المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة(6): (الرابع: تغطية الرأس، والأذنان منه) - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحج

- ‌جماعُ معنى الحج في أصل اللغة

- ‌مسألة(1): (يجب الحج والعمرة مرةً في العمر على المسلم العاقل البالغ الحرِّ)

- ‌الفصل الثانيأن العمرة أيضًا واجبة

- ‌ عنه رواية أخرى: أنها سنة

- ‌إن العمرة هي الحج الأصغر

- ‌الفصل الثالثأنهما إنما يجبان مرةً في العمر بإيجاب الشرع، فأما إيجاب المرء على نفسه فيجب في الذمة بالنذر

- ‌الفصل الرابعأنه لا يجب الوجوب المقتضي للفعل وصحتِه إلا على مسلم

- ‌الفصل الخامسأنه لا حج على مجنون(3)كسائر العبادات

- ‌الفصل السادسأنه لا حجَّ على الصبي قبل البلوغ

- ‌الفصل السابعأنه لا يجب إلا على حرٍّ كاملِ الحرية

- ‌مسألة(1): (إذا استطاع إليه سبيلًا، وهو(2)أن يجد زادًا وراحلةً بآلتها(3)مما يَصلُح لمثله، فاضلًا عما يحتاج إليه لقضاء ديونه(4)ومُؤْنةِ نفسه وعياله على الدوام)

- ‌الفصل الرابعأن يجد ذلك بعد ما يحتاج إليه من قضاء دينه ومُؤْنة نفسه وعياله على الدوام

- ‌إن كان له كتبُ علمٍ يحتاج(6)إليها لم يلزمه بيعها

- ‌إذا أَحجَّ(3)عن نفسه أجزأ عنه وإن عوفي

- ‌فصلإمكان المسير والأداء بسعة الوقت، وخلوِّ الطريق، والصحة(2): هل هو شرط للوجوب أو للزوم الأداء(3)فقط؟ على روايتين

- ‌مسألة(1): (ويُعتبر للمرأة وجودُ مَحْرمها، وهو زوجها، ومن تَحْرم عليه على التأبيد بنسبٍ أو سببٍ مباح)

- ‌لا يجوز لها(2)أن تسافر بغير محرم إلا في الهجرة

- ‌الفصل الثاني في المَحْرم

- ‌مسألة(6): (فمن فرَّط حتى مات أُخرِج عنه من ماله حجة وعمرة)

- ‌ من زعم أن العمل لا ينفع غير عامله في جميع المواضع فقد خرج عن دين الإسلام

- ‌فصليجب الحج عن الميت والعاجز من حيث وجب عليه

- ‌إذا لم يقدر له النفقة، فإنه ينفق بالمعروف، ويردُّ ما فضلَ

- ‌مسألة(4): (ولا يصحُّ الحجُّ من كافرٍ ولا مجنونٍ)

- ‌الثاني: أن يُجنَّ بعد إحرامه، فهذا إن كان صرعًا وخَنْقًا لم يبطل إحرامه

- ‌مسألة(4): (ويصحُّ من العبد والصبيِّ، ولا يُجزِئهما)

- ‌الفصل الثانيأن حج الصبي صحيح(2)، سواء كان مميِّزًا أو طفلًا

- ‌إن كان غير مميز عقد الإحرامَ له وليُّه

- ‌مسألة(1): (ويصحُّ من غير المستطيع والمرأةِ بغير مَحْرم، ويُجزئهما)

- ‌مسألة(4): (ومن حجَّ عن غيره ولم يكن حجَّ(5)عن نفسه، أو عن نذرِه ونَفْلِه(6)قبل حجة الإسلام، وقع عن فرض نفسه دون غيره)

- ‌ إذا خالف وأحرم عن غيره ففيه روايتان

- ‌الفصل الثانيإذا كان عليه فرضٌ ونفْلٌ لم يجز أن يُحرِم إلا بالفرض، وإن كان عليه فرضان لم يجز أن يبدأ إلا بأوكدِهما

- ‌باب المواقيت

- ‌مسألة(2): (وميقات أهل المدينة ذو الحُلَيفة(3)، والشام ومصر والمغرب الجُحْفة، واليمن يَلَمْلَم، ولنجدٍ قَرْن، وللمشرق ذات عِرْق)

- ‌مسألة(1): (وهذه المواقيتُ لأهلها، ولكلِّ من مرَّ عليها)

- ‌ومن مرَّ على ميقاتين فعليه أن يحرم من أبعدهما من مكة

- ‌مسألة(4): (ومن كان منزلُه دون الميقات فميقاته من موضعه، حتى أهلُ مكة يُهِلُّون منها لحجّهم، ويُهِلُّون للعمرة من الحلّ)

- ‌فصلوأما المكي إذا أراد أن يعتمر فإنه يخرج إلى الحلّ

- ‌الإحرام بالعمرة من أقصى الحلّ أفضلُ من أدناه

- ‌فأما الاعتمار من الحديبية فلا فضلَ فيه على غيره

- ‌مسألة(3): (ومن لم يكن طريقُه على ميقاتٍ(4)فميقاتُه حذوَ أقربِها إليه)

- ‌مسألة(1): (ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوزُ الميقات غيرَ محرمٍ(2)إلا لقتال مباح، أو حاجةٍ تتكرَّر كالحطَّاب ونحوه. ثم إن أراد النسك أحرم من موضعه، وإن تجاوزه غيره(3)رجع فأحرم من الميقات، فإن أحرم مِن دونِه فعليه دم، سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع)

- ‌إن دخل مكة(4)غيرَ مُحرمٍ لزمه قضاء هذا الإحرام

- ‌الفصل الثانيأن من دخل مكة لقتال مباح فإنه لا إحرام عليه

- ‌وكذلك من دخلها خائفًا لفتنةٍ عرضتْ ونحو ذلك

- ‌مسألة(1): (والأفضل أن لا يُحرِم قبل الميقات، فإن فعلَ فهو مُحرِم)

- ‌ تفسير الحديث: «أن تُحرِم من دُوَيرة أهلك»

- ‌مسألة(5): (وأشهرُ الحج: شوال وذو القعدة وعشْرٌ من ذي الحجة)

- ‌فإن خالف وأحرم بالحج قبل أشهره فإنه ينعقد الإحرام بالحج في أشهر الروايتين

- ‌باب الإحرام

- ‌مسألة(1): (من أراد الإحرام استُحِبَّ له أن يغتسل، ويتنظَّف، ويتطيَّب، ويتجرَّد عن المَخِيْط في إزارٍ ورداء أبيضَينِ نظيفينِ)

- ‌ وليس هذا الغسل واجبًا، نصَّ عليه

- ‌ يُستحبُّ أن يتطيَّب في بدنه دون ثيابه

- ‌مسألة(2): (ثم يصلِّي ركعتين ويُحرم عقيبَهما؛ وهو أن ينوي الإحرام، ويُستحبُّ أن ينطق به ويشترط

- ‌الفصل الثانيفي الوقت الذي يُستحب فيه الإحرام

- ‌إذا أحرم دُبر الصلاة ففي أول أوقات التلبية ثلاثة أوجه:

- ‌ التلبية(6)والإهلال والإحرام وفرْضُ الحج بمعنى واحد

- ‌الفصل الثالثأن الإحرام ينعقد بمجرد النية عند أصحابنا

- ‌مسألة(1): (وهو مخيَّر بين التمتع والإفراد والقران، وأفضلُها التمتع، وهو أن يُحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم يشرع في الحج في عامه، ثم الإفراد، وهو أن يُحرم بالحج مفردًا، ثم القِران

- ‌إن الرجل إذا أنشأ للعمرة سفرًا من مصره كان أفضل من عمرة التمتع

- ‌أما كون النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ولم يعتمر في أشهره، فعنه ثلاثة أجوبة:

- ‌المسألة الثانية(2): أنه يجوز أن يحرم بالعمرة، ثم يُدخل عليها الحج، ويصير قارنًا

- ‌مسألة(1): (وإذا استوى على راحلته لبَّى، فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)

- ‌سبب التلبية ومعناها

- ‌مسألة(5): (ويُستحبُّ الإكثارُ منها ورفعُ الصوت بها لغير النساء)

- ‌أما المرأة فيستحبُّ لها أن تُسمِع رفيقتها

- ‌يُكره إظهار التلبية في الأمصار والحِلَل

- ‌باب(1)محظورات الإحرام

- ‌مسألة(2): (وهي تسع(3): حَلْق الشعر، وقَلْم الظُّفر)

- ‌مسألة(1): (ففي ثلاثٍ منها دمٌ، وفي كل واحد مما دونها مُدُّ طعامٍ، وهو ربعُ الصاعِ)

- ‌مسألة(5): (الثالث: لُبس المَخيط إلا أن لا يجد إزارًا فيلبس سراويلَ، أو لا يجد نعلين فيلبسْ خفينِ، ولا فدية عليه)

- ‌مسألة(6): (الرابع: تغطية الرأس، والأذنان منه)

- ‌وحيث كُرِه له التظليل فهل تجب الفدية؟ على روايتين منصوصتين

- ‌مسألة(3): (الخامس: الطِّيب في بدنه وثيابه)

- ‌فصليحرم عليه أن يتطيَّب في بدنه وثيابه، سواء مسَّ الطيبُ بدنه أو لم يمسَّه

- ‌وليس له أن يستصحب ما يجد ريحه لتجارة ولا غيرها وإن لم يقصد شمَّه

- ‌فصلفأما الثياب المصبوغة بغير طيب؛ فلا يُكره منها في الإحرام إلا ما يُكره في الحلّ

- ‌أما الكحل إذا كان فيه طيب فإنه لا يجوز إلا لضرورة

- ‌مسألة(3): (السادس: قتل صيد البرِّ، وهو ما كان وحشيًّا مباحًا، فأما صيد البحر والأهليّ وما حرم أكلُه فلا شيء فيه، إلا ما كان متولِّدًا من مأكولٍ وغيره)

- ‌إذا وجد المضطرُّ ميتة وصيدًا فإنه يأكل الميتة ويدع الصيد

- ‌إذا أكل الصيد مَن صِيْد لأجله من المحرمين وجب عليه الجزاء

- ‌مسألة(2): (السابع: عقْدُ النكاح لا يصحُّ منه، ولا فديةَ فيه)

- ‌مسألة(2): (الثامن: المباشرة لشهوة فيما دون الفرج، فإن أنزلَ بها ففيها بدنةٌ، وإلا ففيها شاةٌ)

- ‌إن كانت المباشرة وطأً دون الفرج ففيها بدنة، وإن كانت قبلةً أو غمزًا ففيها شاة

- ‌مسألة(2): (التاسع: الوطء في الفرج، فإن كان قبل التحلُّل الأول أفسد الحج، ووجب المضيُّ في فاسده والحجُّ من قابلٍ، وعليه بدنة، وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة، ويُحرِم من التنعيم ليطوف محرمًا)

- ‌الفصل الرابعإذا وطئ بعد التحلل الأول لم يبطل حجه

- ‌فصلوهل عليه بدنة أو شاة؟ على روايتين:

- ‌مسألة(3): (وإن وطئ في العمرة أفسدها، وعليه شاة)

- ‌مسألة(1): (ولا يفسد النسك بغيره)

- ‌مسألة(5): (والمرأة كالرجل، إلا أن إحرامها في وجهها، ولها لُبْسُ المخيط)

- ‌الفصل الثالث: أن إحرامها في وجهها، فلا يجوز لها أن تلبس النقاب والبرقع

الفصل: ‌مسألة(6): (الرابع: تغطية الرأس، والأذنان منه)

ومن فرَّق بين الضرورة وغيرها قال: إن المنكبين يحتاج إلى سترهما في الجملة، فإذا اضطُرَّ إلى ذلك كان بمنزلة المضطَرَّ إلى السراويل والنعل.

والأول هو المعروف من نصّه، [و] هو الذي عليه أكثر أصحابنا

(1)

القاضي

(2)

وأصحابه؛ لما رُوي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه وكرَّم وجهه قال: من اضطُرَّ إلى لُبس قَباءٍ

(3)

وهو محرم، ولم يكن له غيره، فليُنكِّس القَباء ولْيلبَسْه». رواه النجّاد

(4)

.

ولأنه ليس مَخِيطًا

(5)

على وجهٍ قد يُلبس مثله في العادة، فأشبه إذا أدخل كفَّيه في الكُمَّين ولم يَزِرَّه.

‌مسألة

(6)

: (الرابع: تغطية الرأس، والأذنان منه)

.

وجملة ذلك: أن تغطية الرأس حرام على المحرم بإجماع المسلمين. والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا يلبس العمامةَ ولا البُرنسَ»

(7)

، وقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وَقَصَتْه راحلته: «اغسِلوه بماء وسِدْرٍ، وكفِّنوه في ثوبيه،

(1)

بياض في النسختين.

(2)

في «التعليقة» (1/ 355).

(3)

في المطبوع: «القباء» خلاف النسختين و «التعليقة» .

(4)

عزاه إليه القاضي في «التعليقة» (1/ 355). وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (16118) بنحوه.

(5)

في النسختين: «محنا» تحريف.

(6)

انظر «المستوعب» (1/ 460) و «المغني» (5/ 150) و «الشرح الكبير» (8/ 234) و «الفروع» (5/ 411).

(7)

سبق تخريجه.

ص: 490

ولا تُخمِّروا رأسه، ولا تُقرِّبوه طيبًا، فإنه يُبعَث يوم القيامة ملبيًا». متفق عليه

(1)

. فمنع من تخمير رأسه بعد الموت لبقاء الإحرام عليه، فعُلِم أن من حكم المحرم أن لا يخمّر رأسه. وهذا من العلم العام الذي تناقلته الأمة خلفًا عن سلف.

وقد روي عن الحسن بن محمد قال: أبصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه قومًا بعرفة عليهم القُمُص والعمائم، فأمر أن يعاد عليهم الجزية

(2)

.

وعن عون قال: أبصر عمر بن الخطاب قومًا بعرفة عليهم القمص والعمائم، فقال: إن عَلِموا فعاقبوهم، وإن كانوا جهّالًا فعلِّموهم

(3)

.

والأذنان من الرأس لما تقدَّم في الطهارة

(4)

، وعليه أن يكشف من حدود الوجه والسالفة

(5)

ما لا ينكشف الرأس إلا به.

فأما الوجه ففيه ثلاث روايات:

إحداهن: له أن يغطِّي وجهه، قال في رواية أبي داود

(6)

: يغطّي وجهه وحاجبيه.

وسئل في رواية حنبل

(7)

عن المحرم يغطِّي وجهه، قال: لا بأس بذلك.

(1)

البخاري (1851) ومسلم (1206) من حديث ابن عباس.

(2)

سبق تخريجه وبيان انقطاع سنده (ص 111).

(3)

لم أقف عليه.

(4)

(1/ 168).

(5)

السالفة: صفحة العنق، وهما سالفتان من جانبيه.

(6)

في «مسائله» (ص 174).

(7)

كما في «التعليقة» (1/ 356).

ص: 491

وقال أيضًا في رواية ابن مُشَيش

(1)

في محرم مات: يغطَّى وجهه ولا يغطَّى رأسه.

وقال مهنّا: سألت أحمد عن المحرم يموت؛ هل يغطَّى وجهه؟ قال: قد اختلفوا فيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: لا يغطَّى رأسه، قلت: أيهما أعجبُ إليك: يغطَّى وجهُ المحرم إذا مات أو لا يغطَّى؟ قال: أما الرأس فلا أرى أن يغطُّوه، وأما الوجه فأرجو أن لا يكون به بأس.

وقال أبو الحارث: قلت له: تذهب إلى أن يخمَّر وجهه ويُكشَف رأسه؟ قال: نعم على ما جاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أصح من غيره.

وهو اختيار القاضي

(2)

وأصحابه. قال الخلال: لعل أبا عبد الله صوَّب القول قديمًا، فذهب إلى ما حكاه إسماعيل بن سعيد، ثم ذهب بعد ذلك

(3)

إلى ما روى مهنّا والجميع عنه: أنه لا يخمّر رأسه ويخمّر وجهه.

والثانية: لا يغطّي وجهه؛ قال في رواية ابن منصور

(4)

وإسماعيل بن سعيد الشالنجي

(5)

في المحرم يموت: لا يغطَّى رأسه ولا وجهه.

وذلك لما روى ابن عباس أن رجلًا أوقَصَتْه راحلتُه وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسِدْر، وكفِّنوه في ثوبَيْه، ولا تخمِّروا

(1)

في المصدر السابق (1/ 356).

(2)

في المصدر السابق (1/ 356).

(3)

«ذلك» ليست في ق.

(4)

هو الكوسج، انظر «مسائله» (1/ 545).

(5)

كما في «التعليقة» (1/ 356).

ص: 492

وجهه ولا رأسه، فإنه يُبعث يوم القيامة ملبِّيًا». رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود والترمذي

(1)

.

وفي «الصحيحين»

(2)

عن ابن عباس أنه قال: إذا مات المحرم لم يغطَّ وجهه حتى يلقى الله محرمًا. رواه أحمد في رواية ابنه عبد الله

(3)

.

والثالثة: قال في رواية أبي طالب

(4)

: يخمِّر أسفلَ من الأنف، [و] وضع يديه على فمه دون أنفه يغطِّيه من الغبار.

وفي لفظٍ قال: إحرام الرجل في رأسه ووجهه، ولا يغطِّي رأسه، ومن نام فوجد رأسه مغطًّى فلا بأس. والأذنان من الرأس، يخمِّر أسفلَ من الأذنين، وأسفل من الأنف، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تخمِّروا رأسه» ، فأذهبُ إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: وإحرام المرأة في وجهها، لا تنتقب ولا تتبرقع، وتُسدِل الثوب على رأسها من فوق، وتلبس من خزِّها وقزِّها ومعصفرِها وحليِّها في إحرامها مثل قول عائشة

(5)

.

(1)

مسلم (1206/ 98) والنسائي (2854) وابن ماجه (3084). وذكر البيهقي بعد سرد الطرق والروايات أن النهي عن تخمير الوجه غريب وليس بمحفوظ، إذ لم يُذكر في أكثر الطرق والروايات. انظر «السنن الكبرى» (3/ 390 - 393).

(2)

كذا في النسختين، وليس الحديث في «الصحيحين» بهذا اللفظ. وقد سبق ذكره في أول المسألة.

(3)

لم أجده فيه ولا في غيره. وإنما رُوي بلفظ: «إذا مات المحرم لم يُغطَّ رأسه

» أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (5/ 345) والبيهقي في «الكبرى» (3/ 394).

(4)

كما في «التعليقة» (1/ 356).

(5)

أخرج البيهقي في «الكبرى» (5/ 47) عنها بإسناد صحيح: «المُحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبًا مسَّه ورس أو زعفران، ولا تتبرقع ولا تلثم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت» . وأخرج أيضًا (5/ 52) بإسناد جيّد قولَها: «تلبس مِن خزِّها وبزِّها وأصباغها وحُليِّها» . وقد علّقه البخاري (3/ 405 - الفتح) عنها بصيغة الجزم.

ص: 493

وذلك لأن حد الرأس الأذنان والسالفة، فيكشف ما يحاذيه من الأنف وما علاه، وما دون ذلك فيغطِّيه إن شاء؛ لأنه خارج عن حد الرأس.

وسواء غطَّى الرأس بما صُنع على قدره من عمامة وقلنسوة وكُلتَه

(1)

ونحو ذلك، وبغير ذلك مثل خرقة، أو عصابة، أو ورقة، [ق 241] أو خرقة فيها دواء أو ليس فيها دواء، وكذلك إن خضب رأسه بحنَّاءٍ أو طيَّنه، إلا أن يحتاج إلى شيء من ذلك فيفعله، ويفتدي.

وسواء كان الغطاء غليظًا أو رقيقًا، فأما

(2)

.

وأيضًا ما روي عن الفَرافِصة قال: رأيت عثمان وزيدًا وابن الزبير يغطُّون وجوههم وهم مُحرِمون إلى قُصاص الشعر

(3)

.

وعن عائشة بنت سعد قالت: كان أبي يأمر الرجال أن يخمِّروا وجوههم وهم حُرُم، وينهى النساء عن ذلك

(4)

.

(1)

أصلها بالفارسية «كلوته» بمعنى القلنسوة، انظر «تكملة المعاجم العربية» لدوزي (9/ 125).

(2)

بياض في النسختين.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (14459) بإسناد جيّد. وأخرجه بإسناد أصحّ (14454) بذكر «مروان بن الحكم» بدل «ابن الزبير» .

(4)

«عن ذلك» ساقطة من المطبوع. والأثر عزاه القاضي في «التعليقة» (1/ 358) إلى أبي بكر النجّاد.

ص: 494

وعن أبي الزبير عن جابر قال: ليغشى وجهه بثوبه. وأهوى إلى شعر رأسه، وأشار أبو الزبير بثوبه إلى رأسه

(1)

.

وعن عطاء عن ابن عباس قال: المحرم يغطِّي وجهه ما دون الحاجب

(2)

.

فصل

قال أصحابنا: وله أن يحمل فوق رأسه شيئًا مثل المِكْتَل

(3)

والطَّبق

(4)

ونحوه. وحرّره ابن عقيل فقال: إذا احتاج لحمل متاع من موضعه إلى غيره، فحمله، فغطَّى رأسه، لم تجب الفدية؛ لأن الحمل لا يقصد به التغطية بل النقل. وإن تعمَّد لحمل شيء على رأسه تحيُّلًا للتغطية لم تسقط الفدية، وكان مأثومًا.

وهذا مقتضى تعليل بقيتهم أن يفرّق بين أن يقصد الحمل فقط، أو يقصد مع الحمل التغطية.

وعلّله القاضي في موضع

(5)

بأنه لا يُستدام في العادة، فهو كما لو وضع

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (14451) والإمام أحمد في «مسائله ــ رواية أبي داود» (ص 155) بإسناد صحيح.

(2)

ذكره ابن حزم في «المحلَّى» (7/ 91) عن حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن عطاء عن ابن عباس، وهذا إسناد صحيح. وعزاه في «التعليقة» (1/ 358) إلى النجّاد. وأخرجه ابن أبي شيبة (14457) عن عطاء من قوله مقطوعًا.

(3)

في النسختين: «الكبك» تحريف، والتصويب من «التعليقة» (1/ 365) و «المغني» (5/ 152). والمكتل: زنبيل يُعمل من الخوص.

(4)

هو الغطاء، أو الإناء الذي يؤكل فيه.

(5)

في «التعليقة» (1/ 365).

ص: 495

يده على رأسه

(1)

.

قالوا: وله أن يضع يده على رأسه، وأن يقلب ذُؤابته

(2)

على رأسه.

فصل

وأما إذا غطَّى رأسه بشيء منفصل عنه فهو أقسام:

أحدها: أن يستظلَّ بسقْفٍ في بيت أو سوق أو مسجد أو غير ذلك، أو يستظل بخيمة أو فُسطاط

(3)

أو نحوهما، أو يستظل بشجرة ونحوها، ونحو ذلك فهذا جائز. قال أحمد في رواية حنبل

(4)

: لا يستظل على المحمل، ويستظل بالفازة

(5)

والخيمة، [و]

(6)

هي بمنزلة البيت. ونصّ

(7)

على أنه لو جلس تحت خيمة أو سقف جاز.

وليس اجتناب ذلك من البر، كما كان أهل الجاهلية يفعلونه، لقوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [البقرة: 189]. فروى

(1)

في المطبوع: «وضع على رأسه يده» خلاف النسختين.

(2)

الذُّؤابة: شعر مقدّم الرأس. وفي المطبوع: «ذوائبه» بصيغة الجمع، وهو مخالف لما في النسختين.

(3)

الفسطاط: بيت يتخذ من الشعر.

(4)

كما في «التعليقة» (1/ 367).

(5)

مظلّة من نسيج أو غيره تُمدّ على عمود أو عمودين. وتصحفت في «التعليقة» إلى «بالقارة» .

(6)

زيدت الواو من «التعليقة» .

(7)

كما في «التعليقة» (1/ 367).

ص: 496

أحمد

(1)

، قثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري قال: كان ناس من الأنصار إذا أهلُّوا بالعمرة لم يَحُلْ بينهم وبين السماء شيء، يتحرَّجون من ذلك، فكان الرجل يخرج مُهِلًّا بالعمرة، فتبدو له الحاجة بعدما يخرج من بيته، فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف البيت أن يحول بينه وبين السماء، فيقتحم الجدارَ من ورائه، ثم يقوم في حجرته، فيأمر بحاجته، فتُخرَج إليه من بيته، حتى بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أهلَّ زمنَ الحديبية بالعمرة، فدخل حجرته، فدخل على أثره رجل من الأنصار من بني سلمة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«إني أحْمَسُ»

(2)

. قال الزهري: وكانت الحُمْس لا يبالون ذلك، فقال الأنصاري: وأنا أحمسُ، يقول: وأنا على دينك، فأنزل الله عز وجل:{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} .

وعن البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية فينا؛ كانت الأنصار إذا حجُّوا فجاءوا لم يدخلوا من قِبَلِ أبواب البيوت، فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه، وكأنه عيّر بذلك، فنزلت:{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} متفق عليه

(3)

.

وفي رواية صحيحة لأحمد

(4)

عن البراء قال: كانوا في الجاهلية إذا

(1)

لم أجده عنده، ولكنه عند عبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 72 - 73) ومن طريقه أخرجه الطبري (3/ 286). وهو مُرسل، لكنه يتقوّى بما سيأتي.

(2)

مفرد «الحُمْس» ، وهم قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهلية، سُمُّوا بذلك لتحمُّسِهم في دينهم أي تشدُّدهم فيه. وقيل لغير ذلك. انظر «تاج العروس» (حمس).

(3)

البخاري (1803) ومسلم (3026).

(4)

لم أجدها عنده، وقد أخرجها الطبري (3/ 283). وهي بنحوها عند البخاري في «صحيحه» (4512).

ص: 497

أحرموا أتوا البيوت من ظهورها، ولم يأتوها من أبوابها، فنزلت هذه الآية.

وروي عن قيس بن جرير

(1)

قال: كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيتًا من بابه ولكن من

(2)

ظهره، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم في بعض حيطان بني النجّار، وكانت الحُمْس يدخلون البيوت من أبوابها، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحائط من بابه تبعه رجل من الأنصار يقال له رِفاعة بن تابوت، قالوا: يا رسول الله إن رفاعة منافق حيث دخل هذا الحائط من بابه، فقال:«يا رفاعة ما حملك على ما صنعتَ؟» ، قال: يا رسول الله رأيتك دخلتَ، فدخلتُ، فقال:«إنك لست مثلي، أنا من الحُمْس، وأنت ليس منهم» ، قال: يا رسول الله إن كنتَ من الحُمْس فإن ديننا واحد، فنزلت:{بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} إلى آخر الآية

(3)

.

وقد روى جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقُبَّةٍ من شَعرٍ تُضرَب له

(4)

بنَمِرةَ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضُرِبت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقَصْواء

(5)

(1)

كذا في النسختين، ووقع في «تفسير الطبري» (3/ 284):«بن جبير» ونبّه محققوه بهامشه أن الصواب: «بن حبتر» . وانظر «الإكمال» لابن ماكولا (2/ 23).

(2)

«من» ليست في س.

(3)

أخرجه الطبري (3/ 284) بنحوه، وهو مُرسل. وقد أخرج ابن أبي حاتم (1/ 323) والحاكم (1/ 483) نحوه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما إلا أن اسم الأنصاري فيه:«قطبة بن عامر» وهو أصحّ. انظر «فتح الباري» (3/ 621 - 622).

(4)

«له» ساقطة من المطبوع.

(5)

في النسختين والمطبوع: «القصوى» مقصورة، والصواب مدُّها، وهي كذلك في «صحيح مسلم» .

ص: 498

فرُحِلَتْ

(1)

له. رواه مسلم

(2)

.

وكان هو وأصحابه

(3)

.

وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: حججتُ مع عمر بن الخطاب، فما رأيته ضرب فُسطاطًا حتى رجع، قال: فقلت له: كيف كان يصنع؟ قال: كان يستظلُّ بالنِّطْع

(4)

والكساء. رواه أحمد

(5)

.

وسواء طال زمان ذلك أو قصُر؛ لأن هذا يُقصَد به جمع الرحل والمتاع دون مجرَّد الاستظلال.

وحقيقة [ق 242] الفرق أن هذا شيء ثابت بنفسه، لا يُستدام في حال السير والمُكْث.

الثاني: المَحْمِل

(6)

والعَمَّارِيَّة

(7)

والقُبَّة

(8)

والهَوْدج

(9)

ونحو ذلك

(1)

أي وُضع عليها الرحل.

(2)

رقم (1218).

(3)

بياض في النسختين.

(4)

بساط من الجلد.

(5)

لم أقف عليه في مصنفاته، ولكن رواه عنه أبو داود في «الزهد» (70) وإسناده صحيح. ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (14461) بنحوه. وعزاه في «القِرى» (ص 199) إلى سعيد بن منصور.

(6)

هو الهودج.

(7)

نوع من المحامل التي تُحمل على بَغْل، وتجلس فيها العروس حتى تُزَفّ إلى بيت زوجها. انظر «تكملة المعاجم العربية» (7/ 308).

(8)

خيمة صغيرة أعلاها مستدير.

(9)

أداة ذات قُبة توضع على ظهر الجمل لتركب فيها النساء.

ص: 499

مما يُصنع على الإبل وغيرها من المراكب لأجل الاستظلال، شَفْعًا كانت أو وَتْرًا، فهذا إذا كان متجافيًا عن رأسه فالمشهور عن أحمد الكراهة. وعنه لا بأس به. ذكرها ابن أبي موسى

(1)

؛ لأن المنع من الاستظلال والبروز للسماء إنما كان يعتقده بِرًّا أهلُ الجاهلية كما تقدَّم عنهم، وقد ردّ الله ذلك كما تقدّم.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى أبا إسرائيل قائمًا في الشمس سأل عنه، فقيل: نذر أن يقوم ولا يتكلم، ولا يستظلَّ، ويصوم، قال:«مُروه فليقعُدْ وليستظِلَّ وليتكلَّمْ، وليُتِمَّ صومَه» . رواه البخاري

(2)

.

فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الضَّحَى

(3)

للشمس مثل الصمت والقيام ليس مشروعًا ولا مسنونًا، ولا بِرَّ فيه.

وأيضًا فليس في المنع منه كتاب ولا سنة ولا إجماع، فوجب أن يبقى على أصل الإباحة.

وأيضًا فإنه يجوز له الاستظلال بالخيمة والسقف والشجر وغير ذلك، وهذا في معناه، ولا يقال: هذه الأشياء المقصودُ بها جمع المتاع، فإنه لو دخل البيت لقصد الاستظلال، أو نصب له خيمة لمجرَّد الاستظلال، جاز بلا تردد.

وقد احتجُّوا على ذلك بما روت أم الحُصَين قالت: حججنا مع رسول

(1)

في «الإرشاد» (ص 166).

(2)

رقم (6704).

(3)

أي البروز للشمس.

ص: 500

الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالًا، وأحدهما آخذٌ بخِطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر رافعٌ ثوبَه يستره من الحرِّ، حتى رمى جمرة العقبة. رواه مسلم وأبو داود والنسائي

(1)

، وعنده أن الآخذ بالخطام بلال، والمظلِّل بالثوب أسامة.

وفي رواية لأحمد

(2)

: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته، ومعه بلال وأسامة، أحدهما يقود به، والآخر رافعٌ ثوبه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يُظِلُّه من الشمس، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولًا كثيرًا، ثم سمعته يقول:«إن أُمِّر عليكم عبدٌ مجدَّعٌ ــ حسبتُها قالت ــ أسودُ يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا» .

فإن قيل: هذا التظليل إن كان يوم النحر ففيه مستدَلٌّ، وإن كان في أحد أيام منًى فلا حجة فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلَّ من إحرامه

(3)

يوم النحر، وليس فيه بيان أن ذلك كان يوم النحر، بل فيه ما يُشعِر أنه كان في أيام منى، لأن الجمرة تُرمى أيام منى بعد الزوال حين اشتداد الحرّ، فأما يوم النحر فإن النبي صلى الله عليه وسلم رماها ضُحًى، وليس ذلك الوقت للشمس حَرٌّ يحتاج إلى تظليل.

قيل: قد روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا رمى الجمار مشى إليها

(4)

(1)

مسلم (1298/ 312) وأبو داود (1834) والنسائي (3060) وأحمد (27259).

(2)

لم أجدها عنده بهذا اللفظ، وهي عند مسلم (1298/ 311) باختلاف يسير.

(3)

ق: «حرمه» .

(4)

ق: «إليه» .

ص: 501

ذاهبًا وراجعًا

(1)

. رواه الترمذي

(2)

وصححه. ورواه أبو داود

(3)

عن ابن عمر أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيًا ذاهبًا وراجعًا، ويخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. ورواه أحمد

(4)

فقال: «كان يرمي الجمرة يوم النحر راكبًا وسائر ذلك ماشيًا، ويخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك» .

ففي هذا ما يدلُّ على

(5)

أن ذلك الرمي كان يوم النحر، لأنه كان راكبًا، وهو صلى الله عليه وسلم لم يُفِضْ من جَمْعٍ حتى كادت الشمس تطلع، وما بين أن يُفيض إلى أن يجيء إلى جمرة العقبة يصير للشمس مسٌّ وحرٌّ، فإن حجته صلى الله عليه وسلم كانت في

(6)

ويبيِّن ذلك

وقد أخبرت أم الحُصين

(7)

أنه خطب عند الجمرة

(8)

، وإنما خطب عند جمرة العقبة يوم النحر، وتخصيصها جمرة العقبة دون غيرها دليل على أنه إنما رماها وحدها

(9)

، إذ لو كان

لكن التظليل ــ والله أعلم ــ إنما كان حين الانصراف من رميها، وحينئذٍ فقد حلَّ

(1)

الواو ساقطة من المطبوع.

(2)

رقم (900). وقال: «هذا حديث حسن صحيح» .

(3)

رقم (1969) وفي إسناده عبد الله العُمَري وهو ضعيف، والحديث يصحّ بما قبله.

(4)

رقم (5944) وإسناده كسابقه، ويشهد للرمي يوم النحر راكبًا حديثُ جابر عند مسلم (1297) أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر.

(5)

«على» ساقطة من المطبوع.

(6)

بياض في النسختين هنا وفيما بعدُ مكانَ النقط.

(7)

في المطبوع: «أم حصين» خلاف النسختين.

(8)

في المطبوع: «جمرة العقبة» ، وهو مخالف لما في النسختين.

(9)

«وحدها» ساقطة من المطبوع.

ص: 502

وجاز له الحِلاق.

ووجه المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه وخلفاءه من بعده والتابعين لهم بإحسان إنما حجُّوا ضَاحِين بارزين، لم يتخذوا مَحْمِلًا ولا قبةً ولا ظُلَّة على ظهور الدواب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لتأخذوا عنّي مناسككم»

(1)

. ولهذا عدَّ السلف هذا بدعة. والضَّحَى للمحرم أمر مسنون بلا

(2)

.

وقد روي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مُحرمٍ يَضْحَى لله يومَه يلبِّي حتى تغيبَ الشمس إلا غابت بذنوبه» . رواه ابن ماجه

(3)

.

وقد كانوا في أول الإسلام يُسرِفون في البروز والضَّحى، حتى يمتنع أحدهم من الدخول من الباب مبالغةً في الامتناع من تخمير الرأس، ثم إن الله سبحانه نهاهم عن الدخول من ظهور البيوت، وأمرهم بالدخول من أبوابها، ولم يعِبْ عليهم أصلَ الضَّحى والبروز، [ق 243] فعُلِم أنه سبحانه أقرَّهم على ذلك ورضيه منهم، وأنه لا بأس بدخولٍ ومُكثٍ لا يقصد الاستظلال

(4)

ونحو ذلك من الظل. ولو عاب عليهم نفس التحرُّج من الاستظلال لقال: وليس البرُّ في البروز أو في الضَّحى ونحو ذلك، كما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي إسرائيل لأنه لم يكن محرمًا، والضَّحى لمجرد الصوم لا يُشْرع، ولهذا نهاه عن الصمت والقيام في غير عبادة، وإن كان ذلك مشروعًا للمصلِّي؛ ولأنه قصد ذلك وأراده، وصار دخولهم البيوت مثل نزْعِ المحرم

(1)

سبق تخريجه.

(2)

بياض في النسختين.

(3)

حديث ضعيف سبق تخريجه.

(4)

بعدها في المطبوع: «منه» . وليست في النسختين.

ص: 503

القميصَ وإن خمَّر رأسه، لكن لما لم يقصد به التخمير ــ ولا بدَّ منه ــ وقَّت فيه الرخصة.

وأيضًا فإنَّ المحرمَ الأشعثُ الأغبرُ، بدليل ما روي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان عشية عرفة باهَى الله بالحاجِّ؛ فيقول لملائكته: انظروا إلى عبادي شُعْثًا غُبْرًا قد أتوني من كلّ فجٍّ عميق، يرجون رحمتي ومغفرتي، أُشهِدكم أني قد غفرتُ لهم إلا ما كان من تَبِعَات بعضهم بعضًا. فإذا كان غداة المزدلفة قال الله للملائكة: أُشهِدكم أني قد

(1)

غفرتُ لهم تبعاتِ بعضهم بعضًا، وضَمِنتُ لأهلها النوافلَ». رواه ابن أبي داود

(2)

: قثنا محمد بن أيوب ثنا عبد الرحيم

(3)

بن هارون الغسَّاني عن عبد العزيز بن

(1)

«قد» ساقطة من المطبوع.

(2)

في النسختين: «رواه أبو داود» خطأ، وجاء فيهما على الصواب في الموضع الآتي (5/ 250)، وهو أبو بكر بن أبي داود، ابن صاحب «السنن» . والحديث رواه من طريقه القاضي أبو يعلى في «أماليه» (7 - ضمن ستة مجالس من أمالي أبي يعلى). وإسناده واهٍ، فيه عبد الرحيم بن هارون الغسّاني، روى مناكير وكذّبه الدارقطني. وتابعه بشّار بن بكير الحنفي عند الطبري في «تفسيره» (3/ 533) وأبي نعيم في «الحلية» (8/ 199). وبشّار مجهول. وانظر «الموضوعات» لابن الجوزي (2/ 213).

وقد ثبت الجزء الأول من الحديث عن أهل عرفة بنحوه من غير وجه. منها حديث أبي هريرة بلفظ: «إن الله عز وجل يباهي الملائكة بأهل عرفاتٍ يقول: انظروا إلى عبادي شُعثًا غُبرًا» . رواه أحمد (8047) وابن خزيمة (2839) وغيرهما. وفي الباب حديث عائشة عند مسلم (1348) وأحاديث أُخر ستأتي ألفاظها.

(3)

في النسختين: «عبد الرحمن» خطأ.

ص: 504

أبي روّاد

(1)

، عن نافع عنه.

فقد وصف كلّ حاجّ بأنه أغبر، فعُلِم أنها صفة

(2)

لازمة للمحرم، فمن لم يكن أشعث أغبر لم يكن محرمًا، والاستظلال بالمحمل ينفي الغبار والشَّعَث.

وأيضًا فإن السلف كرهوا ذلك؛ فعن نافع عن ابن عمر أنه كان يكره أن يستظلَّ بعود وهو محرم.

وعن ابن عمر أنه رأى رجلًا محرمًا على رحْلٍ قد رفع ثوبًا بعودٍ يستتر به من الشمس، فقال:«اضْحَ لمن أحرمتَ له» . رواهما أحمد

(3)

.

و «اضْحَ» بكسر الهمزة من ضَحِيَ بالفتح والكسر يَضْحَى ضَحًى إذا برز للشمس، كما قال:{وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: 119]. وبعض المحدثين يرويه بفتح الهمزة

(4)

من أضحى يُضحِي إضحاءً

(5)

، ومعناها هنا ضعيف.

وعن نافع قال: مرَّ ابنُ عمر بعبد الله بن خالد بن أَسِيْد وقد ظلّل

(6)

عليه

(1)

في النسختين: «بن أبي داود» خطأ.

(2)

«صفة» ساقطة من المطبوع.

(3)

لم أجدهما عنده، ولكن الأثر الثاني أخرجه ابن أبي شيبة (14460) والبيهقي في «الكبرى» (5/ 70) بإسناد صحيح.

(4)

انظر «غريب الحديث» لأبي عبيد (4/ 244) و «تصحيفات المحدثين» للعسكري (1/ 319).

(5)

في المطبوع: «أيضًا» تحريف.

(6)

س: «ضلل» تصحيف.

ص: 505

كهيئة التُّرس وهو على راحلته، فقال له عبد الله:«اتقِ الله اتقِ الله»

(1)

.

وعن عطاء أن عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة استظلَّ بعودٍ على راحلته وهو محرم، فنهاه عنه ابن عمر

(2)

. رواهما سعيد.

وعن نافع أن ابن عمر رأى رجلًا قد نصب على مقدّمة رَحْلِه

(3)

عودًا عليه ثوب وهو مُحرِم، فقال ابن عمر: إن الله لا يحبُّ الخُيلاء، إن الله لا يحبُّ الخيلاء.

وعنه أن ابن عمر رأى رجلًا قد وضع عودين على راحلته وهو محرم يستتر بهما، فانتزعهما. رواهما النجّاد

(4)

.

وابن عمر من أعلم الناس بالسنة وأتبعهم لها، ولم يُنْكِر عليه هذه الفتاوى في الأوقات المتفرقة منكِرٌ، مع ما

(5)

يجمعه الموسم من علماء المسلمين.

وأما ما رواه أحمد والنجّاد

(6)

عن الحسن أن عثمان ظُلِّل عليه وهو محرم، وروى النجّاد عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا بأس بالظلِّ للمحرم= فهو محمول على صورٍ نذكرها إن شاء الله.

(1)

لم أقف عليه. وعزاه في «المغني» (5/ 130) إلى الأثرم.

(2)

أخرجه البيهقي في «الكبرى» (5/ 70)، إلا أن فيه «عبد الله بن أبي ربيعة» لا ابنه.

(3)

في المطبوع: «راحلته» خلاف النسختين.

(4)

عزاهما إليه أبو يعلى في «التعليقة» (1/ 363، 364).

(5)

في المطبوع: «مع من» خلاف النسختين.

(6)

لم أقف عليه، وقد ذكره القاضي في «التعليقة» (1/ 364)، وكذا أثر ابن عباس الآتي.

ص: 506

وأيضًا فإن الرأس يفارق غيره من البدن فإنه يُمنع من

(1)

تخميره بكل شيء، حتى بالخرقة والورقة، وحتى قد كره له الدهنَ من

(2)

لم يكرهه للبدن، لما فيه من ترجيله، والبدن إنما يُمنع من أن يُلبِسه اللباسَ المعتاد، فلو خمَّره بما شاء من غير ذلك جاز. فعُلِم أن المقصود بقاء الرأس أشعثَ أغبرَ، ومنْعُه من الترفُّه والتنعُّم بكل شيء، ومعلوم أن المحمل يُكِنُّ الرأس ويُواريه ويرفِّهه بنحو مما قد يحصل له بالعمامة ونحوها

(3)

. لكن الترفّه بالعمامة أشدّ، فإن من كشف رأسه في داخل مَحْملٍ وظُلَّة لم يكشف رأسه، فيجب أن يُمنَع من ذلك؛ ولهذا يفعل ذلك من سَجَّى

(4)

على رأسه، [لا]

(5)

يكشفه لله، ولا يريد أن يتواضع، ولذاك سمّاه ابن عمر خُيَلاء.

وأما حديث أم الحُصَين وما في معناه فلا يختلف المذهب في القول بموجبه، وسنذكر إن شاء الله وجهه وموضعه على المذهب.

فعلى هذا إذا كان في محمل عليه كساء أو لِبْدٌ

(6)

ونحو ذلك، فكشفه بحيث تنزل الشمس من عيونه

(7)

.

وما يَنْصِبه على المَحْمِل مثل أن يقيم عودًا ويرفع عليه ثوبًا ونحو ذلك،

(1)

«من» ساقطة من المطبوع.

(2)

في النسختين: «ومن» . وزيادة الواو خطأ.

(3)

في المطبوع: «ونحوه» خلاف النسختين.

(4)

في النسختين: «شج» تحريف. وسجَّى أي غطَّى على رأسه بثوب، وهذا الذي سماه ابن عمر خيلاء. ولا علاقة لشجِّ الرأس بالخيلاء.

(5)

زيادة ليستقيم المعنى.

(6)

ضربٌ من البُسُط.

(7)

بياض في النسختين.

ص: 507

حكمه حكم المحمل مطلقًا، صرَّح بذلك ابن عقيل وغيره؛ لأنه يحصل به التظليل

(1)

المستدام من غير كلفةٍ فهو كالمحمل. وحديث ابن عمر إنما كان في مثل هذا.

وقد نصّ أحمد على ذلك، فقال في رواية الأثرم

(2)

لما ذكر حديث أم الحصين وحديث ابن عمر: إذا كان يستر بعودٍ يرفعه بيده من حرّ الشمس كان جائزًا

(3)

، وابن عمر إنما كرهه على الرحل.

فأما إن تظلَّل زمنًا يسيرًا من حرٍّ أو مطرٍ ونحو ذلك من غير أن ينصبه على المحمل، بل يرفع له ثوبًا بعود في يده، أو يرفع ثوبه بيده، أو يغطِّي رأسه بيده ونحو ذلك= فالمنصوص عنه [ق 244] جواز ذلك، وهو قول القاضي وابن عقيل وغيرهما.

قال أحمد في رواية الأثرم

(4)

: عن نافع عن ابن عمر أنه رأى محرمًا على رحْلٍ قد رفع ثوبًا بعودٍ يستره من حرِّ الشمس، قال: اضْحَ لمن أحرمتَ له. وزيد بن أبي أُنيسة عن يحيى بن الحصين عن أم الحصين جدته قالت: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالًا، وأحدهما آخذٌ بخِطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر رافعٌ ثوبَه يستره من حرِّ الشمس، حتى رمى الجمرة.

(1)

في المطبوع: «التظلل» خلاف النسختين.

(2)

سيأتي ذكرها.

(3)

في النسختين: «ساترًا» . وسيأتي على الصواب كما أثبتناه.

(4)

هي باختصار في «المغني» (5/ 130).

ص: 508

قال أبو عبد الله: فأكره للمحرم أن يستظلَّ. وكان ابن عيينة يقول: لا يستظلُّ البتةَ، وابن عمر:«اضْحَ لمن أحرمتَ له» . وحديث بلال من حديث زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن جدته. فإذا كان يستر بعودٍ يرفعه بيده من حرّ الشمس كان جائزًا، وابن عمر إنما كرهه على الرحْل، وكذا حديث ابن عمر:«اضْحَ لمن أحرمتَ له» ، وأهل المدينة يُغلِّظون

(1)

فيه.

وفي رواية الأثرم

(2)

وذكر له هذا الحديث فقال: هذا في الساعة رُفِع له ثوب بالعود، يرفعه بيده من حرّ الشمس.

وقال في رواية أبي داود

(3)

: إذا كان بطرف كسائه أرجو أن لا يكون به بأس.

وقال في رواية ابن منصور

(4)

وقد سئل عن القبَّة للمحرم فقال: لا

(5)

، إلا أن يكون شيئًا يسيرًا باليد، أو ثوبًا يلقيه على عود.

وقال في رواية حرب

(6)

وقد سئل: هل يتخذ على رأسه الظلَّ فوق المحمل؟ فقال: لا إلا الشيء الخفيف، وكرهه جدًّا.

(1)

في النسختين و «التعليقة» (1/ 362): «يغلطون» وفي «المغني» (5/ 130): «يغلِّظون» وهو الصواب، وسيأتي على الصواب فيما بعد.

(2)

كما في «التعليقة» (1/ 366).

(3)

«مسائله» (ص 175). ونقلها في «التعليقة» (1/ 366).

(4)

هو الكوسج، انظر «مسائله» (1/ 542) و «التعليقة» (1/ 366).

(5)

«لا» ساقطة من المطبوع.

(6)

كما في «التعليقة» (1/ 366).

ص: 509

وحكى أبو الخطاب

(1)

وغيره في التظليل اليسير روايتين

(2)

:

إحداهما: المنع منه؛ لأنه أطلق المنع وأوجب الفدية في رواية جماعة، قال في رواية

(3)

جعفر بن محمد

(4)

: لا يستظلُّ المحرم، فإن استظلَّ يفتدي. لأنه قد مُنع المحرم، فاستوى قليله وكثيره، كالتغطية واللبس. ومن قال هذا حملَ حديث أم الحُصين على أن الثوب لم يكن فوق رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان عن جانبه، وفرَّق أيضًا بين ظلٍّ يكون تابعًا للمستظلِّ ينتقل بانتقاله ويقف بوقوفه، كالقبَّة والثوب الذي بيده أو على عودٍ معه، وبين ما لا يكون تابعًا مثل ظل الشجرة والثوب المنصوب حيالَه، وحديث أم الحصين كان من هذا القسم.

والثانية: الرخصة في اليسير لحديث أم الحُصين، فإن

(5)

في بعض ألفاظه

(6)

: «والآخر رافعٌ ثوبَه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يستره من الشمس» .

وأيضًا فإنه لو أحرم وعليه قميصه خلعَه ولم يشقَّه، مع أن هذا تظليلٌ لرأسه وتخميرٌ له.

قال في رواية ابن القاسم: إذا أحرم الرجل وعليه قميص أو جبَّة

(1)

في «الهداية» (ص 177).

(2)

في النسختين: «روايتان» .

(3)

«في رواية» ساقطة من المطبوع.

(4)

كما في «التعليقة» (1/ 362).

(5)

ق: «وإن» .

(6)

هذا لفظ مسلم (1298/ 311) إلا أنه ليس فيه: «يستره» .

ص: 510

يخلعهما خلعًا ولا يشقُّهما، وهؤلاء يقولون: إن خلعهما فقد غطَّى رأسه فعليه فدية، وعجِبَ من قولهم وقال: النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي أن ينزع الجبّة، حديث يعلى بن أمية، ولم يأمره بشقِّها.

وذلك لما روى يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل متضمِّخٌ بطِيْب، فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم في جبَّة بعد ما تضمَّخ

(1)

بطيبٍ، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، فجاءه الوحي ثم سُرِّي عنه، فقال: أين

(2)

الذي سألني عن العمرة آنفًا، فالتُمِس الرجل فجيء به، فقال:«أما الطيبُ الذي بك فاغسِلْه ثلاث مرات، وأما الجبَّة فانزِعْها، ثم اصنَعْ في العمرة كما تصنع في حجتك» . متفق عليه

(3)

. وفي رواية: «أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة» رواه مسلم

(4)

. وفي لفظ لأبي داود

(5)

: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اخلَعْ جُبَّتك» ، فخلعها من رأسه.

قال عطاء: كنا قبل أن نسمع هذا الحديث [نقول]

(6)

فيمن أحرم وعليه قميص أو جبة فليخرِقْها عنه، فلما بلَغَنا هذا الحديث أخذنا به، وتركنا ما كنّا

(1)

تحرفت في المطبوع إلى «تمضخ» .

(2)

بعدها في النسختين: «السائل» وعليها علامة الحذف «حـ» . ولم يتنبه لها في المطبوع.

(3)

البخاري (4985) ومسلم (1180/ 8).

(4)

رقم (1180/ 9).

(5)

رقم (1820). وقوله: «فخلعها من رأسه» في صحة هذا اللفظ نظر. انظر «صحيح سنن أبي داود - الأم» للألباني (1597).

(6)

زيادة من «المغني» حيث ذكر هذا الأثر.

ص: 511

نفتي به قبل ذلك. رواه سعيد

(1)

.

فقد جوّز النبي صلى الله عليه وسلم أن يخلعه من رأسه وإن كان فيه تظليلٌ لرأسه، لأنه تدعو الحاجة إليه، فعُلِم أن يسير التظليل لا بأس به.

فإن قيل: فقد روي عن عبد الرحمن بن عطاء عن نفرٍ من بني سلمة قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا فشقَّ ثوبه، فقال:«إني واعدتُ هديًا يُشْعَر اليوم» .

وعن جابر قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه شقَّ قميصه حتى خرج منه، فقيل له، فقال: «واعدتُهم [يقلِّدون]

(2)

هَدْيي اليومَ، فنسيتُ». رواهما أحمد

(3)

.

قيل: إن صحَّ هذا الحديث فلعله كان في الوقت الذي كان أحدهم إذا أحرم لم يدخل البيت من بابه، كانوا يجتنبون قليلها وكثيرها، ثم زال ذلك، ويدلّ على ذلك توقُّفُ النبي صلى الله عليه وسلم في جواب السائل حتى أتاه الوحي، فعُلِم أنه سُنَّ ذلك الوقتَ ما أزال الحكم الماضي.

و [ق 245] أيضًا فإنه يجوز التظليل بالسقوف والخيام ونحوها، فعُلِم أنه

(1)

ذكره ابن قدامة في «المغني» (5/ 109). وأخرج الشافعي في «الأم» (3/ 383) وابن أبي شيبة (14570) فتياه بنزع القميص دون أن يشقّه.

(2)

الزيادة من «المسند» .

(3)

رقم (23613، 14129) ولاءً. وهو حديث منكر، مداره على عبد الرحمن بن عطاء القرشي يقال له: ابن أبي لبيبة، متكلّم فيه، قال عنه البخاري:«فيه نظر» . وقد خالف حديثه ما صحّ عن عائشة في «الصحيحين» وغيرهما: أنه صلى الله عليه وسلم كان يُهدي من المدينة ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المحرم. انظر «التمهيد» لابن عبد البر (2/ 263 - 264).

ص: 512

لم يُكرَه جنس التظليل، وإنما كُرِه منه ما يفضي إلى الترفُّه والتنعُّم، وهذا إنما يكون فيما يدوم ويتصل.

وقد روي عن إبراهيم قال: كان الأسود إذا اشتدَّ المطر استظلَّ بكساء وهو محرم

(1)

.

وعن عطاء أنه كان يقول: يستظلُّ المحرم من الشمس ويستكنُّ من الريح ومن المطر

(2)

.

فعلى هذا يجوز الساعةَ ونحوها كما ذكر في رواية الأثرم، فإن في حديث أم الحصين أنه ظُلِّل عليه في حال مسيره ورميه وخطبته. والذي يدلُّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما استباح يسيرَ التظليل: أنه في سائر الأيام كان يسيرُ، ولم يَنْصِب له على رَحْله

(3)

شيئًا يستظلُّ به، ولو كان جائزًا لفعله لحاجته إليه.

ثم إن استظلَّ بثوب يمسكه بيده أو بيد غيره، أو وضع الثوب على عودٍ يمسك العود بيده أو بيد غيره= جاز.

وإن استظلَّ يسيرًا في محمل، أو بثوب موضوع على عودٍ

(4)

على المحمل ونحو ذلك مما لا مؤونةَ فيه، ففيه روايتان:

إحداهما: يُكره ذلك، وهذا هو الذي ذكره في رواية الأثرم، قال: إذا

(1)

عزاه في «القِرى» (ص 199) إلى سعيد بن منصور، وقد أخرج ابن أبي شيبة (14472) عن إبراهيم أنه أفتى بجواز ذلك.

(2)

عزاه في «القِرى» (ص 199) إلى سعيد. وأخرجه ابن أبي شيبة (14464) بنحوه.

(3)

ق: «راحلته» .

(4)

في المطبوع: «عمود» تحريف.

ص: 513

كان يسيرًا بعودٍ يرفعه بيده من حرِّ الشمس كان جائزًا، وابن عمر إنما كرهه على الرحل. وذلك لأن ما على الرحل رفاهة محضة، وهو مظنة الطول، فلو شُرِع ذلك لشُرِع اتخاذ الظل.

والثانية: لا بأس به، وهو قول القاضي

(1)

، وهو ظاهر كلامه في رواية ابن منصور

(2)

: إلا أن يكون شيئًا يسيرًا باليد، أو ثوبًا يُلقيه على عودٍ.

فأما أن يظلّل بالمحمل ونحوه حال نزوله، فقال القاضي

(3)

وابن عقيل: لا فرق بين الراكب والنازل، وإنه إن طال ذلك وكثر افتدى، راكبًا كان أو نازلًا. وإن قلَّ ذلك ولم يكثر فلا فدية عليه، سواء كان راكبًا أم نازلًا.

وفرَّقوا بين ذلك وبين الخيمة والسقف بأن ذلك لا يُقصَد به الترفُّه في البدن في العادة، وإنما يقصد به جمعُ الرحال، وفرّق بين ما يقصد به الظل وغيره، كما فرّق بين من يحمل على رأسه شيئًا أو يخمِّره.

وكلام أحمد يدلّ على الفرق؛ قال في رواية حنبل

(4)

: لا يستظلُّ على المحمل، ويستظلُّ بالفازة في الأرض والخيمة، وهي

(5)

بمنزلة البيت.

وهذا أصح؛ لأن ابن عمر وغيره من الصحابة كانوا يَنْصِبون له الظلَّ المحض في حال النزول، ولأنه لو دخل إلى بيت أو خيمة لمجرّد الاستظلال لجاز.

(1)

في «التعليقة» (1/ 366).

(2)

الكوسج في «مسائله» (1/ 542).

(3)

في «التعليقة» (1/ 367).

(4)

سبق ذكرها.

(5)

ق: «في الخيمة والأرض وهو» .

ص: 514

والفرق بينهما أن هذا الظلّ ليس بتابع للمحرم، ولا ينتقل بانتقاله.

وأيضًا فإنه غير متخَذٍ للدوام، فلا بدَّ معه من الضَّحَى. ويسيرُ الظلِّ في المكان ــ مثل أن يجعل فوقه ما يستر يسيرًا من رأسه ــ مثلُ الزمان.

فأما إذا احتاج للاستظلال من حرٍّ أو بردٍ، فذكر القاضي

(1)

وابن عقيل أنه يجوز؛ إذا كان هناك عذر من حر أو برد فإنه يجوز، وحملا حديث عثمان وابن عباس على ذلك، وحديث ابن عمر على عدم العذر. ومعنى ذلك عذر يخاف معه من مرض أو أذى، فإنه يبيح التظليل من غير فدية؛ لأن ما كُرِه في الإحرام جاز مع الحاجة، وما أبيح يسيرُه جاز كثيرُه مع الحاجة.

قال أصحابنا القاضي وابن عقيل وغيرهما: فله أن يستظلَّ بثوب ينصِبُه حِيالَه يَقِيه الحرَّ والبردَ، عن يمينه أو عن شماله، أو أمامه أو وراءه، ما لم يكن مظلَّلًا

(2)

فوق رأسه كالهَوْدج والعَمَّارية والكنيسة

(3)

.

وظاهر كلام أحمد أن كل ما منع

(4)

وصولَ الشمس إلى رأسه فهو تظليل، سواء كان فوق رأسه

(5)

، أو كان من بعض جهاته. وحديث ابن عمر يدُّل عليه.

(1)

في «التعليقة» (1/ 364).

(2)

في المطبوع: «مظلل» خلاف ما في النسختين.

(3)

في النسختين: «واللبسة» تصحيف. والكنيسة شِبه هودج، يُغرز في المحمل أو في الرحل قُضبان ويُلقى عليه ثوب يستظل به الراكب ويستتر به. انظر «المصباح المنير» (كنس).

(4)

في المطبوع: «مانع» خلاف النسختين.

(5)

بعدها في النسختين: «سواء» . وهو تكرار.

ص: 515