الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكانت قواعد الخلافة في أيامه باهرة والحرمة وافرة، وكان محباً للعلوم مكرماً لأهلها، وله شعر منه:
أردت صفاء العيش مع من أحبه
…
فحاولني عما أريد مريد
وما اخترت بت الشمل بعد اجتماعه
…
ولكنه مهما يريد (1) أريد وله أيضاً:
أما والذي لو شاء غير ما بنا
…
فأهوى بقومٍ في الثريا إلى الثرى
وبدلنا من ظلمة الجور بعدما
…
دجا ليلها صبحاً من العدل مسفرا وكانت خلافته عشرين سنة وأشهراً (2) ، وأمه أم ولد، كان أبيض أشهل، رحمه الله.
232 -
(3)
الخفاجي
عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان، أبو محمد الشاعر الأديب؛ أخذ الأدب عن أبي العلاء المعري وأبي نصر المنازي، وتوفي بقلعة عزاز مسموماً، وحمل إلى حلب، وصلى عليه الأمير محمود بن صالح، وكانت وفاته في سنة ست وستين وأربعمائة. وكان يرى رأي الشيعة الامامية، وكان قد عصى بقلعة عزاز من أعمال حلب، وكان بينه وبين أبي نصر ابن النحاس الوزير لمحمود بن صالح مودة مؤكدة، فأمر محمود أبا نصر ابن النحاس أن يكتب إلى الخفاجي كتاباً يستعطفه
(1) ص: تريد.
(2)
ص: واشهر.
(3)
الزركشي: 154 والنجوم الزاهرة 5: 96 واللباب (الخفاجي) ودمية القصر 1: 142.
ويؤنسه، وقال: إنه لا يؤمن إلا إليك ولا يثق إلا بك، فكتب إليه كتاباً، فلما فرغ منه وكتب إن شاء الله تعالى شدد النون من إن، فلما قرأه الخفاجي خرج من عزاز قاصداً (1) حلب، فلما كان في الطريق أعاد النظر في الكتاب، فلما رأى التشديد على النون أمسك رأس فرسه، وفكر في نفسه، وان ابن النحاس (2) لم يكتب هذا عبثاً، فلاح له أنه أراد " إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك " القصص: فعاد إلى عزاز، وكتب الجواب أنا الخادم المعترف بالأنعام، وكسر الألف من انا وشدد النون وفتحها، فلما وقف أبو نصر على ذلك سر به وعلم انه قصد به " إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها " المائدة: وكتب الجواب يستصوب رأيه، فكتب إليه الخفاجي:
خف من أمنت ولا تركن إلى أحدٍ
…
فما نصحتك إلا بعد تجريب
إن كانت الترك فيهم غير وافيةٍ
…
فما تزيد على غدر الأعاريب
تمسكوا بوصايا اللؤم بينهم
…
وكاد أن يدرسوها في المحاريب واستدعى محمود بأبي نصر ابن النحاس وقال له: أنت أشرت علي بتولية الخفاجي وما أعرفه إلا منك، ومتى لم تفرغ بالي منه قتلتك وألحقت بك جميع من بينك وبينه (3) صلة وحرمة، قال: مرني بأمر أمتثله، قال: تمضي إليه وصحبتك ثلاثون فارساً، فإذا قاربته (4) عرفه بحضورك فإنه يلتقيك، فإذا حضرك وسألك النزول عنده والأكل معه فامتنع وقل (5) له: إني حلفتك أن لا تاكل زاده، ولا تحضر مجلسه حتى يطيعك في الحضور عندي، وطاوله في الحديث حتى يقارب الظهر، ثم ادع أنك جعت وأخرج هذه الخشكنانجتين،
(1) ص: قاصد.
(2)
ص: النجار.
(3)
سقطت من ص.
(4)
ص: رايته.
(5)
ص: وقول.
فكل أنت هذه واطعمه هذه، فإذا استوفى أكلها فعجل الحضور إلي فإن منيته فيها، ففعل ما أمره به، ولما أكلها الخفاجي رجع أبو نصر إلى حلب ورجع الخفاجي إلى عزاز، ولما استقر بها وجد مغصاً شديداً ورعدة مزعجة، وقال: قتلني والله أخي أبو نصر، ثم أمر بالركوب خلفه ورده، ففاتهم، ووصل إلى حلب، وأصبح من الغد عند محمود فجاءه من اعزاز من أخبره أن الخفاجي في السياق ومات وحمل إلى حلب. وللخفاجي من المصنفات كتاب سر الفصاحة. كتاب الصرفة. كتاب الحكم بين النظم والنثر صغير. كتاب عبارة المتكلمين في أصول الدين. كتاب في رؤية الهلال. كتاب حكم منثورة. كتاب العروض مجدول (1) .
ومن شعره رحمه الله تعالى:
وقالوا قد تغيرت الليالي
…
وضيعت المنازل والحقوق
فأقسم ما استجد الدهر خلقاً
…
ولا عدوانه إلا عتيق
أليس يرد عن فدكٍ علي
…
ويملك أكثر الدنيا عتيق وله أيضاً:
بقيت وقد شطت بكم غربة النوى
…
وما كنت أخشى أنني بعدكم أبقى
وعلمتموني كيف أصبر عنكم
…
وأطلب من رق الغرام بكم عتقا
فما قلت يوماً للبكاء عليكم
…
رويداً ولا للشوق بعدكم رفقا
وما الحب إلا أن أعد قبيحكم
…
إلي جميلاً والقلى منكم عشقا وقال:
هل تسمعون شكايةً من عاتب
…
أو تقبلون إنابةً من تائب
أم كل ما يتلو الصديق عليكم
…
في جانبٍ وقلوبكم في جانب
(1) وللخفاجي.. مجدول: سقط من المطبوعة.
أما الوشاة فقد أصابوا عندكم
…
سوقاً ينفق كل قولٍ كاذب
فمللتم من صابرٍ ورقدتم
…
عن ساهرٍ وزهدتم في راغب
وأقل ما حكم الملال عليكم
…
سوء القلى وسماع قول العاتب وقال:
ما على محسنكم لو أحسنا
…
إنما نطلب شيئاً هينا
قد شجانا اليأس من بعدكم
…
فأدركونا بأحاديث المنى
وعدوا بالوصل من طيفكم
…
مقلةً تعرف (1) فيكم وسنا
لا وسحرٍ بين أجفانكم
…
فتن الحب به من فتنا
وحديثٍ من مواعيدكم
…
تحسد العين عليه الأذنا
ما رحلت العيس عن أرضكم
…
فرأت عيناي شيئاً حسنا وقال من أبيات (2) :
وعلى الغضا إن كنت من جيرانه
…
نار تقسم حرها العشاق
ومحلأون عن المناهل بعدما
…
شرقت بجمة مائها الطراق
ومشتت العزمات ينفق عمره
…
حيران لا ظفر ولا إخفاق
أمل يلوح اليأس في أثنائه
…
وغنىً يشف وراءه الإملاق
يمري غفافه ثروةٍ لو أنها
…
نوم لما شعرت به الأحداق وقال أيضاً:
سلا (3) ظبية الوعساء هل فقدت خشفا
…
فإنا لمحنا (4) من مرابعها طرفا
وقولا لخوط البان فليمسك الصبا
…
عليها فإنا قد عرفنا بها عرفا
(1) في المطبوعة: تنكر؛ وهي أجود.
(2)
لم ترد في المطبوعة.
(3)
ص: سلوا.
(4)
ص: المنحني.
سرت من هضاب (1) الشام وهي مريضة
…
فما ظهرت إلا وقد كاد أن تخفى
عليلة أنفاس تداوى بها الجوى
…
وضعفى ولكن قد وجدنا بها ضعفا
وهاتفة في البان تملي غرامها
…
وتتلو علينا من صبابتها صحفا
عجبت لها تشكو الفراق جهالةً
…
وقد جاوبت من كل ناحيةٍ إلفا
ويشجي قلوب العاشقين حنينها
…
وما فهموا مما تغنت به حرفا
ولو صدقت فيما تقول من الأسى
…
لما لبست طوقاً ولا خضبت كفا
أجارتنا أذكرت من كان ناسياً
…
وأضرمت ناراً للصبابة لا تطفا
وفي جانب الماء الذي تردينه
…
مواعيد لا ينكرن لياً ولا خلفا
ومهزوزة للبان فيها تمايل
…
جعلن لها في كل قافية وصفا
لبسنا عليها بالثنية ليلةً
…
من السود لم يطو الصباح لها سجفا
لعمري لئن طالت علينا فإننا
…
بحكم الثريا قد قطعنا لها كفا
رمينا بها في الغرب وهي ضعيفة
…
ولم نبق للجوزاء عقداً ولا شنقا
كأن الدجى لما تولت نجومه
…
مدبر حربٍ قد هزمنا له صفا
كأن عليه للمجرة روضةً
…
مفتحة الأنوار أو نثرةً زغفا
كأنا وقد ألقى إلينا هلاله
…
سلبناه جاماً أو فصمنا له وقفا
كأن السها إنسان عينٍ غريقةٍ
…
من الدمع يبدو كلما ذرفت ذرفا
كأن سهيلاً فارس (2) عاين الوغى
…
ففر ولم يشهد طراداً ولا زحفا
كان سنا المريخ شعلة قابسٍ
…
تخطفها عجلان يقذفها قذفا
كأن أفول النسر طرف تعلقت
…
به سنة ما هب منها ولا أغفى
(1) ص: هضام.
(2)
ص: فارساً.