الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليهما؛ ولأن المعاني التي من أجلها حُرِّم ذلك على الرجل موجودة في المرأة وربما كانت أشدَّ.
الثاني: أنها لا يحرم عليها لبس المخيط ولا تخمير الرأس؛ فلها أن تلبس الخفين والقميص لما تقدم؛ وذلك لأنها محتاجة إلى ستر ذلك لأنها عورة، ولا يُحصِّل سترَه
(1)
في العادة إلا ما صُنِع على قدره، ولو كُلِّفتِ السترَ بغير المخيط لشقّ عليها مشقة شديدة. ولما كان الستر واجبًا وهو مصلحة عامة لم يكن محظورًا في الإحرام. وسقط عنهن التجرُّد كما سقط استحباب رفع الصوت بالإهلال والصعود على مزدلفة والصفا والمروة، لما فيه من بروزها وظهورها.
الفصل الثالث: أن إحرامها في وجهها، فلا يجوز لها أن تلبس النقاب والبرقع
، وهذا إجماع.
قال أصحابنا: وستر رأسها واجب، فقد اجتمع في حقها وجوب
(2)
ستر الرأس ووجوب كشف الوجه، ولا يمكن تكميل أحدهما إلا بتفويت تكميل الآخر. فيجب أن تكمل الرأس لأنه أهم، كما وجب أن تستر سائر البدن ولا تتجرد؛ ولأن المحظور أن تستر الوجه على الوجه المعتاد كما سيأتي. وسترُ شيء يسير منه تبعًا للرأس لا يُعدُّ سترًا للوجه. فأما في غير الإحرام فلا بأس أن تطوف منتقبةً، نصّ عليه.
فإن احتاجت إلى ستر الوجه، مثل أن يمرَّ بها الرجال وتخاف [أن] يروا وجهها، فإنها ترسل من فوق رأسها على وجهها ثوبًا، نصّ عليه.
(1)
ق: «ستر» .
(2)
«وجوب» ساقطة من المطبوع.
قال أبو عبد الله في رواية أبي طالب
(1)
: وإحرام الرجل في رأسه، ولا يغطِّي رأسه
(2)
، ومن نام فوجد رأسه مغطًّى فلا بأس، والأذنان من الرأس. يخمِّر أسفلَ من الأذنين وأسفلَ من الأنف. والنبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تُخمِّروا رأسه»
(3)
. فأذهبُ إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وإحرام المرأة في وجهها، لا تنتقب و [لا] تتبرقع، وتُسدلِ الثوب على رأسها من فوق، وتلبس من خزِّها وقَزِّها
(4)
ومعصفرها وحُليِّها في إحرامها، مثل قول عائشة رضي الله عنها.
وذلك لما روت عائشة قالت: «كان الرُّكبان يمرُّون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حَاذَوا
(5)
بنا سَدَلَتْ إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه». رواه أحمد رضي الله عنه، وأبو داود وابن ماجه
(6)
.
ولو فعلت ذلك لغير حاجة جاز، على ما ذكره أحمد رضي الله عنه.
(1)
في «التعليقة» (1/ 356) فقرة منها.
(2)
«ولا يغطي رأسه» ساقطة من المطبوع.
(3)
أخرجه البخاري (1265) ومسلم (1206) من حديث ابن عباس.
(4)
«وقزّها» ساقطة من المطبوع.
(5)
في النسختين: «جادوا» . وفي هامشهما: «لعله جازوا» . والمثبت من مصادر التخريج.
(6)
أحمد (24021) وأبو داود (1833) وابن ماجه (2935) من طريق يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عائشة. ويزيد ضعيف الحديث. وله شاهد من حديث فاطمة بنت المنذر قالت: «كنا نخمّر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق» . رواه مالك في «الموطأ» (1/ 328) ــ واللفظ له ــ وابن خزيمة (2690) والحاكم (1/ 454).
قال ابن أبي موسى
(1)
: إن احتاجتْ سدلتْ.
لكن عليها أن تُجافي ما تسدله عن البشرة، فإن أصاب البشرة باختيارها افتدت، وإن وقع الثوب على البشرة بغير اختيارها رفعتْه بسرعة، ولا فدية عليها، كما لو غطى
…
(2)
.
فإن لم ترفعه عن وجهها مع القدرة عليه افتدتْ، هذا قول القاضي وأصحابه وأكثر متأخري أصحابنا
(3)
، وحملوا مطلق كلام أحمد عليه، لأنه قال
(4)
: إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها، قالوا: لأن وجه المرأة كرأس الرجل بدليل ما روي
…
(5)
. ورأس الرجل لا يجوز تخميره بمخيط ولا غير مخيط، فكذلك وجه المرأة. لكن موجب هذا القياس أن لا تخمِّر وجهها بشيء منفصل عنه كرأس الرجل وهذا غير صحيح.
والذي يدل عليه كلام أحمد وقدماء أصحابه: جواز الإسدال، سواء وقع على البشرة أو لم يقع؛ لأن أحمد قال: تسدل الثوب، وقال ابن أبي موسى
(6)
: إحرامها في وجهها، فلا تغطِّيه ولا تتبرقع، فإن احتاجت سدلت على وجهها. لأن عائشة ذكرت أنهن كنّ يُدلين [ق 290] جلابيبهن على وجوههن من رؤوسهن، ولم تذكر مجافاتها، فالأصل عدمه؛ لاسيما وهو لم
(1)
في «الإرشاد» (ص 164).
(2)
بياض في النسختين.
(3)
انظر «الإنصاف» (8/ 355).
(4)
كما سبق في رواية أبي طالب.
(5)
بياض في النسختين.
(6)
في «الإرشاد» (ص 164).
يُذكر، مع أن الحاجة داعية
(1)
، والظاهر أنه لم يُفعَل؛ لأن الجلباب متى أرسل مسّ بَشرةَ
(2)
الوجه؛ ولأن في مجافاته مشقة شديدة، والحاجة إلى ستر الوجه عامة. وكلُّ ما احتيج إليه لحاجة عامة أُبِيح مطلقًا، كلبس السراويل والخفّ. فعلى هذا التعليل إن باشر لغير حاجة الستر
…
(3)
.
ولأن وجه المرأة كبدن الرجل وكيد المرأة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القُفّازَين» ، ولم ينهها عن تخمير الوجه مطلقًا. فمن ادعى تحريم تخميره مطلقًا فعليه الدليل، بل تخصيص النهي بالنقاب وقِرانُه بالقفّاز دليل على أنه إنما نهاها عما صُنع لستر الوجه، كالقفّاز المصنوع لستر اليد، والقميص المصنوع لستر البدن.
فعلى هذا يجوز أن تخمِّره بالثوب من أسفل ومن فوق، ما لم يكن مصنوعًا على وجه يثبت على الوجه، وأن تخمِّره بالمِلْحفة وقت النوم. ورأس الرجل بخلاف هذا كله. وقال ابن أبي موسى
(4)
: ومتى غطَّت وجهها أو تبرقعت افتدتْ.
فصل
ولا يجوز للمحرمة لبس القُفَّازين ونحوهما؛ وهو كل ما يصنع لستر اليدين إلى الكوعين. هذا نصُّه
(5)
ومذهبه، لا خلاف فيه. وكلام الشيخ هنا
(1)
«داعية» ساقطة من المطبوع.
(2)
في المطبوع: «من ببشرة» خطأ.
(3)
بياض في النسختين.
(4)
في «الإرشاد» (ص 164).
(5)
كما في «التعليقة» (1/ 337).
يقتضي جواز لبسهما؛ لأنه لم يذكره، وأباح لبس المخيط مطلقًا. وهذا تساهلٌ في اللفظ لا يؤخذ منه مذهب؛ لأنه قد صرَّح بخلاف ذلك
(1)
، وذلك لما روى الليث عن نافع عن ابن عمر قال: قام رجل فقال: يا رسول الله، ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلبس القميص، ولا السراويلات، ولا العمائم، ولا البرانس
(2)
، ولا الخِفاف، إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفلَ من الكعبين، ولا تلبسوا شيئًا مسَّه الزعفران والورس، ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القُفَّازين». رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي
(3)
.
وعن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى النساء في الإحرام عن القُفَّازين والنِّقاب، وما مسَّ الورس والزعفران من الثياب. رواه أحمد وأبو داود
(4)
.
وأيضًا فإن حق المحرم أن لا يلبس شيئًا من اللباس المصنوع للبدن، لكن رخّص للمرأة أن تلبس ما تدعو إليه الحاجة لأنها عورة.
ولا حاجة بها إلى أن تستر يديها بذلك؛ لأن سترها يحصل بالكُمّ وبإدخالها في العُبِّ
(5)
ونحو ذلك، فلا حاجة إلى صنع القفّاز ونحوه، كبدن الرجل لما أمكن ستره بالرداء ونحوه لم يجزْ سترُه بالقميص. وهذا بخلاف
(1)
في «المغني» (5/ 158، 159).
(2)
في المطبوع: «البرنس» .
(3)
أحمد (6003) والبخاري (1838) وأبو داود (1825) والنسائي (2681).
(4)
أحمد (4740، 4868) وأبو داود (1827).
(5)
أصل الكمّ.
قدميها، فإنها لو أُمرتْ بلبس النعلين
(1)
، أيضًا فإن يديها تظهر غالبًا، فسترهما بالقُفَّاز ونحوه صونٌ لهما في حال الإحرام، فلم يجزْ.
وقد سلك بعض أصحابنا
(2)
في ذلك طريقة؛ وهو
(3)
أن اليدين ليسا من العورة، فوجب كشفهما كالوجه، وعكسه القدمان وسائر البدن، وذلك لأن العورة يجب سترها بخلاف ما ليس بعورة. ومن سلك هذه الطريقة جوَّز لها أن تصلِّي مكشوفة اليدين.
وهذه الطريقة فيها نظر لوجوه:
أحدها: أن اليدين لا يجب كشفهما، ولا يحرم تعمُّدُ تخميرِهما بما لم يصنع على قدرهما بالإجماع، فإن لها أن تقصد إدخال اليد في الكمّ وفي الجيب من غير حاجة، ولو كان مطلق الستر حرامًا إلا لحاجة لما جاز ذلك.
الثاني: أن كون الوجه واليدين ليسا بعورة لا يبيح إبداءهما للرجال بكل حال، وكون العضد والساق عورة لا يوجب سترهما في الخلوة، وإنما يظهر أثر ذلك في الصلاة ونحوها
(4)
.
* * * *
(1)
كذا في النسختين، ويبدو أن هنا سقطًا، ومن قوله «أيضًا» تعليل آخر لعدم سَتر اليدين في الإحرام.
(2)
انظر «التعليقة» (1/ 339، 341).
(3)
كذا في النسختين بتذكير الضمير.
(4)
في المطبوع: «ونحوهما» خطأ.