الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا يبيِّن أن استدامة الطيب كاستدامة اللباس، وقد روي عن عمر وابنه نحو ذلك.
قيل: قد أجاب أصحابنا عن هذا بجوابين:
أحدهما: أنه أمره بغسله لأنه كان زعفرانًا، وقد نهى النبي
(1)
صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر [ق 247] الرجل سواء كان حرامًا أو حلالًا، لأن طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه.
الثاني: أن هذا كان بالجِعرانة، وكانت في ذي القعدة سنة ثمانٍ عقيب
(2)
قَسْمِ غنائم حنين
(3)
، وقد حجَّ النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر واستدام الطيب، وإنما يؤخذ بالآخِر فالآخِر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه يكون ناسخًا للأول.
فصل
يحرم عليه أن يتطيَّب في بدنه وثيابه، سواء مسَّ الطيبُ بدنه أو لم يمسَّه
، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الموقوص
(4)
: «لا تُقرِّبوه طيبًا» . وفي لفظ: «لا تُحنِّطوه» . وجعلُه في ظاهره تقريبٌ له، لا سيما والحنوط هو مشروع بين الأكفان. فلما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تحنيطه عُلِم أن قصْدَه
(5)
تحنيط بدنه وثيابه، ولو كان تحنيطُ ظاهرِ الثوب جائزًا لم ينهَ عنه النبي صلى الله عليه وسلم، بل أمر به
(1)
كلمة «النبي» ساقطة من المطبوع.
(2)
في المطبوع: «عقب» خلاف ما في النسختين.
(3)
في هامش النسختين: «هوازن» . ويراجع «سيرة ابن هشام» (2/ 459، 488).
(4)
في المطبوع: «الموقص» خلاف النسختين.
(5)
س: «قصد» .
تحصيلًا لسنة الحنوط.
وأيضًا فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا يلبس المحرم ثوبًا مسَّه ورسٌ أو زعفران» ، ولم يفرّق بين أن يمسّ ظاهره أو باطنه. فعُلِم عموم الحكم وشموله. فلا يجوز أن يُطيِّبهما بشيء يعدُّه الناس طيبًا، سواء كان له لون أو لا لون له؛ مثل المسك والعنبر والكافور والورس والزعفران والنَّدّ
(1)
وماء الورد والغالية
(2)
ونحو ذلك، ولا يتبخَّر بشيء من البخور الذي له رائحة كالعود؛ لأن المقصود من الطيب رائحته لا عينه، فإذا عَبِقَ بالثوب رائحة البخور فهو طيبه، ولأن ماء
(3)
الورد ودخان العود ونحوه أجزاء تتعلق بالبدن والثوب، ولهذا يتجنّب
…
(4)
، وسواء كان الثوب فوقانيًّا أو تحتانيًّا.
قال أحمد في رواية ابن إبراهيم
(5)
: لا يلبس شيئًا فيه طِيب.
وكذلك أيضًا لا يجوز ثوب مطيَّب؛ قال في رواية ابن القاسم
(6)
وقد سئل عن المحرم يفترش الفراش والثوب المطيَّب، قال: هو بمنزلة ما يلبس.
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس المحرم ثوبًا مسَّه ورْس أو زعفران، والافتراش لُبْسٌ بدليل قول أنس
(7)
: «وعندنا حَصِيرٌ قد اسودَّ من طول ما
(1)
ضربٌ من النبات يُتبخر بعوده.
(2)
أخلاط من الطيب كالمسك والعنبر.
(3)
«ماء» ساقطة من المطبوع.
(4)
بياض في النسختين.
(5)
ابن هانئ في «مسائله» (1/ 154). ونقلها القاضي في «التعليقة» (1/ 392).
(6)
كما في «التعليقة» (1/ 392).
(7)
أخرجه البخاري (380، 860) ومسلم (658).
لُبِس»، لأن اللبس هو الاختلاط والمماسَّة، فسواء كان الثوب فوقه أو كان هو فوق الثوب.
ولأنه صلى الله عليه وسلم قال في المحرم
(1)
: «ولا تقرِّبوه طيبًا» ، ومعلوم أن جعْل الطيب في فراشه تقريبٌ له إليه. وكل ما حرم لبسه على البدن
(2)
حرم الجلوس عليه
(3)
من الحرير والنجاسة في الصلاة وغير ذلك، إلا أن يكون مما يُقصَد إهانته.
ولأن جعْلَ الطيب في الفُرُشِ
(4)
أبلغُ في استعمال الطيب من وضعه على البدن.
ثم إن كان الطيب في الوجه الأعلى من الفراش فهو طيب؛ لأن مباشرته بثيابه كمباشرته بنفسه.
وإن كان في الوجه التحتاني
…
(5)
.
وإن كان بينه وبين الطيب حائل فقال القاضي في «المجرد» : إن كان صَفيقًا يمنع المباشرة والرائحة جميعًا لم يكره ذلك، وإن كان رقيقًا يمنع المباشرة دون الرائحة لم يحرم عليه، لأنه لا يباشره. فأما الثوب الذي عليه فليس بحائل.
(1)
«في المحرم» جاءت في المطبوع بعد ذكر الحديث، وهو خلاف النسختين.
(2)
«على البدن» ساقطة من المطبوع.
(3)
«عليه» ليست في س.
(4)
في المطبوع: «الفراش» خلاف النسختين.
(5)
بياض في النسختين.
وقال ابن عقيل: إن كان الحائل يمنع وصول ريح الطيب إليه زال المنع وإيجاب الفدية عليه، بخلاف ما لو كان في الثوب الفوقاني، كما قلنا في النجاسة في الصلاة.
وهذا أشبه بظاهر المذهب؛ لأن اشتمام الطيب عندنا كاستعماله، فإذا كان رائحة الطيب تصل إليه وجبت الفدية.
وإن كان الطيب في حواشي الفراش وليس تحته، فإن كان يشمُّ الرائحة
…
(1)
.
ولا فرق بين الثوب المصبوغ بالطيب والمضمَّخ به والمبخَّر به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ولا ثوبًا مسَّه ورسٌ أو زعفران» . وفي لفظ: «ولا ثوبًا مصبوغًا بورسٍ أو زعفران» .
ولأن المصبوغ والمبخَّر يكون لهما ريح كالمضمَّخ.
فإن ذهبت رائحة المصبوغ بالزعفران ونحوه وبقي لون الصبغ، فقال أصحابنا: إذا انقطعت رائحته ولم يبق إلا لونه فلا بأسَ به إذا علم أن الرائحة قد ذهبت، ولا بالتضمُّخ
(2)
بطيب ذهبت رائحته وبقي لونه، كماء الورد المنقطع، والمسك الذي استحال. وسواء كان انقطاع الريح لتقادم عهده، أو لكونه قد صُبغ بشراب أو سِدْر أو إذْخِرٍ ونحو ذلك مما يقطع الرائحة، فأما إن انقطعت الرائحة ليُبْسِه فإذا رُشَّ الماءُ
(3)
أو ترطَّب فاح منه ريح
(4)
(1)
بياض في النسختين.
(2)
في المطبوع: «بالتمضخ» محرفًا.
(3)
في المطبوع: «بالماء» خلاف النسختين.
(4)
«منه ريح» سقطت من المطبوع.
الطيب، فإنه طيب تلزم الفدية به، يابسًا كان أو رطْبًا، وكذلك الثوب الذي قد انقطعت رائحته.
فأما المصبوغ بماء الفواكه التي يُشَمُّ ريحها فلا بأس به، لأنه لا يُمنع من شمِّ أصله، هذا الذي ذكره القاضي. وذكر ابن عقيل أن المصبوغ بماء الفواكه والرياحين كماء الريحان واللُّفَّاح
(1)
والنَّرجِس والبنفْسَج لا يُمنع منه، قال: ويحتمل عندي أن يفرق بين ورده ومائه، كما قلنا في ماء الورد.
ولو نزع ثوبه الذي فيه طيب قد لبسه قبل الإحرام [ق 248] ثم أعاده فقد ابتدأ لبس المطيَّب. فأما إن استصحب لبس الثوب المطيَّب فقال أصحابنا: يجوز، وظاهر الحديث المنع، فإن
…
(2)
.
فصل
وإذا مسَّ بيده
(3)
من الطيب ما يَعْلَق لرطوبته كالغالية، والمسك المبلول، وماء الورد، أو لنعومته كسحيق المسك والكافور، أو لرطوبة يده ونحو ذلك، فهو حرام وعليه الفدية.
وإن أمسك
(4)
ما لا يعلَق باليد كأقطاع الكافور والعنبر والمسك غير السَّحيق
(5)
والورد ونحو ذلك، فقال أصحابنا: لا فدية عليه بمجرد ذلك إلا
(1)
نبت عشبي ينبت بريًّا في بعض أنحاء الشام.
(2)
بياض في النسختين.
(3)
«بيده» ساقطة من المطبوع.
(4)
س: «مسك» .
(5)
في هامش النسختين إشارة إلى أن في نسخة: «المسحوق» .
أن يشُمَّه، ولو وضع يده عليه يعتقده يابسًا لا يعلَق بيده، فعلِقَ بيده منه شيء، فقالوا: لا فدية عليه؛ لأنه لم يقصد إلى استعمال الطيب. وينبغي أن يُخرَّج هذا على ما إذا تطيَّب جاهلًا أو ناسيًا، فأما ما تعلَّق به من غير اختياره
…
(1)
.
فصل
ولا يجوز أن يأكل ما فيه طيب
…
(2)
.
فصل
فأما اشتمام الطيب من غير أن يتصل ببدنه ولا بثوبه؛ إما بأن يُقرَّب إليه حتى يجد ريحه، أو يتقرَّب هو إلى موضعه حتى يجد ريحه، فلا يجوز في ظاهر المذهب المنصوص، وفيه الفدية. قال في رواية أحمد بن نصر [وابن] القاسم
(3)
في المحرم يشمُّ الطيب: عليه الكفارة.
وقال أيضًا في رواية ابن القاسم
(4)
في الرجل يحمل معه الطيب وهو محرم: كيف يجوز هذا؟! وعطاء يقول: إن تعمَّد شمَّه فعليه الفدية
(5)
، قيل له: يحمله للتجارة؟ فقال: لا يصلح إلا أن يكون مما لا ريحَ له.
(1)
كذا في النسختين دون تمام الكلام.
(2)
بياض في النسختين.
(3)
في النسختين: «أحمد بن مضر القاسم» . وهو خطأ، والتصويب بمراجعة «التعليقة» (1/ 392، 394) وفيه روايتهما.
(4)
كما في «التعليقة» (1/ 394).
(5)
قول عطاء أخرجه ابن أبي شيبة (14832).
وقال في رواية حرب
(1)
: أما الطيب فلا يقربه، والريحان ليس هو مثل الطيب.
وهذا لأن المقصود من التطيُّب وجود رائحة الطيب، فإذا تعمّد الشمّ فقد أتى بمقصود المحظور، بل اشتمامه للطيب أبلغ في الاستمتاع والترفُّه من حمل طيبٍ لا يجد ريحه، بأن يكون ميتًا أو نائمًا أو أخشمَ
(2)
.
ولأن الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا في شمّ المُحرِم الريحان، فمن جعله طيبًا منعه، ومن لم يجعله طيبًا لم يمنعه
(3)
. ولولا أن الشمّ المجرَّد يحرم امتنعت هذه المسألة؛ لأن الرياحين لا يُتطيَّب بها، فعلى هذا إن تعمّد شمَّ المسك والعنبر ونحوهما
(4)
من غير مسّ فعليه الكفارة، وإن جلس عند العطّارين قصدًا لشمِّ طيبهم، أو دخل الكعبة وقت تخليقها وتجميرها
(5)
ليشمَّ طيبها، لزمته الكفارة، وإن ذهب لغير اشتمام فوجد الريح من غير قصدٍ لم يُمنع من ذلك، كما لو سمع الباطل من غير أن يقصد سماعه، أو رأى المحرَّم من غير أن يقصد الرؤية، أو مسَّ حكيمٌ
(6)
امرأةً من غير أن يقصد مسَّها، وغير ذلك من إدراكات الحواسّ بدون العمد والقصد، فإنه لا
(1)
كما في «التعليقة» (1/ 395).
(2)
هو الذي أصابه داء في أنفه فأفسده، فصار لا يشمّ.
(3)
أجازه ابن عباس، ومنعه ابن عمر وجابر ــ رضي الله عنهم ــ. انظر «مصنف ابن أبي شيبة» (14819 - 14828) و «سنن البيهقي الكبرى» (5/ 57).
(4)
في المطبوع: «ونحوها» .
(5)
«وتجميرها» ساقطة من المطبوع.
(6)
هو الطبيب.