، لكن كان بعض أمراء بني مروان يشدِّد في ذلك، ويعاقب على المتعة. وهذا قد يكون رأى ذلك لنوع مصلحةٍ، مع أن هذا لا يُعدُّ خلافًا.

وقد أنكر الصحابة الذين علموا معنى كلام عمر مثل ابنه عبد الله وغيره ذلك. على أنه لو نطق أحد بكراهة المتعة لكان مخصومًا بكتاب الله وسنة رسول الله

(3)

صلى الله عليه وسلم، بخلاف من قال بوجوبها، فإنه أوجهُ حجةً، وأحسنُ انتزاعًا؛ إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر المسلمين بها، وتغيَّظ على من امتنع منها.

وأما الحديثان فشاذّان منكران، مخالفان لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الناطقة بأن هذا الحكم لا يُنْسَخ، حيث قال:«دخلت العمرةُ في الحج إلى يوم القيامة» .

قال أبو بكر الأثرم

(4)

: «قد يكون من الحافظ الوهمُ أحيانًا، والأحاديث

(1)

س: «إنما» .

(2)

«الحج» ساقطة من س.

(3)

ق: «رسوله» .

(4)

في كتابه «الناسخ والمنسوخ» (ص 177) ط. دار النوادر.

ص: 380

إذا تظاهرت وكثرت كانت أثبتَ من الواحد الشاذ، كما قال إياس بن معاوية

(1)

: إياك والشاذَّ من العلم. وقال إبراهيم بن آدم

(2)

: إنك إن حملتَ شاذًّا من العلم حملتَ شرًّا كثيرًا».

قال

(3)

: «والشاذ عندنا هو الذي يجيء على

(4)

خلاف ما جاء به غيره، وليس الشاذ الذي يجيء وحده بشيء لم يجئ أحد بمثله، ولم يخالفه غيره».

ولعل معناه: أن يعتمر الرجل قبل الحج، ثم يرجع إلى مصره، ويؤخّر الحج عن ذلك العام، فيكون هذا منهيًّا عنه؛ لكون الحج أوجبَ من العمرة، وقد تكلَّف مشقةَ السفر إلى مكة، ثم رجع بغير حج، والحج واجب على الفور.

وأما الآخر .....

(5)

.

فصل

وإذا اعتمر قبل أشهر الحج وأفرد الحج من سنته فهو أفضل من التمتع.

(1)

العلامة قاضي البصرة من صغار التابعين. وقوله هذا رواه الأثرم في «سؤالاته لأحمد» (ص 48) بسنده، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (10/ 19).

(2)

كذا في النسختين، وفي «الناسخ والمنسوخ»:«بن أدهم» . والصواب: «بن أبي عبلة» ــ ثقة جليل من صغار التابعين ــ، فقد أخرج هذا القولَ عنه الخطيبُ في «الكفاية» (1/ 419)، وذكره الذهبي في «السير» (6/ 324) في ترجمته.

(3)

أي أبو بكر الأثرم.

(4)

«على» ليست في ق.

(5)

بياض في ق.

ص: 381

قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم والأثرم

(1)

: هي في شهر رمضان أفضل، وهي في غير أشهر الحج أفضل.

وقال الأثرم وسعدان بن يزيد

(2)

: قيل لأبي عبد الله: تأمر بالمتعة، وتقول: العمرة في غير أشهر الحج أفضل! فقال: إنما سُئلت عن أتمّ العمرة، فالمتعة تُجزِئه من عمرته، فأما أتمُّ العمرة فأن تكون في غير أشهر الحج.

فإذا اعتمر في رمضان، أو قبل رمضان، وأقام بمكة حتى يحج من سنته فهو أفضل من المتعة؛ لما تقدم عن عمر وعثمان وعلي وغيرهم في ذلك.

وإن أقام بعد الحج إلى المحرم حتى يعتمر فهل هو أفضل من التمتع؟

(3)

.

وإن عاد بعد الحج إلى مصره ثم عاد للعمرة ....

وإن اعتمر في أثناء السنة ثم عاد في أشهر الحج، فهل الأفضل أن يتمتع أو يفرد؟

ومن حج واعتمر

(4)

، ثم أراد أن يحج فهل الأفضل أن يعتمر ويحج، أو يحج فقط، أو يحج؟

(1)

كما في «التعليقة» (1/ 196). ورواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في «مسائله» (1/ 146).

(2)

انظر «التعليقة» (1/ 239). وفيه وفي نسخة س: «سعد بن يزيد» . والصواب سعدان كما في «طبقات الحنابلة (1/ 170).

(3)

بياض في النسختين هنا وفي المواضع الآتية.

(4)

ق: «أو اعتمر» .

ص: 382

وأما إذا حج ثم اعتمر في ذي الحجة، فالمتعة أفضل من هذا كما تقدم، وظاهر رواية الأثرم وسعدان

(1)

بن يزيد ....

فإن عاد في ذي الحجة أو المحرم إلى الميقات فهل هو أفضل من المتعة؟ ....

فصل

ويجوز الإحرام بنُسك معيَّن من عمرة، أو حجة، أو عمرة وحجة، سواء كانت عمرة تمتع، أو عمرة مفردة، ويجوز أن يحرم مطلقًا من غير أن ينوي عمرة أو حجة.

ويجوز أن يُحرم بمثل ما أحرم به فلان، وإن لم يعرف ما أحرم به؛ لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم عليٌّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال: بما أهللتَ؟ قال: بما أهلّ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن معي الهديَ لأحللتُ» . متفق عليه

(2)

.

وفي حديث جابر: «فقدم عليٌّ من اليمن ومعه هدي، فقال: أهللتُ بما أهلّ به النبي صلى الله عليه وسلم»

(3)

. وفي لفظ

(4)

: «قال له النبي صلى الله عليه وسلم: بمَ أهللتَ يا علي؟ قال: بما أهلّ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأهْدِ وامكثْ حرامًا كما أنت»

(5)

. وفي لفظ:

(1)

س: «سعد» .

(2)

البخاري (1558) ومسلم (1250).

(3)

أخرجه البخاري (1651) بهذا اللفظ.

(4)

عند البخاري (1557، 4352) ومسلم (1216).

(5)

س: «كنت» .

ص: 383

قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا أن يقيم على إحرامه». متفق عليه، وهذا للبخاري

(1)

، ولمسلم

(2)

: «ماذا

(3)

قلتَ حين فرضتَ الحج؟» قال: قلت: اللهم إني أهلُّ بما أهلَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فإن معي الهدي فلا تحلَّ» .

وكذلك في حديث البراء

(4)

.

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قدمتُ على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مُنيخٌ بالبطحاء فقال: «بم أهللتَ؟» قال: قلت

(5)

: أهللتُ بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سُقتَ من هديٍ؟» قال: لا، قال:«فطفْ بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حِلَّ»

(6)

. وفي لفظ

(7)

: فقال: «كيف قلتَ حين أحرمتَ؟» قال: قلت لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره. متفق عليه.

ثم إن علم ما أحرم فلان تعيَّن عليه

(8)

، وكان حكمه حكم فلان.

فإن علم في أثناء الحج

(9)

.

(1)

عند البخاري (1557، 2505، 4352).

(2)

رقم (1218).

(3)

في المطبوع: «ما» .

(4)

سبق تخريجه.

(5)

«قلت» ساقطة من المطبوع.

(6)

أخرجه البخاري (1795) ومسلم (1221/ 155).

(7)

للبخاري (1724، 4397) ومسلم (1221/ 154).

(8)

«عليه» ليست في ق.

(9)

بياض في النسختين.

ص: 384

وإن لم يعلم بأن مات زيد أو

(1)

، فقال ابن عقيل: هو كالمطلق في جواز صَرْفه إلى أحد الأنساك الثلاثة، وقال القاضي: هو كالمنْسيِّ

(2)

، يصرفه إلى ما شاء. وهذا أصح.

وإن أحرم مطلقًا، فقال أصحابنا: يُخيَّر في صرفه إلى تمتع أو إفراد أو قران، [ق 217] والمستحب له صرفه إلى المتعة، وقد قال أحمد في رواية مهنا

(3)

فيمن أحرم ولم ينوِ حجًّا ولا عمرة حتى مضت أيام، فقال: يَقدَمُ مكة بعمرة، ويطوف بالبيت وبالصفا

(4)

والمروة، ثم يحلق أو يقصّر

(5)

، ثم يحرم بالحج.

وحمل القاضي

(6)

وغيره من أصحابنا هذا على الاختيار والاستحباب؛ لأنا نستحب التمتع لمن عيَّن الحج والقران، فأن نستحبه لمن أبهم الإحرام أولى، ولأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا قد أحرم بعضهم شبيهًا

(7)

بهذا الإحرام، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل كذلك.

فإن كان الإحرام قبل أشهر الحج انعقد إحرامه بعمرة فيما ذكره

(1)

بياض في النسختين.

(2)

ق: «كالمنشى» . وكذا في المطبوع.

(3)

كما في «التعليقة» (1/ 336).

(4)

س: «وبين الصفا» .

(5)

في المطبوع: «ويقصر» .

(6)

في «التعليقة» (1/ 334).

(7)

في النسختين: «شبيه» مرفوعًا.

ص: 385