الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
897 -
وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ رضي الله عنه عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى المَاذِيَانَاتِ، وَأَقْبَالِ الجَدَاوِلِ، وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلِكُ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إلَّا هَذَا؛ فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(1)
وَفِيهِ بَيَانٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي المُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ إطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ.
898 -
وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُزَارَعَةِ [وَأَمَرَ]
(2)
بِالمُؤَاجَرَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا.
(3)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديثين
مسألة [1]: تعريف المزارعة
.
هي دفع الأرض إلى من يزرعها ويعمل فيها والزرع بينهما بنصيب مشاع معلوم.
مسألة [2]: مشروعية المزارعة
.
• أكثر العلماء على مشروعية المزارعة، والعمدة في الجواز حديث ابن عمر الذي في أول الباب.
(1)
أخرجه مسلم برقم (1547)(116).
(2)
ساقطة من (أ)، و (ب)، وثبوتها أصح كما في «صحيح مسلم» .
(3)
أخرجه مسلم برقم (1549)(119).
قال البخاري رحمه الله فِي كِتَابِ الْحَرْثِ وَالْمُزَارَعَةِ مِنْ «صَحِيْحِهِ» [بَاب:8]: بَاب الْمُزَارَعَةِ بِالشَّطْرِ وَنَحْوِه، وَقَالَ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إِلَّا يَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَزَارَعَ عَلِيٌّ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ الله بْنُ مَسْعُودٍ
(1)
،
وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْقَاسِمُ، وَعُرْوَةُ، وَآلُ أَبِي بَكْرٍ، وَآلُ عُمَرَ، وَآلُ عَلِيٍّ، وَابْنُ سِيرِينَ. وَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ: كُنْتُ أُشَارِكُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ فِي الزَّرْعِ. وَعَامَلَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى: إِنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ؛ فَلَهُ الشَّطْرُ، وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ؛ فَلَهُمْ كَذَا. اهـ
قلتُ: وممن قال بذلك سعيد بن المسيب، والزهري، وطاوس، وأبو يوسف، ومحمد، وهو قول أحمد، وإسحاق، والليث، والبخاري، والظاهرية وغيرهم.
• وذهب بعض الفقهاء إلى عدم مشروعية ذلك، وهو قول أبي حنيفة كقوله في المساقاة، وقال به مالك، والشافعي؛ إلا أنَّ مالكًا والشافعي أجازا المزارعة مع المساقاة تبعًا بأن تكون أقل من الثلث عند مالك، وبأن تكون المساقاة الأغلب عند الشافعي.
وحجتهم في المنع من المزارعة: حديث ثابت بن الضحاك الذي في الباب،
(1)
أثر علي رضي الله عنه أخرجه عبد الرزاق (8/ 99 - 100)، وابن أبي شيبة (6/ 337) من ثلاث طرق عنه، يتقوى بعضها ببعض.
وأثر سعد وعبد الله بن مسعود: أخرجهما ابن أبي شيبة (6/ 337) حدثنا أبو الأحوص، عن إبراهيم بن مهاجر، عن موسى بن طلحة، قال: كان سعد، وابن مسعود يزارعان بالثلث والربع. إسناده حسن؛ لضعف في حفظ إبراهيم بن مهاجر، وبقية رجاله ثقات. وأخرجه عبد الرزاق (8/ 99) عن الثوري، عن إبراهيم بن المهاجر به.
وحديث رافع ابن خديج عن بعض عمومته كما في «صحيح مسلم» (1548)، قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعًا، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا، نهانا أن نحاقل بالأرض فنكريها على الثلث والربع، والطعام المسمى، وأمر رب الأرض أن يَزرعها، أو يُزرعها، وكره كراءها وما سوى ذلك. واستدلوا على المنع بحديث جابر في «الصحيحين» أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نهى عن المخابرة.
(1)
والمخابرة: المزارعة، مشتقة من الخَبَار وهي الأرض اللينة، والخبير الأكَّار، وقيل: المخابرة معاملة أهل خيبر.
قلتُ: الصواب هو القول الأول، وهو ترجيح كثير من المحققين، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشوكاني، والصنعاني وغيرهم.
وقد أجاب ابن القيم على حديث رافع بن خديج الذي استدلوا به من وجوه، فقال في «تهذيب السنن» (5/ 58 - ) بعد أن أورد المذهب الأول.
قال رحمه الله: وهذا أمر صحيح مشهور، وقد عمل به النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ثم خلفاؤه الراشدون من بعده حتى ماتوا، ثم أهلوهم بعدهم، ولم يبق بالمدينة أهل بيت إلا عملوا به، وعمل به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بعده، ومثل هذا يستحيل أن يكون منسوخًا؛ لاستمرار العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قبضه الله، وكذلك استمرار عمل خلفائه الراشدين به، فنسخ هذا من أمحل المحال، وأما حديث رافع بن خديج فجوابه من وجوه: أحدها: أنه حديث في غاية الاضطراب والتلون،
(1)
أخرجه البخاري برقم (2381)، ومسلم برقم (1536).
قال الإمام أحمد: حديث رافع بن خديج ألوان. وقال أيضًا: حديث رافع ضروب. الثاني: أنَّ الصحابة أنكروه على رافع، قال زيد بن ثابت وقد حُكي له حديث رافع: أنا أعلم بذلك منه، وإنما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين قد اقتتلا، فقال:«إن كان هذا شأنكم؛ فلا تكروا المزارع»
(1)
، وفي «البخاري» عن عمرو بن دينار قال: قلت لطاوس: لو تركت المخابرة؛ فإنهم يزعمون أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها؟ قال: إنَّ أعلمهم -يعني ابن عباس- أخبرني أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها، ولكن قال:«أن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليها خراجًا معلومًا» .
(2)
الثالث: أنَّ في بعض ألفاظ حديث رافع ما لا يقول به أحدٌ، وهو النهي عن كراء المزارع على الإطلاق.
الرابع: من تأمل حديث رافع، وجمع طرقه، واعتبر بعضها ببعض، وحمل مجملها على مفسرها، ومطلقها على مقيدها؛ علم أنَّ الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أَمْرٌ بَيِّن الفساد، وهو المزارعة الظالمة الجائرة؛ فإنه قال: كنا نكري الأرض على أنَّ لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه.
(3)
وفي لفظ له: كان الناس يؤاجرون -فذكر حديث الباب- قال: وهذا من أبين ما في حديث رافع وأصحه، وما فيه من مجمل، أو مطلق، أو مختصر فيُحمل على هذا المفسر
(1)
أخرجه أحمد (5/ 182)، وأبو داود (3390)، والنسائي (7/ 50)، وابن ماجه (2461)، بإسناد حسن.
(2)
أخرجه البخاري برقم (2330)، ومسلم برقم (1550).
(3)
أخرجه البخاري برقم (2332)، ومسلم برقم (1547)(117).
المبين المتفق عليه لفظًا وحكمًا. قال الليث بن سعد: الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر إذا نظر إليه ذو البصيرة بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز. وقال ابن المنذر: قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدل على أنَّ النهي كان لتلك العلل، فلا تعارض إذن بين حديث رافع، وأحاديث الجواز بوجه.
الخامس: أنه لو قدر معارضة حديث رافع لأحاديث الجواز، وامتنع الجمع بينهما؛ لكان منسوخًا قطعًا بلا ريب؛ لأنه لابد من نسخ أحد الخبرين، ويستحيل نسخ أحاديث الجواز؛ لاستمرار العمل بها من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تُوفِّي، واستمر عمل الخلفاء الراشدين بها، وهذا أمر معلوم عند من له خبرة بالنقل.
السادس: أنَّ الذي في حديث رافع إنما هو النهي عن كرائها بالثلث والربع، لا عن المزارعة، وليس هذا بمخالف لجواز المزراعة؛ فإنَّ الإجارة شيءٌ والمزارعة شيء.
السابع: أنَّ ما في المزارعة من الحاجة إليها والمصلحة، وقيام أمر الناس عليها يمنع من تحريمها والنهي عنها؛ لأنَّ ما كان كذلك؛ فإنَّ الشارع لا يحرمه، ولا ينهى عنه؛ لعموم مصلحته، وشدة الحاجة إليه، كما في المضاربة، والمساقاة، بل الحاجة في المزارعة آكد منها في المضاربة؛ لشدة الحاجة إلى الزرع، والأرض لا ينتفع بها إلا بالعمل بها بخلاف المال.
قال: وكذلك الجواب عن حديث جابر سواء، وقد تقدم في بعض طرقه أنهم