الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفياض أحد بني تيم الله بن ثعلبة، وأجواد أهل البصرة: عمر بن عبيد الله بن معمر، وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي وهو طلحة الطلحات، وعبيد الله ابن أبي بكرة، وأجواد أهل الشام: خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وليس في هؤلاء كلهم أجود من عبد الله بن جعفر. عوتب في ذلك فقال: إن الله عز وجل عودني عادة، وعود الناس عادة، فأخاف إن قطعتها قطعت عني؛ وأخباره في الجود كثيرة، رحمه الله تعالى.
219 -
(1)
عبد الله بن الزبير
عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن قصي القرشي الأسدي، يكنى أبا بكر؛ هو أول مولود ولد بالإسلام بالمدينة، روى عن أبيه وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم؛ شهد وقعة اليرموك والقسطنطينية والمغرب وله مواقف مشهورة، وكان فارس قريش في زمانه.
بويع له بالخلافة سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز واليمن ومصر وخراسان والعراق، وأكثر السند. وولد سنة اثنتين من الهجرة، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين وأربعة أشهر، خرجت أسماء أمه حين هاجرت حبلى، فنفست بعبد الله في قبا، قالت أسماء: ثم جاء بعد سبع سنين ليبايع
(1) راجع أخباره في كتب الصحابة كطبقات ابن سعد والاستيعاب وأسد الغابة والإصابة، وفي كتب التاريخ الكبرى كالطبري والمسعودي والدينوري وابن الأثير وابن خلدون وابم كثير والسيوطي وتهذيب والتهذيب 5: 213 وأنساب الأشراف (ج؟ 4، 5 والعقد الثمين 5: 141 وفي المصادر المتعلقة بفتح إفريقية (ابن عذاري، رياض النفوس، جغرافية البكري.. الخ) أخبار عن بطولاته في ذلك الفتح. وقد وردت له ترجمة عند ابن خكان 3: 71 وهي من المزايدات التي انفردت بها إحدى النسخ من وفيات اعيان، وليس من المرجح أن تكون أصلاً في وفيات الأعيان.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمره بذلك الزبير، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلاً ثم بايعه.
ولما قدم المهاجرون أقاموا لا يولد لهم، فقالوا: سحرتنا اليهود، فكان أول مولود بعد الهجرة، فكبر المسلمون تكبيرةً واحدةً حتى ارتجت المدينة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له في أذنيه بالصلاة.
وكان عارضاه (1) خفيفين فما اتصلت لحيته حتى بلغ ستين سنة.
وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: يا عبد الله، اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد، فلما غاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه، فلما رجع قال له: ما صنعت بالدم؟ قال: عمدت إلى أخفى موضع علمت فجعلته فيه، قال: لعلك شربته؟ قال: نعم، قال: ولم شربت الدم؟ ويل للناس منك، وويل لك من الناس!
وعن إسحاق بن أبي إسحاق قال: حضرت قتل عبد اله بن الزبير، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد، كلما دخل عليه قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينما هو على هذه الحال إذ جاءته شرفة من شرفات المسجد في رأسه فصرعته فوقع وهو يقول:
أسماء يا أسماء لا تبكيني
…
لم يبق إلا حسبي وديني وصارم لاثت به يميني
…
وقال سهل بن سعد: سمعت ابن الزبير يقول: ما أراني اليوم إلا مقتولاً، رأيت الليلة كأن السماء فرجت لي فدخلتها، فقد والله مللت الحياة وما فيها.
وقال عمرو بن دينار: كان ابن الزبير يصلي في الحجر والمنجنيق يصيب طرف ثوبه فما يلتفت إليه، وكان يسمى حمامة المسجد.
وقال ابن إسحاق: ما رأيت أحداً أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير.
(1) ص: عارضيه.
وجاء الحجاج إلى مكة فنصب المنجنيق عليها، وكان ابن الزبير قد نصب فسطاطاً عند البيت، فاحترق فطارت شرارة إلى البيت فاحترق واحترق قرنا الكبش الذي فدي به إسماعيل يومئذ، ورمى الحجاج المنجنيق على ابن الزبير وعلى من معه في المسجد، وجعل ابن الزبير بيضة على الحجر الأسود ترد عنه - يعني خوذة - ودام الحصار ستة أشهر وسبع عشرة (1) ليلة، وخذل ابن الزبير أصحابه (2) ، وخرجوا مع الحجاج، ثم إن الحجاج أخذه وصلبه منكساً.
وكان آدم نحيفاً ليس بالطويل، بين عينيه أثر السجود؛ قيل إنه بقي مصلوباً سنة، ثم جاء إذن عبد الملك أن يسلم إلى أسماء ولدها، فأنزلوه فحنطته وكفنته وصلت عليه وحملته فدفنته بالمدينة في دار صفية بنت حيي، ثم زيدت دار صفية في المسجد، فهو مدفون مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وكان كثير الصلاة كثير الصيام شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات؛ وقال علي بن زيد الجدعاني: إلا أنه كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة، لأنه كان بخيلاً، ضيق العطن، سيء الخلق حسوداً كثير الخلاف، اخرج محمد بن الحنفية، ونفى عبد الله بن العباس إلى الطائف.
وقال: لما كان قبل قتله بعشرة أيام دخل على أمه وهي شاكية، فقال: كيف أنت (3) يا أمه؟ قالت: ما أجدني إلا شاكية، فقال لها، إن في الموت لراحة، قالت: لعلك تمنيته لي، ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك، إما قتلت فأحتسبك، وإما ظفرت بعدوك فقرت عيني، قال عروة: فالتفت إلي وضحك، فلما كان اليوم الذي قتل فيه دخل عليها، فقالت: يا بني لا تقبل منهم خطة عليك فيها الذل مخافة القتل، فوالله لضربة سيف في عز خير من ضربة
(1) ص: عشر.
(2)
ص: وأصحابه.
(3)
ص: أنتي.
سوط في مذلة، قال: فخرج وقد جعل له مصراع عند الكعبة، وكان تحته، فأتاه رجل من قريش فقال: ألا نفتح لك باب الكعبة فتدخلها، فقال ابن الزبير: إن حرمة المسجد كحرمة البيت، والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة قتلوكم، ثم قال:
ولست بمبتاع الحياة بسبةٍ
…
ولا مرتقٍ من خشية الموت سلما ثم شد عليه أصحاب الحجاج فقال: أين أهل مصر؟ فقال: هم هؤلاء من هذا الباب، فقال لأصحابه: اكسروا أغماد سيوفكم ولا تميلوا عني، فإني في الرعيل، ففعلوا ثم حمل فحملوا معه، وكان يضرب بسيفين، فضرب رجلاً فقطع يده، وانهرقوا فجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد، فجعل رجل أسود يسبه، فقال له: اصبر يابن حام، ثم حمل عليه فصرعه. ثم دخل أهل حمص من باب بني شيبة، فشد عليهم وجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ورجع وهو يقول:
لو كان قرناً واحداً كفيته
…
أوردته الموت وقد ذكيته ثم دخل عليه أهل الأردن من باب آخر، فجعل يضربهم حتى أخرجهم من المسجد وهو يقول:
لا عهد لي بغارةٍ كالسيل
…
لا ينجلي قتامها (1) لليل وجاءه حجر من ناحية الصفا فوقع بين عينيه، فنكس رأسه وهو يقول:
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
…
ولكن على أقدامنا تقطر الدما ثم اجتمعوا عليه فلم يزالوا يضربونه حتى قتل. ولما قتل كبر أهل الشام فقال ابن عمر: المكبرون عليه يوم ولد خير من المكبرين (2) عليه يوم قتل. وقتل
(1) ص: قياسها.
(2)
ص: المكبرون.
معه مائة وأربعون رجلاً منهم من سال دمه في جوف الكعبة.
قال ابن عبد البر: رحل عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان فسأله في إنزاله من الخشبة، فأمر بإنزاله.
قال ابن مليكة: كنت ممن تولى غسله، فجعلنا لا نتناول عضواً إلا جاء معنا فنغسله ثم نضعه في أكفانه ونتناول العضو الذي يليه فنغسله ونضعه في أكفانه (1) حتى فرغنا منه، فقامت أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق فصلت عليه، وكانت قبل ذلك تقول: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بجثته، فما أتى عليها بعد ذلك جمعة حتى ماتت.
ويقال إنه لما جيء به إليها وضعته في حجرها فحاضت ودر ثديها.
وقيل إن الحجاج حلف أن لا ينزله من الخشبة حتى تشفع فيه أمه، فبقي سنة، ثم مرت تحته فقالت: أما آن لهذا الراكب أن ينزل، فيقال إن هذا الكلام قيل للحجاج إن معناه شفاعة فيه، فأنزله.
وكان قتله سنة ثلاث وسبعين للهجرة.
ويقال إن الحجاج ورد عليه كتاب عبد الملك بن مروان قبل قتل ابن الزبير: أعط ابن الزبير الأمان، وحكمه في الولاية، واستنزله عن الخلافة، فشاور ابن الزبير أصحابه فأشاروا عليه بأن يفعل، فقال: لا خلعها إلا الموت، ثم قال:
الموت أكرم من إعطاء منقصةٍ
…
إن لم نمت عبطة فالغاية الهرم
اصبر فكل فتىً لا بد مخترم
…
والموت أسهل مما أملت جشم
(1) ما بين معقفين لم يرد في ص.