الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخر، وليس في سائر النصوص وأقيستها ما يناقض هذه، وقول القائل:(الإجارة إنما تكون على المنافع دون الأعيان) ليس هو قول لله، ولا لرسوله، ولا الصحابة، ولا الأئمة، وإنما هوقول قالته طائفة من الناس، فيقال لهؤلاء: لا نُسَلِّم أن الإجارة لا تكون إلا على المنافع فقط، بل الإجارة تكون على ما يتجدد، ويحدث، ويستخلف بدله مع بقاء العين، كمياه البئر وغير ذلك، سواء كان عينًا أو منفعة، كما أن الموقوف يكون ما يتجدد وما تحدث فائدته شيئًا بعد شيء، سواء كانت الفائدة منفعة أو عينا، كالتمر، واللبن، والماء النابع. وإذا قيل: هو بيع معدوم. قيل: نعم، وليس في أصول الشرع ما ينهى عن بيع كل معدوم، بل المعدوم الذي يحتاج إلى بيعه، وهو معروف في العادة؛ يجوز بيعه كما يجوز بيع الثمرة بعد بدو صلاحها؛ فإن ذلك يصح عند جمهور العلماء كما دلت عليه السنة؛ مع أن الأجزاء التي لم تخلق بعد معدومة، وقد دخلت في العقد، وكذلك يجوز بيع المقاثي وغيرها على هذا القول، والله أعلم، والحمد لله. اهـ
قلتُ: وما رجحه شيخ الإسلام هو الراجح، والله أعلم.
(1)
مسألة [71]: هل يضمن الأجير إذا تلف شيء تحت يده بعمله
؟
الأجير نوعان: مشتَرَك، وخاصٌّ.
فأما المشترَك: فهو الذي يقع العقد معه على عمل معين، كخياطة ثوب، وبناء
(1)
انظر: «الإنصاف» (6/ 29)«أعلام الموقعين» (1/ 276 - )«مجموع الفتاوى» (30/ 197 - 200)«المحلى» (1296)، «زاد المعاد» (5/ 826)، «الشرح الممتع» (4/ 320) ط/الآثار، «المغني» (8/ 129 - 130).
حائط، وحمل شيء إلى مكان معين، وما أشبه ذلك، أو على مدة لا يستحق فيها جميع نفعه، كالطبيب، وسُمِّي مُشتَرَكًا؛ لأنه يتقبل أعمالًا لاثنين، وثلاثة، وأكثر في وقت واحد.
وأما الخاص: فهو الذي يُستأجر للخدمة، أو للعمل في بناءٍ، أو خياطة، أو رعاية يومًا، أو شهرًا، وسُمِّي خاصًّا؛ لاختصاص المستأجر بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس.
• فأما الأجير المشترك، فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يضمن ما جنت يداه، فالحائك ضامن إذا أفسد حياكته، والطباخ ضامن لما أفسد من طبيخه، والخباز ضامن لما أتلف من خبزه
…
، وهكذا. وهذا قول شريح، والحسن، والحكم، وأحمد، ومالك، والشافعي في قول، وأبي حنيفة، واستدلوا على ذلك بأثر علي رضي الله عنه أنه كان يضمن الأُجَراء، ويقول: لا يصلح الناس إلا ذلك. وسنده منقطع.
قال ابن قدامة رحمه الله: وَلِأَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا، كَالْعُدْوَانِ بِقَطْعِ عُضْوٍ، بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ عَمَلَهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ إلَّا بِالْعَمَلِ، وَأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي حِرْزِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ، وَكَانَ ذَهَابُ عَمَلِهِ مِنْ ضَمَانِهِ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ؛ فَإِنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ؛ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَمَا عَمِلَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَتَلِفَ مِنْ
حِرْزِهِ؛ لَمْ يَسْقُطْ أَجْرُهُ بِتَلَفِهِ. اهـ
• وذهب عطاء، وطاوس، والنخعي، وابن سيرين، وزفر، والشافعي في القول الآخر إلى أنَّ الأجير المشترك لا يضمن إلا بالتعدي، أو التفريط؛ لأنها عين مقبوضة بعقد الإجارة؛ فلم تصر مضمونة كالعين المستأجرة.
قال أبو عبد الله غفر الله له: القول الأول أرجح؛ لأنَّ حقوق المسلم لا تسقط بنسيان آخر، أو خَطَئه، والله أعلم.
(1)
وأما إن تلف على الأجير المشترك بأخذه من حرزه؛ فلا ضمان عليه عند أكثر أهل العلم وله الأجر عند بعض أهل العلم وهو اختيار الإمام ابن عثيمين رحمه الله.
(2)
• وأما الأجير الخاص وهو الذي يُستأجر مدةً؛ فلا ضمان عليه مالم يتعد، وهو مذهب أحمد، ومالك، وأصحاب الرأي، وهو ظاهر مذهب الشافعي، وله قول أخر: أن جميع الأُجراء يضمنون؛ لأثر علي السابق، وهو منقطع، ومع ذلك فقد جاء عنه رواية أخرى بالتقييد بالأجير المشترك، والصحيح قول الجمهور؛ لأنَّ الأجير الخاص نائبٌ عن المالك في صرف منافعه إلى ما أمره به؛ فلم يضمن من غير تعد، كالوكيل والمضارب، فأما ما يتلف بتعديه؛ فيجب ضمانه، مثل الخباز الذي يسرف في الوقود، أو يلزقه قبل وقته، أو يتركه بعد وقته حتى يحترق؛ لأنه تلف بتعديه؛ فضمنه كغير الأجير. انتهى ملخصًا من «المغني» (8/ 106).
(1)
انظر: «المغني» (8/ 103 - 104)«المحلى» (1325).
(2)
انظر: «المغني» (8/ 112)«الإنصاف» (6/ 68).