الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح الوجيز في اثني عشر مجلد (1) لم يشرح الوجيز بمثله.
وقال الشيخ محيي الدين النواوي: الرافعي من الصالحين المتمكنين، كانت له كرامات كثيرة ظاهرة.
وقال أبو عبد الله محمد بن محمد الإسفراييني في الأربعين تأليفه: هو شيخنا إمام الدين وناصر السنة، كان أوحد عصره في العلوم الدينية أصولاً وفروعاً وكان له مجلس بقزوين في التفسير الحديث، صنف شرحاً لمسند الشافعي، وأسمعه، وصنف شرحاً للوجيز ثم صنف آخر أوجز منه، وكان زاهداً ورعاً متواضعاً، وتوفي بقزوين، رحمه الله، سنة ثلاث وعشرين وستمائة.
298 -
(2)
كريم الدين الكبير
عبد الكريم بن هبة الله بن السديد المصري القاضي الجليل النبيل المدبر، كريم الدين الكبير، ابن العلم، وكيل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون وناظر خواصه ومدبر دولته؛ بلغ فوق ما يبلغه الوزراء، ونال فوق ما يناله الكتاب من الوجاهة والحرمة والتقدم، أسلم كهلاً أيام الجاشنكير وكان كاتبه، وكان لا يصرف على السلطان شيء إلا بقلمه، ويقال إن السلطان طلب مرة إوزة، ولم يكن كريم الدين حاضر، فلم يصرف. ولما هرب الجاشنكير وأخذ الخزاين معه ورد السلطان من الكرك تطلب كريم الدين أشد طلب.
(1) كذا في ص.
(2)
الدرر الكامنة 3: 15 والبداية والنهاية 14: 116 والشذرات 6: 63 والنجوم الزاهرة 9: 75 (وصفحات أخرى من هذا الجزء) وأخباره في السلوك (ج؟:2) وفي الدر الفاخر في سيرة الملك الناصر الدواداري، والكتبي ينقل عن الصلاح الصفدي؛ وقد أبقيت هذه الترجمة صورة أمينة لما في ص.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي، حكى لي فتح الدين ابن سيد الناس قال: جاء كريم الدين إلى الأمير علم الدين الجاولي وقال: قد جيت إليك فقال: ما في يدي لك فرج، ولكن للسلطان مملوك يقال له طغاي الكبير، وهو لا يخالفه، فأريد أجتمع به وأعرفك ما يكون، ثم اجتمع به فقال: أحضره، وقام دخل على السلطان وهو يضحك وقال له: إن حضر كريم الدين إيش تعطيني؟ ففرح وقال: عندك هو؟ أحضره، فخرج وقال للأمير علم الدين: أحضره، فأحضره، فقال له: مهما قال لك السلطان قول نعم، ودعني أنا أدبر أمرك، ودخل به عليه، فلما رآه استشاط غيظاً وقال له: احمل الساعة ألف ألف دينار فقال: نعم، وخرج، فقال: لا، كثير، احمل خمسمائة ألف دينار، فقال: السمع والطاعة، فقال: لا، كثير، احمل ثلثمائة ألف دينار، فقال: السمع والطاعة، وخرج، فقال له سيف الدين طغاي: لا تسقع دقنك وتحضر الجميع، ولكن هات الآن منها عشرة آلاف دينار، فأتى بها ودخل بها على السلطان، فسكن غضبه، وبقي كل يومين وثلاثة يحمل ثلاثة آلاف دينار ورمة ألفين ومرة ألفاً، ولم يزل طغاي والقاضي فخر الدين ناظر الجيش يصلحان أمره حتى رضي عنه السلطان وولاه ناظر الخاص (1) ، وهو أول من باشر هذه الوظيفة ولم تكن تعرف أولاً، ثم تقدم عنده وأحبه محبة لم يحبها الآخر مثله، وكان يخلع عليه أطلس أبيض، والفوقاني بطرز، والتحتاني بطرز، والقبع (2) زركش على ما استفاض، وكانت الخزاين جميعها عنده في بيته، وإذا أراد السلطان شيء نزل إليه مملوك إلى بيته واستدعى منه ما يريده فيجهزه، وكان يخلع على أمراء الطبلخانات الكبار من عنده.
وقيل إن السلطان نزل يوماً من الصيد وقال له: يا قاضي كريم الدين، اعرض أنت صيود الأمراء فإن لي ضرورة، ودخل الدهليز، ووقف القاضي كريم الدين
(1) ناظر الخاص هو الذي ينظر في خاص أموال السلطان (صبح الأعشى 5: 465 وما بعدها) .
(2)
القبع والجمع أقباع: غطاء الرأس (ملحق دوزي) .
على باب الدهليز (1) ، وكان الأمراء يحضرون صيودهم على طبقاتهم بين يديه وهو يخلع عليهم.
وحج هو والخوندة طغاي زوجة السلطان واحتفل بأمرها، وكان كل سماط في الغدا والعشاء يحضر لها البقولات طرية والجبن المقلي سخن، أخذ معه البقر الحلابات وحمل الخضر في مزارعها بترابها على ظهور الجمال، وكان يخدم كل أحد من الأمراء الكبار المشايخ والخاصكية الكبار وأرباب الوظايف (2) والجمدارية الصغار حتى الأوشاقية (3) في الإصطبل.
وكان في أول الأمر ما يخرج القاضي فخر الدين ويتغدى عنده، ويحضر من داره مخفيتين لا يعود إليه شيء من ماعونهما الصيني أبداً؛ وكان يركب في عدة مماليك أتراك تقارب السبعين مملوكاً أو أكثر بكنابيش الزركش والطرز الذهب، وقيل إنه طلبه السلطان يوماً إلى الدور، فدخل وبقيت الخزندارة تروح مرات فيما تطلبه الخوندة طغاي، فقال له السلطان: يا قاضي إيش حاجة لهذا التطويل؟ بنتك ما تختبي منك، ادخل إليها أبصر ما تريده افعله، فقام ودخل إليها وسير السلطان يقول لها: أبوك هنا أبصري له ما ياكل، فأخرجت له طعاماً، وقام السلطان بروحه إلى كرمة في الدار وقطع منها قطف عنب وأحضره وهو ينفخه من الغبار وقال: يا قاضي كل من عنب دورنا.
(1) ر: الدين.
(2)
ص: الوضايف.
(3)
قد مر من قبل شرح الجمدارية والأوشاقية.
وكان السلطان إذا أراد أن يعمل سو ويراه قد أقبل يقول: جاء القاضي وما يدعنا نعمل ما نريد، فيحدثه في إبطال ما كان هم به من الشر، ومدة حياته لم يقع من السلطان إلا خير.
وأما مكارمه فإليها المنتهى، قيل إنه حضرت إليه امرأة رفعت قصة تطلب منه إزاراً، فوفع لها بثمانمئة درهم، فلما رأى الصيرفي القصة أنكر ذلك، وحضر إليه، وقال: يا سيدي هذه سألت إزار ما ثمنه هذا المبلغ، فقال: صدقت، وأخذ القصة وقال: هذه متاع الله، وزادها ثمانين درهم وقال: ما أردت إلا ثمانين ولكن الله أراد الثمانية، فوزن الصيرفي للمرأة ثمان مئة وثمانين.
وقيل إنه كان له صير في يستدعي منه ما يصرفه لمن سأله شيئاً، وإن الصيرفي: أحضر له مرة وصولات عديدة ليست بخطه فأنكرها، فقال الصيرفي: هذا في كل وقت يحضر مثل هذه الوصولات، فقال: إذا حضر فأمسكه وأحضره، فلما جاء أمسكه وأحضره إلى بابه، فقيل له إن الصيرفي وقع بالمزور، فقال: سيبوه مالي وجه أراه، ثم قال: علي به، فلما حضر بين يديه قال له: ما حملك على هذا؟ قال: الحاجة، قال له: كلما احتجت إلى شيء اكتب به خطك على عادتك لهذا الصيرفي، وارفق فإن علينا كلفاً كثيرة، وقال للصيرفي: كلما جاء إليك خطه شيئاً فاصرفه إليه.
وقيل إنه قبل إمساكه ضيع بعض بابية (1) مماليك بكتمر الساقي حياصة ذهب، فقال صاحبها للأمير، فقال الأمير: إن لم يحضر الحياصة وإلا روحوا به إلى الوالي ليقطع يده، فنزلوا بذلك البابا. فوجد القاضي كريم الدين آخر النهار طالع إلى القلعة، فوقف له وشكا إليه حاله، فقال: أخروا أمره إلى غد، ولما نزل إلى داره قال لعبده: خذ معك غداً حياصة ذهب لتعطيها لذلك البابا المسكين، فلما
(1) البابية: جماعة العمال في الطشت خاناه الذين يقومون بغسل الملايس وصقلها (صبح الأعشى 5: 470) .
أصبح وطلع إلى القلعة أمسك واشتغل الناس بأمره، وطلب البابا، وجهز إلى الوالي فقال له رفقاه: ما كان القاضي كريم الدين وعدك؟ روح إليه، فقال: يا قوم إنسان قد أمسك وصودر أروح إليه؟ فقالوا له: روح إليه فراح إليه، وكان قد أمر له بالمقام في القرافة، فلما دخل عليه شكا إليه حاله، فقال له: يا ابني جيت لي وأنا في هذه الحال؟ ثم رفع جنب المقعد وقال: خذ هذه الدراهم استعين بها، وكانت قريب الألفين، فلما أخذها وخرج قال لذلك العبد: ما كنت قد أعطيتك حياصة لهذا البابا؟ قال: نعم، فها هي، فقال: هاتها، فأخذها ودفعها إلى البابا وقال: هذه الحياصة أعطيهم إياها، والدراهم أنفقتها عليك، فطلع بالحياصة وأعطاها للمملوك، فدخل بها إلى الأمير سيف الدين بكتمر، فأحضره وقال: قول لي أمر هذه الحياصة، فحكى له ماجرى له مع كريم الدين، فقيل إن بكتمر الساقي لطم على وجهه وقال: يا مسلمين، مثل هذا يمسك؟ وكان قد أمسك بغير رضاه.
وقيل إن علاء الدين ابن عبد الظاهر ونجم الدين ابن الأثير قعدا يوماً على باب القلعة، وأجريا ذكر كريم الدين ومكارمه، فقال علاء الدين: ما مكارمه إلا لمن يخافه فهو يصانع عن نفسه، فما كان بعد يومين أو ثلاث حتى احتاج نجم الدين إلى رصاص يجعله قدور حمام، فكتب ورقة إلى كريم الدين يسأله بيع جملة من الرصاص بديوان الخاص، فحمل إليه جملة كثيرة فضلةً عما طلب بثلاثون قنطاراً، ولم يأخذ له ثمن. وأما علاء الدين ابن عبد الظاهر فإنه تركه يوماً وهو في بستانه وانحدر إليه في البحر، فلم يشعر به إلا وقد أرست حراقته على زربية (1) علاء الدين، فنزل إليه وتلقاه واندهش لقدومه، فحلف أنه ما يأكل ما يحضره إليه من
(1) وردت في المصادر: رزيبة - بتقديم الياء المثناة - ولا أستبعد أن يكون هذا الشكل للفظة خطأ وأن الصواب ما أورده المؤلف، وعلى هذا فإن الزربية هي التي ذكرها دوزي (في مادة زريبة) وعرفها بأنها كوخ جدرانه من جرائد النخل، يتخذه المرء مأوى يرتاح فيه (يبدو أنها كانت تتخذ على النيل) .
خارج البستان، وإلا مهما كان طعام ذلك اليوم يحضره، فأحضر له ما اتفق حضوره له وقال: يا مولانا أنا ما أعلمتك بمجيئي، ولكن أنا مثل اليوم ضيفك، ولكن لا ألتقي هذه العمارة على هذه الصورة وشرع رتبها على ما أراد، وراح من عنده، فلم يشعر علاء الدين إلا بالمهندسين والصناع والفعول والمراكب قد أرست على زربيته بأنواع الأخشاب وآلات العمارة من الطوب وأفلاق النخل والجبس وكل ما يحتاج إليه، وأخذوا في هدم ذلك المكان وشرعوا في بنائه على ما قاله، ولم يأتي خمسة أيام إلا وقد تكمل ورخم وزخرف وفرغ منه، فلما كان قبل الميعاد بيوم جاء إليه مركب موسق بأنواع الغنم والإوز والدجاج الفائق والسكر والأرز وغيره وجميع ما يطبخ حتى المخافة والماعون الصيني والجبن ومن يقليه، فعمل الطعام الفايق المختلف، ومد السماط العظيم، ونزل كريم الدين ومعه من يختاره، فلما حضر مد السماط فأكل هو ومن معه، وأحضر أنواع الفاكهة والحلوى والمشروب. ولما فرغ من ذلك أحضر كريم الدين بقجة كبيرة، وأخرج منها ما يصلح للنساء من القماش الإسكندراني وغيره، وما يصلح لملبوس علاء الدين، وقال: هذه خمسة آلاف درهم يكسو بها مولانا عبيدة وجواره (1) على ما يراه، وهذا توقيع تصدق به مولانا السلطان على مولانا فيه زيادة معلوم دراهم وغلة وكسوة ولحم وجراية، ونزل ليركب، فنزل معه علاء الدين، فلما ركب وفارقه قال له: والله يا مولانا علاء الدين هذه الأشياء أفعلها طبعاً، وأنا لا أرجوك ولا أخافك، وكان قد صدق أخبار البرامكة.
ومن رياسته أنه كان إذا قال نعم فهي نعم وإذا قال لا فهي لا، وهذا تمام الرياسة. قدم من الثغر نوبة حريق القاهرة، ونسب إلى النصارى، فغوث به الغوغاء ورجموه، فغضب السلطان وقطع أيدي أربعة، ثم إنه مرض في ذلك العام الماضي قبل الواقعة، ولما عوفي زينت القاهرة وتزاحم الخلق واختنق رجل.
(1) كذا في ص ر، ولعل المقصود ((وجواريه)) .