الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
179 -
(1)
العفيف التلمساني
سليمان بن علي بن عبد الله بن علي، الشيخ الأديب البارع عفيف الدين التلمساني؛ كان كوفي (2) الأصل، وكان يدعى العرفان ويتكلم على اصطلاح القوم. قال قطب الدين اليونيني: رأيت جماعة ينسبونه إلى رقة الدين والميل إلى مذهب النصيرية. وكان حسن العشرة كريم الأخلاق، له حرمة ووجاهة، وخدم في عدة جهات.
وقال الجزري في تاريخه: إنه عمل ببلاد الروم أربعين خلوة، يخرج من واحدة ويدخل في أخرى، وله في كل عام تصنيف، وشرح الأسماء الحسني وشرح منازل السائرين وشرح مواقف النفري.
وحكى بعضهم قال: طلعت يوم قبض فقلت له: كيف حالك؟ قال: بخير، من عرف الله كيف يخافه؟ والله منذ عرفته ما خفته، وأنا فرحان بلقائه.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: وحكى لي الشيخ ابن طي الحافي قال: كان عفيف الدين يباشر استيفاء الخزانة بدمشق، فحضر الأسعد بن السديد الماعز إلى دمشق صحبة السلطان الملك المنصور، قال له يوماً؛ يا عفيف الدين، أريد منك أن تعمل لي أوراقاً بمصروف الخزانة وحاصلها، قال: نعم، وطلبها منه مرة أخرى ومرة وهو يقول: نعم، فقال له في الآخر: أراك كلما اطلب منك الأوراق
(1) الزركشي: 128 والنجوم الزاهرة 8: 29 والبداية والنهاية 13: 326 والشذرات 5: 412؛ وبعض أجزاء هذه الترجمة سقطت من المطبوعة.
(2)
كذا هو أيضاً بخط المؤلف؛ وعلق الأستاذ الزركلي في الأعلام (3: 193 الحاشية رقم: 2) أنه خطأ، وأن الصواب ((كومي)) - بالميم - نسبة إلى كومة، وهي قبيلة صغيرة منازلها بساحل البحر من أعمال تلمسان.
تقول لي نعم، وأغلظ له في القول، فغضب الشيخ عفيف الدين وقال له: والك لمن تقول هذا الكلام؟ يا كلب يا ابن الكلب يا خنزير، وهذا من عجز المسلمين وإلا لو بصقوا عليك بصقة لأغرقوك، ثم شق ثيابه وقام يهم بالدخول على السلطان، فقام الناس إليه وقالوا: هذا ما هو كاتب وهذا الشيخ عفيف الدين التلمساني، وهو معروف بالجلالة والإكرام بين الناس، ومتى دخل إلى السلطان آذاك، فسألهم دره وقال له: يا مولانا ما بقيت أطلب منك لا أوراقاً ولا غيرها.
وقال الشيخ أثير الدين: المذكور أديب ماهر جيد النظم، تارة يكون شيخ صوفية وتارة كاتب وتارة مجرد، قدم علينا بالقاهرة، ونزل بخانقاه سعيد السعداء عند صاحبه شيخها الشيخ شمس الدين الأيكي، وكان متنجلاً في أقواله وأفعاله طريقة ابن العربي؛ انتهى قول أثير الدين.
وتوفي الشيخ عفيف الدين بدمشق في شهور سنة تسعين وستمائة، ودفن بمقابر الصوفية؛ ومن نظمه:
وقفنا على المغنى قديماً فما أغنى
…
ولا دلت الألفاظ منه على معنى
وكم فيه أمسينا وبتنا بربعه
…
حيارى وأصبحنا حيارى كما بتنا
ثملنا وملنا والدموع مدامنا
…
ولولا التصابي ما ثملنا ولا ملنا
فلم نر للغيد الحسان بهم سنا
…
وهم من بدور التم في حسنها أسنى
نسائل بانات الحمى عن قدودهم
…
ولا سيما في لينها البانة الغنا
ونلثم ترب الأرض أن قد مشت بها
…
سليمى ولبنى لا سليمى ولا لبنى
فوا أسفا فيه على يوسف الحمى
…
ويعقوبه تبيض أعينه حزنا
وليس الشجي مثل الخلي لأجل ذا
…
به نحن نحنا والحمام به غنى
ينادي مناديهم ويصغي إلى الصدى
…
فيسألنا عنهم بمثل الذي قلنا وله أيضاً:
ندى في الأقحوانة أم شراب
…
وطل في الشقيقة أم رضاب
فتلك وهذه ثغر وكأس
…
لذا ظلم وفي هذي شراب
وخضر خمائل كجسوم غيدٍ
…
قد انتشقت فراق بها الخضاب
يريك بها الشقيق سواد هدبٍ
…
وحمرة وجنةٍ فيها التهاب
وورق حمائم في كل فنٍ
…
إذا نطقت لها لحن صواب
لها بالطل أزرار حسان
…
وأطواق ومن ورقٍ ثياب
كأن النهر سيف مشرفي
…
له في كف صيقله اضطراب
تجرده يمين الشمس طوراً
…
وطوراً بالظلال له قراب
يعاب السيف إذا في جانبيه
…
فلول وهو منها لا يعاب
فإن قلت الحباب انساب ذعراً
…
ورمت الرقش صدقك الحساب
وللأغصان هينمة تحاكي
…
حبائب رق بينهما العتاب وله من أبيات:
وفي الحي هيفاء المعاطف لو بدت
…
مع البان كان الورق فيها تغنت
عجبت لها في حسنها إذ تفردت
…
لأية معنىً بعد ذاك تثنت وله أيضاً:
أفدي التي ابتسمت وهناً بكاظمة
…
فكان منها هدى الساري بنعمان
وواجهتها ظباء الرمل فاكتسبت
…
منها محاسن أجياد وأجفان
يسري النسيم بعطفيها فيصحبه
…
لطفاً يميل غصون الرند والبان
مرت على جانب الوادي وليس به
…
ماء ففاض بدمعي الجانب الثاني
موهت عنها بسلمى واستعرت لها
…
من وصفها فاهتدى الشاني إلى شاني
تجني علي وما أحلى أليم هوىً
…
في حبها حين ألجاني إلى الجاني وقال أيضاً:
إن كان قتلي في الهوى يتعين
…
يا قاتلي فبسيف طرفك أهون
حسبي وحسبك أن تكون مدامعي
…
غسلي وفي ثوب السقام أكفن
عجباً لخدك وردةً في بانةٍ
…
والورد فوق البان ما لا يمكن
أدنته لي سنة الكرى فلثمته
…
حتى تبدل بالشقيق السوسن
ووردت كوثر ثغره فحسبتني
…
في جنةٍ من وجنتيه أسكن
ما راعني إلا بلال الخال فو
…
ق الخد في صبح الجبين يؤذن
فنشرت من خوف الصباح ذؤابة
…
هي كالدجى وظللت فيها أكمن
يا نظرة كم رمت أسرق أختها
…
من مقلةٍ هي للنعاس معيدن وقال أيضاً:
رياض بكاها المزن فهي بواسم
…
وناحت لغير الحزن فيها الحمائم
وأودعت الأنواء فيهن سرها
…
فنمت عليهن الرياح النواسم
يبيت الندى في أفقها وهو ناثر
…
ويضحي على أجيادها وهو ناظم
كأن الأقاحي والشقيق تقابلا
…
خدود جلاهن الصبا ومباسم
كأن بها للنرجس الغض أعيناً
…
تنبه منها البعض والبعض نائم
كأن ظلال القضب فوق غديرها
…
إذا اضطربت تحت الرياح أراقم
كأن غناء الورق ألحان معبدٍ
…
إذا رقصت تلك القدود النواعم
كأن نثار الشمس تحت غصونها
…
دنانير في وقتٍ ووقت دراهم
كأن ثماراً (1) في غصون توسوست
…
لعارض خفاق النسيم تمائم
كأن القطوف الدانيات مواهب
…
ففي كل غصن ماسن في الدوح حاتم وقال أيضاً:
أشتاق من ساكني ذاك الحمى سكنا
…
عليه خفق فؤادي قط ما سكنا
ولي غرام وصبر في محبته
…
هذا أقام بأحشائي وذا ظعنا
أطلعتم يا أهيل المنحى قمراً
…
بدا على الكون منه بهجة وسنا
(1) ص: ثمار.
سبى عيون محبيه الكرى فلذا
…
أجفانه لم تزل مملوءةً وسنا
إن قلت غصن تجلى وجهه قمراً
…
أو قلت بدر (1) تثنى قده غصنا
نادى ضنى خصره من يشتري سقماً
…
مني ليفنى به في الحب قلت أنا
فيا غني جمالٍ بات مفتقراً
…
لحسنه البدر مالي عن هواك غنى وقال أيضاً:
أسكرت بان الحمى يا نسمة السحر
…
فهل أتيت عن الأحباب بالخبر
نعم مررت بذاك الحي فالتبست
…
ذيول بردك ريا نشره العطر
يا نوق روحي بروحي للحمى وقفي
…
به فديتك بين الضال والسمر
ففي بيوت الحمى سمراء قد حجبت
…
بالسمر عنا وبالهندية البتر
شمس ومطلعها ذاتي ومغربها
…
بين السوادين من قلبي ومن بصري
تبدي معالم مغناها محاسنها
…
فيكتسي الروض بالغدران والزهر وقال:
لا تلم صبوتي فمن حب يصبو
…
إنما يرحم المحب المحب
كيف لا يوقد النسيم غرامي
…
وله في ديار ليلى مهب
ما اعتذاري إذا خبت لي نار
…
وحبيبي أنواره ليس تخبو وشعره جيد إلى الغاية، رحمه الله تعالى وعفا عنه وعنا وعن جميع المسلمين.
(1) ص: وإن قلت بدراً.