الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في ستر المسلم، والترهيب من هتكه وتتبع عورته
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نَفَّسَ (1) عن مسلمٍ كُربةً (2) من كُربِ الدنيا نَفَّسَ الله عنه كربةً من كُرَبِ يوم القيامة، ومن ستر (3) علىمسلم ستره (4) الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان (5)
العبد في عون أخيه" رواه مسلم، وأبو داود واللفظ له، والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة.
2 -
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمهُ ولايُسْلِمُهُ (6)، منكان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فَرَّجَ عن مسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ الله عنه بها كُرْبةً من كُرَبِ يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" رواه أبو داود واللفظ له والترمذي، وقال حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر.
3 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يسترُ عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة" رواه مسلم.
(1) فرج.
(2)
ضيقاً، وأزال هموماً وأبعد غموماً وشدائد.
(3)
غطى عيوبه وأخفى هناته.
(4)
عفا الله عنه، فيه الترغيب بمد يد المعونة للمسلم، ابتغاء ثواب الله جلال وعلا، رجاء رضوان الله، قال في الفتح: هذه أخوة الإسلام، وكربة غمة، والكرب هو الغم الذي بأخذ النفس، ومن ستر مسلماً: أي رآه على قبيح فلم يظهره: أي للناس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه، فيما بينه وبينه، ويحمل الأمر في جواز الشهادة عليه بذلك على ما إذا أنكر عليه ونصحه؛ فلم ينته عن قبيح فعله، ثم جاهر به، كما أنه مأمور بأن ستر إذا وقع منه شيء، فلو توجه إلى الحاكم وأقر لم يمتنع ذلك، والذي يظهر أن الستر محله في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التلبس بها فيجب الإنكار عليه، وإلا رفعه إلى الحاكم، وليس من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة، وفيه إشارة إلى ترك الغيبة لأن من أظهر مساوئ أخيه لم يستره، وفي الحديث حض عن التعاون وحسن التعاشر والألفة، وفيه أن المجازاة تقع من جنس الطاعات، وأن حلف إن فلاناً أخوه، وأراد أخوة الإسلام لم يحنث. أهـ ص 61 جـ 5
(5)
مدة مساعدته يرعاه الله ويرحمه.
(6)
أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم، وقد يكون ذلك واجباً، وقد يكون مندوباً بحسب اختلاف الأحوال، وزاد الطبراني من طريق أخرى عن سالم "ولا يسلمه في مصيبة نزلت به" أهـ. فتح.
لا يرى مؤمن من أخيه عورة فيسترها إلا أدخله الله بها الجنة
4 -
ورويَ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرى مؤمنٌ من أخيهِ عورةً فيسترها عليه إلا أدخلهُ الله بها الجنة" رواه الطبراني في الأوسط والصغير.
5 -
وعن دَخيرٍ أبي الهيثم كاتب عقبة بن عامر قال: "قلتُ لعقبة بن عامرٍ: إن لنا جيراناً يشربون الخمرَ وأنا داعٍ لهمُ الشُّرَطَ ليأخذوهم قال: لا تفعل وَعِظْهُمْ وَهَدِّدْهُمْ قال: إني نَهَيْتُهمْ فلم ينتهوا، وأنا داعٍ لهم الشُّرَطَ ليأخذوهم، فقال عقبةُ: وَيحكَ لا تفعل فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ستر عورةً فكأنما استحيا مَوْءُدَةً (1) في قبرها" رواه أبو داود والنسائي بذكر القصة وبدونها، وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
[قال الحافظ]: رجال أسانيدهم ثقات، ولكن اختلف فيه على إبراهيم بن نشيط اختلافاً كثيراً، ذكرت بعضه في مختصر السنن.
[الشرط] بضم الشين المعجمة وفتح الراء: هم أعوان الولاة والظلمة، الواحد منه شُرْطي بضم الشين وسكون الراء.
6 -
وعن يزيد بن نُعَيْمٍ "أن ماعزاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقرَّ عندهُ أربعَ مراتٍ، فأمر برجمه، وقال لِهُزَالٍ: لو سترته بثوبك كان خيراً لك" رواه أبو داود والنسائي.
[قال الحافظ]: ونعيم هو ابن هزال، وقيل: لا صحبة له، وإنما الصحبة لأبيه هزال، وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم لهزال: لو سترته بثوبك، ما رواه أبو داود وغيره عن محمد بن المنكدر أن هزالاً أمر ماعزاً أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، وروي في موضع آخر عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال: "كان ماعزُ بن مالكٍ يتيماً
(1) تدفن في قبرها حية: أي الذي يخفي عيوب الناس كانه أحيا نفساً قتلها ظالم.
في حَجْرِ أبي، فأصاب جاريةً من الحي، فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهُ بما صنعت لعله يستغفرُ لك"، وذكر الحديث في قصة رجمه، واسم المرأة التي وقع عليها ماعز: فاطمة، وقيل: غير ذلك، وكانت أمَةً لِهَزَّالٍ.
7 -
وعن مكحولٍ "أن عقبة بن عامر رضي الله عنه أتى مَسْلَمَةَ بن مُخَلَّدٍ، فكان بينه وبين البواب شيء، فسمع صوته، فأذن له، فقال: إني لم آتك زائراً ولكن جئتك لحاجةٍ، أتذكرُ يوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ عَلِمَ من أخيه سيئةً فسترها ستر الله عليه يوم القيامة؟ قال: نعم. لهذا جئتُ" رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
8 -
وعن رجاء بن حَيْوَةَ قال: "سمعتُ مَسْلَمَةَ بن مُخَلَّدٍ رضي الله عنه يقول: بينا أنا على مِصْرَ فأتى البواب فقال إن أعرابياً على الباب يستأذنُ فقلتُ: من أنت؟ قال: أنا جابر بن عبد الله، قال: فأشرَفتُ عليه فقلتُ: أنزلُ إليك أو تصعدُ؟ قال: لا تنزل ولا أصعدُ، حديثٌ بلغني أنك تَرْوِيِهِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستر المؤمن، جئت أسمعهُ. قلت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ستر على مؤمنٍ عورةً فكأنما أحيا موءودةً فضرب بعيرهُ راجعاً" رواه الطبراني في الأوسط من رواية أبي سنان القسملي.
9 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ستر عورة أخيه ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته" رواه ابن ماجة بإسناد حسن.
10 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوتٍ رفيعٍ، فقال: يا معشر من أسلمَ بلسانه ولم يُفْضِ الإيمانُ إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحهُ، ولو في جوفِ رَحْلِهِ، ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة
فقال: ما أعظمك وما أعظم حُرمتكِ! والمؤمن أعظم حُرمةً عند الله منك" رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال فيه: يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبهُ لا تؤذوا المسلمين، ولا تُعَيِّرُوهم، ولا تطلبوا عثراتهم. الحديث.
لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تطلبوا عثراتهم
11 -
وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمنَ بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته" رواه أبو داود عن سعيد بن عبد الله بن جريج عنه، ورواه أبو يعلى بإسناد حسن من حديث البراء.
12 -
وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك إن اتبعت عوراتِ المسلمين أفسدتهم أو كِدْتَ تُفسدهم" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه.
13 -
وعن شريح بن عُبيد عن جُبير بن نُفير، وكَثيرِ بن مُرَّةَ، وعمرة بن الأسود، والمقدام بن معد يكرب، وأبي أمامة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الأمير إذا ابتغى (1)
الرِّيبة في الناس أفسدهم" رواه أبو داود من رواية إسماعيل بن عياش.
(1) طلب الشكوك أوقعهم في الضلال. معناه الحاكم إن أدخل الأوهام والظنون السيئة على قومه جرأهم على الفسوق، وفتح لهم باب الإضرار والإجرام، والمراد الاجتهاد في ستر الذنوب.
آيات وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
(أ) قال الله تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"(104 من سورة آل عمران). قال الغزالي: ففي الآية بيان الإيجاب، فإن قوله ولتكن أمر، وظاهر الأمر الإيجاب، وفيها بيان أن الفلاح منوط به إذ حصر، وقال: وأولئك هم المفلحون، وفيها بيان أنه فرض كفاية لا فرض عين، وأنه إذا قام به أمة سقط الحرج عن الآخرين، إذ لم يقل كونوا كلكم آمرين بالمعروف. بل قال: ولتكن منكم أمة. فإذا مهما قام به واحد أو جماعة سقط الحرج عن الآخرين، واختص الفلاح بالقائمين به. أهـ. ص 269 جـ 2. =
[قال الحافظ] عبد العظيم: جبير بن نفير أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو معدود
= (ب) وقال تعالى: "ليسواء سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين"(113 - 114 من سورة آل عمران). قال الغزالي: فلم يشهد لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
(جـ) وقال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة" من سورة التوبة، فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن الإيمان.
(د) وقال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" من سورة آل عمران.
(هـ) وقال تعالى: "فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون"(165 من سورة الأعراف)، فبين أنهم استفادوا النجاة بالنهي عن السوء، ويدل ذلك على الوجوب أيضاً. أهـ غزالي.
(و) وقال تعالى: "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر" من سورة الحج.
(ز) وقال تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" من سورة المائدة.
(ح) وقال تعالى: "فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم" من سورة هود.
(ط) وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين" من سورة النساء.
(ي) وقال تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً"(114 من سورة النساء).
(ك) وقال تعالى: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما"(من سورة الحجرات). والإصلاح نهي عن البغي، وإعادة إلى الطاعة. أهـ غزالي.
الترغيب في التستر وعدم القذف من كلام الله تعالى:
(أ) قال تعالى: "والذين يؤذن المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً"(58 من سورة الأحزاب).
(ب) وقال تعالى: "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون"(19 من سورة النور).
(جـ) وقال تعالى: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم"(4 - 5 من سورة النور).
(د) وقال تعالى: "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين"(24 - 25 من سورة النور). المحصنة هي التي أعفت نفسها بالنكاح الحلال، والغافلات هي البعيدات عن المعصية فلا تخطر على بالهن.