الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللفظ لهم، وقد ذكر الله عيسى في ذرية نوح عليهما السلام، وهو من ولد بنته، وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- للحسن:«إن ابني هذا سيد»
(1)
، وقال تعالى:{وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء:23]، ودخل في ذلك حلائل أبناء البنات.
قال أبو عبد الله غفر الله له: يرجع ذلك إلى الواقف وقصده؛ فإن كان موجودًا سُئل عن نيته، وإن لم يكن موجودًا وقد مات؛ فيرجع إلى عُرْفه، وأهل بلده؛ فإن كانوا يريدون باللفظ المذكور أن يدخلوا أولاد البنات؛ دخلوا، وإن لم يقصدوهم؛ فلا يدخلوا في ذلك، والله أعلم، وإن لم يعلم لهم عرف؛ فالظاهر هو قول الشافعي ومن معه؛ لأنَّ ظاهر اللفظ يدل علىه، وبالله التوفيق.
وَمِثْلُ الخلافِ المذكور إذا قال: على عقبي أو نسلي أو ذريتي، وما أشبه ذلك.
(2)
تنبيه: محل الخلاف المذكور فيما إذا لم يوجد ما يدل على تعيين أحد الأمرين، فأما إن وجد ما يصرف اللفظ إلى أحدهما انصرف إليه.
(3)
مسألة [52]: إذا وقف على بنيه فقط، فما الحكم
؟
قال ابن قدامة رحمه الله في «المقنع» : وإن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصَّة. اهـ
(1)
أخرجه البخاري برقم (2704)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(2)
انظر: «المغني» (8/ 202 - )«البيان» (8/ 84 - 85)«الإنصاف» (7/ 74 - 75)«جلاء الأفهام» (ص 152 - )«المحلى» (1656).
(3)
انظر: «المغني» (8/ 204).
قال صاحب «الشرح الكبير» (6/ 250): هذا عند الجمهور، وبه قال الشافعي، وأصحاب الرأي، وقال الحسن، وإسحاق، وأبو ثور: هو للذكر والأنثى جميعًا؛ لأنه لو وقف على بني فلان، أو أوصى لهم وهم قبيلة؛ دخل فيه الذكر والأنثى. وقال الثوري: إن كانوا ذكورًا وإناثًا؛ فهو بينهم، وإن كن بنات لا ذكر معهن؛ فلا شيء لهن؛ لأنه متى اجتمع الذكور والإناث غلب لفظ التذكير، ودخل فيه الإناث كلفظ المسلمين.
قال: ولنا أنَّ لفظ البنين يختص بالذكور قال تعالى: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات:153]، وقال تعالى:{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ} [الزخرف:16]، قال: وإنما دخلوا في الاسم إذا صاروا قبيلة؛ لأنَّ الاسم نقل فيهم عن الحقيقة إلى العرف، ولهذا تقول المرأة: أنا من بني فلان. إذا انتسبت إلى القبيلة، ولا تقول ذلك إذا انتسبت إلى أبيها.
قال: فأما إن وقف على بناته، أو أوصى لهن؛ دخل فيه البنات دون غيرهن، ولا يدخل فيهن الخنثى المشكل؛ لأنه لا يعلم كونه أنثى، لا نعلم في ذلك خلافًا. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: الشارح رحمه الله ذكر المسألة بالنظر إلى الدخول في اللفظ، أم لا؟ ولا إشكال في ذلك. وأما عن حكم هذه المسألة: فبالنسبة للوصية للبنات؛ فإنه لا يجوز تخصيصهن بالوصية عن الذكور عند أهل العلم كما سيأتي
بيانه إن شاء الله في كتاب الوصايا.
وأما الوقف: فظاهر نقل الشارح، وابن قدامة وغيرهما أن أكثر أهل العلم على صحة الوقف وإن خصَّه بالذكور دون الإناث، أو العكس، أو أعطاه بعض الذكور دون بعض.
لكن قال ابن حزم رحمه الله في «المحلى» (1654): والتسوية بين الولد فرضٌ في الحبس؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعدلوا بين أولادكم»
(1)
؛ فإن خصَّ به بعض بنيه؛ فالحبس صحيح، ويدخل سائر الولد في الغلة، والسكنى مع الذي خصَّه، برهان ذلك أنهما فعلان متغايران بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهما: تحبيس الأصل، فباللفظ تحبيسه يصح لله تعالى بائنًا عن مال المحبس. والثاني: التسبيل والصدقة؛ فإن وقع فيها حيف؛ رد، ولم يبطل خروج الأصل محبسًا لله عز وجل ما دام الولد أحياء، فإذا مات المخصوص بالحبس؛ رجع إلى من عقب إليه بعده، وخرج سائر الولد عنه؛ لأنَّ المحاباة قد بطلت، وبالله التوفيق. اهـ
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله في «السيل» (3/ 316): وأما الأوقاف التي يراد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل، ومخالفة فرائض الله عز وجل؛ فهو باطل من أصله لا ينعقد بحال، وذلك كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم، وما أشبه ذلك؛ فإنَّ هذا لم يرد التقرب إلى الله، بل أراد المخالفة لأحكام الله عز وجل، والمعاندة لما شرعه لعباده، وجعل هذا الوقف الطاغوتي ذريعة إلى ذلك المقصد
(1)
سيأتي تخريجه في «البلوغ» رقم (920).
الشيطاني، فليكن هذا منك على ذكر، فما أكثر وقوعه في هذه الأزمنة. انتهى المراد، وانظر بقية كلامه؛ فإنه مفيد.
وقد تابعه على ذلك صديق في «الروضة» ، وقد رجَّح بطلان هذا الوقف الإمام ابن عثيمين رحمه الله كما في «الشرح الممتع» (4/ 578) ط/الآثار، واستدل بالحديث:«اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» ، وهذا هو الراجح، والله أعلم.
تنبيه: مصرف الوقف على شرط الواقف من حيث القسمة على الموقوف عليهم، وفي التقديم والتأخير، والجمع والترتيب، والتسوية، والتفضيل، وفي الناظر فيه، والإنفاق عليه، وسائر أحواله.
ومقصودنا بـ (القسمة على الموقوف عليه)، أي: في تقدير الاستحقاق.
والمقصود بـ (التقديم والتأخير)، أي: البداءة ببعض أهل الوقف، وتأخير البعض.
والمقصود بـ (الجمع) جمع الاستحقاق مشتركًا في حالة واحدة.
والمقصود بـ (الترتيب) جعل استحقاق بطن مرتبًا على آخر، وهو مع (التأخير) متقارب، لكن المراد بالتأخير أنه لا يسقط إلا إذا لم يبق فضل؛ فإن بقي فضل؛ فهو له، وأما في (الترتيب) فهو عدم استحقاق المؤخر مع وجود المقدم.
والمقصود بـ (التسوية) جعل الريع بين أهل الوقف متساويًا.