المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة(6): (فمن فرط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة) - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحج

- ‌جماعُ معنى الحج في أصل اللغة

- ‌مسألة(1): (يجب الحج والعمرة مرةً في العمر على المسلم العاقل البالغ الحرِّ)

- ‌الفصل الثانيأن العمرة أيضًا واجبة

- ‌ عنه رواية أخرى: أنها سنة

- ‌إن العمرة هي الحج الأصغر

- ‌الفصل الثالثأنهما إنما يجبان مرةً في العمر بإيجاب الشرع، فأما إيجاب المرء على نفسه فيجب في الذمة بالنذر

- ‌الفصل الرابعأنه لا يجب الوجوب المقتضي للفعل وصحتِه إلا على مسلم

- ‌الفصل الخامسأنه لا حج على مجنون(3)كسائر العبادات

- ‌الفصل السادسأنه لا حجَّ على الصبي قبل البلوغ

- ‌الفصل السابعأنه لا يجب إلا على حرٍّ كاملِ الحرية

- ‌مسألة(1): (إذا استطاع إليه سبيلًا، وهو(2)أن يجد زادًا وراحلةً بآلتها(3)مما يَصلُح لمثله، فاضلًا عما يحتاج إليه لقضاء ديونه(4)ومُؤْنةِ نفسه وعياله على الدوام)

- ‌الفصل الرابعأن يجد ذلك بعد ما يحتاج إليه من قضاء دينه ومُؤْنة نفسه وعياله على الدوام

- ‌إن كان له كتبُ علمٍ يحتاج(6)إليها لم يلزمه بيعها

- ‌إذا أَحجَّ(3)عن نفسه أجزأ عنه وإن عوفي

- ‌فصلإمكان المسير والأداء بسعة الوقت، وخلوِّ الطريق، والصحة(2): هل هو شرط للوجوب أو للزوم الأداء(3)فقط؟ على روايتين

- ‌مسألة(1): (ويُعتبر للمرأة وجودُ مَحْرمها، وهو زوجها، ومن تَحْرم عليه على التأبيد بنسبٍ أو سببٍ مباح)

- ‌لا يجوز لها(2)أن تسافر بغير محرم إلا في الهجرة

- ‌الفصل الثاني في المَحْرم

- ‌مسألة(6): (فمن فرَّط حتى مات أُخرِج عنه من ماله حجة وعمرة)

- ‌ من زعم أن العمل لا ينفع غير عامله في جميع المواضع فقد خرج عن دين الإسلام

- ‌فصليجب الحج عن الميت والعاجز من حيث وجب عليه

- ‌إذا لم يقدر له النفقة، فإنه ينفق بالمعروف، ويردُّ ما فضلَ

- ‌مسألة(4): (ولا يصحُّ الحجُّ من كافرٍ ولا مجنونٍ)

- ‌الثاني: أن يُجنَّ بعد إحرامه، فهذا إن كان صرعًا وخَنْقًا لم يبطل إحرامه

- ‌مسألة(4): (ويصحُّ من العبد والصبيِّ، ولا يُجزِئهما)

- ‌الفصل الثانيأن حج الصبي صحيح(2)، سواء كان مميِّزًا أو طفلًا

- ‌إن كان غير مميز عقد الإحرامَ له وليُّه

- ‌مسألة(1): (ويصحُّ من غير المستطيع والمرأةِ بغير مَحْرم، ويُجزئهما)

- ‌مسألة(4): (ومن حجَّ عن غيره ولم يكن حجَّ(5)عن نفسه، أو عن نذرِه ونَفْلِه(6)قبل حجة الإسلام، وقع عن فرض نفسه دون غيره)

- ‌ إذا خالف وأحرم عن غيره ففيه روايتان

- ‌الفصل الثانيإذا كان عليه فرضٌ ونفْلٌ لم يجز أن يُحرِم إلا بالفرض، وإن كان عليه فرضان لم يجز أن يبدأ إلا بأوكدِهما

- ‌باب المواقيت

- ‌مسألة(2): (وميقات أهل المدينة ذو الحُلَيفة(3)، والشام ومصر والمغرب الجُحْفة، واليمن يَلَمْلَم، ولنجدٍ قَرْن، وللمشرق ذات عِرْق)

- ‌مسألة(1): (وهذه المواقيتُ لأهلها، ولكلِّ من مرَّ عليها)

- ‌ومن مرَّ على ميقاتين فعليه أن يحرم من أبعدهما من مكة

- ‌مسألة(4): (ومن كان منزلُه دون الميقات فميقاته من موضعه، حتى أهلُ مكة يُهِلُّون منها لحجّهم، ويُهِلُّون للعمرة من الحلّ)

- ‌فصلوأما المكي إذا أراد أن يعتمر فإنه يخرج إلى الحلّ

- ‌الإحرام بالعمرة من أقصى الحلّ أفضلُ من أدناه

- ‌فأما الاعتمار من الحديبية فلا فضلَ فيه على غيره

- ‌مسألة(3): (ومن لم يكن طريقُه على ميقاتٍ(4)فميقاتُه حذوَ أقربِها إليه)

- ‌مسألة(1): (ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوزُ الميقات غيرَ محرمٍ(2)إلا لقتال مباح، أو حاجةٍ تتكرَّر كالحطَّاب ونحوه. ثم إن أراد النسك أحرم من موضعه، وإن تجاوزه غيره(3)رجع فأحرم من الميقات، فإن أحرم مِن دونِه فعليه دم، سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع)

- ‌إن دخل مكة(4)غيرَ مُحرمٍ لزمه قضاء هذا الإحرام

- ‌الفصل الثانيأن من دخل مكة لقتال مباح فإنه لا إحرام عليه

- ‌وكذلك من دخلها خائفًا لفتنةٍ عرضتْ ونحو ذلك

- ‌مسألة(1): (والأفضل أن لا يُحرِم قبل الميقات، فإن فعلَ فهو مُحرِم)

- ‌ تفسير الحديث: «أن تُحرِم من دُوَيرة أهلك»

- ‌مسألة(5): (وأشهرُ الحج: شوال وذو القعدة وعشْرٌ من ذي الحجة)

- ‌فإن خالف وأحرم بالحج قبل أشهره فإنه ينعقد الإحرام بالحج في أشهر الروايتين

- ‌باب الإحرام

- ‌مسألة(1): (من أراد الإحرام استُحِبَّ له أن يغتسل، ويتنظَّف، ويتطيَّب، ويتجرَّد عن المَخِيْط في إزارٍ ورداء أبيضَينِ نظيفينِ)

- ‌ وليس هذا الغسل واجبًا، نصَّ عليه

- ‌ يُستحبُّ أن يتطيَّب في بدنه دون ثيابه

- ‌مسألة(2): (ثم يصلِّي ركعتين ويُحرم عقيبَهما؛ وهو أن ينوي الإحرام، ويُستحبُّ أن ينطق به ويشترط

- ‌الفصل الثانيفي الوقت الذي يُستحب فيه الإحرام

- ‌إذا أحرم دُبر الصلاة ففي أول أوقات التلبية ثلاثة أوجه:

- ‌ التلبية(6)والإهلال والإحرام وفرْضُ الحج بمعنى واحد

- ‌الفصل الثالثأن الإحرام ينعقد بمجرد النية عند أصحابنا

- ‌مسألة(1): (وهو مخيَّر بين التمتع والإفراد والقران، وأفضلُها التمتع، وهو أن يُحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم يشرع في الحج في عامه، ثم الإفراد، وهو أن يُحرم بالحج مفردًا، ثم القِران

- ‌إن الرجل إذا أنشأ للعمرة سفرًا من مصره كان أفضل من عمرة التمتع

- ‌أما كون النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ولم يعتمر في أشهره، فعنه ثلاثة أجوبة:

- ‌المسألة الثانية(2): أنه يجوز أن يحرم بالعمرة، ثم يُدخل عليها الحج، ويصير قارنًا

- ‌مسألة(1): (وإذا استوى على راحلته لبَّى، فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)

- ‌سبب التلبية ومعناها

- ‌مسألة(5): (ويُستحبُّ الإكثارُ منها ورفعُ الصوت بها لغير النساء)

- ‌أما المرأة فيستحبُّ لها أن تُسمِع رفيقتها

- ‌يُكره إظهار التلبية في الأمصار والحِلَل

- ‌باب(1)محظورات الإحرام

- ‌مسألة(2): (وهي تسع(3): حَلْق الشعر، وقَلْم الظُّفر)

- ‌مسألة(1): (ففي ثلاثٍ منها دمٌ، وفي كل واحد مما دونها مُدُّ طعامٍ، وهو ربعُ الصاعِ)

- ‌مسألة(5): (الثالث: لُبس المَخيط إلا أن لا يجد إزارًا فيلبس سراويلَ، أو لا يجد نعلين فيلبسْ خفينِ، ولا فدية عليه)

- ‌مسألة(6): (الرابع: تغطية الرأس، والأذنان منه)

- ‌وحيث كُرِه له التظليل فهل تجب الفدية؟ على روايتين منصوصتين

- ‌مسألة(3): (الخامس: الطِّيب في بدنه وثيابه)

- ‌فصليحرم عليه أن يتطيَّب في بدنه وثيابه، سواء مسَّ الطيبُ بدنه أو لم يمسَّه

- ‌وليس له أن يستصحب ما يجد ريحه لتجارة ولا غيرها وإن لم يقصد شمَّه

- ‌فصلفأما الثياب المصبوغة بغير طيب؛ فلا يُكره منها في الإحرام إلا ما يُكره في الحلّ

- ‌أما الكحل إذا كان فيه طيب فإنه لا يجوز إلا لضرورة

- ‌مسألة(3): (السادس: قتل صيد البرِّ، وهو ما كان وحشيًّا مباحًا، فأما صيد البحر والأهليّ وما حرم أكلُه فلا شيء فيه، إلا ما كان متولِّدًا من مأكولٍ وغيره)

- ‌إذا وجد المضطرُّ ميتة وصيدًا فإنه يأكل الميتة ويدع الصيد

- ‌إذا أكل الصيد مَن صِيْد لأجله من المحرمين وجب عليه الجزاء

- ‌مسألة(2): (السابع: عقْدُ النكاح لا يصحُّ منه، ولا فديةَ فيه)

- ‌مسألة(2): (الثامن: المباشرة لشهوة فيما دون الفرج، فإن أنزلَ بها ففيها بدنةٌ، وإلا ففيها شاةٌ)

- ‌إن كانت المباشرة وطأً دون الفرج ففيها بدنة، وإن كانت قبلةً أو غمزًا ففيها شاة

- ‌مسألة(2): (التاسع: الوطء في الفرج، فإن كان قبل التحلُّل الأول أفسد الحج، ووجب المضيُّ في فاسده والحجُّ من قابلٍ، وعليه بدنة، وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة، ويُحرِم من التنعيم ليطوف محرمًا)

- ‌الفصل الرابعإذا وطئ بعد التحلل الأول لم يبطل حجه

- ‌فصلوهل عليه بدنة أو شاة؟ على روايتين:

- ‌مسألة(3): (وإن وطئ في العمرة أفسدها، وعليه شاة)

- ‌مسألة(1): (ولا يفسد النسك بغيره)

- ‌مسألة(5): (والمرأة كالرجل، إلا أن إحرامها في وجهها، ولها لُبْسُ المخيط)

- ‌الفصل الثالث: أن إحرامها في وجهها، فلا يجوز لها أن تلبس النقاب والبرقع

الفصل: ‌مسألة(6): (فمن فرط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة)

وذلك لأنها إذا حرمت على التأبيد يئست النفس منها، ولم يبقَ لها طمعٌ في أن تنظر إليها نظرَ شهوةٍ في الحال ولا في المآل، بخلاف من تحرم في الحال فقط، فإن اعتقاد حلِّها بطريق من الطرق يُطمِع النفسَ في النظر

(1)

إليها، ويصير الشيطان ثالثهما في ذلك، ولو كان مجرد التحريم كافيًا في ذلك لكان مَحْرمًا لسائر المحصنات، بل لكلّ

(2)

النساء.

قال ابن أبي موسى

(3)

: ولو حجت المرأة بغير مَحْرم أجزأتها الحجة عن

(4)

حجة الفرض، مع معصيتها و [ق 152] عِظَم

(5)

الإثم عليها.

‌مسألة

(6)

: (فمن فرَّط حتى مات أُخرِج عنه من ماله حجة وعمرة)

.

وجملة ذلك: أن من وجب عليه أن يحجَّ بنفسه أو نائبه في حياته، ففرَّط في ذلك حتى مات، وله تركة= وجب أن تُخْرَج من ماله حجة، وعمرة إذا قلنا بوجوبها وهو المشهور في المذهب.

وكذلك من وجب عليه ولم يفرِّط، وهو من كان به مرض يُرجَى بُرؤه، أو كان محبوسًا، أو ممنوعًا، أو كان بطريقِه عاقةٌ، أو ضاق الوقت عن حجه وعمرته، أو لم يكن للمرأة مَحْرم، إذا قلنا بوجوب الحج في ذمتهم، ويكون

(1)

في المطبوع: «بالنظر» ، خلاف النسختين.

(2)

س: «لسائر» .

(3)

في «الإرشاد» (ص 163).

(4)

«الحجة عن» ساقطة من ق.

(5)

في المطبوع: «وعظيم» .

(6)

انظر «المستوعب» (1/ 445) و «المغني» (5/ 36) و «الشرح الكبير» (8/ 70) و «الفروع» (5/ 261).

ص: 82

هذا الحج دينًا عليه= يُخرَج من رأس ماله مقدَّمًا على الوصايا والمواريث.

هذا مذهب أحمد، نصَّ عليه في غير موضع

(1)

وأصحابه، كما قلنا مثل ذلك في الزكاة والصيام؛ لأن الحج دين من الديون، بدليل ما روى عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: جاء رجل من خثعم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي أدركه الإسلام، وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوبَ الرَّحْل، والحج مكتوب عليه

(2)

، أفأحجُّ عنه؟ قال:«أنت أكبرُ ولدِه؟» قال: نعم، قال:«أرأيت لو كان على أبيك دَينٌ فقضيتَه عنه أكان ذلك يُجزِئ عنه؟» قال: نعم، قال: «فحُجَّ

(3)

عنه». رواه أحمد والنسائي

(4)

.

وعن سليمان بن يسار عن الفضل بن عباس: أنه كان رديفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله، إن أمي عجوز كبيرة، وإن حملتُها لم تستمسكْ، وإن ربطتُها خشيتُ أن أقتلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أرأيتَ لو كان على أمك دينٌ أكنتَ قاضيَه؟» قال: نعم، قال: «فحجَّ

(5)

عن أمك». رواه النسائي

(6)

، وقال: لم يسمع سليمان

(7)

من الفضل.

(1)

انظر «التعليقة» (1/ 80). و «غير» ساقطة من المطبوع.

(2)

«عليه» ساقطة من س.

(3)

س: «فاحجج» .

(4)

سبق تخريجه (ص 47).

(5)

س: «فاحجج» .

(6)

رقم (2643، 5394)، وقوله عقب الحديث (5395).

(7)

س: «سليمان بن يسار» . والمثبت موافق لما عند النسائي.

ص: 83

ورواه أحمد

(1)

عن سليمان، عن عبيد الله، [أو]

(2)

عن الفضل بن عباس: «أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أبي أدركه الإسلام، وهو شيخ كبير لا يثبت على راحلته، أفأحج عنه؟ قال: «أرأيتَ لو كان عليه

(3)

دَينٌ فقضيتَه عنه أكان يُجزِئه؟» قال: نعم، قال: «فاحْججْ

(4)

عن أبيك».

وهذا أشبه بالصواب؛ لأن الذي في حديث الفضل

(5)

إنما سألت عن أمها، وبدليل ما سيأتي من الأحاديث.

وإذا كان بمنزلة الدين دخل في عموم قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]، فإن الله سبحانه عمَّ بقوله:{أَوْ دَيْنٍ} فإنها نكرة في سياق معنى النفي؛ لأن قوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} في معنى قوله: إنما الميراث بعد وصية أو دين، ولم يخصّص دين الآدمي من دين الله سبحانه. ولهذا لو كان قد نذر الصدقة بمال، ومات قبل أن يتصدق= أُخرِج عنه من صلب المال.

(1)

رقم (1812) بلفظ: «عن سليمان بن يسار، عن عبيد الله بن عباس، أو عن الفضل بن عباس» . هكذا وقع «عبيد الله» مصغّرًا في النسخ الخطية، ونبّه محققو طبعة الرسالة إلى أنه تحريف، والصواب:«عبد الله» كما في الأسانيد الأُخَر.

والحديث متفق عليه من طريق سليمان عن عبد الله بن العباس من مُسنده، وعنه عن الفضل، والسائل فيه امرأة من خثعم، وليس فيه التشبيه بالدَّين. انظر «صحيح البخاري» (1513، 1853 - 1855، 4399، 6228) و «مسلم» (1334، 1335).

(2)

زيادة من «المسند» .

(3)

س: «على أبيك» .

(4)

ق: «فحجّ» . والمثبت موافق لما في المسند.

(5)

«الفضل» ساقطة من س.

ص: 84

وأيضًا عن بُريدة بن الحُصَيب رضي الله عنه قال: بينا

(1)

أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة، فقالت: إني تصدَّقتُ على أمي بجارية، وإنها ماتت، فقال:«وجب أجرُكِ، وردّها عليك الميراث» ، قالت: يا رسول الله، إنه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال:«صومي عنها» ، قالت: إنها لم تحجَّ قطُّ، أفأحجُّ عنها؟ قال:«حُجِّي عنها» . رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي

(2)

، وقال: حديث حسن صحيح.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جُهَينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرتْ أن تحجّ، فلم تحجّ حتى ماتت، أفأحجُّ عنها؟ قال:«نعم حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمكِ دينٌ أكنتِ قاضيتَه؟ اقْضُوا الله فالله أحقُّ بالوفاء» . رواه البخاري

(3)

.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمرتْ امرأةُ سِنان بن سلمة الجهني أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمها ماتت ولم تحجَّ، أفيُجزِئ أمَّها أن تحجَّ عنها؟ قال:«نعم، لو كان على أمها دينٌ فقضَتْه عنها ألم يكن يُجزِئ عنها؟ فلتحجَّ عن أمها»

(4)

.

وعنه أيضًا: أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحج، قال:«حُجّي عن أبيك»

(5)

.

(1)

في المطبوع: «بينما» ، خلاف النسختين.

(2)

أحمد (3032) ومسلم (1149) وأبو داود (2877) والترمذي (667).

(3)

رقم (1852).

(4)

أخرجه أحمد (2518) والنسائي (2633) ــ واللفظ له ــ وابن خزيمة (3034) بإسناد صحيح. ولفظ أحمد وابن خزيمة: «سنان بن عبد الله الجهني» وهو الصواب. انظر «الإصابة» (4/ 482) ط. دار هجر.

(5)

أخرجه النسائي (2634) من طريق علي بن حكيم عن حميد بن عبد الرحمن عن حماد بن زيد عن أيوب عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس.

رواته ثقات، لكنه شاذ مخالف لما في «الصحيحين» وغيرهما من رواية جماعة من الثقات لهذا الحديث عن الزهري به، ففي جمعيها أن سؤال المرأة إنما كان عن أبيها الذي أدركته فريضة الحج شيخًا كبيرًا لا يثبت على راحلته.

ص: 85

وعنه قال: قال رجل: يا نبي الله، إن أبي مات ولم يحجَّ، أفأحجُّ عنه؟ قال:«أرأيتَ لو كان على أبيك دينٌ أكنتَ قاضيَه؟» قال: نعم، قال:«فدينُ الله أحقُّ»

(1)

. رواهن النسائي.

فوجه الدلالة من هذه الأحاديث من وجوه:

أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بفعل حجة الإسلام والحجةِ المنذورة عن الميت، وبيَّن أنها تُجزئ عنه، وهذا يدل على بقائها في ذمته، وأنها لم تسقط بالموت، وأنها تؤدَّى عنه بعد الموت.

وكل ما يبقى من الحقوق بعد الموت ويؤدَّى بعد الموت، فإنه يجب فعله عنه

(2)

إذا كان له ما يُفعَل منه، وذلك لأن

(3)

من يقول: لا يجب فعله بعد الموت يزعم أن حجة الإسلام قد سقطت بالموت، وأن الذي يُفعل عنه حجُّ تطوعٍ له أجره وثوابه؛ لأن الواجب ــ زعم ــ لا يُفعَل إلا بإذنه، حتى لو أوصى

(4)

بذلك، فإن الذي يوصي به ليس هو حجة الإسلام عنده. والنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن نفس الواجب هو الذي يُقضَى عنه.

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم[ق 153] بيَّن أن الحج دَينٌ في ذمته، وكل من عليه

(1)

أخرجه النسائي (2639) بإسناد فيه لين.

(2)

في المطبوع بعدها: «بعد الموت» . وليست في النسختين.

(3)

س: «لا» .

(4)

ق: «رضي» .

ص: 86

دين فإنه يجب أن يُقضى عنه من تَرِكته بنصّ القرآن.

الثالث: قوله: «اقْضُوا الله، فالله أحقُّ بالوفاء»

(1)

، وقوله في حديث آخر عن الصوم:«فحقُّ الله أحقُّ»

(2)

، إما أن يكون معناه: أن قضاء دين الله أوجب من قضاء دين الآدمي، كما فسَّره بذلك القاضي

(3)

وغيره من أصحابنا؛ لأن وجوبه أوكد وأثبت. ويرجِّح هذا المعنى أن وجوب الحج والزكاة آكدُ من وجوب قضاء [دين]

(4)

الآدمي؛ لأنهما من مباني الإسلام، مع ظاهر قوله:«فالله أحقُّ بالوفاء» . فعلى هذا إذا وجب قضاء دين الآدمي من تركته فلأَن

(5)

يجب قضاء دين الله أولى وأحرى.

وإما أن يكون معناه: إذا كان قضاء دين الآدمي يُجزِئ عنه بعد الموت فدين الله أحقُّ أن يُجزِئ؛ لأن الله تعالى كريم جواد، ومن يكون أحرى بقبول القضاء فحقه أولى أن يقضى؛ لأنه أجدرُ أن يَحصُل بقضائه براءة الذمة. ويُرجِّح هذا المعنى أن القوم إنما سألوه عن جواز القضاء عن الميت لا عن وجوبه عليهم، فعلى هذا إذا وجب فعلُ الدين عنه لبقائه وكونه يُجزئ عنه بعد الموت، وجب قضاء الحج ونحوه عنه لبقائه وكونه يُجزئ بعد الموت

(6)

، لأن معناهما واحد.

(1)

سبق أنه عند البخاري.

(2)

أخرجه الترمذي (716، 717) وقال: «حديث حسن صحيح» ، وابن ماجه (1758) وابن خزيمة (1953، 2055) وابن حبان (3530، 3570) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

في «التعليقة» (1/ 82).

(4)

ليست في النسختين.

(5)

س: «فان» .

(6)

«وجب

الموت» ساقطة من ق.

ص: 87

الرابع: أن هذه الأحاديث تقتضي جواز فعل الحج المفروض عن الميت، سواء وصَّى بذلك أو لم يُوصِّ

(1)

، وسواء كان له تركة أو لم يكن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسألهم عن تركةٍ خلَّفوها. وتقتضي أن ذلك يُجزِئ عنه، ويؤدِّي عنه ما وجب عليه، وهذه الأحكام بعينها أحكام ديون الآدميين.

الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الولي أن

(2)

يحج عنه، والأمر يقتضي الوجوب، لاسيما وقد شبَّهه بالدين الذي يجب قضاؤه من تركته، ولما كان الدين يجب قضاؤه إن كانت له تركة، ويستحب قضاؤه إذا لم تكن له تركة، فكذلك الحج.

وأيضًا فقد تقدم

(3)

إجماع الصحابة أنه

(4)

إذا مات وعليه صيام من رمضان أُطعِم عنه، كما يُطعِم عن نفسه إذا كان شيخًا كبيرًا، فإذا وجب الإطعام في تركته فكذلك يجب الحج من تركته، ولا فرق.

وأيضًا فإن الحج حقٌّ مستقرٌّ في حياته تدخله النيابة، فلم يسقط بالموت كديون الآدمي؛ ولأنه

(5)

حق واجب تصح الوصية به

(6)

، فلم يسقط بالموت

(7)

كديون الآدميين.

(1)

ق: «رضي بذلك أم لم يرض» ، تحريف.

(2)

ق: «أنه» .

(3)

في كتاب الصيام.

(4)

«أنه» ساقطة من ق.

(5)

الواو ساقطة من ق.

(6)

«به» ساقطة من س.

(7)

«بالموت» ساقطة من ق.

ص: 88

فإن قيل: إذا مات قبل الحج فقد لحقه الوعيد، بدليل قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} إلى قوله: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 9 - 10]، وقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99 - 100]. ولأنه إذا مات قبل أن يحج مات عاصيًا على كبيرة من الكبائر، بل يُتخوف

(1)

عليه أن يموت على غير الإسلام، كما نذكر إن شاء الله في مسألة الفور، فلو كان الحج يجب أن يُفعَل عنه بعد موته، ويُجزِئه كما يُجزِئه لو فعله في حياته، لكان يجوز للرجل أن يؤخِّر الحج إلى ما بعد الموت، كما له أن يؤخِّره إلى آخر حياته عند من يجوِّز تأخيره.

والذي يبيِّن ذلك أن الحج وغيره من العبادات

(2)

ابتلاء للعبد وامتحان له، وأمرٌ له بأن يعبد الله، وهذا القدر لا يحصل إلا بأن يقصد العبادة ويفعلها بنفسه، أو يأمر من

(3)

يفعلها. وبالموت قد تعذَّر ذلك، ولهذا لو حج عنه غيره في حياته

(4)

بغير إذنه لم يُجزِئ عنه، وهذا بخلاف دين العبد، فإنه لا يفتقر إلى النية، ويصح بدون إذنه، حتى

(5)

لو أداه عنه غيره بغير إذنه جاز،

(1)

في المطبوع: «تخوف» .

(2)

في المطبوع: «العبادة» .

(3)

س: «بمن» . وفي هامشها: لعله لمن.

(4)

س: «في حياته غيره» .

(5)

«حتى» ساقطة من س.

ص: 89

ولو اقتضاه الغريم من ماله بغير

(1)

إذنه برئتْ ذمته.

وإذا كان كذلك فيجب أن تُحمل الأحاديث إما

(2)

على قوم لم يحجُّوا، ولم يجب عليهم الحج لكونهم لم يملكوا زادًا وراحلة، أو على أنه وإن وجب عليهم لكن لهم ثواب وأجر ما يُفعَل عنهم، لا أن الواجب نفسه يسقط، وإذا لم يسقط الواجب لم يجب على الورثة شيء.

قلنا: لا ريب أنه يموت عاصيًا معرَّضًا للوعيد، لكن هذا لا يوجب سقوطه عنه، وعدمَ صحتِه ووجوبِه بعد موته؛ كمن أخّر الصلاة عمدًا

(3)

حتى خرج وقتها، أو أفطر في رمضان عمدًا، فإن ذلك من الكبائر، وإن

(4)

وجب عليه القضاء وأجزأ عنه. وكذلك من مَطَلَ الغرماء بديونهم مع اليسار حتى مات، فإنه يأثم بهذا المطل والتأخير، ويُؤدَّى عنه بعد موته ويُجزِئه، بل عندنا لو أخَّره لغير عذرٍ، ثم فعله في آخر عمره أجزأ عنه، وأثِمَ بالتأخير إلا أن يتوب ويستغفر الله

(5)

.

وهذا لأن الله سبحانه وتعالى أوجب عليه أن يحج، وأن يكون الحج بنفسه، كما أوجب عليه أن يصلّي ويصوم، وأن يفعل الصلاة والصوم في [ق 154] وقتهما

(6)

، فمتى تعذَّر عليه

(7)

فعلُه بنفسه ــ وهو أحد الواجبين ــ لم

(1)

س: «بدون» .

(2)

«إما» ساقطة من س.

(3)

في المطبوع: «عامدًا» ، خلاف النسختين.

(4)

كذا في النسختين، ويبدو أن «إن» مقحمة، والسياق يصح بدونها.

(5)

لفظ الجلالة «الله» ليس في ق.

(6)

س: «وقتها» .

(7)

«عليه» ليست في ق.

ص: 90

يسقط الواجب الآخر، وهو مطلق الحج

(1)

الذي يمكن أن يفعل عنه، وإذا

(2)

تعذَّر فعل العبادة في وقتها لم يسقط نفس الفعل، بل يفعل بعد الوقت.

فهذا الذي أخّر الحج حتى مات، إن لم يُفعَل عنه لحِقَه وعيدُ تركِ الحج بالكلية، وإن فُعِل عنه أجزأ عنه نفس الحج، وبقي إثم تأخيره وتفريطه فيه وتركِ فعله، كما يبقى على من يقضي الدين إثمُ المطْل وأشدُّ. وسؤاله الرجعةَ وكونُه يخاف عليه الموت على غير الإسلام حق؛ لأن ذلك لأجل تركِه

(3)

الحجَّ بنفسه وتفريطه فيه، كما أن من

(4)

ترك صلاة العصر متعمدًا حبِطَ عملُه وإن قضاها، وكما يلحق الوعيد للذين

(5)

هم عن صلاتهم ساهون، وإن صلَّوها بعد الوقت. وهنا

(6)

قد قَضَوها هم

(7)

بأنفسهم، فكيف بمن يقضي عنه غيره بغير إذنه؟

و

(8)

لأن هذا النكال

(9)

وهذا الخطر والعذاب الشديد يكون حين الموت قبل أن يحج عنه

(10)

، فإذا حج عنه خفّف عنه ذلك بدليل

(11)

.

(1)

«الحج» ليست في س.

(2)

س: «وإذ» .

(3)

«وكونه

تركه» ساقطة من ق.

(4)

«من» ساقطة من س.

(5)

في المطبوع: «الذين» خلاف النسختين.

(6)

س: «وهذا» .

(7)

«هم» ليست في ق.

(8)

الواو ساقطة من ق.

(9)

س: «السؤال» .

(10)

«حين

عنه» ساقطة من ق.

(11)

بياض في النسختين.

ص: 91

و

(1)

لأنه ليس كل من مات يُحَجُّ عنه، إما لأنه قد لا يُخلف مالًا، أو لأنه

(2)

قد يتهاون الورثة في الإخراج عنه، فمن كان في علم الله أنه

(3)

يحج عنه يكون أمره أخفَّ.

وأما كون الفرائض لا يصح فعلها إلا بنية المكلَّف وأمرِه؛ لأن امتثال الأمر بدون ذلك محال، فذلك فيما وجب أن يفعله

(4)

بنفسه، ولهذا لو

(5)

حج عنه غيره حجة الإسلام في حياته بدون أمره لم يصح، فإذا مات صار المخاطب بالوجوب غيره، وهم الورثة. ثم إن الله تعالى بكرمه وجوده أقام فعلَهم عنه مقام فعله بنفسه إن

(6)

كان لم يُفرِّط في التأخير لكونه معذورًا، وإن كان فرَّط قام مقامه في نفس الفعل، وبقي إثم الترك عليه هو إلى الله تعالى، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له؛ وهذا لأن ما وجب أن يفعله بنفسه يستحيل أن ينويه غيره، فأما إذا كان الوجوب على غيره مثل أداء الزكاة من مال اليتيم فإن المخاطب بها هو

(7)

الولي.

يبقى الحج عن المعضوب هل يُجزِئ عنه بدون إذنه؟ قال أصحابنا

(8)

:

(1)

الواو ساقطة من ق.

(2)

ق: «ولأنه» .

(3)

ق: «أن» .

(4)

ق: «يفعل» .

(5)

«لو» ساقطة من س.

(6)

في النسختين: «وإن» ، والواو لا حاجة إليها.

(7)

«هو» ساقطة من س.

(8)

انظر «المغني» (5/ 27).

ص: 92