الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معناه. والذي يُرجى أن يقدر على الحج ليس في معناه لوجوه:
أحدها: أن ذاك عاجز في الحال والمآل، وهذا إنما هو عاجز في الحال فقط، والبدل إنما يجب عند تعذُّر الأصل بكل حال.
الثاني: أنه لو عجز عن صوم رمضان بكل حال انتقل إلى البدل وهو الفدية، وإن عجز في الحال فقط لم يجز له الانتقال إلى البدل، ولزمه الصوم إذا قدر، فالحج مثله.
الثالث: أنه لو جاز ذلك لجاز أن يحج عن الفقير، فتسقط حجة الإسلام من ذمته؛ لأنه عاجز في الحال، وهو من أهل الخطاب بالوجوب.
الرابع: أن وجوب الحج لا يختص ببعض الأزمنة دون بعض، فإذا لم يغلب على الظن دوامُ العائق جاز أن يُخاطَب فيما بعد، وجاز أن لا يُخاطَب، فلا يجوز الإقدام على فعل
…
(1)
.
فصل
إمكان المسير والأداء بسعة الوقت، وخلوِّ الطريق، والصحة
(2)
: هل هو شرط للوجوب أو للزوم الأداء
(3)
فقط؟ على روايتين
.
فأما العائق الخاص ــ مثل الحبس، والمرض الذي يُرجى برؤه، ومنع السلطان ــ فينبغي أن يكون مثل ضيق الوقت وعاقة الطريق، ولهذا قلنا: إذا عرض مثل ذلك في رمضان لم يجب عليه بعد الموت فدية.
فإذا قلنا: هو شرط للوجوب، فمات قبل التمكُّن، أو أنفق ماله، أو هلك= لم يكن في ذمته شيء.
وإن قلنا: إنما هو شرط في لزوم السعي فإن الحج يثبت في ذمته، فإذا أنفق المال فيما بعد بقي الحج في ذمته. وإذا مات قبل التمكن أُخرِج عنه من تَرِكتِه، لكن لا إثم عليه بالموت
(1)
، وعليه الإثم بإنفاق المال مع إمكان إبقائه للحج. وإذا استقرَّ الحج في ذمته فعليه فعلُه بكل طريق يمكنه، من اكتساب مالٍ أو مشيٍ.
فإن قلنا: هما شرط في الوجوب، وهو قول أبي بكر وابن أبي موسى
(2)
؛ فلأن الله تعالى قال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، بل هو أعجزُ عن
(3)
أن يقدر على المشي أو اكتساب المال، وأعجزُ من المعضوب؛ لأنه لا يقدر أن يحج لا بنفسه ولا بنائبه بوجه من الوجوه، فكيف يبقى الحج في ذمته؟
ونحن وإن قلنا: إن العبادة تجب في الذمة قبل التمكُّن فإنما ذاك فيما أطلق وجوبه، كالصلاة والصيام والزكاة. فأما الحج فقد خُصَّ وجوبه بمن استطاع إليه سبيلا، فامتنع إيجابه على غير المستطيع بوجهٍ من الوجوه.
يبيِّن ذلك أن السبيل في الأصل هو الطريق والسبب، وكل ما يوصل إلى الشيء فهو طريق إليه وسبب فيه، فالتقدير: على
(4)
من استطاع [ق 150]
(1)
«وإذا مات
…
بالموت» ساقطة من س.
(2)
في «الإرشاد» (ص 156). وانظر «الإنصاف» (8/ 69).
(3)
س: «من» .
(4)
«على» ساقطة من س.
التسبُّبُ والتوصل إليه، أو من استطاع فعلَ سبيل أو سلوكَ سبيل، ويختصُّ الوجوب بمن كان
(1)
السبيل مستطاعًا له أو مقدورًا.
وأيضًا فإن فريضة الحج قد قيل: إنها نزلت سنة
(2)
ست، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه
(3)
؛ لأن المشركين كانوا يصدُّونهم عن البيت، ويقيمون الموسمَ في غير وقته، فلم يتمكَّنوا من فعله قبل الفتح وطَرْدِ المشركين، مع قدرة أكثرهم على الزاد والراحلة. فلو كان الوجوب ثابتًا في الذمة لوجب أن يحج عمن مات في تلك السنين منهم، ولبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم وجوب ذلك في تركاتهم، أو سأله أحد منهم، كما سألوه عمن أدركته فريضة الحج وهو معضوب.
وإن كانت فريضة الحج قد تأخرت إلى سنة تسع أو عشر، فإنما سبب تأخيرها صدُّ المشركين عن البيت، واستيلاؤهم عليه، وعدم تمكُّنِ المسلمين من إقامته. فامتنع أصل إيجاب الحج في حق الكافة، فهو بالمنع في حق الخاصة أولى.
وأيضًا فإنه لو صُدّ عن البيت بعد الإحرام لم يلزمه إتمام الحج، ولا يجب القضاء في ذمته في ظاهر المذهب، مع أن إتمامه بعد الشروع أوكد من ابتداء الشروع فيه بعد وجوبه. فإذا لم يجب القضاء في ذمة المصدود عنه بعد الإحرام فأن لا يجب الأداء في ذمة المصدود قبل الإحرام أولى.
وإن قلنا: ليسا بشرطٍ في الوجوب، وهو قول
…
(1)
، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: ما يوجب الحج؟ فقال: «الزاد والراحلة»
(2)
. وفسَّر الاستطاعة بذلك كما ذُكر في غير هذا الموضع، فلا تجوز الزيادة على ذلك، بل يعلم أن وجود ذلك موجب للحج. وذلك لأن الوجوب في الذمة إنما يعتمد القدرة على الفعل في الحال أو في المآل، بنفسه أو بنائبه، كوجوب الدين في الذمة. وهذا يجب في ذمته الحج ليفعله فيما بعدُ بنفسه إن أمكن، وإلا فبنائبه كالمعضوب. حتى لو فُرِض من لا يمكن الحج عنه في المستقبل مثل من يقدر عليه بعد آخر سنة يحج الناس فيها، لم يجب في ذمته، وهذا لأنه لا فرق بين هذا وبين المعضوب، إلا أن المعضوب يمكنه الإحجاج عنه في الحال بخلاف المصدود.
والتمكن من فعل العبادة إذًا ليس بشرط؛ لوجوبها في الذمة، بدليل أن صوم رمضان يجب على الحائض والمريض، لا سيما على أصلنا المشهور في الصلاة والزكاة والصوم. فإن كل من أمكنه قضاء العبادة وجبت
(3)
في ذمته إذا انعقد سبب وجوبها. والزاد والراحلة بمنزلة شهود الشهر في رمضان، وبمنزلة حَوْل
(4)
الحَولِ في الزكاة، فمن ملك ذلك و
(5)
أمكن فعل الحج أداءً أو قضاءً وجب عليه.
(1)
بياض في النسختين. ويراجع «الإنصاف» (8/ 68) لمعرفة القائلين به.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
ق: «وجب» .
(4)
س: «حوول» .
(5)
الواو ساقطة من ق.