الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسائل والأحكام المستفادة من الحديثين
أما الإحياء: فهو مصدر (أحيا)، وأما الموات: فهو ما لا حياة فيه، شبهت عمارة الأرض وزراعتها بالحياة، وتعطيلها بالموت.
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: عبَّروا بالموات دون الميتة؛ لأنَّ الأرض الميتة قد يُراد بها ما لا نبات فيها كما قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} [يس:33]، فعبروا عن الأرض هنا بالموات؛ للفرق بينها وبين الأرض التي ليس فيها نبات. اهـ
وتعريف الموات عند الفقهاء: هي الأرض المنفكة عن الاختصاصات، وملك معصوم.
فقولنا: (الاختصاصات) هي كمجاري السيول، ومواضع الحطب، ومواضع المراعي، والمصالح العامة، وأفنية الدور.
وقولنا: (ملك معصوم)، أي: مملوكة بإحياء، أو إرث، أو شراء للمعصوم ماله وهو المسلم، ويشمل أيضًا الذِّمِّي، والمعاهد، والمستأمن.
مسألة [1]: أقسام الموات الذي يُحيى
.
الموات قسمان:
القسم الأول: مالم يجر عليه ملك لأحد، ولم يوجد فيه أثر عمارة.
فهذا يُملك بالإحياء بغير خلاف بين القائلين بالإحياء، والأخبار التي تقدمت تتناوله.
القسم الثاني: ما جرى عليه ملك مالك، وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ماله ملك معين، وهو ضربان:
الأول: ما مُلِكَ بشراءٍ، أو عطية، فهذا لا يُملك بالإحياء بغير خلاف، قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أنَّ ما عُرِف بملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز لأحد غير أربابه.
الثاني: ما مُلِك بالإحياء، ثم ترك حتى دثر، وعاد مواتًا؛ فهو كالذي قبله في الحكم عند أهل العلم، وخالف مالك فقال: إذا أحيا هذا؛ مَلَكَهُ؛ لعموم الحديث: «من أحيا أرضًا ميتة فهي له» ، ولأنَّ أصل هذه الأرض مباح، فإذا تركت حتى تصير مواتًا؛ عادت إلى الإباحة، كمن أخذ ماءً من نهر ثم رده فيه.
وأُجيب عليه: بأنَّ هذه أرضٌ يعرف مالكها؛ فلم تملك بالإحياء، كالتي ملكت بشراءٍ، أو عطية، والخبر مقيد بغير المملوك، ففي حديث عائشة زيادة:«ليست لأحد» ، وهذا يقيد مطلق حديثه، ثم حديثه مخصوص بما ملك بشراءٍ، أو عطية، فيقاس عليه محل النزاع، وما ذكروه يبطل بالموات إذا أحياه إنسان، ثم باعه، فتركه المشتري حتى عاد مواتًا، وباللقطة إذا ملكها، ثم ضاعت منه، ويخالف ماء النهر؛ فإنه استهلك.
النوع الثاني: ما يوجد فيه آثار ملك قديم جاهلي، كآثار الروم، ومساكن ثمود، ونحوها.
فهذا يملك بالإحياء؛ لأنَّ ذلك الملك لا حرمة له، وقد رُوي عن طاوس، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال:«عادي الأرض لله ولرسوله ثم هو بعد لكم» أخرجه البيهقي (6/ 143)، وهو حديث مرسل، وقوله:«عادي الأرض» قال أبو عبيد: التي كان بها ساكن في آباد الدهر، فانقرضوا، فلم يبق منهم أنيس، وإنما نسبها إلى عاد؛ لأنهم كانوا مع تقدمهم ذوي قوة، وبطش، وآثار كثيرة، فنسب كل أثر قديم إليها.
قال ابن قدامة رحمه الله: ويحتمل أنَّ كل ما فيه أثر الملك، ولم يعلم زواله أنه لا يملك؛ لأنَّه يحتمل أنَّ المسلمين أخذوه عامرًا، فاستحقوه، فصار موقوفًا بوقف عمر له؛ فلم يملك كما لو علم مالكه. اهـ
النوع الثالث: ما جرى عليه الملك في الإسلام لمسلم، أو ذِمِّيٍّ غير معين.
• قال ابن قدامة رحمه الله: فظاهر كلام الخرقي أنها لا تملك بالإحياء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، نقلها عنه أبو داود وغيره؛ لما روى كثير بن عبدالله ابن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أحيا أرضًا مواتًا في غير حق مسلم؛ فهي له» ، ولأنَّ هذه الأرض لها ملك؛ فلم يَجُزْ إحياؤها كما لو كان معينًا؛ فإنَّ مالكها إن كان له ورثة؛ فهي لهم، وإن لم يكن له ورثة؛ ورثها المسلمون. اهـ