الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} ادعوا له.
{وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} حيوه بتحية الإسلام.
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيفَ الصلاة عليكم أهل البيت؟ قال: "قولوا: اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد"(1).
واختلف المفسرون وأصحاب المعاني في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} هل (يصلون) راجعة على الله والملائكة، أم لا؟ فأجازه بعضهم، ومنعه آخرون؛ لعلة التشريك، وخصوا الضمير بالملائكة، وقدروا الآية: إن الله يصلي وملائكته، والملائكة يصلون، واختلف الأئمة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير في الصلاة، فقال أبو حنيفة: هي سنة، وتجب في العمر مرة، والمختار في مذهبه أنها مستحبة كلما ذكر، وعليه الفتوى، وقال مالك: هي سنة في الصلاة، ولكنها واجبة في الجملة، وقال الشافعي: هي فرض، وقال أحمد: هي ركن، فتبطل الصلاة عندهما بتركها، عمدًا كان أو سهوًا.
* * *
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا
(57)}
.
[57]
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ} أي: يخالفون أمره ويعصونه بنسبة الولد
(1) رواه البخاري (4519) كتاب: التفسير، باب: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} ، من حديث كعب بن عُجرة رضي الله عنه.
والشريك إليه سبحانه، هم اليهود، قالوا: عزير ابن الله، ويد الله مغلولة، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، وثالث ثلاثة، والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله، والأصنام شركاؤه.
{وَرَسُولَهُ} بتكذيبه، وقولهم: شاعر ومجنون.
{لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا} بالقتل {وَالْآخِرَةِ} بالنار.
{وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} فيحرم أذى النبي صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل بالاتفاق.
واختلفوا في حكم من سبه والعياذ بالله تعالى من المسلمين، فقال أبو حنيفة والشافعي: هو كفر كالردة يقتل ما لم يتب، وقال مالك وأحمد: يقتل ولا تقبل توبته، [وقتله حدًّا لا كفرًا إن أظهر التوبة منه، ولهذا لا تقبل توبته](1).
وأما الكافر إذا سبه صريحًا بغير ما كفر به؛ من تكذيبه ونحوه، فقال أبو حنيفة: لا يقتل؛ لأن ما هو عليه من الشرك أعظم، ولكن يؤدب ويعزر، وقال الشافعي: ينتقض عهده، فيخير الإمام فيه بين القتل والاسترقاق، والمن والفداء، ولا يبلغ المأمن؛ لأنه كافر لا أمان له، ولو لم يشرط عليه الكف عن ذلك، بخلاف ما إذا ذكره بسوء يعتقده ويتدين به؛ كتكذيب ونحوه، فإنه لا ينتقض عهده بذلك إلا باشتراطه، وتقدم التنبيه على ذلك في سورة التوبة، وقال مالك وأحمد: يقتل ما لم يسلم، واختار جماعة من أئمة مذهب أحمد أن سابه عليه السلام يقتل بكل حال، منهم الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وقال: هو الصحيح من المذهب، وأما حكم قذفه صلى الله عليه وسلم،
(1) ما بين معكوفتين زيادة من "ت".
فعند أبي حنيفة حكمه كالسب من مسلم وكافر كما تقدم، وظاهر كلام أصحاب مالك فيما اطلعت عليه من كتبهم، ومنهم القاضي عياض في "الشفا" (1): أنه كالسب، يقتل به المسلم، ويسقط القتل عن الكافر بإسلامه، وحكى القاضي عياض عن ابن سحنون أنه أوجب على الذمي إذا قذف النبي صلى الله عليه وسلم حد القذف، ثم قال: ولكن انظر ماذا يجب عليه، هل حد القذف في حق النبي صلى الله عليه وسلم هو القتل؛ لزيادة حرمته صلى الله عليه وسلم على غيره، أم هل يسقط القتل بإسلامه، ويحد ثمانين جلدة؟ فتأمله، انتهى.
وفي مذهب الشافعي ثلاثة أقوال حكاها النووي رحمه الله في "الروضة": أحدها: أنه كالمرتد، والثاني: أنه يقتل حدًّا، والثالث: أنه يجلد ثمانين جلدة (2).
ومذهب أحمد رضي الله عنه: أن من قذفه صلى الله عليه وسلم، أو قذف أمه، قتل، مسلمًا كان أو كافرًا، فلا تقبل من المسلم توبة، ولا من الكافر إسلامه.
وحكم من سب سائر أنبياء الله وملائكته حكمُ من سب نبينا عليهم السلام، وأما من سب الله سبحانه وتعالى والعياذ بالله من المسلمين بغير الارتداد عن الإسلام، ومن الكفار بغير ما كفروا به من معتقدهم في عزير والمسيح ونحو ذلك، فحكمه حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلم، وكل من الأئمة الأربعة رضي الله عنهم على أصله كما قدمته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *
(1) انظر: (2/ 266) وما بعد.
(2)
انظر: "روضة الطالبين" للنووي (10/ 332).