الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والطب وأصول الدين والفقه.
وحكى بعض الذين باشروه أنه لما أرموه في تلك الهوة تحطم في نزوله، وكأنه تعلق في بعض جوانبها بثيابه، فبقينا نسمع أنينه نحو ثلاثة أيام، وكلما مر يوم يضعف ويخفى حتى تحققنا موته ورجعنا عنه، نسأل الله تعالى حسن العاقبة.
289 -
(1)
شيخ الشيوخ عبد العزيز
عبد العزيز بن محمد بن عبد (2) المحسن بن محمد بن منصور بن خلف، الإمام العلامة الأديب الشاعر، شيخ الشيوخ شرف الدين ابن القاضي أبي عبد الله الأنصاري الأوسي الدمشقي الشافعي الحموي الصاحب، ابن قاضي حماة؛ ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة بدمشق، وتوفي سنة اثنتين وستين وستمائة. رحل به والده وسمعه جزء ابن عرفة من ابن كليب، وسمعه المسند كله من عبيد الله بن أبي المجد الحربي، وقرأ كثيراً من كتب الأدب على الكندي، وسمع من جماعة، وبرع في العلم والأدب، وكان من الأذكياء المعدودين (3) ، وله محفوظات كثيرة، وسكن بعلبك مدة، وسكن دمشق مدة ثم سكن حماة، وكان صدراً كبيراً نبيلاً معظماً وافر الحرمة كبير القدر؛ روى عنه الدمياطي وأبو الحسين اليونيني وابن الظاهري وقاضي القضاة بدر
(1) عبر الذهبي 5: 268 والشذرات 5: 309 والنجوم الزاهرة 7: 214 وطبقات السبكي 5: 108 والزركشي: 183 والمؤلف ينقل عن الوافي للصفدي، كما أن ابن تغري بردي أشا إلى أنه أفاض في ترجمته في المنهل الصافي، وانظر عقود الجمان لابن الشعار 4:20.
(2)
عبد: سقطت من ر.
(3)
ص: المعدومين.
الدين ابن جماعة، وجماعة كثيرة.
قال الشيخ صلاح الدين حرسه الله تعالى: لا أعرف في شعراء الشام بعد الخمسمائة وقبلها من نظم أحسن منه ولا أجزل ولا أفصح ولا أصنع ولا أسرى ولا أكثر، فإن له لزوم ما لا يلزم مجلد كبير، وما رأيت له شيئاً العذب واللفظ الفصيح والمعنى البليغ، فمن ذلك قوله:
غدوت فكنت شمسي في صباحي
…
ورحت فكنت بدري في مسائي
وجدتك إذ عدمت وجود نفسي
…
فأهلاً بالفراق وباللقاء
فإن أغفيت كان عليك وقفي
…
أو استيقظت كان بك ابتدائي
فيا سعدي إذا ما دام سكري
…
علي وإن صحوت فيا شقائي
وقلت لصاحبي لما لحاني:
…
عليك بما عناك ولي عنائي
أصمك سوء فهمك عن خطابي
…
وأعماك الضلال عن اهتدائي
وهنت فكنت في عيني صبياً
…
أخاطبه بألفاظ الهجاء
فلو أصبحت ذا حاء وسين
…
لما عنفت في حاء وباء وقال:
ما لم يغير عكسه لفظه
…
مثاله قد نبل البندق
وما إذا صحف معكوسه
…
عاد إلى صيغته فستق وقال:
لائمي في العشق مخطي
…
وعلى العشق محطي
ما لكم يا من لحوني
…
رمتم باللوم صبطي
لا تحطوني إلى أب
…
جد قد جاوزت حطي
كم شرحتم ما أعمي
…
وكشفتم ما أغطي
وتهددتم وقلتم
…
إن أمري ليس يبطي
خبروني هل أخذتم
…
عملي من تحت إبطي
قد تخليت عن العق
…
ل فخلوني وخبطي
شفني أغيد، قلبي
…
منه في قبضٍ وبسط
وحياتي ومماتي
…
في رضىً منه وسخط
ولحاني في هواه
…
كل واهي العقل زطي
يشهر اللحظ يماني (1)
…
ويهز القد خطي
زين الخد بخالٍ
…
وعذارٍ هو شرطي
أبدع الحسن به ما
…
شاء من شكلٍ ونقط
مد أطراف بنانٍ
…
حسنها يقطع وسطي
ثم عاطاني (2) سلافاً
…
مثلها من فيه يعطي
عتقت عند شيوخ
…
من شيوخ الدير شمط
فلها بذلي ومنعي
…
ولها حلي وربطي
خلني أفسد مالي
…
في الذي يصلح (3) خلطي
مذهبي هذا الذي أف
…
تي به صحبي ورهطي
وبه فاشهد على نط
…
قي وخذ إن شئت خطي وقال:
أرقت لبارق مزنٍ أضا
…
على الأثلات بذات الأضا
كما نبض العرق ثم انبرى
…
كإدمان رامٍ إذا أنبضا
(1) ص ر والزركشي: يمان.
(2)
ص والزركشي: أعطاني.
(3)
الزركشي: التي تصلح.
فأذكرني بالغضا جيرةً
…
تولوا وأصليت جمر الغضا
أضاء الدجى لي لما دنوا
…
وبانوا فضاق علي الفضا
وطول في حبهم لائمي
…
فعرض قلبي لما عرضا
رأى النار في كبدي تلتظي
…
وفي جوفه الماء ما خضخضا
بروحي غزال بألحاظه
…
وعود بألحاظنا تقتضي
سقاني من ريقه خمرةً
…
شفاني بها وبها أمرضا
رنا وانثنى فقضى حسنه
…
علي ولي وطر ما انقضى
فمن قده ذابل مشرع
…
ومن لحظه صارم منتضى
أبثك وجداً كساني الضنى
…
فأعجزني السقم أن أنهضا
وعمم فودي بوخط المشيب
…
فسود حالي بما بيضا
بعيني أقيك فنم وداعاً
…
وإن كان جفني ما أغمضا
فزدني صدوداً أزد صبوةً
…
وفي حالة السخط لا في الرضى (1)
أعد نظراً منك في أمر من
…
إليك مقاليده فوضا
وفاض على خده دمعه
…
فذهبه بعدما فضضا
وعاود أطرابه بعد ما
…
نضا من شبيبته ما نضا وقال:
قرأت خط عذاريه فأطمعني
…
بواو عطفٍ ووصلٍ منه عن كثب
وأعربت لي نون الصدغ معجمةً
…
بالحاء عن نجح مقصودي ومطلبي
حتى رنا فسبت قلبي لواحظه
…
" والسيف أصدق أنباء من الكتب " وقال:
حيث ترامت بي الجهات
…
فلي إلى وجهك التفات
(1)
ناظر إلى قول الشاعر: وفي حالة السخط لا في الرضى
…
يبين المحب من المبغض
جيراننا باللوى أجيروا
…
ولهان أودى به الشتات
إليكم هجرتي وقصدي
…
وفيكم الموت والحياة
أمنت أن توحشوا فؤادي
…
فأنسوا مقلتي ولا تو وقال:
نفحات معنبره
…
عن رياضٍ محبره (1)
وغمام معربد
…
ببروقٍ وزمجره
ترك الروض ناظراً (2)
…
بعيونٍ مخضره وقال أيضاً:
كبد تلتظى ودمع غريق
…
هكذا هكذا يكون المشوق
نفسوا عن خناق نفس كئيبٍ
…
كلفت بالغرام ما لا تطيق
ما لنا في الهوى حقوق عليكم
…
بل لكم سادتي علينا الحقوق
مثلكم في جمالكم ليس يلقى
…
وغرامي بغيركم لا يليق
عقني لؤلؤ المدامع فيكم
…
ووفى لي دمع حكاه العقيق
فبعيني أفدي سيوف جفون
…
لدمي من جفون عيني تريق (3)
يا حبيباً له بصدري وداد
…
رحب صدر الفضاء عنه يضيق
دق معناي فيك مذ كنت طفلاً
…
لست أدري بكم يباع الدقيق
إنني رب غلظةٍ لعذولي
…
ولداعي هواك عبد رقيق
بهرت منك مقلتي عين شمس
…
يتهادى بها قضيب وريق
فبتعريق حاجبيك افتتاني
…
كلما ماس قدك الممشوق
وبتعليق ذا العذار اشتغالي
…
عن دروسي والضرب (4) والتعليق
(1) ر: مخبره.
(2)
ر ص: ناظراً.
(3)
ص: بريق.
(4)
ص: والظرب.
وقال:
أفنيت عمري في دهرٍ مكاسبه
…
نطيع أهواءنا فيه وتعصينا
تسعاً وعشرين مد الدهر شقتها
…
حتى توهمتها عشراً وتسعينا وقال:
أكملت ستاً وأربعين بها
…
أخلت همومي من راحتي ربعي
وجزت في السبع خائفاً وجلاً
…
كأنني جائز (1) على السبع وقال:
مررت وبدره في عقربيه
…
فصد فبان لي صدق النجامه
فديتك لو رأيت لهيب قلبي
…
إذن لرحمت دمعي وانسجامه
وخدك في العذار بديع حسنٍ
…
وأحسن منه ساقك في الحجامه وقال:
ست عيونٍ من تأتت له
…
كانت له شافيةً كافيه
العلم والعلياء والعفو وال
…
عزة والعفة والعافية وقال:
سألته من ريقه شربةً
…
أطفي بها من ظمأي (2) حره
فقال أخشى يا شديد الظما
…
أن تتبع الشربة بالجره وقال:
إن قوماً يلحون في حب سعدى
…
" لا يكادون يفقهون حديثا "
سمعوا وصفها ولاموا عليها
…
" أخذوا طيباً وأعطوا خبيثا "
(1) ص ر: جائزاً، وقد وردت صحيحة عند الزركشي.
(2)
الزركشي: ظمأ.
وقال:
زعموا أنني هويت سواكم
…
كذبوا ما عرفت إلا هواكم
قد علمتم بصدق مرسل دمعي
…
فسلوه إن كان قلبي سلاكم
قال لي عذلي متى تبصر الرش
…
د وتسلو فقلت يوم عماكم
حاولوا سلوتي بلومي فأغرو
…
ني فمن ذا بصدكم أغراكم
لا تحيلوا قلبي على حسن صبري
…
أحسن الله في اصطباري عزاكم وقال أيضاً (1) :
شرحت لوجدي في محبتكم صدرا
…
وصبرني صحبي فلم أستطع صبرا
ومن ظن سلواني من البر والتقى
…
فإني إلى الرحمن من ذنبه (2) أبرا
فيا يوسف الحسن الذي مذ علقته
…
بسيارةٍ من فكرتي قلت يا بشرى
لقد حل من قلبي بوادٍ مقدسٍ
…
ليقبس من قلبي الكليم به جمرا
لئن خوفتني من تجنيه عذل
…
فإن مع العسر الذي زعموا يسرا
وقلت لعذالي ألم (3) تعرفوا الهوى
…
لقد جئتم شيئاً بعذلكم نكرا
لعمري لقد طاوعت زائد لوعتي
…
عليكم وما طاوعت زيداً ولا عمرا
شفينا غليل الشوق منه بنزلةٍ
…
فطوبى لمن يحظى به نزلةً أخرى (4)
فلا تعجبوا للسيل والسيف واعجبوا
…
لأجفانه الوسنى ومقلتي العبرى
وإن بان ذلي وانكساري لبينه
…
فمن قيصر عند الوصال ومن كسرى
وأي عذول كان في الحب عاذري
…
فذاك الذي قد يسر الله (5) لليسرى
خليلي ها سقط اللوى قد بدا لنا
…
فلا تقطعاه بل قفا نبك من ذكرى
(1) قال الزركشي: وأنشد لنفسه في ((تذكار الواجد)) يمدح الملك الناصر.
(2)
ص: دونه؛ ر: ذمه؛ والتصويب عن الزركشي.
(3)
ص: إلى كم.
(4)
وقع هذا البيت عند الزركشي بعد قوله ((خليلي ها سقط اللوى)) وهو أكثر ملاءمة للسياق.
(5)
الزركشي: فذلك ممن يسر الله.
بدا فاسترق العالمين جماله
…
فمن أجل هذا جل بالعين أن يشرى
وأذكر آيات الخليل عذاره
…
لجنته الخضراء في ناره الحمرا
تباعد مسرى شامنا من حجازه
…
وقد زارنا ليلاً فسبحان من أسرى وقال أيضاً:
طاوعتكم فعصيتم أمري
…
وحفظتكم فأذعتم سري
وشغلت قلبي واللسان بكم
…
في الحب عن زيد وعن عمرو
لم تخف أشجاني ولا ظهرت
…
فضنيت بين السر والجهر
جودوا على مقدار فضلكم
…
وذروا مكافاتي على قدري
لا تعرضوا عني بلطفكم
…
من ذا بحالي غيركم يدري منها:
ما في صباحي والمساء سناً
…
لولاك يا شمسي ويا بدري
وقف الهوى بي حيث أنت فلي
…
وقفاً (1) عليك مدامع تجري
ذرني ووجدي يا عذول (2) بمن
…
كاونتهم (3) مذ كنت في الذر
أفنيت عمري في محبتهم
…
فلئن سلوتهم فواعمري
إن بيع بالأرواح وصلهم
…
فقد اشتريت بذلك السعر وقال (4) :
لا حظ في الدنيا لمستيقظٍ
…
يلمحها بالفكرة الباصره
إن كدرت مشربه ملها
…
وإن صفت كدرت الآخرة وقال أيضاً:
(1) ص ر: وقف.
(2)
ص ر والزركشي: عذولي.
(3)
ر: كاويتهم؛ وكاونتهم يريد بها أنه كان معهم في وقت واحد.
(4)
لم يرد البيتان في المطبوعة.
خذ في وقارك واتركني ووسواسي
…
فليس في ولهي في الحب من باس
إن أنت لم تقف إثري في الغرام فقف
…
عني لأجري إلى اللذات أفراسي
ولا تقسني على من لا يشاكلني
…
فإن أمري شيء غير منقاس منها:
قضيب آس تبدى مثمراً قمراً
…
وجدي القديم به أطرى من الآس
لها معاطف تغريني برقتها
…
ولينها أن أقاسي قلبها القاسي
باتت موسدةً رأسي على يدها
…
عطفاً وكانت يدي منها على راسي وقال أيضاً:
أأسود غيلٍ أم ظباء كناس
…
هدمت تقاي وأسست وسواسي
وتغزلي من بينها بغزيلٍ
…
خلس النفوس بطرفه الخلاس
أشكو إليه وأين عز جماله
…
من ذلتي وغناه من إفلاسي
ماذا ترى أذنبت في شرع الهوى
…
حتى بليت بكل قلبٍ قاسي
مولاي تذكر إذ زماني (1) قائم
…
فيما أمرت وأنت من جلاسي
حوشيت من نسيان عهدٍ لم يزل
…
ينسيني الإيحاش بالإيناس
ولئن غدرت لقد وفت لك عبرتي
…
والدمع منه خاذل ومواسي
إن لم تزر فإذا مررت فقف بنا
…
ما في وقوفك ساعةً من باس
يا صاح لا تخدع فما لصحاتنا
…
شبه سوى الأموات في الأرماس
فإذا السرور عصى عليك ولم يطع
…
فخذ المدام ودع كلام الناس
لا تكذبن فلست أترك شربها
…
في الدير بين القس والشماس
عنفتني فيما مضى وعذرت (2) إذ
…
نادمتني وشربت فضلة كاسي
وهذا ولو أدركت فضلة نشوتي
…
قبلت رجلي أو حلفت براسي
(1) ص: رماني.
(2)
ص: وغدرت.