الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفلاة، وظاهر كلام صاحب «البيان»: أنَّ مذهب الشافعية التعريف؛ فالظاهر أن لهم في ذلك قولين.
مسألة [37]: هل يجوز التقاطها للتملك بعد التعريف
؟
• مذهب الجمهور جواز ذلك؛ لقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «خذها، فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب» ، ومقتضى قول الليث أنها كالإبل أنه لا يجوز ذلك، والصحيح قول الجمهور.
(1)
مسألة [38]: ماذا يصنع الملتقط بالشاة
؟
• هو مخير بين ثلاثة أمور على خلافٍ بين أهل العلم في بعضها:
أولا: أكلها.
أما إذا كانت الشاة في فلاة، أو صحراء، أو موضع بعيد من العمران مخوف عليها؛ فله أكلها بالإجماع. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنَّ ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها.
واستدلوا على ذلك بقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «هي لك، أو لأخيك، أو للذئب» ، فجعلها له في الحال، وسوَّى بينه وبين الذئب، والذئب لا يستأني في أكلها، ولأنَّ في أكلها في الحال إغناء عن الإنفاق عليها، فربما تأخرت عنده، فاستغرقت النفقة قيمة الشاة.
ومتى أراد أكلها؛ حفظ صفتها، وعرَّفها، فمتى جاء صاحبها؛ غرمها له في قول
(1)
انظر: «المغني» (8/ 337 - ).
عامة أهل العلم إلا مالكًا؛ فإنه قال: كُلْهَا ولا غرم عليك لصاحبها، ولا تعريف. واستدل بالحديث:«هي لك، أو لأخيك، أو للذئب» ؛ فإنه ليس فيه ذكر التعريف، أو الغرامة. قال ابن عبد البر: لم يوافق أحد من العلماء مالكًا على قوله.
وقد أُجيب عن مالك: بأنَّ التعريف ثابتٌ بقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من آوى ضالة؛ فهو ضال مالم يعرفها» ، وقد جاء من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود (1710)، والترمذي (1289)، والنسائي (8/ 84)، والطحاوي (4/ 135 - 136):«اجمعها حتى يأتيها باغيها» يعني لقطة الشاة، وفي رواية:«احبس على أخيك ضالته» .
وأُجيب عن مالك: بعدم ذكر الغرامة أنها مفهومة من التعريف كما وجبت في لقطة الذهب والفضة، وقد استدل لقول مالك بأنَّ اللام للتمليك بقوله:«هي لك» .
قال الحافظ رحمه الله: وَأُجِيبَ بِأَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ لِلتَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ الذِّئْبَ لَا يَمْلِكُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهَا المُلْتَقِط عَلَى شَرْطِ ضَمَانِهَا.
قال: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ صَاحِبُهَا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهَا الْمُلْتَقِط؛ لَأَخَذَهَا؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا بَاقِيَة عَلَى مِلْك صَاحِبِهَا، وَلَا فَرْق بَيْنَ قَوْلِهِ فِي الشَّاةِ:«هِيَ لَك، أَوْ لِأَخِيك، أَوْ لِلذِّئْبِ» ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي اللُّقَطَةِ:«شَأْنك بِهَا، أَوْ خُذْهَا» بَلْ هُوَ أَشْبَهُ بِالتَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرِكْ مَعَهُ ذِئْبًا وَلَا غَيْرَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَالُوا فِي النَّفَقَةِ يَغْرَمُهَا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهَا، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبهَا. اهـ
• وأما إذا كانت الشاة في المصر والقرية العامرة فاختلف أهل العلم في جواز أكلها، فمذهب مالك، والشافعي أنه لا يجوز أكلها؛ لأنه يمكنه بيعها، بخلاف الصحراء، وهو قول أبي عبيد، وابن المنذر.
• ومذهب الحنابلة أنَّ له أكلها، فكما جاز أكلها في الصحراء؛ جاز في المصر، وفي الحديث: «هي لك
…
» بدون تفريق بين الصحراء، والمصر، ولأنَّ أكلها معلل بما ذكر من الاستغناء عن الإنفاق عليها، وهذا في المصر أشد منه في الصحراء.
ورجح هذا القول ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (3/ 659 - )، فقال: وهو أفقه وأقرب إلى مصلحة الملتقط والمالك؛ إذ قد يكون تعريفها سنة مستلزمًا لتغريم مالكها أضعاف قيمتها إن قلنا: يرجع عليه بنفقتها. وإن قلنا: لا يرجع. استلزم تغريم الملتقط ذلك. وإن قيل: يدعها ولا يلتقطها. كانت للذئب وتلفت، والشارع لا يأمر بضياع الأموال
…
وانظر بقية كلامه. وهو ظاهر اختيار اللجنة الدائمة (15/ 469)، وهو الصحيح.
(1)
ثانيًا: إمساكها والنفقة عليها.
ذكر أهل العلم أنَّ للملتقط أن يمسكها عنده وينفق عليها؛ فإن أنفق عليها متبرعًا؛ فلا يرجع بالنفقة على صاحبها.
(1)
انظر: «المغني» (8/ 339 - 340)«البداية» (4/ 112)«البيان» (7/ 543)«شرح مسلم» (12/ 23)«الفتح» (2427).
• واختلفوا إذا أنفق عليها قاصدًا الرجوع بالنفقة على صاحبها هل له ذلك، أم لا؟
فذهب عمر بن عبد العزيز إلى أنَّ له الرجوع، وهو رواية عن أحمد، وقال به مالك. وذهب الشعبي إلى أنه لا يرجع، وهو قول الشافعي، وأحمد في رواية.
قلتُ: والقول الأول أظهر، وهو ظاهر اختيار اللجنة الدائمة، ولكن يحسب عليه من النفقة ما استفاده من اللبن، والصوف، وما أشبه ذلك، والله أعلم.
(1)
ثالثها: أن يبيعها، و يحفظ ثمنها.
ذكر أهل العلم أنَّ للملتقط أن يبيعها ويحفظ ثمنها، وقال بعض أصحاب الشافعي: يبيعها بإذن الإمام. والظاهر أنه لا يشترط ذلك، والله أعلم.
(2)
تنبيه: إذا أكلها؛ ثبتت قيمتها في ذمته، ولا يلزمه عزلها؛ لعدم الفائدة في ذلك؛ فإنها لا تنتقل من الذمة إلى المال المعزول، ولو عزل شيئًا، ثم أفلس؛ كان صاحب اللقطة أسوة الغرماء، ولم يختص بالمال المعزول.
وإن باعها وحفظ ثمنها وجاء صاحبها؛ أخذه، ولم يشاركه أحد من الغرماء؛ لأنه عين ماله لا شيء للمفلس فيه.
(3)
(1)
انظر: «المغني» (8/ 340)«المحلى» (1354)«فتاوى اللجنة» (15/ 461 - )«التمهيد» (13/ 219) ط/مرتبة.
(2)
انظر: «المغني» (8/ 340)«البيان» (7/ 543).
(3)
انظر: «المغني» (8/ 341).