الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
(1)
: (يجب الحج والعمرة مرةً في العمر على المسلم العاقل البالغ الحرِّ)
.
في هذا الكلام فصول:
أحدها
أن الحج واجب في الجملة، وهو أحد مباني الإسلام الخمس، وهذا
(2)
من العلم المستفيض الذي توارثته الأمة وتناقلته
(3)
خلفًا عن سلف. والأصل فيه قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} . وحرف «على» للإيجاب، لا سيما إذا ذُكِر المستحق فقيل: لفلان على فلان. وقد أتبعه بقوله: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] ليبين
(4)
أن من لم يعتقد وجوبه فهو كافر، وأنه إنما وَضَع البيت وأَوجَب حجَّه ليشهدوا منافع لهم، لا لحاجةٍ به
(5)
إلى الحجّاج كما يحتاج المخلوق إلى من يقصده ويُعظِّمه، لأن الله غني عن العالمين.
وكذلك قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} على أحد التأويلين، وقوله:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} ، فأذَّن فيهم:«إنّ لربكم بيتًا فحُجُّوه»
(6)
.
(1)
انظر: «المستوعب» (1/ 440) و «المغني» (5/ 6) و «الشرح الكبير» (8/ 5) و «الفروع» (5/ 201).
(2)
س: «وهو» .
(3)
«وتناقلته» ساقطة من س.
(4)
ق: «ليتبين» .
(5)
«به» ساقطة من المطبوع.
(6)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (16/ 516) عن سعيد بن جبير، وعكرمة بن خالد المخزومي. وقد ورد ذلك أيضًا في حديث مسندٍ مرفوع أخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (973) من طريق مجاهد عن أبي هريرة. ولكن الصحيح وقفه على مجاهد كما في الرواية الأخرى عنده (974).
وأما السنة: فما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُنِي الإسلام على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وصومِ رمضان، وحجِّ البيت» . متفق عليه
(1)
.
وفي حديث جبريل من
(2)
رواية عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال: «أن تشهدَ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتُقيمَ الصلاة، وتُؤتيَ الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلا» . رواه مسلم
(3)
.
وليس ذِكْر الحج في حديث أبي هريرة المتفق عليه
(4)
.
وسيأتي إن شاء الله تعالى قوله: «إنّ الله فرضَ عليكم الحجَّ فحُجُّوا» . رواه مسلم
(5)
وغيره. وأحاديث كثيرة في هذا المعنى.
و
(6)
عن شَرِيك بن أبي نَمِر، عن أنس بن مالك قال: «بينما
(7)
نحن
(1)
البخاري (8) ومسلم (16).
(2)
في المطبوع: «في» .
(3)
«رواه مسلم» ساقطة من س. والحديث في «صحيح مسلم» (8).
(4)
البخاري (50) ومسلم (9).
(5)
رقم (1337) من حديث أبي هريرة. وأخرجه أيضًا أحمد في «مسنده» (10607) والنسائي (2619) وابن خزيمة (2508) وابن حبان (3704) وغيرهم.
(6)
الواو ساقطة من ق.
(7)
ق: «بينا» .
جلوسٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ دخل رجل على جملٍ، ثم أناخَه في المسجد، ثم عقَلَه، ثم قال: أيكم محمد؟ والنبي صلى الله عليه وسلم متكئٌ بين ظَهْرانَيْهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ. فقال له الرجل: ابنَ عبد المطلب؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «قد أجبتُك» ، فقال الرجل: إني سائلُك فمشدِّدٌ عليك في المسألة، فلا تَجِدْ عليّ في نفسك. فقال:«سَلْ عمّا بدا لك» . فقال: أسألك بربك وربِّ من قبلك آللهُ أرسلك إلى الناس كلهم؟ قال: «اللَّهم نعم» . قال: أَنشُدك بالله آللهُ أمرك
(1)
أن تصلِّي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: «اللّهم نعم» . قال: أَنشُدك بالله آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: «اللّهم نعم» . قال: أَنشُدك بالله آللهُ أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتَقْسِمها على فقرائنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهم نعم» . فقال الرجل: آمنتُ بما جئتَ به، وأنا رسولُ مَن ورائي من قومي، وأنا ضِمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر». رواه الجماعة
(2)
إلا مسلمًا والترمذيّ
(3)
، عن إسماعيل وعلي بن عبد الحميد
(4)
،
وقال: رواه سليمان عن
(5)
ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
(1)
في المطبوع: «أمر» .
(2)
أخرجه أحمد (12719) والبخاري (63) وأبو داود (486) والنسائي (2092، 2093) وابن ماجه (1402) من طريق شريك بن أبي نمر عن أنس به.
(3)
سيأتي أنهما أخرجاه من طريق ثابت عن أنس.
(4)
ق: «علي بن الحميدي» . ولعل صواب العبارة: «عن محمد بن إسماعيل عن علي بن عبد الحميد» ، فإن الترمذي (619) رواه بهذا الإسناد. أو يكون في العبارة تقديم وتأخير، وهو من كلام البخاري، وصوابه كما في عقب الحديث عنده:«رواه موسى [بدلًا من إسماعيل] وعلي بن عبد الحميد عن سليمان عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا» . ويكون المراد بـ «وقال» البخاري لا الترمذي، فليس هذا من كلام الترمذي ..
(5)
ق: «بن» تحريف.
ورواه
(1)
أحمد ومسلم
(2)
والترمذي والنسائي
(3)
من حديث ثابت عن أنس قال: نُهِينا
(4)
في القرآن أن نسأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يُعجِبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل، فيسألَه ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك! قال:«صدق» . قال: فمن خلق السماء؟ قال: «الله» . قال: فمن خلق الأرض؟ قال: «الله» . قال: فمن نصبَ هذه الجبال وجعل فيها
(5)
ما جعل؟ قال: «الله» . قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصبَ هذه الجبال آللهُ أرسلك؟ قال: «نعم» قال: وزعم رسولك أن علينا خمسَ صلواتٍ في يومنا وليلتنا! قال: «صدق» . قال: [ق 137] فبالذي أرسلك آللهُ أمرك بهذا؟ قال: «نعم» . قال: وزعم رسولك أن علينا صومَ شهر رمضان في سنتنا! قال: «صدق» . قال: فبالذي أرسلك، آللهُ أمرك بهذا؟ قال:«نعم» . قال: وزعم رسولك أن علينا حجَّ البيت من استطاع إليه سبيلا! قال: «صدق» . قال: ثم ولَّى وقال: والذي بعثك بالحق لا أزيدُ عليهن، ولا أنقُصُ منهن. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن صدقَ ليدخلنَّ الجنة» .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعثَتْ
(6)
بنو سعد بن بكر ضِمامَ بن
(1)
في المطبوع: «وروى» .
(2)
زِيدَ «مسلم» في س، وبهامش ق.
(3)
أخرجه أحمد (12457) ومسلم (12) والترمذي (619) والنسائي (2091) بهذا الإسناد.
(4)
«نهينا» ساقطة من ق.
(5)
س: «بها» .
(6)
س: «بعث» .
ثعلبة وافدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدِمَ عليه، فأناخ بعيره
(1)
على باب المسجد، ثم عقَلَه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه في المسجد. وكان ضِمام بن ثعلبة رجلًا جَلْدًا أشعرَ ذا غَديرتينِ، قال: فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه، فقال: أيكم ابنُ عبد المطلب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا ابن عبد المطلب» . قال: أمحمدٌ؟ قال: «نعم» . قال: يا ابنَ عبد المطلب، إني سائلُك ومغلِّظٌ عليك في المسألة، فلا تَجِدَنَّ في نفسك، فقال:«لا أجد في نفسي، سَلْ عما بدا لك» . قال: أَنشُدك الله
(2)
إلهك وإله من كان
(3)
قبلك وإله من هو كائن بعدك، آللهُ أمرك أن نعبدَه وحده لا نُشرِك به شيئا، وأن نخلعَ هذه الأوثان التي كان آباؤنا يعبدون معه؟ قال:«اللّهم نعم» . قال: فأَنشُدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، آللهُ أمرك أن نُصلِّي هذه الصلوات الخمس؟ قال:«اللّهم نعم» . قال: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضةً فريضةً: الزكاة، والصيام، والحج، وشرائع الإسلام كلها، يناشده عند كل فريضةٍ كما يناشده في التي قبلها، حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وسأؤدِّي هذه الفرائض، وأَجتنب ما نهيتَني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص. قال: ثم انصرف إلى بعيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن صدَقَ ذو العَقِيصتينِ يدخل الجنة» . قال: فأتى بعيرَه فأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه،
(1)
في المطبوع: «بعيرة» ، خطأ مطبعي.
(2)
ق: «بالله» .
(3)
«كان» ساقطة من ق.
فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به
(1)
أن قال: ما بئست
(2)
اللات والعزى؟ قالوا: مَه يا ضِمام! اتَّقِ البرص، اتَّقِ الجُذام، اتّقِ الجنون، قال: ويلكم! إنهما والله ما يَضُرَّان وما ينفعان، وإن الله تعالى قد بعث رسولًا، وأنزل عليه كتابًا استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه. قال
(3)
: فوالله ما أمسَى ذلك اليومَ من حاضرته من رجلٍ ولا امرأةٍ إلا مسلمًا. قال ابن عباس: فما سمعنا بوافدٍ قطُّ كان أفضلَ من ضِمام بن ثعلبة. رواه أحمد وأبو داود من طريق ابن إسحاق
(4)
، وهذا لفظ «المغازي»
(5)
.
واختُلف في سنة قدومه
(6)
. فقيل: كان ذلك في سنة خمس، قاله محمد بن حبيب وغيره
(7)
.
(1)
«به» ساقطة من س.
(2)
كذا بزيادة «ما» في النسختين، وبحذفها في «سيرة ابن هشام» (2/ 574) و «مسند أحمد» (2380) و «سنن الدارمي» (658) و «البداية والنهاية» (7/ 283) .. وفي هامش «السيرة»: كذا في شرح المواهب، وفي الأصول:«باست» . أقول: فلعل «ما بئست» صوابها «بِاسْت» ، وتكون سبًّا للات والعزّى.
(3)
«قال» ساقطة من ق.
(4)
أحمد (2254، 2380) وأبو داود (487) والحاكم في «المستدرك» (3/ 54 - 55) وقال: «وقد اتفق الشيخان على إخراج ورود ضمامٍ المدينةَ ولم يسق واحد منهما الحديث بطوله، وهذا صحيح» . وقال الحافظ في «تغليق التعليق» (2/ 71): «هو إسناد جيد لتصريح ابن إسحاق بسماعه له» .
(5)
انظر «سيرة ابن هشام» (2/ 573 - 575).
(6)
انظر «التمهيد» (16/ 167) و «فتح الباري» (1/ 152) و «الإصابة» (5/ 350).
(7)
مثل الواقدي، كما في «طبقات ابن سعد» (1/ 259).
وروى
(1)
شَريك عن كُريب عن ابن عباس رضي الله عنهما حديث ابن عباس
(2)
، وفيه
(3)
: «بعث بنو سعدٍ ضِمامًا في رجب سنة خمس» . وقيل: في سنة سبع. وقيل: في سنة تسع. ذكره ابن هشام عن أبي عبيدة
(4)
، وذكره أبو إسحاق إبراهيم بن حبيب البصري
(5)
المعروف بالحاكم في تاريخه «لوامع الأمور وحوادث الدهور»
(6)
.
وزعم ابن عبد البر
(7)
أن هذا هو الأعرابي الثائر الرأس الذي من أهل نجد، الذي يروي حديثَه طلحة
(8)
، ويروي نحوًا من هذا
(9)
أبو هريرة
(10)
.
وهذا فيه نظر، لأن ذاك أولًا أعرابي
(11)
، وهذا من بني سعد بن بكر. ثم
(1)
س: «وروى عن» .
(2)
«حديث ابن عباس» ليست في س.
(3)
أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (1/ 259) من طريق الواقدي، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبْرة، عن شريك به. وهذا إسناد تالف من أجل الواقدي وابن أبي سبْرة. والمحفوظ عن شريك هو روايته عن أنس، كما سبق في حديث البخاري وغيره.
(4)
«سيرة ابن هشام» (2/ 560، 573).
(5)
ق: «المصري» تحريف.
(6)
كما في «التعليقة» لأبي يعلى (1/ 127).
(7)
في «الاستيعاب» (2/ 752). وجزم به ابن بطّال وآخرون، انظر «فتح الباري» (1/ 106).
(8)
في النسختين: «أبو طلحة» ، خطأ. وحديث طلحة عند البخاري (46) ومسلم (11).
(9)
س: «منه» .
(10)
أخرجه البخاري (1397) ومسلم (14).
(11)
س: «عربي» .