الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عسى غداة اللقاء أمسي
…
قد ضمنا فيه موضع
وانهب العيش من زماني
…
بالضم من ذلك القوام
وأبلغ القصد والأماني
…
بلثم ما قد حوى اللثام
مالي عذول عليه لكن
…
لسوء حظي له رقيب
يكون في أبعد الأماكن
…
تلقاه من جمعنا قريب
وفي فؤادي هواه ساكن
…
وما لدائي به طبيب
في حسنه كامل المعاني
…
كأنه البدر في التمام
وإنما نقصه اعتراني
…
وذاب قلبي من الغرام
إذا تخلصت من غرامي
…
أتوب منه ولا أعود
ولا أقاسي على الدوام
…
من لم يزل ينقض العهود
أجفان عيني به دوامي
…
من طول ما يخلف الوعود
أراه بالطيف إن أتاني
…
وليس في وصله مرام
وعن كلامي به تواني
…
حتى ولا لفظة السلام رحمه الله تعالى وتجاوز عنا وعنه وعن جميع لمسلمين آمين يا رب العالمين.
226 -
(1)
جمال الدين بن غانم
عبد الله بن علي بن محمد بن سليمان بن حمائل، جمال الدين بن الشيخ علاء الدين بن غانم، الكاتب الناظم الناثر الفاضل المترسل؛ كان شاباً حسن
(1) الزركشي: 153 والدرر الكامنة 2: 282.
الشكل مليح الوجه، جيد الكتابة في الدرج، مع قوة وأصالة وتسرع في الإنشاء، يكتب من رأس قلمه، وله غوص في نثره ونظمه.
مولده في شوال سنة إحدى عشرة وسبعمائة. وتوفي في آخر شوال سنة أربع وأربعين وسبعمائة، رحم الله تعالى شبابه، ويسر حسابه، مرض في مدة عمره مرضاً حاداً مرة ونجاه الله تعالى منه، ثم إنه حصلت له سعلة قرحت منها قصبة الرئة، وبقي متمرضاً من ذلك، يصح آونة ويعتل أخرى، إلى أن قضى نحبه.
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي - حرسه (1) الله تعالى - يرثيه:
تبكي الطروس عليك والأقلام
…
وينوح فيك على الغصون حمام
يا من حواه اللحد غصناً يانعاً
…
وكذا كسوف البدر وهو تمام
يا وحشة الديوان منك إذا غدت
…
فيه مهمات البريد ترام
من ذا يوفيها مقاصدها على
…
ما يقتضيه النقض والإبرام
هيهات كنت له جمالاً باهراً
…
فعليه بعدك وحشة وظلام
أسفي على الإنشاء وهو بجلقٍ
…
نشاؤه قد مات والنظام
كم من كتابٍ سار عنك كأنه
…
برد أجاد طرازه الرقام
إن كان في شر فقد رد الردى
…
وبه ترفه ذابل وحسام
لم لا يرد البأس ما ألفاته
…
مثل القنا واللام منه لام
أو كان في خير فكل كلامه
…
در يؤلف بينهن نظام
وكأنما تلك السطور إذا بدت
…
كأس ترشف راحها الأفهام
يهتز عطف أولي النهى لبيانه
…
فكأن هاتيك الحروف مدام
كم فيه وجه سافر مثل الضحى
…
وعليه من ليل السطور لثام
ولكم كتبت مطالعاتٍ خدها
…
قانٍ وثغر فصولها بسام
(1) في المطبوعة: رحمه؛ وأصلحته بحسب ما جرى عليه المؤلف من قبل.
وكأنما ألفاتها قضب اللوى
…
وكأنما همزاتهن حمام
صلى وراءك كل من عاصرته
…
علماً بأنك في البيان إمام
وكأن قبرك للعيون إذا بدا
…
قصر عليه تحية وسلام (1)
لما تغيب في التراب جمالهم
…
قعدوا لهولٍ عاينوه وقاموا
ما كنت إلا فارس الكتب التي
…
فيها تعرق صنعها الأقلام
ما محنة نزلت بعترة غانمٍ
…
هانوا وهم في العالمين كرام
يا قبره لا تنتظر سقيا الحيا
…
حزني ودمعي بارق وغمام
لي فيك خل كم قطعت بقربه
…
أيام أنسٍ والخطوب نيام
لذت فلذت بظلها فكأنها
…
لقياد لذات الزمان زمام
أسفي على صحب مضى عمري بهم
…
وصفت بقربي منهم الأيام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها
…
فكأننا وكأنهم أحلام (2)
بالرغم مني أن أفارق صاحباً
…
لي بعده ضر النوى وغرام
يا من تقدمني وسار لغايةٍ
…
لابد لي منها وذاك لزام
قد كنت أحسبه يرثيني فقد
…
عكست قضيته معي الأحكام
أنا ما أراك على الصراط لأنه
…
بيني وبينك في الأنام زحام
إذ قد سبقت خفيف ظهرٍ لا كمن
…
قد قيدت خطواته الآثام
فاز المخف وقد تقدم سابقاً
…
وشفيعه لإلهه الإسلام
فاذهب فأنت وديعة الرحمن لي
…
يلقاك منه البر والإكرام
ويجود قبرك منه غيث سماحةٍ
…
بالعفو صيب ودقها سجام
ولقد قضيتك حق ودك بالرثا
…
والحر من يرعى لديه ذمام
خلقتني رهن التندم والأسى
…
تعتادني الأحزان والآلام
(1) صدر بيت لأشجع السلمي، وتمامه ((خلعت عليه جمالها الأيام)) .
(2)
من شعر أبي تمام.
ومن شعر جمال الدين المذكور، ما كتبه إلى الشيخ صلاح الدين الصفدي وهو بالديار المصرية:
ذكرت قلبي حين شط مزارهم
…
بهم فناب عن الهوى تذكارهم
وبكى فؤادي وهو منزل حبهم
…
وأحق من تبكي الأحبة دارهم
وبجلق الجفن الهمول كأنما
…
لمحته عند مرورهم أنوارهم
تذري الدموع عليهم وكأنهم
…
زهر الربى وكأنها أمطارهم
وبكين من حالي العواذل رحمةً
…
لما بكيت وما الأنين شعارهم
ويح المحبين الذين بودهم
…
قرب المزار ولو نأت أقطارهم
فقدوا خليلهم الحبيب فأذكيت
…
بالشوق ما بين الأضالع نارهم
مولىً تقلص ظل أنسٍ منه عن
…
أصحابه فاستوحشت أفكارهم
كم راقهم يوماً برؤية وجهه
…
ما لا يروقهم له دينارهم
ولكم بدت أسماعهم في حليةٍ
…
من لفظه وكذا غدت أبصارهم
كانوا بصحبته اللذيذة رتعاً
…
بمسرةٍ ملئت بها أعشارهم
يتنافسون على دنو مزاره
…
وكأنما بلقاه كان فخارهم
لا غيب الرحمن رؤية وجهه
…
عن عاشقيه فإنها أوطارهم
وجلا ظلام بلادهم من نوره
…
فلقد تساوى ليلهم ونهارهم فكتب الشيخ صلاح الدين إليه الجواب:
أفدي الذين إذا تناءت دارهم
…
أدناهم من دارهم تذكارهم
في جلق الفيحاء منزلهم وفي
…
مصرٍ بقلب الصب تضرم نارهم
قوم بذكرهم الندامى أعرضوا
…
عن كأسهم وكفتهم أخبارهم
وإذا الثناء على محاسنهم أتى
…
طربوا له وتعطلت أوتارهم
وإذا هم نظروا بحسن وجوههم
…
لم تبق أنجمهم ولا أقمارهم
فهم النجوم إذا ادلهم ظلامهم
…
وهم الشموس إذا استنار نهارهم
دنت النجوم تواضعاً لمحلهم
…
وترفعت من فوقها أقدارهم
وبكفهم وبوجههم كم قد همت
…
أنواؤهم وتوقدت أنوارهم
أهدى جمالهم إلي تحيةً
…
منها يدار على الأنام عقارهم
لك يا جمال الدين سبق في الوفا
…
حتى تقر لصفوه أكدارهم
يا ابن الكرام الكاتبين فشأنهم
…
صدق المودة والوفا شعارهم
قوم إذا جاءوا إلى شأو العلا
…
سبقوا إليه ولم يشق غبارهم
صانوا وزانوا باليراع ملوكهم
…
أسوارهم من كتبهم وسوارهم
ما مثلهم في جودهم فلذاك قد
…
عزت نظائرهم وهان نضارهم
فتعلم الشيمات من أخلاقهم
…
وتذوب عن زهر الربى أشعارهم
وحماهم يحمي النزيل بربعه
…
من جور ما يخشى ويرعى جارهم
بالرغم مني أن بعدت ولم أجد
…
ظلاً تفيئه علي ديارهم
لو كان يمكنني وما أحلى المنى
…
ما غاب عني شخصهم ومزارهم
ويح النوى شمل الأحبة فرقت
…
فمتى يفك من البعاد إسارهم واجتمع يوماً هو وجمال الدين ابن نباتة في غياض السفرجل فقال جمال الدين بن نباتة:
قد أشبه الحمام منزل لهونا
…
فالماء يسخن والأزاهر تحلق
فلذاك جسمي منشد ومصحف
…
عرق على عرقٍ ومثلي يعرق فقال جمال الدين بن غانم:
ما أشبه الحمام منزل لهونا
…
إلا لمعنى راق فيه المنطق
فالدوح مثل قبابه والزهر كال
…
جامات فيه وماؤه يتدفق