الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [2]: الغراوين والعمريتين
؟
اشترط جمهور أهل العلم لميراث الأم الثلث أن لا تكون المسألة إحدى العمريتين، وهما:(زوجٌ وأمٌّ وأبٌ)، أو (زوجة فأكثر وأمٌّ وأبٌ) وسُمِّيتَا غراوين؛ لاشتهارهما كالكوكب الأغر، وسميتا عمريتين نسبة إلى عمر؛ لأنه أول من قضى فيهما.
وقد اتفق العلماء على أنَّ الزوج يأخذ النصف، والزوجة تأخذ الربع.
• واختلفوا في مقدار نصيب الأم مما بقي بعد أحد الزوجين على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنَّ للأم ثلث الباقي في المسألتين، وهو في مسألة الزوج (سدس) وفي مسألة الزوجة (ربع)، وهذا قول الجمهور، ومن الصحابة عمر، وابن مسعود، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وهو ثابت عنهم، وحجة الجمهور فيه أنَّ الأب والأم إذا انفردا بالمال كان للأم الثلث، وللأب الباقي؛ فيجب أن يكون الحال كذلك فيما بقي بعد الزوجين.
وقالوا أيضًا: لو أعطيناها الثلث كاملًا في المسألتين؛ لزم إما تفضيل الأم على الأب في مسألة الزوج، وإما أنه لا يفضل عليها التفضيل المعهود في الفرائض في مسألة الزوجة؛ مع أنَّ الأب والأم في درجة واحدة، والقاعدة أنَّ الذكر والأنثى إذا كانا في درجة واحدة فإما أن يتساويا كما في الإخوة لأم، وإما أن يكون للذكر ضعف ما للأنثى كما في أولاد الميت ذكورًا وإناثًا، وأخوته لغير أم ذكورًا وإناثًا.
وأقوى دليل للجمهور هو ما ذكره ابن القيم رحمه الله أنَّ قوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} في الآية أنه قيدٌ أُريد به أنها تأخذ الثلث بشرط انفرادهما بالميراث، فجعل قوله:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} شرطًا للانفراد، وبقي مع عدم الأولاد في حالة عدم الانفراد، ولا يكون إلا مع الزوجة، أو الزوج؛ فلها ثلث المال الباقي؛ لأنَّ الباقي بعد أخذ الزوج، أو الزوجة الفرض كالمال رأسًا. اهـ بمعناه.
وأما ابن رجب رحمه الله فقال: وقد يقال -وهو أحسن-: إن قوله {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} ، أي: مما ورثه الأبوان، ولم يقل:(فلأمه الثلث مما ترك) كما في السدس، والمعنى: أنه إذا لم يكن له ولد، وكان لأبويه من ماله ميراث؛ فللأم ثلث ذلك الميراث الذي يختص به الأبوان، ويبقى الباقي للأب. وانظر بقية كلامه.
القول الثاني: أنَّ للأم الثلث كاملًا في المسألتين، صحَّ هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو قول شُريح، والظاهرية، واستدلوا بعموم قوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء:11]؛ فالآية عامة، سواء انفردا أم اجتمعا مع غيرهم.
وأجاب هؤلاء عن قوله {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} أنه لا يدل على الانفراد، بل هي عامة تشمل حالة الانفراد، وحالة عدم الانفراد، وقد سأل ابن عباس زيد بن ثابت: أتقوله برأيك؟ أم تجده في كتاب الله؟ قال زيد: أقول برأيي، ولا أفضل أُمًّا على أب. فلو كانت الآية تدل على ما قالوه؛ لاستدل بذلك زيد بن ثابت رضي الله عنه.
وأما الفائدة من قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} أنَّ الأم قد تكون ميتة؛ فيكون المال للأب، فنصَّ على أنها ترث ذلك في حالة وجودها.
وقال ابن قدامة رحمه الله: والحجة مع ابن عباس؛ لولا انعقاد الإجماع من الصحابة على مخالفته. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: لا إجماع مع مخالفة حبر من أحبار الأمة.
وأما قولهم: (فلها الثلث)، أي: مما يرثه الأبوان، فهذا القيد لا دليل عليه.
قال ابن حزم رحمه الله: والعجب أنهم مجمعون معنا على أنَّ قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} أنَّ ذلك من رأس المال، لا مما يرثه الأبوان.
قال: وهذا تحكمٌ في القرآن، وإقدام على تقويل الله ما لم يقل، ونعوذ بالله من هذا. اهـ
القول الثالث: للأم ثلث الباقي في مسألة الزوج كما يقول الجمهور، ولها الثلث كاملًا في مسألة الزوجة كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما، وهذا القول منقول عن محمد بن سيرين، وهذا التفصيل لا دليل عليه.
(1)
أصحاب السدس:
يرث السدس سبعة أفراد بإجماع أهل العلم، وهم:
(1)
انظر: «المغني» (9/ 23 - 24)«المحلى» (1716)«التحقيقات» (ص 92)«أعلام الموقعين» (1/ 357)«جامع العلوم والحكم» (2/ 428)«مجموع الفتاوى» (31/ 343 - ).
1) الأب، ويستحقه عند وجود الفرع الوارث؛ لقوله تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء:11].
2) الأم، وتستحقه عند وجود فرع وارث؛ للآية السابقة، وعند وجود جمع من الإخوة؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} .
3) الجد، ويستحقه عند عدم وجود الأب، ووجود فرع وارث؛ لأنه أبٌ تشمله الآية السابقة.
4) بنت الابن، وتستحق السدس عند عدم وجود معصبها، وهو أخوها، أو ابن عمها، وعند عدم وجود الفرع الوارث الأعلى منها من الذكور، أو من الإناث إذا كنَّ اثنتين فأكثر، ولا تستحقه إلا بوجود بنت أعلى منها، ودليل ذلك حديث ابن مسعود الذي في «البخاري» ، وقد تقدم في أحاديث الباب. واستدل ابن قدامة رحمه الله على ذلك بقوله تعالى:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء:11].
قال رحمه الله: فَفَرَضَ لِلْبَنَاتِ كُلِّهِنَّ الثُّلُثَيْنِ، وَبَنَاتُ الصُّلْبِ، وَبَنَاتُ الِابْنِ كُلُّهُنَّ نِسَاءٌ مِنْ الْأَوْلَادِ؛ فَكَانَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ بِفَرْضِ الْكِتَابِ، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ. وَاخْتُصَّتْ بِنْتُ الصُّلْبِ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ لَهَا، وَالِاسْمُ مُتَنَاوِلٌ لَهَا حَقِيقَةً، فَيَبْقَى لِلْبَقِيَّةِ تَمَامُ الثُّلُثَيْنِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: لَهُنَّ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ. اهـ
تنبيه: إذا وجد بنت ابن أخرى مع أختها شاركتها في السدس إذا توفرت بقية الشروط.
5) الأخت لأب فأكثر، وتستحقه عند وجود شقيقة تأخذ النصف فرضًا، وعند عدم وجود المعصب، وهو أخوها، وعند عدم وجود الفرع الوارث، والأصل الوارث من الذكور، وإذا وجدت شقيقتان أخذن الثلثين، وتسقط الأخت لأب، والدليل على ذلك قوله تعالى:{فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} ، وقال قبلها:{وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} ، والمراد بهذه الآية ولد الأبوين، وولد الأب بإجماع العلماء.
ووجه الدلالة من الآية: أنَّ الله تعالى فرض للأخوات الثلثين، فإذا أخذه الشقيقتان لم يبق مما فرضه الله تعالى للأخوات شيء يستحقه الأخت لأب؛ فإن كانت واحدة من الأبوين فلها النصف بنص الكتاب، وبقي من الثلثين المفروضة للأخوات سدس يكمل به الثلثان؛ فيكون للأخوات لأب؛ ولذلك قال الفقهاء: لهن السدس تكملة الثلثين.
وأجمع أهل العلم على ما تقدم، وقاسه بعضهم على بنت الابن مع البنت.
6) ولد الأم، ويستحقه عند انفراده مع عدم وجود الفرع الوارث، والأصل الوارث من الذكور، ويدل عليه بالإجماع آية الكلالة التي في أول سورة النساء، ويستوي في ذلك الذكر والأنثى.
7) الجدة، وتستحق السدس عند عدم وجود الأم، أو جدة أقرب منها؛ لحديث بريدة الذي في الباب، وشواهده المذكورة، وأجمع أهل العلم على أنها