الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الله بن سلمة عن علي أن رجلًا سأله عن هذه الآية: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} قال: إن إتمامهما
(1)
أن تُحرِم من دُويرة أهلك. قال حرب: سمعت أحمد يقول
(2)
: قال سفيان بن عيينة في
تفسير الحديث: «أن تُحرِم من دُوَيرة أهلك»
قال: هو أن يُنشِئ سفرها من أهله
(3)
.
وقال أحمد في رواية ابن الحكم
(4)
وقد سئل عن الحديث «أن تُحرِم من دُويرة أهلك» فقال
(5)
: يُنشِئ لها سفرًا من أهله؛ كأنه يخرج للعمرة عامدًا، كما يخرج للحج عامدًا. وهذا مما يؤكِّد أمر العمرة.
والذي يدلُّ على هذا التفسير ما روى عبد الرحمن بن أُذينة عن أبيه قال: أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسألته عن تمام العمرة فقال: ائتِ عليًّا فاسألْه
(6)
، فعدتُ فسألته، فقال: ائْتِ عليًّا عليه السلام فاسألْه، فأتيتُ عليًّا فقلت: إني قد ركبتُ [ق 184] الخيل والإبل والسفن، فأخبِرْني عن تمام العمرة، فقال: تمامها أن تُنشئها من بلادك. فعدتُ إلى عمر، فسألته فقال: ألم أقلْ لك: ائتِ عليًّا فاسألْه، فقلتُ: قد سألته فقال: تمامها أن تُنشئها
(1)
في المطبوع: «إتمامها» .
(2)
كما في «المغني» (5/ 68).
(3)
قال أبو عبيد القاسم بن سلّام: «لا نرى عليًّا أراد أن يجعل وقت الإحرام من بلده، كان أفقه من أن يريد هذا؛ لأنه خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المواقيت، ولكنا نحسبه ذهب إلى أن يخرج من منزله ناويًا للعمرة خالصةً لا يخلطها بحج ولكن يخلص لها سفرًا ثم يحرم متى ما شاء، وقد روي عن أبي ذر مثل ذلك» . «الناسخ والمنسوخ» (ص 187).
(4)
كما في «التعليقة» (1/ 161).
(5)
س: «قال» .
(6)
س: «فسله» . وكذا فيما يأتي.
من
(1)
بلادك، قال: هو كما قال. رواه سعيد
(2)
، وذكره أحمد وقال: قال علي: أحرِمْ من دُوَيرة أهلك.
فقد توافق عمر وعلي رضي الله عنهما على أن إتمامها
(3)
أن ينشئها من بلده، فيسافر لها سفرًا مفردًا كسفر الحج، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أنشأ لعمرة الحديبية والقضية سفرًا من بلده. وهذا مذهبنا، فإن العمرة التي يُنشئ لها سفرًا من مصره أفضلُ من عمرة المتمتع وعمرةِ المُحرِم
(4)
والعمرةِ من المواقيت، وهذا هو الذي كان يقصده عمر بنهيهم عن المتعة
(5)
أن ينشئوا للعمرة سفرًا آخر.
فأما أن يراد به الدخول في الإحرام من المصر فكلَّا؛ لأن عمر رضي الله عنه قد زجر عن ذلك، وعلي لم يفعله قطُّ هو ولا أحد من الخلفاء الراشدين، بل لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون التمام الذي أمر الله به لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه
(6)
ولا جماهير أصحابه؟
وقوله: «أن تُحرِم من أهلك» كما يقال: «تحجّ من أهلك» و «تعتمر من أهلك» لمن سافر سفر الحج، وإن كان لا يصير حاجًّا ولا معتمرًا حتى يُهِلَّ بهما، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يركبُ البحرَ إلا حاجٌّ أو معتمرٌ أو غازٍ في سبيل
(1)
«من» ساقطة من س.
(2)
سبق تخريجه (ص 199).
(3)
في المطبوع: «تمامها» ، خلاف النسختين.
(4)
أي الذي في الحرم، ويخرج لها إلى أدنى الحلّ.
(5)
كما أخرجه مسلم (1221، 1222) من حديث أبي موسى الأشعري. وفيه ذكر سبب المنع. وانظر «فتح الباري» (3/ 418).
(6)
ق: «الخلفاء» .
الله»
(1)
.
ولهذا كره جماعة من السلف أن يطلق عليه ذلك، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من أراد منكم هذا الوجهَ فلا يقولنَّ: إني حاجٌّ، ولكن ليقلْ: إني وافد، فإنما الحاجُّ المحرمُ
(2)
. وفي رواية عنه
(3)
: لا يقول أحدكم: إني حاج، إنما الحاج المحرم، ولكن يقول: أريد الحج، ولا يقولنَّ أحدكم: إني صَرُورة، فإن المسلم ليس بصَرُورة.
وعن عاصم الأحول قال: سمعت أنسًا يقول: لا تقلْ إني حاجٌّ حتى تُهِلَّ، ولكن لِتقُلْ إني مسافر. فذكرت ذلك لأبي العالية فقال: صدق أنس، أَوَليس إن شاء رجع من الطريق؟
(4)
رواهما سعيد.
تقديره: أن تقصد الإحرام والإهلال من أهلك، وتُنشئ سفرهما من أهلك.
وأما حديث بيت المقدس، فقد قيل: هو مخصوص به
(5)
، فيكون الإحرام من بيت المقدس أفضل، خصوصًا لأنه يعمُرُ ما بين المسجد الحرام
(1)
أخرجه أبو داود (2489) من طريق بشير بن مسلم الكندي، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا. وأخرجه أيضًا البخاري في «التاريخ الكبير» في ترجمة بشير بن مسلم (2/ 104 - 105) وقال:«لم يصحّ حديثه» . وانظر «السلسلة الضعيفة» (478، 479).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (14279) من طريق خيثمة بن عبد الرحمن عن ابن مسعود، وهو مرسل فإن خيثمة لم يسمع من ابن مسعود.
(3)
أخرجها الطبراني في «الكبير» (8932) والبيهقي في «الكبرى» (5/ 165) من طريق القاسم بن عبد الرحمن المسعودي عن جدّه ابن مسعود. قال البيهقي: «مُرسل» أي أن القاسم لم يسمع من ابن مسعود.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (14278) دون ذكر مراجعة عاصمٍ أبا العالية.
(5)
«به» ساقطة من ق.
والمسجد الأقصى بالعبادة، وهما أول
(1)
مساجد الأرض، وبينهما كان مَسرَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما القبلتان، ومنهما المبدأ والمعاد، فإن الأرض دُحِيَتْ من تحت الكعبة
(2)
وتُعاد من تحت الصخرة، وعامة الأنبياء الكبار بُعِثوا من بينهما. ويدلُّ على ذلك إهلالُ ابن عمر منه، ولم يفعل ذلك في حجه وعمرته من المدينة
(3)
.
وظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور: أن الإحرام من الميقات أفضل من بيت المقدس، وكذلك ذكر القاضي
(4)
وغيره من أصحابنا. ثم منهم من ضعَّف الحديث
(5)
.
وتأوَّله القاضي
(6)
على أن ينشئ السفر من بيت المقدس ويكون الإحرام من الميقات. وفيه نظر.
وأما من أحرم من الصحابة قبل المواقيت، فأكثرُ منهم عددًا وأعظمُ منهم قدرًا لم يُحرِموا إلا من المواقيت، وقد أنكروه بالقول، فروى الحسن أن عمران بن حُصين أحرم من البصرة، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فغضب وقال: يتسامع الناس أن رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من مصره
(7)
.
(1)
في المطبوع: «أولى» .
(2)
رويت في ذلك آثار عن ابن عباس ومجاهد وكعب الأحبار وعطاء والنخعي، انظر «الدر المنثور» (1/ 665 - 666، 15/ 234).
(3)
ق: «وعمر بين المدينة» تحريف.
(4)
في «التعليقة» (1/ 161).
(5)
مثل ابن قدامة في «المغني» (5/ 67، 68).
(6)
في «التعليقة» (1/ 166).
(7)
أخرجه سعيد بن منصور ــ كما قال المؤلف ــ ومن طريقه ابن حزم في «المحلّى» (7/ 77). وأخرجه أيضًا ابن أبي عروبة في «المناسك» (125) وابن أبي شيبة (12842) والطبراني في «الكبير» (18/ 107). قال في «مجمع الزوائد» (3/ 217): «رجاله رجال الصحيح إلا أن الحسن لم يسمع من عمر» .
وعن الحسن أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان
(1)
، فلما قدِمَ على عثمان رضي الله عنه لامَهُ فيما صنع، وكرهه له. رواهما سعيد
(2)
.
قال البخاري
(3)
: وكرِه عثمان رضي الله عنه أن يحرم من خراسان أو كرمان.
وفي رواية
(4)
في حديث عمران: فقدِمَ على عمر، فأغلظ له وقال: يتحدث الناس أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من مصْرٍ من الأمصار.
وعن مسلم أبي سلمان أن رجلًا أحرم من الكوفة، فرآه
(5)
عمر سيئ الهيئة، فأخذ بيده وجعل يُديره في الخلق
(6)
ويقول: انظروا إلى هذا ما صنع بنفسه، وقد وسَّع الله عليه
(7)
.
(1)
في المطبوع: «خرسان» .
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (12838) من رواية الحسن، وأخرجه البيهقي (5/ 31) من طريقين آخرين، والثلاثة كلها مُرسلة. وأخرجه ابن حزم في «المحلّى» (7/ 77) من رواية ابن سيرين بنحوه إلا أن فيه:«حَيرب» بدل «خراسان» ، ولعلّه تصحيف.
(3)
في «صحيحه» (3/ 419)، وانظر «فتح الباري» (3/ 420).
(4)
عزاها المؤلف للنجاد كما في «التعليقة» (1/ 166)، وهي أيضًا عند ابن أبي شيبة (12842).
(5)
في النسختين: «فرأى» . والتصويب من هامش ق و «التعليقة» .
(6)
ق: «الحلق» .
(7)
عزاه المؤلف للنجاد، وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (12841، 12843). ومسلم أبو سلمان أورده البخاري في «التاريخ» وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.