الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنها أحد الأبوين، فيثبت النسب بدعواها كالأب، ولأنه يمكن أن يكون منها كما يمكن أن يكون من الرجل، بل أكثر؛ لأنها تأتي به من زوج ووطء بشبهة، ويلحقها ولدها من الزنى دون الرجل، وهو ظاهر اختيار ابن قدامة.
الثاني: إن كان لها زوج؛ لم يثبت النسب بدعواها؛ لإفضائه إلى إلحاق النسب بزوجها بغير إقراره، ولا رضاه، أو إلى أنَّ امرأته وطئت بزنى، أو بشبهة، وفي ذلك ضرر عليه، فلا يقبل قولها فيما يلحق الضرر به. وإن لم يكن لها زوج؛ قبلت دعواها؛ لعدم هذا الضرر، وهذا أيضًا وجهٌ لأصحاب الشافعي، ورواية عن أحمد.
الثالث: إن كان لها إخوة، أو نسب معروف لا تصدق إلا ببينة؛ لأنها والحالة كذلك لا تخفى ولادتها عليهم، ويتضررون بإلحاق النسب بها.
الرابع: لا يثبت النسب بدعواها مطلقًا، وهو قول الثوري، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وادَّعى ابن المنذر الإجماع عليه؛ لأنها يمكنها إقامة البينة على الولادة؛ فلا يقبل قولها بمجرده.
(1)
مسألة [11]: إذا ادَّعى اثنان نسب اللقيط
؟
• قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (8/ 370): إذَا ادَّعَاهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ، أَوْ حُرٌّ وَعَبْدٌ؛ فَهُمَا سَوَاءٌ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُسْلِمُ أَوْلَى مِنْ الذِّمِّيِّ، وَالْحُرُّ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ عَلَى اللَّقِيطِ ضَرَرًا فِي إلْحَاقِهِ بِالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ، فَكَانَ إلْحَاقُهُ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَوْلَى، كَمَا لَوْ تَنَازَعُوا فِي الْحَضَانَةِ.
(1)
انظر: «المغني» (8/ 369 - 370)«الإشراف» (6/ 361).
قال: وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا انْفَرَدَ؛ صَحَّتْ دَعْوَاهُ، فَإِذَا تَنَازَعُوا؛ تَسَاوَوْا فِي الدَّعْوَى، كَالْأَحْرَارِ المُسْلِمِينَ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الضَّرَرِ لَا يَتَحَقَّقُ؛ فَإِنَّنَا لَا نَحْكُمُ بِرِقِّهِ وَلَا كُفْرِهِ. وَلَا يُشْبِهُ النَّسَبُ الْحَضَانَةَ، بِدَلِيلِ أَنَّنَا نُقَدِّمُ فِي الْحَضَانَةِ المُوسِرَ وَالْحَضَرِيَّ، وَلَا نُقَدِّمُهُمَا فِي دَعْوَى النَّسَبِ. اهـ
وعلى هذا فإذا ادعاه اثنان، وكان لأحدهما بينة، وليس في يد واحد منهما فجمهور العلماء على أنه يعرض على القافة مع الرجلين، أو مع عصبتهما عند فقدهما، فنلحقه بمن ألحقته به منهما.
والحجة في ذلك حديث عائشة في «الصحيحين» أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- دخل عليهم يومًا مسرورًا تبرق أسارير وجهه، فقال:«ألم تري أنَّ مجززًا المدلجي نظر آنفًا إلى زيد وأسامه، فقال: إنَّ بعض هذه الأقدام من بعض» .
(1)
فلولا جواز الاعتماد على القافة؛ لما سُرَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ولا اعتمد عليه.
وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في ولد الملاعنة: «إن جاءت به أكحل جعدًا، سابغ الأليتين، خدلج الساقين؛ فهو للذي رماها به» ، فجاءت به كذلك، فقال:«لولا ما مضى من كتاب الله؛ لكان لي ولها شأن» أخرجه البخاري (4747)، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.
وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في ابن أمة زمعة حين رأى به شبهًا بيِّنًا بعتبة: «احتجبي منه يا سودة»
(2)
، فعمل بالشبه في حجب سودة عنه.
(1)
سيأتي إن شاء الله في «البلوغ» رقم (1416).
(2)
أخرجه البخاري برقم (6817)، ومسلم برقم (1457)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
• وذهب أصحاب الرأي إلى أنه لا يعتمد حكم القافة، ويلحق بالمدعيين كليهما؛ لأنَّ الحكم بالقافة تعويل على مجرد الشبه بالظن والتخمين، واستدلوا بحديث: «لعل عرقًا نزعه
…
»
(1)
، وقالوا: لو كان يعتمد عليه؛ لرجم الملاعنة، ولألحق ابن أمة زمعة بزمعة.
وأجاب الجمهور عن حديث: «لعل عرقًا نزعه
…
» بأنه حجة عليهم؛ لأنَّ إنكار الرجل ولده لمخالفة لونه، وعزمه على نفيه لذلك يدل على أنَّ العادة خلافه، وأنَّ في طباع الناس إنكاره، وأنَّ ذلك إنما يوجد نادرًا، وإنما ألحقه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- به لوجود الفراش، وتجوز مخالفة الظاهر لدليل، ولا يجوز تركه من غير دليل، ولأنَّ ضعف الشبه عن نفي النسب لا يلزم منه ضعفه عن إثباته؛ فإنَّ النسب يحتاط لإثباته، ويثبت بأدنى دليل، ويلزم من ذلك التشديد في نفيه، وأنه لا ينتفي إلا بأقوى الأدلة، وكما أنَّ الحد لما انتفى بالشبهة لا يثبت إلا بأقوى دليل؛ فلا يلزم حينئذٍ من المنع من نفيه بالشبه في الخبر المذكور أن لا يثبت به النسب في مسألتنا.
وأما قولهم في ابن الملاعنة، وفي ابن أمة زمعة؛ فإنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يعمل بالشبه بهما؛ لأنهما عورضا بما هو أقوى من الشبه، وهو الأيمان في ابن الملاعنة، والفراش في ابن أمة زمعة، وترك العمل بالبينة لمعارضة ما هو أقوى منها لا يوجب الإعراض عنها إذا خلت عن المعارض.
(1)
سيأتي في «البلوغ» برقم (1101).