الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شعر الرأس واللحية والإبط سواء، لا أعلم أحدًا فرَّق بينهما.
ولأن إزالة ذلك ترفُّهٌ وتنعُّمٌ.
مسألة
(1)
: (ففي ثلاثٍ منها دمٌ، وفي كل واحد مما دونها مُدُّ طعامٍ، وهو ربعُ الصاعِ)
.
وجملة ذلك: أنه متى أزال شعره أو ظُفره فعليه الفدية، سواء كان لعذر أو لغير عذر. وإنما يفترقان في إباحة ذلك وغيره من الأحكام.
وأما الفدية فتجب فيهما
(2)
، لأن الله سبحانه قال:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]، فجوّز لمن مرِضَ فاحتاج إلى حلْق الشعر، أو آذاه قَمْلٌ برأسه، أن يحلق ويفتدي بصيام أو صدقة أو نُسُك، فلَأنْ يجب ذلك على من فعله لغير عذرٍ أولى.
وعن عبد الله بن مَعْقِل قال: جلستُ إلى كعب بن عُجْرة فسألته عن الفدية فقال: نزلت فيَّ خاصّةً وهي لكم عامّة، حُمِلْتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقَمْلُ يتناثر على وجهي، فقال:«ما كنتُ أرى الوجعَ بلغ بك ما أرى» أو «ما كنتُ أرى الجهدَ بلغ بك ما أرى! تجد شاة؟» فقلت: لا، قال:«فصُمْ ثلاثة أيام، أو أطعِمْ ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع» . متفق عليه
(3)
.
(1)
انظر «المستوعب» (1/ 480) و «المغني» (5/ 381، 387) و «الشرح الكبير» (8/ 223، 225) و «الفروع» (5/ 398، 399).
(2)
ق: «فيها» .
(3)
البخاري (1816، 4517) ومسلم (1201/ 85).
وعن [ق 229] عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عُجْرة قال: أتى عليَّ رسول الله زمنَ الحديبية وأنا أُوقِدُ تحت قِدْري والقَمْل يتناثر على وجهي، فقال:«أيؤذيك هَوامُّ رأسك؟» قال: قلت: نعم، قال:«فاحلِقْ، وصُمْ ثلاثة أيام، أو أطعِمْ ستة مساكين، أو انسُكْ نَسِيكةً» . لا أدري بأيّ ذلك بدأ. متفق عليه، وهذا لفظ مسلم
(1)
.
وللبخاري
(2)
: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه وإنه يسقط قَمْلُه على وجهه، فقال:«أيؤذيك هوامُّك؟» قلت: نعم، فأمره أن يحلق وهو بالحديبية، ولم يتبين لهم أنهم يحلُّون بها، وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله الفدية، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُطعِم فَرَقًا
(3)
بين ستة، أو يُهدي شاة، أو يصوم ثلاثة أيام.
ولمسلم
(4)
: أتى عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم زمنَ الحديبية، فقال:«كأن هوامَّ رأسك تؤذيك؟» فقلت: أجلْ، قال:«فاحلِقْه واذبحْ شاة، أو صمْ ثلاثة أيام، أو تصدَّقْ بثلاثة آصُعٍ من تمرٍ بين ستة مساكين» .
وفي رواية له
(5)
وفي رواية له
(6)
: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «احلِقْ ثم اذبحْ شاةً نسكًا، أو صُمْ
(1)
رقم (1201/ 80). ونحوه عند البخاري (5703).
(2)
رقم (1817).
(3)
مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع أو ستة عشر رطلًا. ينظر لضبط هذه الكلمة وشرحها «تاج العروس» (فرق).
(4)
رقم (1201/ 84) نحوه، ورواه بهذا اللفظ أحمد في «المسند» (18117).
(5)
رقم (1201/ 83).
(6)
رقم (1201/ 84).
ثلاثة أيام، أو أطعِمْ ثلاثة آصُعٍ [من]
(1)
تمرٍ على ستة مساكين».
وفي رواية لأبي داود
(2)
: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «احلِقْ رأسك وصُمْ ثلاثة أيام أو
(3)
أطعِمْ ستة مساكين فَرَقًا من زبيب، أو انسُكْ شاةً». فحلقتُ رأسي ثم نسكتُ.
ثم الكلام فيما يوجب الدم وما دونه:
أما ما يوجب الدم ففيه ثلاث روايات:
إحداها
(4)
: أنه لا يجب إلا في خمس شعرات وخمسة أظفار. حكاها ابن أبي موسى
(5)
، وهذا اختيار أبي بكر
(6)
؛ لأن الأظفار الخمسة أظفار يدٍ
(7)
كاملة، فوجب أن يتعلَّق بها كمال الجزاء، كما يتعلَّق كمال اليد بخمس
(8)
أصابع، وما دون ذلك ناقص عن الكمال. وإذا لم يجب كمال الفدية إلا في خمس أصابع فأن لا يجب إلا في خمس شعراتٍ أولى.
والثانية: أنه لا يجب إلا في أربعة فصاعدًا، وهي اختيار الخرقي
(9)
،
(1)
ليست في النسختين، والزيادة من «صحيح مسلم» .
(2)
رقم (1860) وذكر الزبيب فيه شاذ، والمحفوظ كما عند مسلم وغيره:«ثلاثة آصُع من تمرٍ» . انظر «المحلَّى» (7/ 209 - 211) و «فتح الباري» (4/ 17).
(3)
في النسختين بالواو، والتصويب من السنن.
(4)
في النسختين: «أحدها» .
(5)
في «الإرشاد» (ص 161).
(6)
كما في «المستوعب» (1/ 480).
(7)
«يد» ليست في ق.
(8)
في المطبوع: «بخمسة» .
(9)
في «مختصره» مع «المغني» (5/ 381).
فقال في رواية المرُّوذي
(1)
قال: كان عطاء يقول: إذا نتفَ ثلاث شعرات فعليه دم
(2)
، وكان ابن عيينة يستكثر الدم في ثلاث، ولستُ أُوقِّت، فإذا نتفَ متعمِّدًا أكثر من ثلاث شعرات
(3)
فعليه دم. والناسي والمتعمد سواء.
والثالثة: يجب في ثلاثٍ فصاعدًا، وهي اختيار القاضي
(4)
وأصحابه، قال في رواية حنبل
(5)
: إذا نتف المحرم ثلاث شعراتٍ أَهَراقَ لهنَّ دمًا، فإذا كانت شعرة أو اثنتين كان فيهما قبضةٌ من طعام.
والأظفار كالشعر في ذلك وأولى، فيها الروايات الثلاث.
قال في رواية مهنا
(6)
في محرم قصَّ أربع
(7)
أصابع من يده فعليه دم. قال عطاء: في شعرةٍ مدٌّ، وفي شعرتين
(8)
مُدَّان، وفي ثلاث شعراتٍ فصاعدًا دم
(9)
، والأظفار أكثر من ثلاث شعرات.
ولو قطعها في أوقات متفرقة وكفَّر عن الأول فلا كلام، وإن لم يكفِّر ضُمَّ بعضها إلى بعض، ووجب فيها ما يجب فيها لو قطعها في وقت واحد،
(1)
كما في «التعليقة» (1/ 399). وقال بنحوه في رواية الكوسج (1/ 554 - 555).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (13764) عن عطاءٍ والحسن البصري.
(3)
بعدها في النسختين: «متعمدا» . وهو تكرار، والمثبت كما في «التعليقة» .
(4)
في «التعليقة» (1/ 398).
(5)
المصدر نفسه.
(6)
كما في «التعليقة» (1/ 447).
(7)
في المطبوع: «أربعة» خطأ.
(8)
في النسختين: «شعرتان» . والتصويب من «التعليقة» .
(9)
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (5/ 62) و «معرفة السنن والآثار» (7/ 169).
فيجب الدم في الثلاث أو الأربع أو الخمس.
وأما ما لا يوجب الدم ففيه روايتان منصوصتان ورواية مخرَّجة:
إحداهن: في كل شعرة وظُفرٍ مدٌّ، قال في رواية أبي داود
(1)
: إذا نتفَ شعرةً أطعم مدًّا. وهذا اختيار عامة أصحابنا: الخرقي، وأبي بكر، وابن أبي موسى، والقاضي وأصحابه وغيرهم
(2)
.
والثانية: قبضة من طعام؛ قال في رواية حنبل
(3)
: إذا كانت شعرة أو اثنتين كان فيهما قبضة من طعام. ثم من أصحابنا من يقول: في كل شعرةٍ قبضةٌ من طعام، وظاهر كلامه أن في الشعرتين قبضة من طعام.
والثالثة: خرّجها القاضي ومن بعده من قوله
(4)
فيمن ترك ليلةً من ليالي منى: إنه يتصدَّق بدرهم أو نصفِ درهم. وكذلك خرّجوا في ترك ليلة من ليالي منى وحصاةٍ من حصى الجمار ما في حلق شعرة وظفر، فجعلوا الجميع بابًا واحدًا، قالوا: لأن كل واحد من هذه الأشياء الثلاثة يتعلَّق وجوب الدم بجميعه، ويتعلَّق ببعضه وجوب الصدقة.
ووجه الأول: أن أقلَّ ما يتقدَّر
(5)
بالشرع من الصدقات طعام مسكين،
(1)
في «مسائله» (ص 176). وانظر «التعليقة» (1/ 402).
(2)
انظر «مختصر الخرقي» مع «المغني» (5/ 387) و «الإرشاد» (ص 161) و «التعليقة» (1/ 402).
(3)
كما في «التعليقة» (1/ 402).
(4)
في رواية إسحاق بن إبراهيم كما في «التعليقة» (1/ 402).
(5)
س: «يقدر» .
وطعام المسكين مُدٌّ، فعلى هذا يخيَّر بين مدِّ برٍّ أو نصف [صاعٍ من]
(1)
تمْرٍ أو شعيرٍ. وظاهر كلامه هنا: أنه يجزئه من الأصناف كلها مدٌّ، فإن أحبَّ أن يصوم يومًا أو يُخرِج ثُلُثَ شاةٍ
(2)
.
وإن قطع بعض شعرةٍ أو ظفرٍ ففيه ما في جميعها في المشهور. وفيه وجه: أنه يجب بالحساب.
مسألة
(3)
: (وإن خرج في عينه شَعرٌ [ق 230] فقلَعَه، أو نزلَ شَعرُه فغطَّى عينيه، أو انكسر ظُفره فقصَّه= فلا شيء فيه).
وذلك لما روي عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسًا للمحرم أن ينزِعَ ضِرْسَه إذا اشتكى، ولا يرى بأسًا أن يقطع المحرم ظُفره إذا انكسر
(4)
.
وعن عكرمة أنه سئل عن المحرم، إذا انكسر ظُفره يَقْلِمُه، فإن ابن عباس كان يقول: إن الله لا يَعْبأ بأذاكم شيئًا. رواهما سعيد
(5)
.
ولأن الظفر إذا انكسر
…
(6)
.
(1)
زيادة ليستقيم المعنى.
(2)
كذا في النسختين، وجواب الشرط «فليفعل» أو ما في معناه.
(3)
انظر «المستوعب» (1/ 466) و «الشرح الكبير» (8/ 232) و «الفروع» (5/ 403).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (12901، 12903) مقتصرًا على ذكر الظفر، والدارقطني (2/ 232) بأطول منه، وأسانيده صحيحة.
(5)
قول ابن عباس أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (5/ 62) بلفظ: «أميطوا عنكم الأذى فإن الله عز وجل لا يصنع بأذاكم شيئا» .
(6)
بياض في النسختين.