المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إذا وجد المضطر ميتة وصيدا فإنه يأكل الميتة ويدع الصيد - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحج

- ‌جماعُ معنى الحج في أصل اللغة

- ‌مسألة(1): (يجب الحج والعمرة مرةً في العمر على المسلم العاقل البالغ الحرِّ)

- ‌الفصل الثانيأن العمرة أيضًا واجبة

- ‌ عنه رواية أخرى: أنها سنة

- ‌إن العمرة هي الحج الأصغر

- ‌الفصل الثالثأنهما إنما يجبان مرةً في العمر بإيجاب الشرع، فأما إيجاب المرء على نفسه فيجب في الذمة بالنذر

- ‌الفصل الرابعأنه لا يجب الوجوب المقتضي للفعل وصحتِه إلا على مسلم

- ‌الفصل الخامسأنه لا حج على مجنون(3)كسائر العبادات

- ‌الفصل السادسأنه لا حجَّ على الصبي قبل البلوغ

- ‌الفصل السابعأنه لا يجب إلا على حرٍّ كاملِ الحرية

- ‌مسألة(1): (إذا استطاع إليه سبيلًا، وهو(2)أن يجد زادًا وراحلةً بآلتها(3)مما يَصلُح لمثله، فاضلًا عما يحتاج إليه لقضاء ديونه(4)ومُؤْنةِ نفسه وعياله على الدوام)

- ‌الفصل الرابعأن يجد ذلك بعد ما يحتاج إليه من قضاء دينه ومُؤْنة نفسه وعياله على الدوام

- ‌إن كان له كتبُ علمٍ يحتاج(6)إليها لم يلزمه بيعها

- ‌إذا أَحجَّ(3)عن نفسه أجزأ عنه وإن عوفي

- ‌فصلإمكان المسير والأداء بسعة الوقت، وخلوِّ الطريق، والصحة(2): هل هو شرط للوجوب أو للزوم الأداء(3)فقط؟ على روايتين

- ‌مسألة(1): (ويُعتبر للمرأة وجودُ مَحْرمها، وهو زوجها، ومن تَحْرم عليه على التأبيد بنسبٍ أو سببٍ مباح)

- ‌لا يجوز لها(2)أن تسافر بغير محرم إلا في الهجرة

- ‌الفصل الثاني في المَحْرم

- ‌مسألة(6): (فمن فرَّط حتى مات أُخرِج عنه من ماله حجة وعمرة)

- ‌ من زعم أن العمل لا ينفع غير عامله في جميع المواضع فقد خرج عن دين الإسلام

- ‌فصليجب الحج عن الميت والعاجز من حيث وجب عليه

- ‌إذا لم يقدر له النفقة، فإنه ينفق بالمعروف، ويردُّ ما فضلَ

- ‌مسألة(4): (ولا يصحُّ الحجُّ من كافرٍ ولا مجنونٍ)

- ‌الثاني: أن يُجنَّ بعد إحرامه، فهذا إن كان صرعًا وخَنْقًا لم يبطل إحرامه

- ‌مسألة(4): (ويصحُّ من العبد والصبيِّ، ولا يُجزِئهما)

- ‌الفصل الثانيأن حج الصبي صحيح(2)، سواء كان مميِّزًا أو طفلًا

- ‌إن كان غير مميز عقد الإحرامَ له وليُّه

- ‌مسألة(1): (ويصحُّ من غير المستطيع والمرأةِ بغير مَحْرم، ويُجزئهما)

- ‌مسألة(4): (ومن حجَّ عن غيره ولم يكن حجَّ(5)عن نفسه، أو عن نذرِه ونَفْلِه(6)قبل حجة الإسلام، وقع عن فرض نفسه دون غيره)

- ‌ إذا خالف وأحرم عن غيره ففيه روايتان

- ‌الفصل الثانيإذا كان عليه فرضٌ ونفْلٌ لم يجز أن يُحرِم إلا بالفرض، وإن كان عليه فرضان لم يجز أن يبدأ إلا بأوكدِهما

- ‌باب المواقيت

- ‌مسألة(2): (وميقات أهل المدينة ذو الحُلَيفة(3)، والشام ومصر والمغرب الجُحْفة، واليمن يَلَمْلَم، ولنجدٍ قَرْن، وللمشرق ذات عِرْق)

- ‌مسألة(1): (وهذه المواقيتُ لأهلها، ولكلِّ من مرَّ عليها)

- ‌ومن مرَّ على ميقاتين فعليه أن يحرم من أبعدهما من مكة

- ‌مسألة(4): (ومن كان منزلُه دون الميقات فميقاته من موضعه، حتى أهلُ مكة يُهِلُّون منها لحجّهم، ويُهِلُّون للعمرة من الحلّ)

- ‌فصلوأما المكي إذا أراد أن يعتمر فإنه يخرج إلى الحلّ

- ‌الإحرام بالعمرة من أقصى الحلّ أفضلُ من أدناه

- ‌فأما الاعتمار من الحديبية فلا فضلَ فيه على غيره

- ‌مسألة(3): (ومن لم يكن طريقُه على ميقاتٍ(4)فميقاتُه حذوَ أقربِها إليه)

- ‌مسألة(1): (ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوزُ الميقات غيرَ محرمٍ(2)إلا لقتال مباح، أو حاجةٍ تتكرَّر كالحطَّاب ونحوه. ثم إن أراد النسك أحرم من موضعه، وإن تجاوزه غيره(3)رجع فأحرم من الميقات، فإن أحرم مِن دونِه فعليه دم، سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع)

- ‌إن دخل مكة(4)غيرَ مُحرمٍ لزمه قضاء هذا الإحرام

- ‌الفصل الثانيأن من دخل مكة لقتال مباح فإنه لا إحرام عليه

- ‌وكذلك من دخلها خائفًا لفتنةٍ عرضتْ ونحو ذلك

- ‌مسألة(1): (والأفضل أن لا يُحرِم قبل الميقات، فإن فعلَ فهو مُحرِم)

- ‌ تفسير الحديث: «أن تُحرِم من دُوَيرة أهلك»

- ‌مسألة(5): (وأشهرُ الحج: شوال وذو القعدة وعشْرٌ من ذي الحجة)

- ‌فإن خالف وأحرم بالحج قبل أشهره فإنه ينعقد الإحرام بالحج في أشهر الروايتين

- ‌باب الإحرام

- ‌مسألة(1): (من أراد الإحرام استُحِبَّ له أن يغتسل، ويتنظَّف، ويتطيَّب، ويتجرَّد عن المَخِيْط في إزارٍ ورداء أبيضَينِ نظيفينِ)

- ‌ وليس هذا الغسل واجبًا، نصَّ عليه

- ‌ يُستحبُّ أن يتطيَّب في بدنه دون ثيابه

- ‌مسألة(2): (ثم يصلِّي ركعتين ويُحرم عقيبَهما؛ وهو أن ينوي الإحرام، ويُستحبُّ أن ينطق به ويشترط

- ‌الفصل الثانيفي الوقت الذي يُستحب فيه الإحرام

- ‌إذا أحرم دُبر الصلاة ففي أول أوقات التلبية ثلاثة أوجه:

- ‌ التلبية(6)والإهلال والإحرام وفرْضُ الحج بمعنى واحد

- ‌الفصل الثالثأن الإحرام ينعقد بمجرد النية عند أصحابنا

- ‌مسألة(1): (وهو مخيَّر بين التمتع والإفراد والقران، وأفضلُها التمتع، وهو أن يُحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم يشرع في الحج في عامه، ثم الإفراد، وهو أن يُحرم بالحج مفردًا، ثم القِران

- ‌إن الرجل إذا أنشأ للعمرة سفرًا من مصره كان أفضل من عمرة التمتع

- ‌أما كون النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ولم يعتمر في أشهره، فعنه ثلاثة أجوبة:

- ‌المسألة الثانية(2): أنه يجوز أن يحرم بالعمرة، ثم يُدخل عليها الحج، ويصير قارنًا

- ‌مسألة(1): (وإذا استوى على راحلته لبَّى، فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)

- ‌سبب التلبية ومعناها

- ‌مسألة(5): (ويُستحبُّ الإكثارُ منها ورفعُ الصوت بها لغير النساء)

- ‌أما المرأة فيستحبُّ لها أن تُسمِع رفيقتها

- ‌يُكره إظهار التلبية في الأمصار والحِلَل

- ‌باب(1)محظورات الإحرام

- ‌مسألة(2): (وهي تسع(3): حَلْق الشعر، وقَلْم الظُّفر)

- ‌مسألة(1): (ففي ثلاثٍ منها دمٌ، وفي كل واحد مما دونها مُدُّ طعامٍ، وهو ربعُ الصاعِ)

- ‌مسألة(5): (الثالث: لُبس المَخيط إلا أن لا يجد إزارًا فيلبس سراويلَ، أو لا يجد نعلين فيلبسْ خفينِ، ولا فدية عليه)

- ‌مسألة(6): (الرابع: تغطية الرأس، والأذنان منه)

- ‌وحيث كُرِه له التظليل فهل تجب الفدية؟ على روايتين منصوصتين

- ‌مسألة(3): (الخامس: الطِّيب في بدنه وثيابه)

- ‌فصليحرم عليه أن يتطيَّب في بدنه وثيابه، سواء مسَّ الطيبُ بدنه أو لم يمسَّه

- ‌وليس له أن يستصحب ما يجد ريحه لتجارة ولا غيرها وإن لم يقصد شمَّه

- ‌فصلفأما الثياب المصبوغة بغير طيب؛ فلا يُكره منها في الإحرام إلا ما يُكره في الحلّ

- ‌أما الكحل إذا كان فيه طيب فإنه لا يجوز إلا لضرورة

- ‌مسألة(3): (السادس: قتل صيد البرِّ، وهو ما كان وحشيًّا مباحًا، فأما صيد البحر والأهليّ وما حرم أكلُه فلا شيء فيه، إلا ما كان متولِّدًا من مأكولٍ وغيره)

- ‌إذا وجد المضطرُّ ميتة وصيدًا فإنه يأكل الميتة ويدع الصيد

- ‌إذا أكل الصيد مَن صِيْد لأجله من المحرمين وجب عليه الجزاء

- ‌مسألة(2): (السابع: عقْدُ النكاح لا يصحُّ منه، ولا فديةَ فيه)

- ‌مسألة(2): (الثامن: المباشرة لشهوة فيما دون الفرج، فإن أنزلَ بها ففيها بدنةٌ، وإلا ففيها شاةٌ)

- ‌إن كانت المباشرة وطأً دون الفرج ففيها بدنة، وإن كانت قبلةً أو غمزًا ففيها شاة

- ‌مسألة(2): (التاسع: الوطء في الفرج، فإن كان قبل التحلُّل الأول أفسد الحج، ووجب المضيُّ في فاسده والحجُّ من قابلٍ، وعليه بدنة، وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة، ويُحرِم من التنعيم ليطوف محرمًا)

- ‌الفصل الرابعإذا وطئ بعد التحلل الأول لم يبطل حجه

- ‌فصلوهل عليه بدنة أو شاة؟ على روايتين:

- ‌مسألة(3): (وإن وطئ في العمرة أفسدها، وعليه شاة)

- ‌مسألة(1): (ولا يفسد النسك بغيره)

- ‌مسألة(5): (والمرأة كالرجل، إلا أن إحرامها في وجهها، ولها لُبْسُ المخيط)

- ‌الفصل الثالث: أن إحرامها في وجهها، فلا يجوز لها أن تلبس النقاب والبرقع

الفصل: ‌إذا وجد المضطر ميتة وصيدا فإنه يأكل الميتة ويدع الصيد

ولأنه إذا أعان المحرم على قتله كان مضمونًا عليه، وضمانه يقتضي أنه قتل بغير حق فيكون ميتة، فإن الذكيَّ لا يضمن، كما لو ذبحه الحلال لحرام

(1)

.

وإن كسر بيضَه أو قطع شجرة لم يجزْ له الانتفاع بها، وأما لغيره

(2)

.

فإذا اضطُرَّ إلى الصيد جاز له عَقْره، ويأكله وعليه الجزاء؛ لأن الضرورة تبيح أكل جميع المحظورات، سواء كان المنع لحقّ الله أو لحقّ آدمي، والصيد لا يخرج عن هذين.

وإذا قتلَه فهل يكون ذكيًّا بحيث يباح أكله للمُحِلِّين أو ميتةً؟ قال [القاضي]

(3)

: ليست هذه ذكاةً، بل هو ميتة في جميع الأحوال؛ لأن أحمد قال: إنما سماه الله قتلًا.

و‌

‌إذا وجد المضطرُّ ميتة وصيدًا فإنه يأكل الميتة ويدع الصيد

. نص عليه في رواية الجماعة ....

(4)

؛ لأن الله استثنى حِلَّ الميتة في كتابه للمضطر [ق 264] بقوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173]، ولم يستثنِ حِلَّ الصيد لأحد، وإنما أبيح استدلالًا وقياسًا، وما ثبت حكمه بالنص مقدَّم على ما ثبت بالاجتهاد، لا سيما وهو في هذا الحال قد لا يكون مضطرًّا إلى الصيد.

(1)

في المطبوع: «لحرم» خطأ.

(2)

بياض في النسختين.

(3)

زيادة ليستقيم السياق، وهذا كلام القاضي في «التعليقة» (2/ 355).

(4)

بياض في النسختين. قال القاضي في «التعليقة» (2/ 347): «نصّ عليه في رواية أبي داود وعبد الله وحنبل وحرب» .

ص: 600

وأيضًا فإن الصيد يحرم أخذه وقتله وأكله، والميتة إنما يحرم أكلها خاصةً، وما حرم فيه ثلاثة أفعال أعظمُ مما يحرم فيه فعل واحد.

وأيضًا فإن الصيد قد صار بالإحرام حيوانًا محترمًا يُشبِه الآدميَّ وماله، والميتة لا حرمة لها في نفسها، فيكون استحلال ما لا حرمة له أولى من استحلال ما هو محترم، كما تُقدَّم الميتة على أخذ أموال الناس.

وأيضًا فإن الصيد يوجب بقاء الجزاء في ذمته، والميتة بخلاف ذلك.

فإن قيل: الصيد أيسر؛ لأن من الناس من يقول: هو ذكيٌ، وإن أكله حلال.

قيل: هذا غلط؛ لأن أحدًا من المسلمين لم يقل إنه حلال للقاتل ولا ذكيٌّ بالنسبة إليه، وكونه حلالًا لغيره لا يؤثر فيه، كطعام الغير مع الميتة، فإن الميتة تُقدَّم عليه.

فإن وجد ميتة وصيدًا قد ذبحه محرم، فقال القاضي

(1)

: يأكل ذبيحة المحرم هنا ويترك الميتة؛ لأنه لا يحتاج أن يفعل في الصيد غير الأكل، وأكله أخفُّ حكمًا من أكل الميتة؛ لأن من الناس من يقول: هو ميتة وذكيٌّ.

فأما إن ذبح هو الصيد فهنا ينبغي أن يقدِّم الميتة.

وإن وجد صيدًا وطعامًا مملوكًا لا يعرف مالكه فقال

(2)

: يقدم أكل طعام الغير، وقيل:

(3)

.

(1)

في «التعليقة» (2/ 348).

(2)

بياض في النسختين.

(3)

بياض في النسختين.

ص: 601

فصل

فأما ما صاده الحلال بغير معونة من المحرم وذكَّاه، فإنه مباح للمحرم إذا لم يَصِدْه لأجله ولا عَقَره لأجله، ومتى فعل ذلك لأجله فهو حلال للحلال، حرام على المحرم، سواء علم الحرامُ بذلك أو لم يعلم.

وهل يحرم على غيره؟ ....

(1)

نصَّ على هذا في رواية الجماعة؛ فقال

(2)

: إذا صِيْدَ الصيد من أجله لم يأكله المحرم، ولا بأس أن يأكل من الصيد إذا لم يُصَدْ من أجله إذا اصطاده الحلال.

وذلك لما روى عمرو بن أبي عمرو، عن المطَّلب بن عبد الله بن المطَّلب

(3)

بن حَنْطَب، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صيدُ البرِّ لكم حلال وأنتم حُرُم، ما لم تصيدوه أو يُصَدْ لكم» . رواه الخمسة إلا ابن ماجه

(4)

.

وقال الشافعي

(5)

: هذا أحسن حديثٍ روي في هذا الباب وأقيسُ.

(1)

بياض في النسختين.

(2)

كما في «التعليقة» (2/ 336). وهو نصّه في «مسائل عبد الله» (ص 207).

(3)

في المطبوع: «عبد المطلب» خطأ.

(4)

أحمد (14894) وأبو داود (1851) والترمذي (846) والنسائي (2827). قال الترمذي: «المطلب لا نعرف له سماعًا من جابر» . وقال النسائي: «عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث» . والحديث قد صححه ابنُ خزيمة (2641) وابن حبان (3971) والحاكم (1/ 452، 476). ويشهد لصحة معناه حديث أبي قتادة المتفق عليه المتقدم آنفًا، وحديث الصعب بن جثّامة الآتي قريبًا.

(5)

نقله الترمذي عقب الحديث.

ص: 602

وقال أحمد في رواية عبد الله

(1)

: قد روي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لحمُ الصيدِ لكم حلال إلا ما صِدتم أو صِيْد لكم» . وكرهه عثمان بن عفان لما صيد له.

وحديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يأكلوا وهم حُرُم، وكان أبو قتادة صاده وهو حلال. فإذا صاده الحلال فلا بأس أن يأكله المحرم إذا لم يُصَد من أجله، ولا يأكله إذا صِيْد من أجله.

وعلي وعائشة وابن عمر كانوا يكرهون أن يأكل المحرم لحم الصيد، كأنهم

(2)

ذهبوا إلى ظاهر الآية: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96].

وهذا يدلُّ على صحة الحديث عنده.

فإن قيل: فقد قال الترمذي

(3)

: المطَّلب لا نعرف له سماعًا من جابر

(4)

.

قيل: قد رواه أحمد

(5)

عن رجل ثقة من بني سلمة عن جابر قال: سمعت

(1)

في «مسائله» (ص 207). والآثار التي أشار إليها الإمام أحمد سيأتي تخريجها قريبًا.

(2)

«كأنهم» ساقطة من س، وفي ق:«كانوا» . والمثبت من «مسائل الإمام أحمد» وهذا كله من كلام الإمام.

(3)

عقب الحديث (846).

(4)

بياض في النسختين وتتمة كلام الترمذي: «والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، لا يرون بالصيد للمحرم بأسًا إذا لم يصطده أو لم يصطد من أجله» .

(5)

رقم (15185) من طريق ابن أبي الزناد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن رجل ثقة

إلخ. وابن أبي الزناد قد خالفه غير واحد من الثقات فرووه عن عمرو عن المطلب عن جابر، كما سبق آنفًا، وهو الصواب. والمطلب قرشي مخزومي، وليس من بني سلمة. وانظر «السنن الكبرى» للبيهقي (5/ 190).

ص: 603

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لحمُ الصيد حلالٌ للمحرم ما لم يَصِدْه أو يُصَدْ له» .

وهذا الحديث مفسِّر لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من كراهة صيد الحلال للمحرم ومن إباحته له.

أما الأول: فروى ابن عباس عن الصَّعْب بن جَثَّامة أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًّا وهو بالأَبْواء أو بوَدَّانَ، فردَّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال:«إنا لم نردَّه عليك إلا أنَّا حُرُم» متفق عليه

(1)

. وفي رواية: «لحم حمار» وفي رواية: «من لحم حمار وحش» . وفي رواية: «شِقَّ حمارِ وحشٍ فردَّه» . وفي رواية: «عَجُزَ وحشٍ يقطر دمًا» . رواهن مسلم

(2)

وغيره.

فهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أعان عليه بوجه من الوجوه، ولا أمر به ولا علم أنه يُصاد له، وإنما يُشبِه ــ والله أعلم ــ أن يكون قد رأى لما أهداه أنه صاده لأجله؛ لأن الناس كانوا قد تسامعوا بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلٌّ يحبّ أن يتقرَّب

(3)

إليه ويُهدي إليه، فلعل الصعب إنما صاده لأجل النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هذا يكون تركُه واجبًا. أو يكون خشي صلى الله عليه وسلم أن يكون صِيْدَ لأجله، فيكون قد تركه تنزُّهًا، وكذلك قال الشافعي

(4)

رضي الله عنه، كما كان يدع التمرة خشيةَ أن تكون من تمر الصدقة

(5)

.

(1)

البخاري (1825) ومسلم (1193).

(2)

رقم (1194). وانظر «فتح الباري» (4/ 32).

(3)

في المطبوع: «يقترب» خلاف ما في النسختين.

(4)

في «الأم» (10/ 243).

(5)

كما في حديث أنس بن مالك الذي أخرجه مسلم (1071). وفي الباب أحاديث أخرى.

ص: 604

وعن طاوس قال: قدم زيد بن أرقم فقال له عبد الله بن عباس يستذكره: كيف أخبرتَني عن لحم صيد أُهدِي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام؟ قال: أُهدِي له عضوٌ من لحم صيدٍ فردَّه، وقال:«إنا لا نأكله، إنّا حُرُم» . رواه أحمد ومسلم وأبو داود [ق 265] وابن ماجه

(1)

.

وعن الحسن بن محمد عن عائشة قالت: أُهدِي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وَشِيقةُ ظبيٍ وهو محرم، ولم يأكله. رواه عبد الرزاق وأحمد في «مسائل عبد الله»

(2)

، وقال

(3)

: قال ابن عيينة: الوشيقة ما طُبِخ وقدِّد.

وعن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبيه، وكان الحارث خليفة عثمان على الطائف، فصنع لعثمان طعامًا فيه من الحَجَل

(4)

واليعاقيب

(5)

ولحم الوحش، وبعث إلى علي، فجاءه الرسول وهو يَخبِط

(6)

لأباعرَ

(7)

له، فجاءه وهو ينفُضُ الخبطَ عن يده، فقالوا له: كلْ، فقال: أطعِموه قومًا حلالًا فإنّا حُرُم، فقال علي: أَنشُد من كان هاهنا من أشجعَ أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَهدى إليه رجلٌ حمارَ وحش وهو محرم، فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم.

(1)

أحمد (19271) ومسلم (1195) وأبو داود (1850) ولم أجده عند ابن ماجه، ولعله سبق قلم، والصواب:«النسائي» (2821).

(2)

رواه عبد الرزاق (8324) وأحمد في «المسند» (24128، 25882)، ولم أجده في «مسائل عبد الله». قال في «مجمع الزوائد» (3/ 230):«رجال أحمد رجال الصحيح» .

(3)

أي الإمام أحمد عقب الرواية الأولى التي هي من طريق ابن عيينة (24128).

(4)

طائر على قدر الحمام أحمر المنقار والرجلين، ويسمى دجاج البر.

(5)

جمع اليعقوب، وهو ذكر الحجل.

(6)

أي يضرب الشجرة ليسقط ورقها.

(7)

جمع بعير.

ص: 605

رواه أبو داود

(1)

.

ورواه أحمد

(2)

من حديث علي بن زيد عن عبد الله بن الحارث قال: كان أبي الحارثُ على أمرٍ من أمر مكة في زمن عثمان، فأقبل عثمان إلى مكة، فقال عبد الله بن الحارث: فاستقبلت عثمان بالنزول بقُدَيد، فاصطاد أهل الماء حَجَلًا، فطبخناه بماء وملح، فجعلناه عُراقًا

(3)

للثَّريد، فقدَّمناه إلى عثمان وأصحابه فأمسكوا، فقال عثمان: صيدٌ لم نصطده ولم نأمر

(4)

بصيده، اصطاده قومٌ حِلٌّ فأَطعَموناه فما بأس، فقال عثمان: من يقول في هذا؟ فقالوا: علي، فبعث إلى علي فجاء. قال عبد الله بن الحارث: فكأني أنظر إلى علي حين جاء يَحُتُّ الخبطَ عن كفَّيه، فقال له عثمان: صيدٌ لم نصِدْه ولم نأمر

(5)

بصيده، اصطاده قومٌ حِلٌّ، فأطعموناه فما بأسٌ، فغضب علي وقال: أنشُدُ الله رجلًا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُتي بقائمةِ حمار وحش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنا قومٌ حُرُم، فأطعِموه أهل [الحل]»

(6)

، قال: فشهد اثنا عشر رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال علي: أنشُد الله رجلًا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُتي ببيضِ النَّعام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا قومٌ حُرم،

(1)

رقم (1849) وإسناده حسن.

(2)

رقم (783). وعلي بن زيد ــ وهو ابن جدعان ــ وإن كان فيه لين، ولكن أصل القصة ثابت بالمتابعة السابقة عند أبي داود ومتابعات أخرى سيأتي بعضها قريبًا.

(3)

في المطبوع: «عرقا» تحريف. والعُراق: العظم الذي أُكِل لحمه.

(4)

في النسختين: «لم يصطده ولم يأمر» . والتصويب من «المسند» ، وهو المناسب للسياق.

(5)

في النسختين: «لم يصده ولم يأمر» . والتصويب من «المسند» .

(6)

الزيادة من «المسند» . وأشير إليها في هامش النسختين.

ص: 606

أطعِموه أهلَ الحلّ». قال: فشهد دونهم من العدة من الاثني عشر، قال: فثنى عثمان وَرِكَه عن الطعام، فدخل رَحْلَه وأكل ذلك الطعام أهلُ الماء.

فهذا الصيد قد كان صُنع لعثمان وأصحابه، وكان عثمان يرى أن ما لم يُعِنْ على صيده بأمرٍ أو فعلٍ فلا بأس به، فلما أخبره علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يقبل ما أهدي إليه، رجع عن ذلك، وكان لا يأكل مما صنع له، فروى عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عثمان عليه السلام بالعَرْج وهو محرم في يوم صائفٍ وقد غطَّى رأسه بقطيفة أُرْجُوانٍ

(1)

، ثم أُتي بلحم صيد، فقال لأصحابه: كلوا، قالوا: ولا تأكل أنت؟ قال: إني لست كهيئتكم، إنما صِيْد من أجلي. رواه مالك وغيره

(2)

.

وعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: خرج أبي مع عثمان إلى مكة، فنزلوا ببعض الطريق وهم محرمون، فقُرِّب إلى عثمان ظبيٌ قد صِيد، فقال لهم: كلوا فإني غير آكله، فقال له عمرو: أتأمرنا بما لستَ آكلَه

(3)

؟ فقال عثمان: لولا أني أظن أنما صيد لي وأُميتَ من أجلي لأكلتُ. فأكلوا ولم يأكل عثمان منه شيئًا. رواه سعيد والدارقطني

(4)

، ولفظه:«إني لست في ذاك مثلكم، إنما صِيْد لي وأُميتَ باسمي» .

(1)

شجر له زهر شديد الحمرة، ويطلق على الصبغ الأحمر. والقطيفة: كساء له خمل. والمراد هنا كساء أحمر.

(2)

رواه مالك في «الموطأ» (1/ 354)، وعنه الشافعي في «الأم» (8/ 674)، ثم من طريقه البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (5/ 191) و «معرفة السنن» (7/ 432).

(3)

في المطبوع: «بآكله» خلاف النسختين.

(4)

رواه الدارقطني (2/ 291) من طريق عبد الرزاق ــ وهو عنده في «المصنف» (8345) ــ بإسناد صحيح، إلا أن المُهدَى له فيه «لحم طائر» لا لحم ظبي.

ص: 607

وما نُقل عن عثمان من الرخصة مطلقًا فقد رجع عنه؛ بدليل ما روى سعيد

(1)

عن بُسْر

(2)

بن سعيد أن عثمان رضي الله عنه كان يُصاد له الوحش على المنازل، ثم يذبح فيأكله وهو محرم سنتين من خلافته أو ثلاثة

(3)

، ثم إن الزبير كلَّمه فقال: ما أدري ما هذا، يُصاد لنا أو من أجلنا، أن لو تركناه، فتركه.

وهذا متأخر عما روى عبد الله بن الحارث عن أبيه قال: حججت مع عثمان رضي الله عنه، فأُتي بلحم صيد صاده حلال، فأكل منه، وعليٌّ جالس فلم يأكل، فقال عثمان: والله ما صِدْنا ولا أشرنا ولا أمرنا، فقال علي:{حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]

(4)

.

ثم اتفق رأي عثمان والزبير على أن معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ما صيد للمحرم لا يأكله، وكان ذلك بعد أن حدَّثه علي والأشجعيون بالحديث، فعُلِم أنهم فهموا ذاك من الحديث. ويدلُّ على ذلك أن ابن عباس هو الذي روى حديث الصعب وحديث زيد، وروى عبد الله في «مسند أبيه»

(5)

عن علي قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بلحم صيدٍ وهو محرم، فلم يأكله.

وعن طاوس عن ابن

(6)

عباس قال: لا يحلُّ لحم الصيد وأنت محرم.

(1)

في «سننه» بإسناد صحيح، ومن طريقه ابن حزم في «المحلَّى» (7/ 253 - 254).

(2)

في النسختين: «بشر» تصحيف.

(3)

كذا بالهاء في النسختين. وفي المطبوع: «ثلاثا» .

(4)

أخرجه الطبري في «تفسيره» (8/ 738، 740) من طريق يزيد بن أبي زياد عن مولاه عبد الله بن الحارث به. ويزيد لين الحديث، ولكنه توبع كما سبق قريبًا.

(5)

رقم (830) بإسناد ضعيف، إلا أنه يثبت ويصح بالمتابعات السابقة.

(6)

«ابن» ساقطة من المطبوع.

ص: 608

وتلا هذه الآية {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} . رواه سعيد وغيره

(1)

.

ومع هذا فقد روى سعيد وأحمد

(2)

عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما صِيدَ قبل أن تُحرِم فكلْ، وما صِيد بعدما تُحرم فلا تأكل.

فيُشبِه ــ والله أعلم ــ أن يكون ما صيد بعد حِرْمِه

(3)

يخاف أن يكون صِيْد لأجله، بخلاف ما صيد قبل الحِرْم

(4)

، [ق 266] فتتفق الآثار المروية في ذلك عن الصحابة على تفسير الحديث.

وقد روى أحمد

(5)

عن سعيد بن المسيب: أن عثمان بن عفان أُتِي بقَطًا مذبوحٍ وهو محرم، فأمر أصحابه أن يأكلوا ولم يأكل، وقال: إنما صِيد لي. وكان عليٌّ يكره ذلك على كل حال.

وعن عبد الرحمن بن حاطب أن عثمان كره أكل يعاقيبَ اصِّيْدَتْ له، وقال: إنما اصِّيدَتْ وأُميتت لي

(6)

.

وأما أحاديث الرخصة فما روى عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله

(1)

«سنن سعيد بن منصور» (837 - التفسير) وابن أبي حاتم (4/ 1213).

(2)

لم أجده عند أحمد، وعزاه إليه القاضي في «التعليقة» (2/ 338). وقد أخرجه بنحوه عبد الرزاق في «مصنفه» (8304) والطبري في «تفسيره» (8/ 745).

(3)

في المطبوع: «إحرامه» خلاف ما في النسختين. والحرم ـ بضم الحاء وكسرها ــ الإحرام. انظر شرح النووي على «صحيح مسلم» (1/ 134).

(4)

في المطبوع: «الإحرام» .

(5)

عزاه إليه القاضي في «التعليقة» (2/ 337). وقد أخرجه الطبري (8/ 740) عن ابن المسيب مقتصرًا على قول علي بالكراهة. وأما قصة القطا فأخرجها الطبري (8/ 742 - 743) من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.

(6)

أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (8346).

ص: 609

التيمي وهو ابن أخي طلحة، قال: كنا مع طلحة ونحن حُرُم، فأُهدِي لنا طير وطلحة راقد، فمنّا من أكل ومنّا من تورَّع فلم يأكل، فلما أفاق طلحة وَفَّقَ مَن أكله، وقال: أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد ومسلم والنسائي

(1)

.

وعن عمير بن سلمة الضَّمْري عن رجل من بَهْزٍ أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد مكة، حتى إذا كانوا في بعض وادي الروحاء وجد الناس حمارَ وحشٍ عقيرًا، فذكروه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:«أقِرُّوه حتى يأتي صاحبه» . فأتى البهزي وكان صاحبه، فقال: يا رسول الله، شأنكم بهذا الحمار، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسَّمه في الرِّفاق وهم محرمون، قال: ثم مررنا حتى إذا كنا بالأَثَايَةِ

(2)

إذا نحن بظبيٍ حاقفٍ

(3)

في ظلٍّ فيه سهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا أن يقف عنده حتى يُجيز الناس عنه. رواه مالك وأحمد والنسائي

(4)

.

(1)

أحمد (1383) ومسلم (1197) والنسائي (2817). وقوله: «وفَّق مَن أكله» أي دعا له بالتوفيق، واستصوب فعله.

(2)

الأثاية: موضع في طريق الجحفة، بينه وبين المدينة خمسة وعشرون فرسخًا. انظر «معجم البلدان» (1/ 90).

(3)

أي ربض وانطوى فانحنى ظهره.

(4)

مالك (1/ 351) وأحمد (15744) والنسائي (2818) عن عمير بن سلمة عن رجل من بهز عن النبي صلى الله عليه وسلم. إسناده صحيح، وقد أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (5111). وقد رُوي الحديث عند أحمد (15450) والنسائي (4344) وابن حبان (5112) والحاكم (3/ 624) وغيرهم من مسند عمير بن سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير ذكر البهزي في الإسناد. وهو الذي رجّحه أبو حاتم الرازي وموسى بن هارون الحمّال. وعمير صحابي، فالحديث متصل وصحيح على كل حال. انظر «علل ابن أبي حاتم» (898) و «مسند الموطأ» للجوهري (816) و «علل الدارقطني» (3182).

ص: 610

وعن أبي قتادة قال: كنت يومًا جالسًا مع رجال من

(1)

أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمامنا، والقوم محرِمون، وأنا غيرُ محرم عامَ الحديبية، فأبصروا حمارًا وحشيًّا وأنا مشغول أخصِفُ نعلي، فلم يُؤذِنوني وأحبُّوا لو أني أبصرتُه، والتفتُّ فأبصرته، فقمت إلى الفرس فأسرجتُه، ثم ركبتُ ونسيتُ السوط والرمح، فقلت لهم: ناوِلوني السوط والرمح، فقالوا: والله لا نُعِينك عليه، فغضبتُ فنزلت فأخذتُهما، ثم ركبتُ فشددتُ على الحمار فعقرتُه، ثم جئت به وقد مات، فوقعوا فيه يأكلونه، ثم إنهم شكُّوا في أكلهم إياه وهم حُرُم، فرُحْنا وخبأتُ العضدَ معي، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه عن ذلك فقال:«هل معكم منه شيء؟» فقلت: نعم، فناولتُه العضدَ، فأكلها وهو محرم. وفي رواية:«هو حلال فكلوه» . متفق عليه

(2)

، وللبخاري

(3)

: قال: «منكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟» قالوا: لا، قال:«فكلوا ما بقي من لحمها» . ولمسلم

(4)

: «هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء؟» قالوا

(5)

: لا، قال:«فكلوا» .

وقد روى عبد الرزاق

(6)

: قثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمنَ الحديبية، وأَحرم أصحابي ولم أُحرم، فرأيت حمارًا فحملتُ عليه فاصطدتُه،

(1)

«رجال من» ساقطة من ق.

(2)

البخاري (2570، 5407) ومسلم (1196).

(3)

رقم (1824).

(4)

رقم (1196/ 64).

(5)

في النسختين: «قال» . والتصويب من «صحيح مسلم» .

(6)

في «مصنّفه» (8337).

ص: 611

فذكرت

(1)

شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرتُ أني لم أكن أحرمت، وأني إنما اصَّدْتُه

(2)

لك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأكلوا، ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصَّدْتُه

(3)

لك

(4)

. رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني

(5)

.

وقال أبو بكر النيسابوري

(6)

: قوله: «إني اصطدتُه لك» ، وقوله:«لم يأكل منه» ، لا أعلم أحدًا ذكره في هذا الحديث غير معمر، وهو موافق لما رُوي [عن]

(7)

عثمان أنه صِيْد له طائر وهو محرم فلم يأكل. وهذا إسناد جيد، إلا أن الروايات المشهورة فيها أنه أكل منه صلى الله عليه وسلم، فينظر.

وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين حتى إذا كان بالرَّبَذَة وجد ركْبًا من العراق محرمين، فسألوه عن صيد وجدوه عند أهل الربذة، فأمرهم بأكله. قال: ثم إني شككتُ فيما أمرتُهم، فلما قدمت

(1)

في النسختين: «فذكر» . والتصويب من مصادر التخريج.

(2)

في المطبوع: «صدته» خلاف ما في النسختين. وقد سبق التعليق على مثل هذه الكلمة، وأنها صواب.

(3)

س: «اصطدته» . وكلاهما صواب.

(4)

في المطبوع: «له» خلاف ما في النسختين.

(5)

أحمد (22590) وابن ماجه (3093) والدارقطني (2/ 291). وهذه الرواية شاذة تخالف الروايات الصحيحة المتفق عليها لحديث أبي قتادة في أمرين سيذكرهما المؤلف عن الحافظ أبي بكر النيسابوري.

(6)

نقله عنه الدارقطني عقب الحديث السابق. وأبو بكر النيسابوري هو عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل الإمام الحافظ الفقيه الشافعي (ت 324)، قال الدارقطني:«ما رأيتُ أحفظ منه، وكان يعرف زيادات الألفاظ في المتون» .

(7)

زيادة من الدارقطني.

ص: 612

المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فقال: ماذا أمرتَهم به؟ قال: أمرتُهم

(1)

بأكله، فقال عمر: لو أمرتَهم بغير ذلك لفعلتُ بك، يتواعده

(2)

.

وعن ابن عمر قال: قدم أبو هريرة من البحرين حتى إذا كان بالربذة سئل عن قوم محرمين أُهدي لهم لحمُ صيدٍ أهداه حلال، فأمرهم بأكله، فلما قدم على عمر ذكر ذلك له، فقال عمر: ما أمرتَهم؟ قال: أمرتُهم بأكله، قال: لو أمرتَهم بغير ذلك لأوجعتُك ضربًا، فقال رجل لابن عمر: أنأكله؟ فقال: أبو هريرة خير مني، وعمر خير مني. رواه سعيد

(3)

.

ورُوي عن الشعبي ومجاهد قالا

(4)

: إذا رأيتم الناس يختلفون فانظروا ما فعل عمر فاتبعوه

(5)

.

وأيضًا فإن الله سبحانه قال: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]، والمراد بالصيد نفس الحيوان المَصِيد، لا كما قال بعضهم: إنه مصدر صاد يصيد صيدًا، واصطاد يصطاد اصطيادًا، وأن المعنى: حُرِّم عليكم الاصطياد في حال الإحرام

(6)

،

(1)

«أمرتهم» ساقطة من المطبوع.

(2)

رواه مالك (1/ 351 - 352). ورواه أيضًا (1/ 352) من رواية سالم بن عبد الله بن عمر أنه سمع أبا هريرة يحدّث عبد الله بن عمر

إلخ بنحوه.

(3)

ورواه أيضًا عبد الرزاق في «مصنفه» (8342، 8343) بنحوه.

(4)

في النسختين والمطبوع: «قال» . خطأ.

(5)

أخرجه أحمد في «فضائل الصحابة» (342، 349) عنهما. وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (26799) من وجه آخر عن الشعبي.

(6)

في المطبوع: «حال من الإحرام» خلاف ما في النسختين.

ص: 613

لوجوه:

أحدها: أن الله حيث ذكر الصيد، فإنما يعني به ما يصاد، كقوله:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]، وقوله:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا [ق 267] لَكُمْ} ، وإنما يستمتعون

(1)

بما يُصاد لا بالاصطياد. وقوله: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} بعد قوله: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1].

الثاني: أن التحريم والتحليل في مثل هذا

(2)

إنما يضاف إلى الأعيان، وإن

(3)

كان المراد أفعال المكلفين، كقوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]، {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 5]، {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ

غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ}، {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، وهذا كثير في القرآن والحديث. ثم قال تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96]، فعُلم أن المراد نفس المصيد.

الثالث: أن قوله: {صَيْدُ الْبَحْرِ} المراد به ما يُصاد منه؛ لأنه عطف عليه، وطعامُه: مالحُه وطافِيه، فلا بدَّ أن يكون المقرون بالطعام هو النوع الآخر وهو الرطب المصيد

(4)

؛ ولأنه قال: {مَتَاعًا لَكُمْ} وإنما يُستمتع بنفس ما

(1)

في المطبوع: «يستمعون» خطأ مطبعي.

(2)

«هذا» ساقطة من س.

(3)

في المطبوع: «وإذا» خطأ.

(4)

في المطبوع: «الصيد» خطأ مخالف لما في النسختين.

ص: 614

يُصاد لا بالفعل، فإذا كان صيد البحر قد عُني به المصيد

(1)

، فكذلك صيد البر؛ لأنه مذكور في مقابلته.

الرابع: أن الصحابة فسَّروه بذلك كما تقدم عنهم، ولم يُنقل عن مثلهم خلاف في ذلك.

الخامس: أن الفعل لا يضاف إلى البر والبحر إلا على تكلُّف، بأن يقال: الصيد في البر والصيد في البحر، ثم ليس مستقيمًا؛ لأن الصائد لو كان في البحر وصيده في البر لحرم عليه الصيد، ولو كان بالعكس لحلَّ له، فعُلِم أن العبرة بمكان الصيد الذي هو الحيوان لا بمكان الاصطياد الذي هو الفعل.

السادس: أنه إذا أطلق صيد البر وصيد البحر فُهِم منه الصيد البري والبحري، فيجب حملُ الكلام على ما يُفهم منه، وإذا كان المعنى: حُرِّم عليكم الصيد الذي في البر، فالتحريم إذا أضيف إلى العين

(2)

كان المراد الفعل فيها.

وقد فسَّرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المراد فعلٌ يكون سببًا إلى هلاك الصيد، وأكلُ صيدٍ يكون للمحرم سببٌ في قتله بما ذكرنا عنه صلى الله عليه وسلم، كما فسّر قوله:{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] على اجتناب الفروج خاصةً. ودلَّ على ذلك أشياء:

أحدها: أنه إنما حرم أكل الصيد؛ لأن إباحته تُفْضي إلى قتله، ولهذا بدأ الله سبحانه بالنهي عن قتله، فقال:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ، ثم أتبعه بقوله:

(1)

في المطبوع: «الصيد» وهو خطأ.

(2)

في المطبوع: «المعين» خطأ.

ص: 615

{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} ، فالمقصود من التحريم: استحياء الصيد واستبقاؤه من المحرمين، وأن لا يتعرَّضوا له بأذى، ولهذا إذا قتلوه حرم عليهم وعلى غيرهم، قطعًا لطمع الانتفاع به إذا قتله المحرم بوجه من الوجوه، فإذا كان الحلال هو الذي قد صاده كما أباحه الله له وذكَّاه لم يقع شيء من الفعل المكروه، فلا وجه للتحريم على المحرم. وخرج على هذا ما إذا كان قصد الحلال اصطياده للحرام، فإن المحرم صار له سبب في قتل الصيد وإن لم يقصده، فإذا علم الحلال أن ما صاده الحلال

(1)

لا يحل، كفَّ الحلال عن الاصطياد لأجل الحرام، فلم يبقَ للمحرم سببٌ في قتله بوجه من الوجوه، وصار وجود المحرم في قتل الصيد كعدمه.

الثاني: أن الصيد اسم للحيوان الذي يُصاد، وهذا إنما يتناوله إذا كان حيًّا، فأما بعد الموت فلم يُصَدْ، فإذا صاد المحرم الصيد وأكله، فقد أكل لحم الصيد وهو محرم، أما إذا كان قد صِيْد قبل إحرامه، أو صاده حلالٌ لنفسه ثم جاء به قَدِيدًا أو شِواءً أو قَدِيرًا، فلم يعترض المحرم لصيد البر، وإنما تعرض لطعامه، وقد فرَّق الله بين صيد البحر وطعامه، فعلم أن الصيد هو ما اصطِيدَ منه، والطعام ما لم يُصْطَدْ منه، إما لكونه قد طفا أو لكونه قد ملُح، ثم إنما حُرِّم على المحرم صيد البر خاصة دون طعام صيد، فعُلِم أنه إنما حرم ما اصطيد في حال الإحرام.

فإذا كان قد اصطاده هو أو اصطيد

(2)

لأجله فقد صار للمحرم سببٌ في

(1)

كذا في النسختين، وكتب في هامشهما:«لعله للحرام» .

(2)

في المطبوع: «صيد» خلاف النسختين.

ص: 616

قتله حين هو صيد، فلا يحلُّ له

(1)

. أما إذا صاده الحلال وذبحه لنفسه، ثم أهداه أو باعه للمحرم فلم يصادفه المحرم إلا وهو طعام لا صيد، فلا يحرم عليه، وهذا بيِّن حسن. وقد روي عن عروة عن الزبير أنه كان يتزوَّد صفيفَ الظباء في الإحرام، رواه مالك

(2)

.

الثالث: أن الله إنما حرَّم الصيد ما دمنا حُرُمًا، ولو أحلَّ الرجل وقد صاد صيدًا أو قتله وهو محرم لحرم عليه بعد الإحرام، فعلم أن المقصود تحريمه إذا كان صيدًا وقت الإحرام، فإذا صيد قبل الإحرام أو صاده غير محرم، فلم يتناول الصيد وقت الإحرام، ولا تناوله أحد بسبب محرم، فلا يكون حرامًا في حال الإحرام، كما أنه لو تناوله أحد في حال الإحرام كان حرامًا في حال الإحلال.

الرابع: أن الصيد اسم مشتقٌّ من فعل؛ لأن معناه المصيد.

الخامس: أن الله [ق 268] سبحانه وتعالى لو أراد تحريم أكله لقال: ولحم الصيد، كما قال:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]، وذلك أن المحرَّم إذا كان لا حياة فيه كالدم والميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنطيحة أضيف التحريم إلى عينه؛ للعلم بأن المراد الأكل ونحوه. أما إذا كان حيًّا فلو قيل: والخنزير، لم يُدْرَ ما المحرَّم منه؛ أهو قتلُه أو أكلُه أو غير ذلك، فلما قيل: ولحم الخنزير عُلم أن المراد تحريم الأكل

(1)

«له» ساقطة من المطبوع.

(2)

«الموطأ» (1/ 350) وقال مالك: «والصفيف القديد» . وأخرجه أيضًا عبد الرزاق (8348) وابن أبي شيبة (14682) بلفظ: «صفيف الوحش» .

ص: 617

ونحوه. فلما قال في الصيد: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96]؛ عُلِم أن المراد تحريمُ قتله وتحريمُ الأكل الذي يفضي إباحته إلى قتله، لا مطلق تحريم أكل لحمه، وهذا حسنٌ لمن تأمله.

فعلى هذا إذا صِيد من أجل مُحرِم بعينه جاز لغيره من المحرمين الأكلُ منه. ذكره أصحابنا القاضي [وغيره]

(1)

. قال في رواية عبد الله

(2)

: المحرم إذا اصِّيْدَ الصيدُ من أجله لا يأكله المحرم؛ لأنه من أجله صِيد، ويأكله غيره، ولا بأس أن يأكل المحرم من الصيد الذي لم يُصَد من أجله إذا صاده حلال.

وقد أخذ بحديث عثمان، وفيه: أنه أمر أصحابه بأكله ولم يأكل هو. وكذلك في الحديث المرفوع إن كان محفوظًا. ولأن قوله صلى الله عليه وسلم: «صيد البر حلال لكم وأنتم حُرُم ما لم تصيدوه أو يُصَدْ لكم» دليل على أن المحرم إذا لم يَصِدْه هو

(3)

ولا صِيدَ له، فهو حلال وإن صِيْدَ لمحرِم آخر؛ ولأنه إذا لم يُصَدْ

(4)

لهذا المحرم لم يكن له سبب في قتله.

فأما إن كان الصيد لنوع المحرِمين، مثل أن يكون أهل المياه والأعراب وغيرهم يُعِدُّون لحم الصيد لمن يمرُّ بهم من المحرمين يبيعونهم أو يُهدون لهم

(5)

، وكذلك إذا صادوه للرئيس وأصحابه.

(1)

زيادة ليستقيم السياق. وانظر كلامهم في «التعليقة» (2/ 336) و «المستوعب» (1/ 469) و «المغني» (5/ 135).

(2)

في «مسائله» (ص 207).

(3)

«هو» ساقطة من المطبوع.

(4)

في النسختين: «لم يقصد» . والمثبت يقتضيه السياق.

(5)

بياض في النسختين.

ص: 618