الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استطعتم، فإذا أمرتكم بأمر فاتبعوه، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه، فإنما أَهلك من كان قبلكم
(1)
اختلافُهم على أنبيائهم وكثرةُ سؤالهم. ألا وإنما هي حجة وعمرة، فمن قضاهما فقد قضى الفريضة، فما أصاب بعد ذلك فهو تطوُّع». رواه سعيد بن أبي عروبة في «مناسكه»
(2)
عنه.
الفصل الرابع
أنه لا يجب الوجوب المقتضي للفعل وصحتِه إلا على مسلم
، لأن الله سبحانه قال:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]، فنهاهم
(3)
أن يقربوه، ومنعهم منه فاستحال أن يؤمروا بحجه.
ولأنه لا يصح الحج منهم، ومحال أن يجب ما لا يصح، لِما روى أبو هريرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمَّره [عليها]
(4)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهطٍ
(5)
يؤذّن في الناس: «ألا لا
(6)
يحجُّ بعد العام مشرك، ولا يطوفُ بالبيت عُريان». متفق عليه
(7)
.
(1)
(2)
رقم (2). والحديث مُرسل، يشهد له في الجملة حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس المذكوران آنفًا، إلَّا في زيادة:«وعمرة» .
(3)
س: «فنها» .
(4)
ما بين المعكوفتين من البخاري ومسلم.
(5)
«في رهط» ساقطة من ق.
(6)
«لا» ساقطة من س.
(7)
أخرجه البخاري (1622) ومسلم (1347).
وكان هذا النداء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث أبا بكر يقيم للناس الحج، ويقطع العهود التي بينه وبين المشركين وينهاهم عن الحج، وبعث عليًّا رضي الله عنه يقرأ سورة براءة ويَنبِذ إلى المشركين.
وعن زيد بن أُثَيع ــ ويقال: يُثَيع ــ قال: سألت عليًّا بأي شيء بُعِثْتَ؟ قال: بأربعٍ: «لا يدخل الجنةَ إلا نفسٌ مسلمة، ولا يطوف بالبيت عريانٌ، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهدٌ فعهده إلى مدته، ومن لا مدةَ له فأربعة أشهر» . رواه أحمد والترمذي
(1)
، وقال: حديث حسن صحيح.
وقد منع الله سبحانه المشركين من اليهود والنصارى وغيرهم من سُكنى جزيرة العرب، مبالغةً في نفيهم عن مجاورة البيت.
ومن عُرِف بالكفر ثم حجَّ، حُكِم بإسلامه في أصح الوجهين.
فأما وجوبه عليهم بمعنى أنهم يؤمرون به بشرطه، وأن الله يعاقبهم على تركه، فهو ظاهر المذهب عندنا
(2)
، لأن الله تعالى قال:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]، فعمَّ ولم يخُصَّ.
وروى أحمد
(3)
عن عكرمة قال: لما نزلت: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ
(1)
أحمد (594) والترمذي (871) والحاكم (3/ 52) وقال: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» .
(2)
انظر «المغني» (5/ 6) و «الإنصاف» (8/ 10).
(3)
لم أجده عند الإمام أحمد. وقد أخرجه الشافعي في «الأم» (3/ 269)، والطبري في «تفسيره» (5/ 556)، والبيهقي في «الكبرى» (4/ 324)، وغيرهم.
دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] قالت اليهود: فنحن مسلمون
(1)
، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} فحُجُّوا، فأبوا فأنزل الله
(2)
: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} من أهل الملل.
وفي رواية
(3)
: لما نزلت {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} قالت الملل: فنحن المسلمون
(4)
، فأنزل الله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} فحج المسلمون، وقعد الكفار.
ولا يجب على الكافر سواء كان أصليًّا أو مرتدًّا، في أقوى الروايتين، فلو ملكَ في حال كفره زادًا وراحلة، ثم أسلم وهو مُعدِم
(5)
، فلا شيء عليه، لقوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]. وأما إذا وجب على المسلم فلم يفعله حتى ارتد ثم أسلم، فهو باقٍ في ذمته، سواء كان قادرًا أو عاجزًا، في المشهور من المذهب
(6)
.
(1)
س: «المسلمون» .
(2)
«فأنزل الله» ساقطة من ق.
(3)
أخرجها الطبري (5/ 555) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 699) عن عكرمة. وأخرج البيهقي في «الكبرى» (4/ 324) نحوها عن مجاهد.
(4)
س: «مسلمون» .
(5)
ق: «معدوم» .
(6)
انظر «المغني» (2/ 48).