الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
154 -
(1)
رتن الهندي
قال الشيخ علاء الدين علي بن المظفر الكندي، حدثنا القاضي الأجل العالم جلال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن إبراهيم الكاتب من لفظه بدمشق بدار السعادة سنة إحدى عشرة وسبعمائة قال: أخبرنا قاضي القضاة نور الدين أبو الحسن علي بن أبي عبد الله محمد الحسين الحسيني الأثري الحنفي من لفظه عام إحدى وسبعمائة بالقاهرة، قال: أخبرني جدي الحسين بن محمد قال: كنت في زمن الصبا - وأنا ابن سبع عشرة سنة (2) أو ثمان عشرة - قد سافرت مع عمي من خراسان إلى بلد الهند في تجارة، فلما بلغنا أوائل بلاد الهند وصلنا إلى ضيعة من ضياع الهند، فعرج أهل القفل نحو الضيعة ونزلوا بها وضج أهل القافلة، فسألنا عن الخبر فقالوا: هذه ضيعة الشيخ رتن المعمر، فلما نزلنا الضيعة رأينا شجرةً عظيمة تظل خلقاً كثيراً (3) ، وتحتها جمع عظيم من أهل الضيعة، فتبادروا الكل نحو الشجرة ونحن معهم، فرأينا زنبيلاً عظيماً معلقاً في بعض أغصان الشجرة، فسألنا عن ذلك فقالوا: هذا الزنبيل فيه الشيخ رتن الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم وما يروى عنه، فتقدم شيخ من أهل الضيعة إلى الزنبيل، وكان ببكرة، فأنزله وإذا هو مملوء (4) قطناً، والشيخ في وسط القطن، ففتح رأس الزنبيل، وإذا بالشيخ فيه كالفرخ، فوضع فمه على أذنه وقال: يا جداه، هؤلاء قوم قدموا من خراسان، وفيهم شرفاً من أولاد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سألوا أن
(1) الإصابة 2: 225 - 232 ولسان الميزان 2: 450 وميزان الاعتدال 2: 45.
(2)
ص: أحد عشر؛ سبع عشر؛ ثمان عشر.
(3)
ص: خلق كثير.
(4)
ص: مملوأ
تحدثهم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماذا قال لك؛ فعندها تنفس الشيخ وتكلم بصوت كصوت النحل بالفارسية، ونحن نسمع ونفهم كلامه، فقال: سافرت مع أبي وأنا شاب من هذه البلاد إلى الحجاز في تجارة، فلما بلغنا بعض أودية مكة، وكان المطر قد ملأ الأودية بالسيل، فرأيت غلاماً أسمر اللون حسن الكون رائع الجمال وهو يرعى إبلاً في تلك الأودية، وقد حال السيل بينه وبين إبله، وهو يخشى من خوض السيل لقوته، فعلمت حاله فأتيت إليه وحملته وخضت به السيل إلى عند إبله، فلما وضعته عند إبله نظر إلي وقال لي بالعربية: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، فتركته ومضيت إلى سبيلي، إلى أن دخلنا مكة وقضينا ما كنا أتينا له من أمر التجارة وعدنا إلى الوطن، فلما تطاولت المدة على ذلك كنا جلوساً في فناء ضيعتنا هذه، وكانت ليلة البدر، فنظرنا إليه وقد انشق نصفين، فغرب نصف في المشرق ونصف في المغرب، ساعة زمانية، وأظلم الليل، ثم طلع النصف من المشرق والنصف الآخر من المغرب، وسارا إلى أن التقيا في وسط السماء كما كان أول مرة، فعجبنا من ذلك غاية العجب، ولم نعرف لذلك سبباً، وسألنا الركبان عن خبر ذلك، فأخبرونا أن رجلاً هاشمياً ظهر بمكة، وادعى أنه رسول الله تعالى إلى كافة الخلق، وأن أهل مكة سألوه معجزة كمعجزة سائر الأنبياء، وأنهم اقترحوا عليه أن يأمر القمر فينشق في السماء ويغرب نصفه في الغرب ونصفه في الشرق ثم يعود إلى ما كان عليه، ففعل ذلك بقدرة الله تعالى، فلما سمعنا ذلك من السفار اشتقت إلى أن أراه، فتجهزت في تجارة وسافرت إلى أن دخلت مكة، وسألت عن الرجل الموصوف فدلوني عليه، فأتيت إلى منزله واستأذنت عليه، فأذن لي فدخلت عليه، فوجدته جالساً في صدر المنزل، والأنوار تتلألأ في وجهه، وقد استنارت محاسنه وتغيرت صفاته التي كنت أعهدها في السفرة الأولى، فلم أعرفه، فلما سلمت عليه رد علي السلام وتبسم في وجهي وقال: ادن مني، وكان بين يديه طبق فيه رطب، وحوله جماعة من أصحابه
كالنجوم يعظمونه ويبجلونه، فقال كل من هذا الرطب، فجلست وأكلت معه من الرطب، وناولني بيده المباركة ست رطبات من سوى ما أكلت بيدي، ثم نظر إلي وتبسم وقال لي: ألم تعرفني؟ فقلت: كأني غير أني ما أتحقق، فقال: ألم تحملني في عام كذا وجاوزت بي السيل حين حال السيل بيني وبين إبلي؟ قال: فعند ذلك عرفته بالعلامة وقلت: بلى والله يا صبيح الوجه، فقال امدد إلي يدك، فمددت يدي اليمنى فصافحني وقال لي: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقلت كذا كما علمني، فسر بذلك وقال لي عند خروجي من عنده بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، فودعته وأنا مستبشر بلقائه وبالإسلام، فاستجاب الله تعالى دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم وبارك في عمري بكل دعوة مائة سنة، وها عمري اليوم نيف وستمائة سنة، وجميع من في هذه الضيعة العظيمة أولاد أولادي وأولادهم، وفتح الله علي وعليهم بكل خير وبكل نعمة ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وذكر عبد الرحمن القارئ الصوفي أنه توفي في حدود سنة اثنتين وثلاثين وستمائة.
وذكر النجيب عبد الوهاب أنه سمع من الشيخ محمود خادم رتن وأنه بقي إلى سنة تسع وسبعمائة وأنه قدم عليهم شيراز، وذكر أنه ابن مائة وست (1) وسبعين سنة، وأنه تأهل ورزق أولاداً (2) .
قال الشيخ شمس الدين الذهبي رحمه الله تعالى: من صدق بهذه الأعجوبة وآمن ببقاء رتن فما لنا فيه طب، وليعلم أني أول من كذب بذلك، وهذا شيخ مفترٍ (3) دجال، كذب كذبة ضخمة لكي تنصلح خابية الصباغ وأتى بفضيحة كبيرة، قاتله الله تعالى أنى يؤفك؛ وقد أفردت جزءاً فيه أخبار هذا الضال، وسميته كسر وثن رتن.
وقال الشيخ علم الدين البرزالي: هو من أحاديث الطرقية (4) .
(1) ص: وستة.
(2)
ص: أولاد.
(3)
ص: معثر.
(4)
الطرقية: المشعوذون المحتالون الذين يبيعون الأدوية في الأماكن العامة (ملحق ذوزي) .
فراغ