الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عوف: ما ترى؟ قال: أرى عليه شاة، قال: فأنا أرى ذلك
(1)
. رواهنّ النجّاد.
مسألة
(2)
: (السابع: عقْدُ النكاح لا يصحُّ منه، ولا فديةَ فيه)
.
وجملة ذلك: أن المحرم إن كان رجلًا لا يصح أن يتزوَّج بنفسه ولا وكيله ولا وليّه، بحيث لو وكَّل وهو حلال رجلًا لم يجزْ أن يزوِّجه بعدما يُحرِم الموكِّل، فأما إذا وكّل وهو حرام مَن زوَّجه بعد الحلّ فقال القاضي وابن عقيل: يجوز ذلك.
فعلى هذا لو وكَّل وهو حلال ثم أحرم ثم حلَّ جاز أن يزوِّج الوكيل بذلك التوكيل
(3)
المتقدم وأولى؛ لأن العبرة بحال العقد، ولأن التصرف بالوكالة الفاسدة جائز؛ لكن هل يجوز الإقدام على التوكيل؟
وإن كانت امرأة لم يجز أن تُزوَّج وهي محرمة بإذن متقدمٍ على الإحرام أو في حال الإحرام؛ لكن إذا أذنت حال الإحرام ....
(4)
، وذلك لقوله تعالى:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} [البقرة: 197].
وعن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَنْكِح المحرم ولا يُنْكِح ولا يخطُب» . رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي
(5)
.
(1)
ذكره القاضي في «التعليقة» (2/ 359) وعزاه إلى النجّاد. ولم أقف عليه عند غيره بهذا السياق، وسيأتي عند بيان جزاء الظبي بسياق آخر ليس فيه موضع الشاهد.
(2)
انظر: «المغني» (5/ 162) و «المستوعب» (1/ 473) و «الفروع» (5/ 437) و «الشرح الكبير مع الإنصاف» (8/ 324).
(3)
«التوكيل» ساقطة من ق.
(4)
بياض في النسختين.
(5)
أخرجه أحمد (462) ومسلم (1409/ 41) وأبو داود (1841، 1842) والنسائي (2842، 3275) وابن ماجه (1966).
وفي رواية
(1)
عن نُبَيه بن وَهْب: أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوِّج ابنه وهو محرم فنهاه أبان، وزعم أن عثمان حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«المحرم لا يَنكِح ولا يُنكِح» .
وفي رواية
(2)
: «أراد ابنُ معمر أن يُنكِح ابنَه بنتَ شيبة بن جُبَير
(3)
، فبعثني إلى أبان بن عثمان وهو أمير الموسم، فأتيتُه فقلت: إن أخاك أراد أن يُنكِح ابنَه فأراد أن يُشهِدك ذاك، فقال: أَلا أُراه عراقيًّا جافيًا؛ إن المحرم لا يَنكِح ولا يُنكِح، ثم حدَّث عن عثمان بمثله يرفعه». رواهما أحمد بإسناد صحيح.
وفي رواية عن نافع عن نُبَيه مثله، قال نافع: وكان ابن عمر يقول هذا القول، ولا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. رواه سعيد بن أبي عروبة في «المناسك»
(4)
.
وعن أيوب بن عتبة قثنا عكرمة بن خالد، قال: سألت عبد الله بن عمر عن امرأة أراد أن يتزوجها رجل وهو خارج من مكة فأراد أن يعتمر أو يحج، فقال: لا يتزوجها وهو محرم، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه. رواه أحمد وأبو بكر النيسابوري
(5)
.
(1)
أخرجها أحمد (466) بإسناد صحيح كما سيذكر المؤلف.
(2)
أخرجها أحمد (492) بإسناد صحيح كما سيذكر المؤلف. وأخرجها أيضًا بنحوه مسلم (1409/ 45) والترمذي (840) وقال: «حديث حسن صحيح» .
(3)
في النسختين: «جبر» . والتصويب من «المسند» .
(4)
لم أجده في «المناسك» المطبوع، ولكن قد أخرجه من طريقه البيهقيُّ في «الكبرى» (5/ 65، و 7/ 210).
(5)
أحمد (5958). وعن أبي بكر النيسابوري أخرجه الدارقطني (3/ 260). قال في «مجمع الزوائد» (4/ 268): «فيه أيوب بن عتبة وهو ضعيف وقد وُثِّق» .
وروى سعيد
(1)
قثنا عمرو بن الحارث عن أيوب بن موسى عن عكرمة بن خالد المخزومي أن ابن عمر نهاه أن ينكح وهو محرم.
وروى النفيلي قثنا مسلم بن خالد الزنجي عن إسماعيل عن نافع
(2)
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المحرم لا يَنكح ولا يُنكح» . قال النفيلي: هذا حديث منكر، وهذا رجل ضعيف، الزنجي. رواه الخلال عن الميموني عنه في «العلل»
(3)
.
وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتزوَّجُ المحرمُ ولا يزوِّج» . رواه الدارقطني
(4)
.
وأيضًا فقد عمل بذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من أكابر الصحابة، فعن [أبي]
(5)
غطفان بن طَرِيف المُرِّي أن أباه طَرِيفًا تزوج امرأة
(6)
وهو محرم، فردَّ عمر بن الخطاب نكاحه
(7)
.
(1)
لم أجده في «المناسك» لسعيد بن أبي عروبة. ويَبعد أن يكون المقصود به سعيد بن منصور، فإنه لم يدرك عمرو بن الحارث، وإنما يرويه عنه بواسطة ابن وهب.
(2)
«عن نافع» ساقطة من المطبوع.
(3)
ليس في «المنتخب من علل الخلال» لابن قدامة. وقد أخرجه العقيلي في «الضعفاء» (5/ 422 - ط. السرساوي) من طريق الميموني عن النفيلي (في المطبوع «نفيل» مصحّفًا) به. والحديث أخرجه أيضًا الدارقطني (3/ 261) من طريق آخر عن النفيلي به، ولكن دون ذكر تعليله للحديث.
(4)
(3/ 261) وفي إسناده أبان بن أبي عياش، وهو متروك الحديث.
(5)
الزيادة من مصادر التخريج.
(6)
«امرأة» ساقطة من المطبوع.
(7)
رواه مالك (1/ 349) وعنه الشافعي في «الأم» (6/ 201، 452). ورواه أيضًا الدارقطني (3/ 260) من غير طريق مالك.
وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يَنكِح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره
(1)
. رواهما مالك وغيره.
وعن الحسن أن عليًّا قال: من تزوّج وهو محرم نزعنا منه امرأته ولا نُجِيز نكاحه. رواه ابن أبي عروبة وأبو بكر النيسابوري من حديث قتادة عنه
(2)
.
وعن شَوذَب مولى زيد بن ثابت أنه تزوّج وهو محرم، ففرَّق بينهما زيد بن ثابت. رواه عبد الله بن أحمد
(3)
، وقال: قرأت على أبي: يتزوج المحرم؟ قال: لا يتزوج، قال: يُروى عن عمر وعلي: يُفرَّق بينهما، وزيد بن ثابت قال: يُفرَّق بينهما، وابن عمر قال: لا يَنكح ولا يُنكح. وروي عن عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَنكِح المحرم ولا يُنكِح» .
وهؤلاء أكابر الصحابة [ق 270] لم يُقدِموا على إبطال نكاح المحرم والتفريق بينهما إلا بأمر بيّنٍ وعلمٍ اطلعوه ربما يخفى على غيرهم، بخلاف من نُقِل عنه إجازة نكاح المحرم، فإنه يجوز أن يبني على استصحاب الحال.
فإن قيل: فقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّج ميمونة وهو محرم. رواه
(1)
رواه مالك (1/ 349) وعنه الشافعي في «الأم» (6/ 453). ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (13130، 13131) بنحوه.
(2)
لم أجده في «المناسك» لابن أبي عروبة، ولم أجده من رواية قتادة عن الحسن. وإنما أخرجه البيهقي في «الكبرى» (7/ 213) من طريق أبي بكر النيسابوري بإسناده عن سعيد بن أبي عروبة عن مطر الورّاق عن الحسن به. وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (6/ 415) ــ ومن طريقه البيهقي (5/ 66) ــ عن ميمون بن موسى المرائي عن الحسن به. ورواية الحسن البصري عن علي مُرسلة.
(3)
في «مسائله عن أبيه» (ص 235). ورواه أيضًا الشافعي في «الأم» (6/ 453).
الجماعة
(1)
، وفي رواية للبخاري
(2)
: «وبنى بها وهو حلال، وماتت بسَرِفَ» . وللبخاري تعليقًا
(3)
: «تزوَّج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة في عمرة القضاء»
(4)
. وفي رواية للنسائي
(5)
: «جعلتْ أمرها إلى العباس فأنكحَها إياه» .
وفي رواية عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّج ميمونة بنت الحارث وهما محرمان. رواه أحمد
(6)
من حديث حماد بن سلمة عن حميد عنه.
وعن الشعبي وعطاء وعكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّج ميمونة وهو محرم. ولفظ الشعبي: «احتجم وهو محرِم، وتزوَّج الهلالية وهو محرِم» . رواهن سعيد
(7)
.
وعن أبي هريرة وعائشة
…
(8)
.
(1)
بعدها في النسختين: «ال ـر» ، ولم أفهم المقصود. والحديث أخرجه السبعة دون استثناء: أحمد (3400) والبخاري (1837) ومسلم (1410) وأبو داود (1844) والترمذي (842) والنسائي (2837، 2840) وابن ماجه (1965).
(2)
رقم (4258).
(3)
رقم (4259).
(4)
بعدها في ق: «وهو حلال وماتت بسرف» . وعليها علامة الحذف في س. وليست في البخاري.
(5)
رقم (3273).
(6)
رقم (2200). ورواه النسائي (2840) من طريق حمّاد بن سلمة أيضًا، ولكن لفظه:«وهو مُحرم» . وهو الموافق لروايات باقي الثقات عن عكرمة، كما عند البخاري (4258) وغيره.
(7)
ورواهن أيضًا ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (10/ 130 - 132).
(8)
بياض في س. وحديث أبي هريرة أخرجه الطحاوي في «معاني الآثار» (2/ 270) والطبراني في «الأوسط» (8992) والدارقطني (3/ 263)، من طريق كامل بن العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم. وكامل بن العلاء فيه ضعف، وقد تفرّد به، قال ابن حبان:«كان ممن يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل من حيث لا يدرى، فلمَّا فحش ذلك من أفعاله بطل الاحتجاج بأخباره» . «المجروحين» (2/ 231).
وحديث عائشة أخرجه الطحاوي (2/ 269) وابن حبان (4132) والطبراني في «الأوسط» (2164) والبيهقي (7/ 212) من طريقَي مسروق وابن أبي مليكة عنها. ورجالهما ثقات، وقد صحّحه الحافظ ابن حجر، إلا أن كلا الطريقين قد أُعلّا بالإرسال. انظر «العلل الكبير» للترمذي (ص 139) و «السنن الكبرى» للنسائي (5387، 5388) وللبيهقي (7/ 212) و «الفتح» (9/ 166).
وعن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يرى به ــ يعني بنكاح المحرم ــ بأسًا، ويحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّج ميمونة بنت الحارث وهو محرم
(1)
بسَرِفَ، وبنى بها لما رجع بذلك الماء. رواه سعيد بن أبي عروبة
(2)
عن يعلى بن حكيم
(3)
عنه.
ويؤيّد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرة القضية من ذي الحليفة، فإنه لم يجزها بغير إحرام قط، وكانت ميمونة بمكة، وقد ....
(4)
روي أنه قال لأهل مكة: «دعوني أُعرِّسْ بينكم لتأكلوا من وليمتها» ، فقالوا: لا حاجة لنا في وليمتك، فاخرجْ من عندنا، فخرجَ حتى أتى سَرِفَ
(5)
وعرَّسَ
(6)
بها»
(7)
.
(1)
«وهو محرم» ساقطة من ق.
(2)
ومن طريقه أخرجه أحمد (2492) والنسائي (3271).
(3)
في النسختين: «يعلى بن خليفة» ، وهو تحريف. والتصويب من مصادر التخريج.
(4)
بياض في النسختين. والكلام متصل فيما يبدو.
(5)
س: «سرفًا» .
(6)
في المطبوع: «وأعرس» خلاف النسختين.
(7)
سيأتي تخريجه.
قيل عنه أجوبة:
أحدها: أنه قد روى يزيد بن الأصمّ عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّجها وهو
(1)
حلال، قال:«وكانت خالتي وخالة ابن عباس» . رواه مسلم وابن ماجه
(2)
.
وفي رواية لأحمد والترمذي والبَرْقاني
(3)
عن يزيد عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّجها حلالًا وبنى بها حلالًا، وماتت بسَرِف، فدفنّاها في الظُلَّة
(4)
التي بنى بها فيها.
وفي رواية لأبي داود
(5)
: «تزوَّجني ونحن حلالانِ بسَرِفَ» .
وعن أبي رافع مولى رسول الله
(6)
صلى الله عليه وسلم أن رسول الله تزوَّج ميمونة حلالًا، وبنى بها حلالًا، وكنتُ الرسولَ بينهما. رواه أحمد والترمذي
(7)
،
(1)
في النسختين: «وهي» . والتصويب من مصادر التخريج، وسيأتي على الصواب فيما بعد.
(2)
مسلم (1411) وابن ماجه (1964). وقد أُعلَّ بالإرسال، انظر التخريج الآتي.
(3)
أحمد (26828) والترمذي (845) وقال: «هذا حديث غريب، وروى غير واحد هذا الحديث عن يزيد بن الأصم مرسلًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال» . وكذا استصوب الروايةَ المرسلة البخاريُّ والدارقطني. انظر «العلل الكبير» للترمذي (ص 138 - 139) و «العلل» للدارقطني (4013).
(4)
في النسختين: «الطلحة» . والتصويب من مصادر التخريج.
(5)
رقم (1843).
(6)
«رسول الله» ساقطة من المطبوع.
(7)
أحمد (27197) والترمذي (841) من طريق حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة بن عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع مرفوعًا. وهذا إسناد حسن لولا أن مطرًا الوراق قد خولف فيه كما ذكره الترمذي، خالفه مالك وسليمان بن بلال فروياه عن ربيعة عن سليمان بن يسار مُرسلًا، وهو الصواب. ومُرسل سليمان معتبر، فإن ميمونة مولاته ومولاة إخوتِه، أعتقتهم وولاؤهم لها، فيَبعد أن يخفى عليه أمرُها وهو مولاها. انظر «التمهيد» لابن عبد البر (3/ 151).
وقال: «حديث حسن، ولا نعلم أحدًا أسنده غيرَ حماد بن زيد عن مطر [عن ربيعة]
(1)
، ورواه مالك
(2)
عن ربيعة عن سليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا، ورواه سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلًا».
وهذه الرواية مقدَّمة على رواية ابن عباس لوجوه:
أحدها: أنها هي المنكوحة، وهي أعلم بالحال التي تزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ــ هل كان
(3)
في حال إحرامه أو في غيرها ــ من ابن عباس.
الثاني: أن أبا رافع كان الرسولَ بينهما، وهو المباشر للعقد، فهو أعلم بالحال التي وقع فيها من غيره.
الثالث: أن ابن عباس كان إذ ذاك صبيًّا له نحو من عشر سنين، وقد يخفى على مَن هذه سِنُّه تفاصيلُ الأمور التي جرت في زمنه؛ أما أولًا: فلعدم كمال الإدراك والتمييز، وأما ثانيًا: فلأنه لا يداخل في هذه الأمور ولا يباشرها، وإنما يسمعها من غيره، إما في ذلك الوقت أو بعده.
الرابع: أن السلف طعنوا في رواية ابن عباس هذه، فروى أبو داود
(4)
(1)
زيادة من الترمذي.
(2)
في «الموطأ» (1/ 348).
(3)
في النسختين: «كانت» . والمثبت يقتضيه مرجع «في حال إحرامه» .
(4)
رقم (1845)
عن سعيد بن المسيب قال: وهم ابن عباس في قوله: «تزوَّج ميمونة وهو محرم» .
وقال أحمد في رواية أبي الحارث
(1)
وقد سئل عن حديث ابن عباس: هذا الحديث خطأ.
وقال في رواية المرُّوذي
(2)
: أذهب إلى حديث نُبيه بن وهب، فقال له المرُّوذي: إن أبا ثور قال لي: بأي شيء تدفع حديث ابن عباس؟ فقال أبو عبد الله: الله المستعان، قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس، وميمونة تقول: تزوَّج وهو حلال، وقال: إن كان ابن عباس ابنَ أخت ميمونة فيزيد بن الأصم ابنُ أخت ميمونة، وقال أبو رافع: كنتُ السفيرَ بينهما. وعمر بن الخطاب يفرِّق بينهما. وقال
(3)
: هذا بالمدينة لا يُنكِرونه.
وقال ميمون بن مهران: أرسل إليَّ عمر بن عبد العزيز أن سَلْ يزيد بن الأصم كيف تزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة، فسألتُه فقال: تزوَّجها وهو حلال. رواه سعيد
(4)
.
وقال عمرو بن دينار: أخبرتُ الزهري به، يعني بحديثه عن جابر بن زيد
(5)
عن ابن عباس، فقال: أخبرني يزيد بن الأصم ــ وهي خالته ــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
كما في «التعليقة» (1/ 474).
(2)
في «التعليقة» (1/ 474) جزء من هذا الكلام.
(3)
«وقال» ساقطة من المطبوع.
(4)
وأخرجه أيضًا ابن سعد في «طبقاته» (10/ 129 - 130) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 270 - 271) والبيهقي في «الكبرى» (7/ 211).
(5)
في النسختين: «عمرو بن دينار» خطأ. والتصويب من «صحيح مسلم» .
تزوَّجها وهو حلال. رواه مسلم
(1)
.
فهذا سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والزهري، وهو قول أبي بكر بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وعامة علماء المدينة، وهم أعلمُ الناس بسنة ماضية، وأبحثُهم عنها، قد استبان لهم أن الصواب رواية من روى أنه تزوَّجها حلالًا، وكذلك سليمان بن يسار يقول ذلك وهو مولاها.
الخامس: أن الرواة
(2)
بأنه تزوَّجها [ق 271] حلالًا كثيرون. فهي منهم، وأبو رافع. وعن ميمون بن مِهْران عن صفية بنت شيبة ــ وكانت عجوزًا ــ أن النبي صلى الله عليه وسلم ملك ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وخطبها وهو حلال. ذكره القاضي
(3)
.
[و]
(4)
عن ميمون بن مهران قال: أتيت صفية ابنة شيبة امرأة كبيرة فقلت لها: أتزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم؟ قالت: لا والله، ولقد تزوَّجها وهما حلالان. رواه ابن أبي خيثمة
(5)
. ورواه من التابعين خلق كثير.
(1)
رقم (1411) وقد تقدم.
(2)
في النسختين: «الرواية» خطأ، كما يدلُّ عليه السياق.
(3)
في «التعليقة» (1/ 476). ولم أقف عليه بهذا اللفظ في مصدر آخر.
(4)
زيادة ليستقيم السياق. فاللفظ الآتي ليس عند القاضي، بل ذكر اللفظ السابق.
(5)
أخرجه من طريقه ابن عبد البر في «التمهيد» (3/ 157). ورواه أيضًا ابن سعد في «الطبقات» (10/ 129) والطبراني في «الكبير» (24/ 21) و «الأوسط» (1091، 4719) والبيهقي في «الكبرى» (7/ 211). وإسناده صحيح.
وأما الرواية الأخرى فلم تُرْوَ
(1)
إلا عن ابن عباس، وعن أصحابه الذين أخذوها عنه، قال ابن عبد البر
(2)
: ما أعلم أحدًا من الصحابة رُوي عنه أنه عليه السلام نكح ميمونة وهو محرم إلا ابن عباس.
وإذا كان أحد الخبرين أكثرَ نقَلَةً ورُواةً قُدِّم على مخالفه، فإنَّ تطرُّق الوهم والخطأ إلى الواحد أولى من تطرقه إلى العدد، لا سيما إذا كان العدد أقربَ إلى الضبط وأجدرَ بمعرفة باطن الحال.
السادس: أن في رواية عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّجها وهما محرمان
(3)
، وأن عقد النكاح كان بسرِفَ، ولا ريب أن هذا غلط، فإن عامة أهل السير ذكروا
(4)
أن ميمونة كانت قد بانت من زوجها بمكة، ولم تكن مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرته، فإنه لم يَقدَمْ بها من المدينة، وإذا كانت مقيمة بمكة فكيف تكون محرمةً معه بسرِفَ؟ أم كيف ــ وإنما بعث إليها جعفر بن أبي طالب ــ خطَبَها؟ وهو يُوهّن الحديث ويعلّله.
السابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّجها في عمرة القضية في خروجه، ورجع بها معه من مكة، وإنما كان يُحرم من ذي الحليفة، فيُشبِه أن تكون الشبهة دخلت على من اعتقد أنه تزوَّجها محرمًا من هذه الجهة، فإن ظاهر الحال
(1)
ق: «ترِد» . وكلاهما بمعنى.
(2)
في «التمهيد» (3/ 153) و «الاستذكار» (11/ 259). وتعقَّبه الحافظ في «الفتح» (9/ 166).
(3)
قوله: «وهما محرمان» لم يثبت في رواية عكرمة، وإنما جاء في بعض الطرق عنه، وأكثر الثقات يروونه عنه بلفظ:«وهو محرم» . انظر ما سبق (ص 627).
(4)
انظر «الإصابة» (14/ 221).
أنه تزوّجها في حال إحرامه.
أما من روى أنه تزوّجها حلالًا فقد اطلع على حقيقة الأمر وأخبر به، فإما أن يكون تزوَّجها قبل الإحرام أو بعد قضاء عمرته، لا سيما ومن روى أنه تزوَّجها قبل الإحرام معه مزيدُ علمٍ.
وقد روى مالك
(1)
عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مولاه أبا رافع ورجلًا من الأنصار، فزوَّجاه ميمونة بنت الحارث ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج.
ورواه الحميدي
(2)
عن عبد العزيز بن محمد عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث العباس بن عبد المطلب وأبا رافع، فزوَّجاه بسرِفَ وهو حلال بالمدينة.
وهذا فيه نظر، وهذا الحديث وإن كان مرسلًا فهو يقوى من وجهين
(3)
:
أحدهما: أن سليمان بن يسار هو مولاها، فمثله قد يطلع على باطن حالها، ومعه مزيدُ علمٍ خفي على غيره.
الثاني: أنه هو الذي روى حديث أبي رافع عنه كما تقدم، وأهل الحديث يعدُّونه حديثًا واحدًا، أسنده سليمان تارةً، وأرسله أخرى، فيعلم أنه
(1)
في «الموطأ» (1/ 348).
(2)
عزاه إليه القاضي في «التعليقة» (1/ 475) ولم أقف عليه في «مسنده» ولا غيره. وقد ذكر الدارقطني في «العلل» (1175) طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي هذا ضمن ذكر اختلاف الوصل والإرسال في حديث سليمان بن يسار.
(3)
في المطبوع: «جهتين» خلاف ما في النسختين.
تلقَّى هذا الحديث عن أبي رافع، وهو كان الرسولَ في النكاح.
وقد روى يونس بن بكير
(1)
عن جعفر بن بُرقان عن ميمون بن مِهران عن يزيد بن الأصمّ قال: تزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال، بعث إليها الفضل بن العباس ورجل معه، فزوَّجوه إياها. وهذا يوافق الذي قبله في تقدُّم النكاح، ويخالفه في تسمية أحد الرجلين.
فإن قيل: فقد تقدم في
(2)
رواية أبي داود
(3)
من حديث حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسَرِفَ. وفي رواية: «بسَرِفَ ونحن حلالٌ بعدما رجعنا من مكة» . رواه أحمد
(4)
. وهذا لا يكون
(5)
إلا بعد العمرة وهو قافلٌ من مكة إلى المدينة.
وقد روى الأوزاعي قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم. قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس وإن كانت خالتَه، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما حلَّ. رواه ابن عبد البر
(6)
.
(1)
لم أقف على روايته.
(2)
«في» ليست في س.
(3)
رقم (1843). وقد سبق ذكرها.
(4)
رقم (26815) إلا أنه ليس فيه: «بسَرِف» . وإسناده صحيح إلا أنه أعلَّ بالإرسال كما سبق (ص 629).
(5)
في المطبوع: «لا يمكن» .
(6)
في «التمهيد» (3/ 158) و «الاستذكار» (11/ 264 - 265). وأخرجه أيضًا البيهقي في «الكبرى» (7/ 212). وحديث ابن عباس رواه البخاري (1837) من هذا الطريق إلا أنه ليس فيه قول ابن المسيب.
وقال ابن إسحاق: حدثني ثقة
(1)
عن ابن المسيّب أنه قال: هذا عبد الله بن عباس يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم، وكذبَ، وإنما قدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فكان الحلُّ والنكاح جميعًا، فشُبِّه ذلك على الناس
(2)
.
وهذا يدلُّ على أن من روى أنه تزوجها حلالًا اعتقد تأخُّر العقد عن الإحرام، وابن عباس أخبر بوقوعه قبل ذلك، فيكون هو الذي قد اطلع على ما خفي على غيره.
ويؤيد ذلك ما روى سُنَيد
(3)
عن زيد
(4)
بن الحباب عن أبي معشر عن شُرحبيل بن سعد قال: لقي العباس بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة حين اعتمر عمرة القضية، فقال له العباس: يا رسول الله
(5)
تأَيَّمتْ
(6)
ميمونة
(1)
في النسختين: «نفر» . والتصويب من المصادر الآتية.
(2)
أخرجه البيهقي في «الدلائل» (4/ 336) عن ابن إسحاق به، إلا أن في المطبوع سقطًا أخل بالمعنى. وذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» (6/ 390) عن يونس عن ابن إسحاق به، إلا أن بعض رواته كنى فيه عن قول ابن المسيب:«وكذب» بقوله: «فذكر كلمةً» . ومقصود ابن المسيب بقوله: «كذب» أي أخطأ. وهو لغة أهل الحجاز.
(3)
ذكره عنه ابن عبد البر في «الاستيعاب» (4/ 1917). ولا يصحّ لإرساله وضعف رواته.
(4)
«عن زيد» ساقطة من المطبوع.
(5)
«يا رسول الله» ليست في ق.
(6)
في هامش النسختين: «لعله بانت» . ولا حاجة إلى هذا التصحيح، فالمثبت كذلك في «الاستيعاب». والمعنى: مات عنها زوجها أبو رُهم.
بنت الحارث بن حرب من
(1)
أبي [ق 272] رُهْم بن عبد العزّى، فهل لك في أن تزوَّجَها؟ فتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فلما أن قدم مكة أقام ثلاثًا، فجاءه سهيل بن عمرو في نفر من أصحابه من أهل مكة، فقال: يا محمد اخرجْ عنا، اليوم آخرُ شرطِك، فقال:«دعوني أبتني بامرأتي وأصنع لكم طعامًا» ، فقال: لا حاجة لنا بك ولا بطعامك، اخرج عنا. فقال له سعد: يا عاضَّ بَظْرِ أمِّه! أرضُك وأرضُ أمك دونه، لا يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يشاء! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دَعْهم فإنهم زارونا
(2)
لا نؤذيهم»، فخرج
(3)
فبنى بها بسَرِفَ.
وروى ابن إسحاق
(4)
قال: حدثني أبان بن صالح وعبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سَفْرته في هذه العمرة، وكان الذي زوَّجه العباس بن عبد المطلب، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا، فأتاه حُويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد وُدّ في نفرٍ من قريش، وكانت قريش قد وكَّلتْه بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فقالوا: قد انقضى أجلُك فاخرج عنا، فقال لهم: «لو تركتموني فعرَّستُ بين أظهركم، وصنعنا طعامًا فحضرتموه
(5)
» فقالوا: لا حاجة لنا بطعامك فاخرجْ عنا. فخرج وخلَّف أبا رافع مولاه على ميمونة
(1)
في المطبوع: «بن» تحريف.
(2)
ق: «زادونا» .
(3)
«فخرج» ساقطة من ق.
(4)
ومن طريقه أخرجه الطبراني في «الكبير» (11401) والحاكم في «المستدرك» (4/ 31) والبيهقي في «الدلائل» (4/ 330) وغيرهم. وإسناده حسن.
(5)
في المطبوع: «فحظرتموه» خطأ.
حتى أتاه بها بسَرِفَ، فبنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم هنالك.
وقد ذكر البخاري بعض هذا الحديث تعليقًا
(1)
، فقال: وزاد ابن إسحاق: حدثني ابن نجيح وأبان بن صالح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس: «تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة في عمرة القضاء» .
فقد اضطربت هذه الروايات في وقت تزوُّجه، فمِن قائلٍ إنه تزوَّجها قبل الإحرام، ومن قائلٍ عقبَ الحلّ بمكة، ومن قائلٍ بسرِفَ وهما حلالان، إما قبل الإحرام أو بعد رجوعه إلى المدينة. ثم أجود ما فيها حديث يزيد بن الأصمّ عن ميمونة، وحديث سليمان بن يسار عن أبي رافع، وقد رُوِيا مرسلينِ من وجوه هي أقوى من رواية من أسند، وهذه علة فيهما إن لم توجب الردَّ فإنها توجب ترجيح
(2)
حديث ابن عباس الذي هو أصح إسنادًا.
قال عمرو بن دينار: حدثتُ
(3)
ابنَ شهاب عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم، فقال ابن شهاب: حدثني يزيد بن الأصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّج ميمونة وهو حلال، قال عمرو: فقلت لابن شهاب: أتجعل حفظ ابن عباس كحفظ أعرابي يبول على عقبيه؟
(4)
.
قيل
(5)
: أما رواية من روى أنه تزوَّجها وهما حلالان بسَرِفَ ــ إن كانت
(1)
«صحيح البخاري» (4259).
(2)
في المطبوع: «ترجح» خلاف ما في النسختين.
(3)
ق والمطبوع: «حديث» تصحيف. والمثبت من س.
(4)
أخرجه الحاكم (4/ 32) والبيهقي في «الكبرى» (5/ 66). وأصل القصة إلى قوله: «وهو حلال» في «صحيح مسلم» (1410).
(5)
جواب «فإن قيل» قبل ثلاث صفحات.
محفوظة ــ فإن معناها والله أعلم أنه بنى بها ودخل بها بسرف، كما فسّرت ذلك جميع الروايات، فإنها كلها متفقة على أنه بنى بها بعد منصَرَفه من عمرته بسرف، وأكثر الروايات على أن عقد النكاح تقدَّم على ذلك، وقد تقدم أنه أراد أن يبني بها بمكة، اللهم إلا أن يكون تقدم الخِطبة والركون
(1)
، ولم يعقد العقد إلا بسرف حين البناء؛ فإن هذا ممكن، وعلى هذا حمل القاضي
(2)
الروايتين، وفسَّر قوله:«دعوني أُعرِّس» ، معناه: أعقِد وأعرِّس، فلما منعوه خرج إلى سرِفَ فعقدَ وعرَّس
(3)
.
وأما رواية من روى أنه تزوَّجها قبل الإحرام أو بعده، فإما أن يكون الأول هو المطلع على حقيقة الأمر وخفي على الثاني، فإن ذاك مُثبِت وهذا نافٍ، لاسيما وسليمان بن يسار ويزيد بن الأصم أعلم بهذه القضية من غيرهما، ثم لم يتحدث بالعقد ولم يظهر إلا بعد مقدَمِه مكة وانقضاء عمرته، ومن هنا اعتقد من اعتقد أن العقد وقع في أثناء الإحرام. وقد ذكر هذا القاضي
(4)
، وقال: هذا تأويل جيد. أو أن يكون
(5)
بعث أبا رافع ومن معه فخطبا له، ووقع الاتفاق والمواطأة على العقد، ثم لم يعقد إلا بعد الإحرام.
وأما كونهما قد رُوِيا مرسَلينِ، وكون يزيد بن الأصم لا يَعدِل ابنَ عباس= فليس بشيء، فإنه قد رُوِي مسندًا من وجوه مرضية مخرَّجة في
(1)
أي الميل والاعتماد.
(2)
في «التعليقة» (1/ 477).
(3)
في المطبوع: «وأعرس» خلاف ما في النسختين.
(4)
في «التعليقة» (1/ 479).
(5)
وجه ثانٍ معطوف على «فإما أن يكون
…
».
الصحاح والحسان. والقصة إذا أسندها من يحدّثها تارة وأرسلها أخرى كان أوكدَ في ثبوتها عنده وثقتِه بحديث من حدّثه، فإنه إنما يُخاف في الإرسال من ضعف الواسطة، فمتى سمّاه مرةً أخرى زال الريب.
وابن عباس رضي الله عنه لم يعارِض به يزيدَ بن الأصم في شيء يكون ابن عباس أعلمَ به منه، وإنما هو أمر نقليٌّ، العالم والجاهل فيه سواء. ثم ابن عباس لم يُسند روايته إلى أحد، ويزيد قد أسند روايته إلى خالته المنكوحة أم المؤمنين، ولا ريب أنها أعلم بحالها من ابن أختها ابن عباس.
الجواب الثاني: أن تزوُّج ميمونة وإن لم يُحكَم فيه بصحة رواية من روى أنه تزوَّجها حلالًا فلا ريب أنه قد اضطربت فيه [ق 273] النقَلَة، ومع ما تقدم فلا وجه يصح الاحتجاج بها
(1)
لعدم الجزم بأنه تزوجها وهو محرم، فتتساقط الروايتان. وحديث عثمان لا اضطراب فيه ولا معارض له.
الجواب الثالث: أنه لو تيقَّنا أنه تزوَّجها محرِمًا لكان حديث عثمان هو الذي يجب أن يُعمل به لأوجهٍ:
أحدها: أن حديث عثمان ناقل عن الأصل الذي هو الإباحة، وحديث ابن عباس مُبقي
(2)
على الأصل، فإن قدّرنا حديث ابن عباس متأخرًا لزم تغييرُ الحكم مرتين، وإن قدّرنا حديث عثمان متأخرًا لكان تزوُّجُ ميمونة قبل التحريم، فلا يلزم إلا تغيير الحكم مرةً واحدة، فيكون أولى.
الثاني: أن حديث ابن عباس كان في عمرة القضية قبل فتح مكة وقبل فرض الحج، كما تقدم، ولم تكن أحكام الحج قد مُهِّدت، ولا محظورات
(1)
كذا بتأنيث الضمير في النسختين.
(2)
كذا في النسختين بإثبات الياء، وله وجه.
الإحرام قد بُيِّنت، وحديث عثمان إنما قاله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك؛ لأن النهي عن اللباس والطيب إنما بيِّن في حجة الوداع، فكيف النهي عن عقد النكاح؟ إذ حاجة المحرمين إلى بيان أحكام اللباس أشدُّ من حاجتهم إلى بيان حكم النكاح، والغالب أن البيان إنما يقع وقت الحاجة. فهذه القرائن وغيرها تدلُّ من كان بصيرًا بالسنن كيف كانت تُسَنُّ، وشرائع الإيمان كيف كانت تنزل= أن النهي عن النكاح متأخر.
الثالث: أن تزوُّجه فعلٌ منه، والفعل يجوز أن يكون خاصًّا به، وحديث عثمان نهيٌ لأمته، والمرجع إلى قوله أولى من فعله، ومن ردَّ نصَّ قوله وعارضه بفعله فقد أخطأ.
الرابع: أن حديث عثمان حاظرٌ وحديث ابن عباس مبيح، والأخذ بالحاظر أحوط من الأخذ بالمبيح.
الخامس: أن أكابر الصحابة قد عملوا بموجب حديث عثمان، وإذا اختلفت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون. ولم يخالفهم أحد من الصحابة فيما بلغنا إلا ابن عباس، وقد عُلِم مستند فتواه، وعُلِم أن من حرّم نكاح المحرِم من الصحابة يجب القطع بأنه إنما فعل ذلك عن علمٍ عنده خفي على من لم يحرِّمه، فإن إثبات مثل هذه الشريعة لا مطمعَ في دَرْكِه بتأويل أو قياس، وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمُ بالله وأخشى له
(1)
من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون. بخلاف من أباحه، فإنه قد يكون مستنده الاكتفاء بالبراءة الأصلية، وإن كان قد ظهر له في هذه المسألة مستند آخر مضطرب.
(1)
«له» ساقطة من المطبوع.
السادس: أن أهل المدينة متفقون على هذا عملًا
(1)
وَرِثُوه من زمن الخلفاء الراشدين إلى زمن أحمد ونظرائه، وإذا اعتضد أحد الخبرين بعمل أهل المدينة كان أولى من غيره في أصح الوجهين، وهو المنصوص عن أحمد في مواضع. وقد تقدَّم أنه اعتضد في هذه المسألة [بعمل]
(2)
أهل المدينة، لا سيما إذا كانوا قد رووا هم الحديث، فإن نقلهم أصحّ من نقلِ غيرهم من الأمصار، وهم أعلم بالسنة من سائر أهل الأمصار، وكان عندهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين أُمِرنا باتباعهم بإحسانٍ ما لم يكن عند غيرهم. وإنما كان الناس تبعًا لهم في الرأي والرواية إلى انصرام خلافة عثمان وبعد ذلك، فإن لم يكونوا أعلمَ من غيرهم، فلم يكونوا بدونِ من سواهم. ونحن وإن لم نُطلِق القول بأن إجماعهم حجة
(3)
فإنا نضعهم مواضعهم، ونؤتي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، ونعرف مراتب المحدثين والمفتين والعاملين لنرجِّح عند الحاجة من يستحق الترجيح. وفي المسألة أقيسة شَبَهية
(4)
، ومعانٍ فقهية.
وأيضًا فإن الإحرام يحرِّم
(5)
جميع دواعي النكاح تحريمًا يوجب الكفارة، مثل القُبلة والطيب، ويمنع التكلم بالنكاح والزينة، وهذه مبالغة في حَسْم موادّ النكاح عنه. وعقدُ النكاح من أسبابه ودواعيه، فوجب أن يُمنع منه.
(1)
في المطبوع: «علما» تحريف.
(2)
زيادة ليستقيم المعنى.
(3)
انظر رأي المؤلف في هذا الموضوع في «مجموع الفتاوى» (20/ 303 وما بعدها) و «جامع المسائل» (5/ 272).
(4)
في المطبوع: «شبيهة» خلاف ما في النسختين.
(5)
في المطبوع: «تحريم» خطأ.
وعكسه الصيام والاعتكاف، فإنه يحرِّم القُبلة، ولا يمنع الطيب والتكلُّم بالنكاح. والاعتكاف وإن قيل بكراهة الطيب فيه فإنه لا يحرِّم ذلك، ثم لا كفارة في شيء من مقدِّمات النكاح إذا فعله في الصيام والاعتكاف.
وقد بالغ الشرع في قطع أسبابه، حتى إنه يفرّق بين الزوجين في قضاء الحجة الفاسدة.
وأيضًا فإن المقصود بالنكاح حِلُّ الاستمتاع، فمن حقِّه أن لا يصح إلا في حلٍّ يقبل الاستمتاع، وأن لا يتأخر حلُّ الاستمتاع عن العقد؛ لأن السبب إذا لم يُفِدْ حكمه ومقصوده وقع باطلًا، كالبيع في محلٍّ لا يملك
(1)
، والإجارة على منافع لا تُستوفى. ولهذا لم يصح في المعتدّة من نكاح أو وطء
(2)
شبهة أو زنًا، ولا في المستبرأة في ظاهر المذهب، وإن قيل: تعتدُّ بعد العقد. وسائرُ أحكام النكاح من الإرث ووجوب [ق 274] النفقة وجواز الخلوة والنظر توابعُ لحِلِّ الاستمتاع.
وإنما صح نكاح الحائض والنُّفَساء والصائمة لأن بعض أنواع الاستمتاع هناك ممكن، أو وقت الاستمتاع قريب، فإن الصائم يستمتع بالليل، والحائض يُستمتع منها بما دون الفرج. وأما المعتكف فإن أصحابنا قالوا: يصح نكاحه لأن منعه
…
(3)
.
والإحرام يمنع الاستمتاع بكل حال منعًا مؤكدًا، لطول
(4)
مدته على
(1)
في المطبوع: «يملكه» خلاف ما في النسختين.
(2)
في المطبوع: «أو في» خطأ.
(3)
بياض في النسختين.
(4)
في المطبوع: «تطول» .
وجه يفضي الاستمتاع إلى مشاقَّ شديدة: من المضيِّ في الفاسد، ووجوب القضاء والهدي، والتعرُّض لسخط الله وعقابه. والإحرام لا يُنال إلا بكُلَف ومشاقَّ، وليس في العبادات أشدُّ لزومًا وأبلغُ نفوذًا منه، فإيقاع النكاح فيه إيقاعٌ له [في مشقة]
(1)
.
وأيضًا فإن الإحرام مبناه على مفارقة العادات في الترفُّه، وترك أنواع الاستمتاعات، فلا يلبس اللباس المعتاد، ولا يتطيَّب ولا يتزيَّن ولا يتظلَّل، ويلازم الخشوع والاخْشِيشان، ويقصد بيت الله أشعثَ أغبرَ أدفرَ قمِلًا. ولا شكّ أن من يتزوج فقد فتح باب التنعم والاستمتاع، وعقد أسباب اللذة والشهوة، وتعرَّض للّهو واللعب، وحاله مخالفة لحال الخاشع المعرض عن جميع العادات. والصائم يخالفه في عامة هذه الأشياء، فإن محفيه
(2)
الطيب والمِجْمر. والمعتكف بينهما.
وأيضًا فإن المعتدّة عن وفاة الزوج مُنِعت الطيبَ والزينة، حسمًا لموادِّ النكاح، ومفارقةً لحال المتزوجة، وأُلزِمتْ لزومَ المنزل، والمحرمة قد مُنِعت الطيبَ والزينة، فهي كالمعتدّة من [هذا] الوجه.
وأيضًا فإن المقصود من النكاح الاستمتاع، فلما مُنع المحرم من النكاح مُنع من مقصوده، كتملُّك الصيد لمّا كان مقصوده
(3)
ابتذال الصيد وإتلافه مُنع منه كما
(4)
كان ممنوعًا من مقصوده؛ يوضح ذلك: أن نفس مِلك الصيد
(1)
زيادة ليستقيم المعنى.
(2)
كذا في النسختين، وكتب بهامشهما:«كذا» .
(3)
في النسختين: «مقصود» .
(4)
في النسختين: «لما» . والمثبت يقتضيه السياق.
لا محظور فيه كملك [النكاح]
(1)
، ولهذا لا يُمنع دوام ملك النكاح والصيد، وإنما يُمنع من ابتدائهما، وعكسه شِرى الجواري والطيب واللباس، لما لم يكن مقصوده مجرد الاستمتاع لم يُمنع منه.
فصل
وإذا تزوج وهو محرم
…
(2)
.
فصل
ولا كفارة في النكاح؛ لأنه يقع باطلًا فلم يوجب كفارة
(3)
، كشراء الصيد واتِّهابه. وهذا
(4)
لأنه لا أثر لوقوعه، فإن مقصوده لم يحصل، بخلاف الوطء واللباس ونحو ذلك. وكل ما وقع على مخالفة الشرع وأمكن إبطاله اكتُفِي بإبطاله عن كفارة أو فدية، بخلاف الأمور التي لا يمكن إبطالها. ولأنه من باب الأقوال والأحكام، وهذا الباب لا يوجب كفارة في الإحرام تختصُّ به، كما لو تكلَّم بكلام محرّم.
فصل
وأما تزويجه للحلال من رجل أو امرأة بطريق الولاية أو الوكالة أو بطريق الفضول ــ وقلنا: ينعقد تصرُّفُ الفضولي ــ فلا يصح أيضًا
(5)
في
(1)
هنا بياض في النسختين.
(2)
بياض في النسختين. وتتمته: «فالنكاح باطل» كما في «المغني» (5/ 162) وغيره.
(3)
في النسختين: «الكفارة» . والمثبت من هامشهما بعلامة ص.
(4)
«وهذا» ساقطة من المطبوع.
(5)
«أيضًا» ساقطة من المطبوع.
أشهر الروايتين، وفي الأخرى يصح؛ لأن الزوجين لا مانع فيهما، والمنع القائم بالوكيل والولي لا يتعدَّى إليهما. فعلى هذه الرواية يُحمل النهي على الكراهة.
والأول أصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرم أن يَنكح أو يُنكح نهيًا واحدًا، فالتفريق بينهما لا يجوز. ولأن أصل النهي التحريم، وكل من لا يصح منه العقد
(1)
لنفسه بحال لا يصح لغيره، كالسفيه والمجنون والمرتدّ. ولأن المحرم ممنوع أن يتكلّم بالنكاح، وذلك [يُعدُّ] منه رفَثًا
(2)
، وعقده له تكلُّمٌ به. ولأن تزويجه لغيره يفضي إلى تذكُّره واشتهائه، والمحرم ممنوع من جميع مقدِّماته. ولأنه إعانة على استحلال ما هو محرم عليه، فلم يجز كإعانة الحلال على الوطء أو اللباس أو التطيُّب، فإنه إعانة على الاستمتاع بما هو مباح له، لا على استحلال ما هو محرم عليه، وهذا لأن فرج الزوجة لا يباح إلا بالعقد، كما أن الصيد المباح لا يباح إلا بتملك، ولحمه لا يباح إلا بالتذكية، بخلاف اللباس والطيب والوطء للحلال؛ فإنه حلال في نفسه. وهذا شَبه وتمثيل حسن.
وهذا في التزويج بالولاية الخاصة وهي النسب
(3)
، فأما بالولاية
(4)
العامة وهي ولاية السلطان من الإمام والحاكم، ففيه وجهان:
أحدهما: ليس له أن يزوِّج بذلك أيضًا، لعموم الحديث والقياس. وهذا
(1)
ق: «العقد منه» .
(2)
كذا في النسختين منصوبًا. وزدنا الفعل «يعد» ليستقيم الإعراب.
(3)
في النسختين: «السبب» . والتصويب من «التعليقة» (1/ 482).
(4)
في المطبوع: «الولاية» .
ظاهر كلام أحمد، فإنه منع المحرم أن يزوّج مطلقًا ولم يفرّق، فعلى هذا يُزوِّج
(1)
خلفاء السلطان المُحِلُّون.
والثاني: يجوز ذلك؛ لأن الحاجة العامة تدعو إلى ذلك، وقد يستباح بالولاية العامة ما لا يستباح بالخاصة، كتزويج الكافرة.
وهذا ضعيف، فإن الأدلة الشرعية قد عمَّت، والفرق بينه وبين غيره إنما هو في أصل ثبوت الولاية، ولا ريب أن ولايته لا تزول بالإحرام، كما لا تزول ولاية غيره من الأولياء، أما نفس العقد بالولاية فلا فرق بينه وبين غيره. ولأن المانع هو شيء قائم به يقدح في [ق 275] إحرامه، ولا فرق بينه وبين غيره في ذلك، ولا حاجة إلى مباشرته
(2)
لوجود خلفائه.
هذه طريقة القاضي
(3)
وغيره من أصحابنا.
وقال ابن عقيل: ليس له أن يباشر العقد، لكن هل يصح أن يباشر خلفاؤه وهو محرم؟ على وجهين، وهذا بعيد جدًّا.
فأما التزويج بملك اليمين
…
(4)
.
وأما غيره من الأولياء إذا أحرم واحتاجت المرأة إلى من يزوِّجها، فقيل: قياس المذهب أن الولاية تنتقل إلى من هو
(5)
أبعدُ منه من العصبة كما لو
(1)
في النسختين: «يجوز» تحريف، والتصويب من «التعليقة» (1/ 482).
(2)
في المطبوع: «مباشرة» خطأ.
(3)
في «التعليقة» (1/ 482).
(4)
بياض في النسختين.
(5)
«هو» ليست في س.
غاب، ويتوجه أن لا تتزوج حتى يحلّ.
ومن وُكِّل في النكاح وهو محرم وزَوَّج بعد تحليله، جاز على مقتضى ما ذكره القاضي وابن عقيل، سواء قبل الوكالة وهو محرم أو بعد الإحرام، ولو كان التوكيل قبل الإحرام لم يبطل بالإحرام بطريق الأولى.
فصل
وأما ارتجاع زوجته المطلَّقة قبلَ الإحرام أو في حال الإحرام، ففيه روايتان:
إحداهما: له ذلك، قالها عبد الله
(1)
، وهي اختيار الخرقي
(2)
، ....
(3)
، وأبي الخطاب وغيرهم؛ لأن الرجعية زوجة بدليل ثبوت الإرث بينهما، وثبوت الطلاق والخلع بينهما، وأن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا مهر ولا رضًا، فارتجاعها ليس ابتداء مِلْك، وإنما هو إمساك، كما قال تعالى:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(4)
[البقرة: 229]، {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231]. ولأن الرجعية
(5)
[إن]
(6)
كانت مباحةً
(1)
كما في «مسائله» (ص 235).
(2)
في «مختصره» (5/ 174 مع «المغني»).
(3)
بياض في النسختين. وانظر بقية الأسماء في «الإنصاف» (8/ 329) و «تصحيح الفروع» (5/ 442).
(4)
هذه الآية ليست في ق.
(5)
في النسختين: «الرجعة» . والمثبت يقتضيه السياق.
(6)
زيادة يتطلبها السياق.
فارتجاعها ليس استحلالًا لفرج، وإن كانت محظورةً فمجرد إزالة الحظر ليس ممنوعًا منه كتكفير المظاهر. ولأن الأصل عدم الحظر والمنع، وإنما حظرت السنة النكاح، والرجعة ليست نكاحًا ولا في معناه، فتبقى على الأصل.
والثانية: لا تجوز الرجعة وإن أفضى إلى البينونة في حال الإحرام، نقلها أحمد بن أبي عبدة والفضل بن زياد وحرب
(1)
، وهي اختيار القاضي
(2)
وأكثر أصحابه، مثل الشريف أبي جعفر وابن عقيل وأبي المواهب العُكْبَري وأبي الخطّاب في «خلافه»
(3)
. لأن المحرم ممنوع من التكلم بالنكاح وهو الرفث، والارتجاعُ تكلُّمٌ به. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أن يَنكح أو يُنكح أو يخطب، وارتجاعه أقرب إليه من أن ينكح غيره أو أن يخطب، فإذا مُنع من أن يزوِّج أو يخطُب فمنعه من الرجعة أولى.
وهذا لأن المقصود حسم أبواب النكاح ومنع التعلُّق به بوجهٍ من الوجوه، والمرتجع متعلق به تعلقًا ظاهرًا.
ولأن الارتجاع وسيلة إلى الوطء ومقدمة له، فإن الراغب في الرجعة لا يؤمن عليه أن يرغب في الوطء، فمُنِع منها كالطيب. وعامة المعاني والأشياء المعتبرة في النكاح قد يمكن اعتبارها في الرجعة، بل ربما كان الارتجاع أشدَّ داعية من ابتداء النكاح، فإن تشوُّف
(4)
النفس إلى امرأة يعرفها أكثر من
(1)
كما في «التعليقة» (1/ 483).
(2)
في المصدر السابق.
(3)
انظر «الإنصاف» (8/ 330).
(4)
في المطبوع: «تشوق» في الموضعين.
تشوُّفها إلى امرأة لا يعرفها، ولهذا مُنع في قضاء الحج من الاجتماع بالمرأة.
ولأن المنع من النكاح لم يكن لنقصٍ في ملك التصرُّف ولا لنقصٍ
(1)
في المحل، وإنما كان المعنى يعود إلى
…
(2)
.
ولأن الرجعة استحلالٌ مقصود للبُضْع، وإثباتٌ لملك النكاح، فمُنِع منه كالعقد المبتدأ، وذلك لأن الطلاق يوجب التحريم وزوال ملك النكاح، إما في الحال أو في المآل بعد انقضاء العدة، والرجعة ترفع هذا التحريم، وتعيد الملك تمامًا. ولا نسلِّم أنه ليس بنكاح بل هو نكاح، ولهذا تصح بلفظه على أحد الوجهين، وفي الآخر إنما لم يصح بلفظه لكونه لا يدل على خصوص معنى الرجعة، كالوجهين في صحة الإجارة بلفظ البيع، مع أن الإجارة معاوضة محضة.
ولأن كل من لا يصح منه النكاح بحالٍ لا يصح منه
(3)
الرجعة، كالصبي والمجنون والكافر.
ولأن من حَظَرَ عليه الإحرام شيئًا حَظر عليه استصلاحه واستبقاءَه.
فأما المرأة المطلَّقة إن كانت هي المحرمة، فهل للزوج الحلال أن يرتجعها؟
…
(4)
.
فإن لم يكن له ذلك فهل للرجعية أن تُحرِم؟ ....
(5)
.
(1)
في المطبوع: «ونقص» .
(2)
بياض في النسختين.
(3)
«منه» ساقطة من المطبوع.
(4)
بياض في النسختين.
(5)
بياض في النسختين.
ويجوز أن يفيء المُولي باللسان وهو محرم، ذكره ابن عقيل؛ لأن الإيلاء لا يوجب التحريم
(1)
. ويجوز أن يصالح الناشز. ويجوز أن يكفِّر المظاهر وهو محرم؛ لأن الظهار لا يوجب خللًا في العقد، حتى تكون الكفارة مُصلِحةً للعقد، وليست كلامًا من جنس الرفث، فليست مثل النكاح لفظًا ولا معنى، وإنما هي عتق أو إطعام أو صيام يحلِّل يمينًا عليه. ولأن مقصودها رفع
(2)
حكم اليمين تحليلًا أو تكفيرًا، كما أن مقصود شراء الجارية مِلك الرقبة، ولهذا قد تؤثّر في حلّ الفرج وقد لا تؤثّر، كما لو وطئ ثم زال النكاح بموت المرأة أو طلاقها، فإنه يجب عليه التكفير، كما أن ملك الرقبة قد يؤثّر في حلّ الفرج وقد لا يؤثّر.
فصل
فأما إذا خطب المحرم امرأة لنفسه وتزوَّجها بعد الحل، أو خطبها لرجل [ق 276] حلال، أو خطبت المحرمة لمن يتزوجها بعد الحلّ= فقال القاضي وابن عقيل في بعض المواضع وأبو الخطاب وكثير من أصحابنا: تُكرَه الخطبة ولا تحرم، ويصح العقد في هذه الصور.
وقال ابن عقيل في موضع
(3)
: لا يحلُّ له أن يخطب ولا يشهد. وهذا قياس المذهب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجميع نهيًا واحدًا ولم يفصِّل، وموجب النهي التحريم، وليس لنا ما يعارض ذلك من أثر ولا نظر، بل روي
(1)
في المطبوع: «التحرم» .
(2)
في المطبوع: «لرفع» خطأ.
(3)
انظر «الفروع» (5/ 442) و «الإنصاف» (8/ 330).
ما يؤكد ذلك، فعن نافع أن عبد الله بن عمر قال: لا يصلح للمحرم أن يخطب ولا يَنكح ولا يخطب على غيره ولا يُنكِح غيره. رواه حرب
(1)
....
(2)
.
ولأن الخطبة مقدمة النكاح وسبب إليه، كما أن العقد سبب للوطء، والشرع قد منع ذلك كله حسمًا للمادة.
ولأن الخطبة كلام في النكاح وذكرٌ له، وربما طال فيها
(3)
الكلام، وحصل بها أنواع من ذكر النساء، والمحرِم ممنوع من ذلك كله.
ولأن الخطبة تُوجب تعلقَ القلب بالمخطوبة، واستثقالَ الإحرام، والتعجُّلَ إلى انقضائه لتحصيل مقصود الخطبة، كما يقتضي العقد تعلقَ القلب بالمنكوحة، ولهذا مُنعت المعتدة أن تخطب كما مُنعت أن تنكح، ونُهي الرجل أن يخطب على خطبة أخيه كما نُهيت المرأة أن تسأل طلاق أختها.
فأما الشهادة فقد سوَّى كثير من أصحابنا بينها وبين الخطبة كراهةً وحظرًا.
وقال القاضي في «المجرد» : لا يُمنع من الشهادة على عقد النكاح؛ لأنه لا فعلَ له فهو كالخاطب،
…
(4)
أن الشهادة لا تُكره مطلقًا إذ لا نصَّ فيها،
(1)
سبق تخريجه.
(2)
بياض في النسختين.
(3)
في المطبوع: «فيه» خلاف ما في النسختين. والضمير يرجع إلى الخطبة.
(4)
بياض في النسختين. ولعل مكانه: «والراجح» .