الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زانه نائل وحلم وعدل
…
ووفاء جم ورفق وأون
أنا في ربعه الخصيب مقيم
…
لي من جوده لباس ومون
لا أزال الإله عنه نعيماً
…
وسروراً ما دام للخلق كون 325 (1)
عروة بن حزام
عروة بن حزام العذري، أحد متيمي العرب ومن قتله الغرام، ومات عشقاً في حدود الثلاثين للهجرة في خلافة عثمان رضي الله عنه، وهو صاحب عفراء التي كان يهواها، وكانت ترباً له يلعبان معاً، فألف كل واحد منهما بصاحبه، وكان عمه عقال يقول لعروة: أبشر فإن عفراء امرأتك إن شاء الله تعالى، فلم يزالا إلى أن التحق عروة بالرجال وعفراء بالنساء، وكان عروة قد رحل إلى عم له باليمن ليطلب منه ما يمهر به عفراء لأن أمها سامته كثيراً في مهرها، فنزل بالحي رجل ذو يسار ومالٍ من بني أمية فرأى عفراء فأعجبته، فبذل لها كثيراً (2) من المال، فلم تزل أمها بأبيها إلى أن زوجها منه، فلما أهديت إليه قالت:
يا عرو إن الحي قد نقضوا
…
عهد الإله وحالفوا الغدرا وارتحل الأموي بعفراء إلى الشام، وعمد أبو عفراء إلى قبر فجدده وسواه وسأل أهل الحي كتمان أمرها، ثم وفد عروة بعد أيام فنعاها أبوها إليه، وذهب به إلى ذلك القبر، وبقي مدة يختلف إليه، فأتته جارية من الحي فأخبرته بالقصة
(1) الشعر والشعراء: 519 والأغاني 23: 300 وذيل الأمالي 3: 37 والخزانة 1: 533 ومواضع متفرقة من مصارع العشاق؛ وقد جمع شعره الدكتوران: إبراهيم السامرائي وأحمد مطلوب (مجلة كلية الآداب - جامعة بغداد، العدد الرابع 1961) .
(2)
ص: كثير.
فرحل الرجل إلى الشام وقصد الرجل وانتسب له في عدنان فأكرمه، وبقي عنده أياماً (1)، فقال لجارية عفراء: هل لك في يد تولينيها؟ قالت: وما هي؟ قال: هذا الخاتم تدفعينه (2) إلى مولاتك، فأبت عليه، فعرفها وقال: اطرحي هذا الخاتم في صبوحها فإن أنكرته قولي: إن ضيفك اصطبح قبلك، ووقع من يده، فلما فعلت الجارية ذلك عرفت عفراء الخبر، فقالت لزوجها: إن ضيفك ابن عمي، فجمع بينهما وخرج وتركهما وأوقف من يسمع ما يقولانه، فتشاكيا وتباكيا طويلاً، ثم أتته بشراب وسألته أن يشربه فقال: والله ما دخل جوفي حرام قط ولا ارتكبته وأنت حظي من الدنيا، وقد ذهبت مني وذهبت منك فما أعيش بعدك، وقد أجمل هذا الرجل الكريم وأنا مستحي منه ولا أقيم بمكانه بعد علمه بي، وإني لأعلم أني أرحل إلى منيتي، ثم بكى ويكت، وجاء زوجها فأخبره الخادم بما جرى بينهما فقال لها: يا عفراء امنعي ابن عمك من الرحيل، قالت: لا يمتنع، فدعاه وقال: يا أخي اتق الله في نفسك فقد عرفت خبرك، وإن رحلت تلفت، ووالله ما أمنعك من الاجتماع بها أبداً، وإن شئت فارقتها، فجزاه خيراً وقال: كان الطمع فيها آفتي، والآن فقد صبرت نفسي ويئست منها، واليأس يسلي، ولي أمور ولا بد من الرجوع إليها، فإن وجدت بي قوة لذلك، وإلا عدت إليكم وزرتكم حتى يقضي الله في أمري ما يشاء، فزوده وأكرموه، وأعطته عفراء خماراً لها، فلما سار عنها نكس بعد صلاحه وأصابه غشي وخفقان، وكان كلما أغمي عليه ألقى عليه غلامه ذلك الخمار فيفيق، فلقيه في الطريق ابن مكحول عراف اليمامة، فجلس عنده وسأله عما به، وهل هو خبل أم جنون؟ فقال له عروة: ألك علم بالأوجاع؟ قال: نعم، فأنشأ عروة يقول (3) :
أقول لعراف اليمامة داوني
…
فإنك إن داويتني لطبيب
(1) ص: أيام.
(2)
ص: تدفعيه.
(3)
ديوانه: 29.
فوا كبدا أمست رفاتاً كأنما
…
يلذعها بالموقدات لهيب
عشية لا عفراء منك قريبة
…
فتسلو ولا السلوان منك قريب
فوالله ما أنساك ما هبت الصبا
…
وما أعقبتها في الرياح جنوب
عشية لا خلفي مكر ولا الهوى
…
أمامي ولا يهوى هواي غريب
وإني لتغشاني لذكراك فترة
…
كأن لها بين الضلوع دبيب قال الأخباريون: ومات في سفرته تلك قبل أن يصل إلى حيه بثلاث ليال، وبلغ عفراء خبره فجزعت جزعاً شديداً، وقالت ترثيه:
ألا أيها الركب المخبون ويحكم
…
أحقاً نعيتم عروة بن حزام
فلا يهنأ الفتيان بعدك لذة
…
ولا رجعوا من غيبةٍ بسلام
وقل للحبالى لا يرجين غائباً
…
ولا فرحاتٍ بعده بغلام (1) ولم تزل تنشد الأشعار وتندبه وتبكيه إلى أن ماتت بعده بأيام قلائل.
وعن أبي صالح قال: كنت مع ابن عباس يعرفه، فأتاه فتيان يحملون فتى لم يبق إلا خياله، فقالوا: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع الله تعالى له، قال: وما به؟ فقال الفتى (2) :
بنا من جوى الأحزان في الصدر لوعة
…
تكاد لها نفس الشفيق تذوب
ولكنما أبقى حشاشة معولٍ
…
على ما به عود هناك صليب قال: ثم خفت في أيديهم فإذا هو قد مات، فما رأيت ابن عباس سأل الله تعالى في عيشته إلا العافية مما ابتلي به ذلك الفتى، قال: وسألت عنه فقيل لي: هذا عروة بن حزام.
(1)
روايته في الديوان: 37 - 38: فلا وضعت أنثى تماماً بمثله
…
ولا فرحت من بعده بغلام وقد سقط البيت من المطبوعة. (2) الديوان: 31.
ومن شعر عروة (1) :
خليلي من عليا هلال بن عامر
…
بصنعاء عوجا اليوم وانتظراني
ولا تزهدا في الأجر (2) عندي وأجملا
…
فإنكما بي اليوم مبتليان
ألما عن عفراء إنكما غداً
…
بوشك النوى والبين معترفان
فيا واشيي عفراء ويحكما بمن
…
ومن وإلى من جئتما تشيان
بمن لو أراه (3) عانياً لفديته
…
ومن لو رآني عانياً لفداني
متى تكشفا عني القميص تبينا
…
بي السقم من عفراء يا فتيان
فقد تركتني لا أعي لمحدثٍ
…
حديثاً وإن ناجيته ودعاني
جعلت لعراف اليمامة حكمه
…
وعراف نجدٍ إن هما شفياني
فما تركا من حيلةٍ يعلمانها
…
ولا شربة إلا وقد سقياني
ورشا على وجهي من الماء ساعةً
…
وقاما مع العواد يبتدران
وقالا: شفاك الله، والله ما لنا
…
بما ضمنت منك الضلوع يدان
فويل على عفراء ويل كأنه
…
على الصدر والأحشاء حد سنان
أحب ابنة العذري حباً وإن نأت
…
ودانيت منها حيثما تريان
إذا رام قلبي هجرها حال دونه
…
شفيعان من قلبي لها جدلان (4)
إذا قلت لا قالا بلى ثم أصبحا
…
جميعاً على الرأي الذي يريان
تحملت من عفراء ما ليس لي به
…
ولا للجبال الراسيات يدان
فيا رب أنت المستعان على الذي
…
تحملت من عفراء منذ زمان
كأن قطاةً علقت بجناحها
…
على كبدي من شدة الخفقان
(1) الديوان: 9 وما بعدها.
(2)
الديوان: الذخر.
(3)
ص: أراني.
(4)
ص: شقيقان
…
خدلان.