الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
252 -
(1)
وضاح اليمن
عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال الحميري الخولاني المعروف بوضاح اليمن؛ قيل إنه من الفرس الذين قدموا اليمن مع وهرز لنصرة سيف بن ذي يزن على الحبشة، وكان من حسنه يتقنع في المواسم مخافة العين، وكان يهوى امرأة من اليمن اسمها روضة ويشبب بها في شعره، فمن ذلك قوله:
قالت ألا لا تلجن دارنا
…
إن أبانا رجل غائر
قلت فإني طالب غرةً
…
وإن سيفي صارم باتر
قالت فإن القصر من دوننا
…
قلت فإني فوقه طائر
قالت فإن البحر من دوننا
…
قلت فإني سابح ماهر
قالت فحولي أخوة سبعة
…
قلت فإني لهم حاذر
قالت فليث رابض دوننا
…
قلت فإني أسد عاقر
قالت فإن الله من فوقنا
…
قلت فربي راحم غافر
قالت فقد أعييتنا حجةً
…
فأت إذا ما هجع السامر
واسقط علينا كسقوط الندى
…
ليلة لا ناهٍ ولا آمر وهذه الأبيات عدها أرباب البديع في المراجعة؛ وأما هذا المعنى - قوله واسقط علينا كسقوط الندى - فقد اشتهر ونظم الشعراء في معناه كثيراً، وأصله لامرئ القيس حيث قال:
سموت إليها بعدما نام أهلها
…
سمو حباب الماء حالاً على حال
(1) الأغاني 6: 198 وتهذيب ابن عساكر 7: 295 والنجوم الزاهرة 1: 226.
وما أحسن قول صر در في قصيدته التي أولها (1) :
عسى (2) رائح يأتي بأخبار من غدا (3)
…
وهو:
وحي طرقناه على غير (4) موعدٍ
…
فما إن وجدنا عند نارهم هدى
وما غفلت أحراسهم غير أننا
…
سقطنا عليهم مثل ما يسقط (5) الندى ولما وقف بعض الظرفاء على قصيدة وضاح اليمن ووصل إلى قوله: قلت فربي راحم غافر كتب على الحاشية: هذا نياك بالدبوس ما يرجع.
ولما استأذنت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان الوليد بن عبد الملك في الحج أذن لها وهو خليفة، وهي زوجته، وكتب الوليد يتوعد الشعراء جميعاً أن يذكرها أحد منهم، أو يذكر أحداً (6) ممن معها، فقدمت مكة وتراءت الناس، وتصدى لها أهل الغزل والشعراء، ووقعت عينها على وضاح اليمن فهويته، وأنفذت إلى كثير عزة وإلى وضاح اليمن أن انسبا بي، فكره ذلك كثير وشبب بجاريتها غاضرة، وذلك في قوله (7) :
شجا أظعان غاضرة الغوادي
…
وأما وضاح اليمن فإنه صرح، فبلغ ذلك الوليد فقتله.
(1) ديوان صر در: 38 - 39 وهي في مدح زعيم الدولة بركة بن مقلد العقيلي.
(2)
الديوان: ترى.
(3)
عجزه: وهل يكتم الأنباء من قد تزودوا.
(4)
الديوان: زور.
(5)
الديوان: سقط.
(6)
ص ر: أحد.
(7)
ديوان كثير: 219 وعجز البيت: بغير مشورة عرضاً فؤادي؛ والرواية في ص ر: سقى أظغان
…
وهو وهم. وفي ص ر: أضعان.
وقيل إنه مدح الوليد، فوعدته أم البنين أن تساعده وتعينه على رفده، فقدم على الوليد وأنشده:
صبا قلبي إليك ومال ميلا
…
وأرقني خيالك يا أثيلا
يمانية تلم بنا فتبدي
…
دقيق محاسنٍ وتكن غيلا وهي أبيات مشهورة، فأحسن رفده، ثم نما إليه أنه يشبب بأم البنين، فجفاه وحجبه ودبر في قتله، واختلسه ودفنه في داره.
وقيل إن أم البنين كانت ترسل إليه فيدخل إليها ويقيم عندها، فإذا خافت وارته في صندوق عندها، فأهدي إلى الوليد جوهر فأعجبه، ودعا خادماً وبعث به إلى أم البنين، فدخل عليها مفاجأة ووضاح عندها، فرآه وقد وارته في الصندوق، فقال لها: يا مولاتي هبي لي منه حجراً، فقالت: يا ابن اللخناء: لا كرامة (1) فرجع الخادم إلى الوليد وأخبره الخبر، فقال له: كذبت، وأمر به فوجئت عنقه، ثم أتى أم البنين وهي تمشط في بيتها (2) ، وقد وصف له الخادم الصندوق، فجاء فجلس عليه وقال لها: يا أم البنين ما أحب إليك هذا البيت من دون البيوت، فلم تختارينه (3) ؟ قالت: أختاره لأنه يجمع حوائجي كلها، فأتناولها منه من قريب على ما أريد، قال لها: هبي لي صندوقاً من هذه الصناديق، فقالت: كلها لك يا أمير المؤمنين، فقال: ما أريد كلها وإنما أريد واحداً منها، فقالت: خذ أيها شئت، قال: هذا الذي جلست عليه، قالت: غيره خذ فإن لي فيه أشياء أحتاج إليها قال: ما أريد غيره، قالت: خذه، فدعا بالخدم، وأمرهم بحمله حتى انتهى به إلى مجلسه، وحفر بئراً عميقاً (4) في المجلس إلى أن وصل إلى الماء، ووضع الصندوق على شفير البئر، ودنا منه وقال: يا صندوق إنه بلغنا شيء، فإن كان حقاً فقد
(1) كذا في ص ر؛ والأشهر أن يقال: لا ولا كرامة.
(2)
ص: بنتها (دون إعجام للباء) .
(3)
ص ر: تختاريه.
(4)
الصواب: عميقة.