الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو كان كذلك كان الدهر اسماً من أسماء الله عز وجل، وكان يرويه: وأنا الدَّهرَ أُقلب الليل والنهار بفتح راء الدهر على الظرف، معناه: أنا طول الدهر والزمان أقلب الليل والنهار، ورجح هذا بعضهم، ورواية من قال: فإن الله هو الدهر يرد هذا الجمهور على ضم الراء، والله أعلم.
الترهيب من ترويع المسلم ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه جاداً أو مازحاً
1 -
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "حدثنا أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجُلٌ منهم، فانطلق بعضهم إلى حبلٍ معه فأخذه (1)، فَفَزِعَ (2)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يُرَوِّعَ مُسلماً (3) " رواه أبو داود.
2 -
وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مَسيرٍ، فَخَفَقَ رجُلٌ على راحلتيه، فأخذ رجلٌ سهماً من كنانتهِ، فانتبهَ الرجلُ ففزعَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَحِلُّ لرجلٍ أن يُروعَ مُسلماً" رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات، ورواه البزار من حديث ابن عمر مختصراً:"لا يحل لمسلمٍ أو مؤمنٍ أن يُروعَ مُسلماً".
[خفق الرجل]: إذا نعس.
3 -
وعن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يأخُذَنَّ أحدكم متاع أخيهِ لاعباً (4)، ولا جاداً (5) " رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
(1) مره به على غرة ومده عليه على غفلة.
(2)
ففزع: خاف.
(3)
يدخل عليه الرعب ويسبب له الخوف والوجل. نهاية الرأفة والرحمة أن تلاطف أخاك وتستعمل معه العطف ولا تفزعه.
(4)
قاصداً اللعب والسخرية والناكية به والضحك معه.
(5)
قاصداً إهانته بغير علمه.
لا تروعوا المسلم
4 -
ورويَ عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه: "أن رجلاً أخذ نعل رجلٍ فَغَيَّبَها وهو يَمْزَحُ (1)، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تُروعوا المسلم، فإن روعةَ المسلم (2) ظُلْمٌ عظيمٌ" رواه البزار والطبراني وأبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ.
5 -
ورويَ عن أبي الحسن، وكان عَقَبِيّاً بَدْرياً رضي الله عنه قال:"كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رجلٌ، ونسيَ نعليهِ، فأخذهما رجلٌ، فوضعهما تحتهُ، فرجعَ الرجلُ فقال: نَعْلَيَّ، فقال القومُ: ما رأيناهما، فقال: هو ذِهِ، فقال: فكيف بروعة المؤمن؟ فقال: يا رسول الله إنما صَنَعْتُهُ لاعباً، فقال: فكيف بروعة المؤمن؟ مرتين أو ثلاثاً" رواه الطبراني.
6 -
ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخافَ مؤمناً كان حقاً على الله أن لا يُؤمِّنَهُ من أفزاع يوم القيامة" رواه الطبراني.
7 -
ورويَ عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نَظَرَ إلى مسلمٍ نظرةً يُخيفهُ (3) فيها بغير حقٍ أخافهُ الله يوم القيامة" رواه الطبراني، ورواه أبو الشيخ من حديث أبي هريرة.
8 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُشيرُ أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان يَتْرِعُ في يده، فيقع في حفرةٍ من النار" رواه البخاري ومسلم.
[يترع] بالعين المهملة وكسر الراء: أي يرمي، وروي بالمعجمة مع فتح الزاي (4)، ومعناه أيضاً: يرمي ويفسد، وأصل النزع: الطعن والفساد.
(1) يريد الدعابة والملاطفة.
(2)
تخويفه.
(3)
يجعله خائفاً فزعاً يعاقبه الله يوم القيامة بالخوف من الأهوال، ويبعث الوجل في قلبه، ويعذبه؛ ففيه الترهيب في إرسال الطمأنينة في قلب المسلم وبعث الفرح له وأخذ أسباب أمنه وسروره.
(4)
ينزع.
9 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "من أشار إلى أخيه بحديدةٍ (1)، فإن الملائكة تلعنه (2) حتى ينتهي (3)، وإن كان أخاه لأبيه وأمهِ" رواه مسلم.
10 -
وعن أبي بَكرَةَ (4) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تواجه المُسلمان بسيفيهما (5) فالقاتلُ والمقتولُ في النار".
(1) سلاح حاد أو مدية أو سكين، وهكذا من الآلات المميتة القاتلة.
(2)
تطلب من الله جل وعلا أن يعذبه ويقصيه من رحمته ويبعده من إحسانه.
(3)
حتى يمتنع. قال القسطلاني: (ينزع) يقلعه من يده فيصيب به الآخر أو يشد يده فيصيبه. فيه النهي عما يفضي إلى المحظور، وإن لم يكن المحظور محققاً سواء كان ذلك في جد أو هزل، وفي النهي عن السباب والشقاق والخصام وما يجلب أذى. أهـ ص 336 جواهر البخاري.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا" رواه البخاري. قال القسطلاني: أي قاتلنا فليس على سنتنا إن استباح ذلك، وقوله علينا، يخرج من حمل السلاح للحراسة، لأنه يحمله لهم لا عليهم. أهـ ص 321 جواهر.
فأنت ترى المحظور حمل السلاح للأذى، للتخويف، للوقيعة، للكيد، للانتقام، لأخذ الثأر، للفتك بالأرواح البريئة، للبطش، وفي هذا نهاية الترهيب من أذى المسلم.
(4)
في البخاري عن الأحنف بن قيس، قال ذهبت لأنصر هذا الرجل فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت أنصر هذا الرجل. قال: ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وذكر الحديث وأراد بالرجل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في واقعة الجمل.
(5)
أي فضرب كل واحد منهما الآخر إذا كان قتالهما بلا تأويل، بل على عداوة دنيوية أو طلب ملك مثلاً فأما من قاتل أهل البغي أو دفع الصائل فقتل فلا. أما إذا كانا صحابيين فأمرهما عن اجتهاد لإصلاح الدين، وفيه أن من عزم على المعصية أثم، ولو لم يفعلها. أهـ القسطلاني:
من يغرس الإحسان يجن محبة
…
دون المسيء المبعد المظلوم
إذا الحلم لم يغلب (1) لك الجهل لم تزل
…
عليك بروق جمة ورواعد
إذا العزم لم يفرج لك الشك لم تزل
…
جنيباً (2) كا استتلى (3) الجنيبة (4) قائد
إذا أنت لم تترك طعاماً تحبه
…
ولا مقعداً تدعى إليه الولائد (5)
تجللت عاراً لا يزال يشبه (6)
…
سباب الرجال نثرهم والقصائد
وقال الشيخ الشرقاوي: فيه النهي عما يفضي إلى المحذور، وإن لم يكن المحذور محققاً سواء كان ذلك في جد أم هزل. أهـ ص 359 جـ 3.
_________
(1)
إذا لم يغلب حلمك جهلك لم تزل مغلوباً.
(2)
محنوباً.
(3)
استتبع.
(4)
ما يقاد.
(5)
الجواري والخدم.
(6)
يوقده: أي إذا لم يكن عندك عزم تبلغ به غرضك تكون منقاداً مثل الجنيبة كذا إذا لم تؤثر غيرك بطعام تحبه على نفسك صغرت، ففيه الحث على العزيمة القوية وإرادة حب الخير.
النهي عن حمل السلاح على المسلم
11 -
وفي رواية: "إذا المسلمان حَمَلَ أحدهما على أخيهِ السلاحَ فهما على حَرْفِ جهنم، فإذا قَتَلَ أحدهما صاحبهُ دخلاها جميعاً. قال: فقلنا، أوْ قيل يا رسول الله: هذا القاتلُ (1) فما بالُ المقتولِ (2)؟
قال: إنه قد أراد قَتْلَ صاحبه" رواه البخاري ومسلم.
(1) أي هذا القاتل يستحق النار.
(2)
فما ذنبه؟ قال العلماء: معنى كونهما في النار أنهما يستحقان ذلك، ولكن أمرهما إلى الله تعالى إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين، وإن شاء عفا عنهما فلم يعاقبهما أصلاً، وقيل هو محمول على من استحل ذلك. وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين. واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك، ولو عرف المحق منهم، لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً، وأن المصيب يؤجر أجرين، وحمل هؤلاء الوعيد المذكور في الحديث على من قاتل بغير تأويل سائغ، بل بمجرد طلب الملك، ولا يرد على ذلك منع أبي بكرة الأحنف من القتال مع علي، لأن ذلك وقع عن اجتهاد من أبي بكرة أداه إلى الامتناع، والمنع احتياطاً لنفسه ولمن نصحه. قال الطبري: لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل، ولوجد أهل الفسوق سبيلاً إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الأموال وسفك الدماء وسبي الحرائر بأن يحاربوهم، ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولو هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها، وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء. أهـ.
وقد أخرج البزار في حديث "القاتل والمقتول في النار" زيادة تبين المراد، وهي "إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار" ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ "لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل؟ فقيل كيف يكون ذلك؟ قال الهرج: القاتل والمقتول في النار" قال القرطبي: فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب الدنيا أو اتباع هوى فهو الذي أريد بقوله: "القاتل والمقتول في النار" وقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رفعه "من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية" واستدل بقوله: "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه" من ذهب إلى المؤاخذة بالعزم وإن لم يقع الفعل، والقاتل يعذب على القتال والقتل، والمقتول يعذب على القتال فقط، فلم يقع التعذيب على العزم المجرد. قالوا في قوله تعالى: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" اختيار باب الافتعال في الشر، لأنه يشعر بأنه لابد فيه من المعالجة؛ بخلاف الخير فإنه يثاب عليه بالنية المجردة، ويؤيده حديث "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا". والحاصل أن المراتب ثلاث: الهم المجرد، وهو يثاب عليه ولا يؤاخذ به، واقتران الفعل بالهم أو بالعزم، ولا نزاع في المؤاخذة به، والعزم وهو أقوى من الهم، وفيه النزاع. وروي عن الأحنف قال: حججنا فإذا الناس مجتمعون في وسط المسجد يعني النبوي وفيهم علي والزبير فقلت إني لا أرى هذا الرجل يعني عثمان إلا مقتولاً فمن تأمراني به؟ قالا علي فقدمنا مكة فلقيت عائشة، وقد بلغنا قتل عثمان فقلت لها من تأمريني به؟ قالت علي فرجعنا إلى المدينة فبايعت علياً ورجعت إلى البصرة فبينما نحن كذلك إذ أتاني آت فقال هذه عائشة وطلحة والزبير نزلوا بجانب الخريبة يستنصرون بك فأتيت عائشة فذكرتها بما قالت لي، ثم أتيت طلحة والزبير فذكرتهما، فقلت والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقاتل رجلاً أمرتموني ببيعته فاعتزل القتال مع الفريقين، ويمكن الجمع بأنه هم بالترك ثم بدا له في القتال مع علي، ثم ثبطه عن ذلك أبو بكرة، أو هَمَّ بالقتال مع علي فثبطه أبو بكرة وصادف مراسلة =