الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من عقوق الوالدين
1 -
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله
فوائد بر الوالدين من فقه أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أولاً: إكرامهما من العمل الذي يحبه الله تعالى ويساوي ثواب الجهاد في سبيل الله تعالى، بل هو أفضل.
ثانياً: يساوي ثواب الحاج والمعتمر.
ثالثاً: يوصل إلى نعيم الجنة "الزم رجلها".
رابعاً: يزيد في العمر، وفي الأرزاق ويسبب البركة في المال "من سره" بسبب إكرامهما يضع الله النجابة في الأبناء والطهارة والهداية والتوفيق فتشب على محبة الوالدين "بروا آباءكم".
خامساً: فرصة سانحة لضمان دخول الجنة ومن ضيعها خاب "ورغم أنفه".
سادساً: يزيل الهموم ويجلب اليسر ويضمن النجاة "لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله".
سابعاً: لقد قرن الله رضاه سبحانه برضاهما.
الآيات الدالة على طلب إكرام الوالدين:
(أ) قال تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً"(من سورة النساء).
(ب) وقال تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون"(9 من سورة العنكبوت). أي بإيتائهما فعلاً ذا حسن، والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص وأمه حمنة، فإنها لما سمعت بإسلامه حلفت إنها لا تنتقل من الضح ولا تطعم ولا تشرب حتى يرتد ولبثت ثلاثة أيام كذلك، وكذا التي في لقمان والأحقاف. أهـ. وقد أخرج مسلم من طريق مصعب بن سعد عن أبيه قال:"حلفت أم سعد لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه قالت زعمت أن الله أوصاك بوالديك فأنا أمك، وأنا آمرك بهذا، فنزلت ووصينا الإنسان بوالديه حسنا" أهـ. فتح ص 309 جـ 10
(جـ) وقال تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون"(15 - 16 من سورة الأحقاف).
(د) وقال تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً"(23 - 25 من سورة الإسراء). (أف): فلا تضجر مما يستقذر منهما وتستثقل من مؤونتهما ولا تزجرهما عما لا يعجبك بإغلاظ (قولاً كريماً): جميلاً لا شراسة فيه وتذلل لهما وتواضع (من الرحمة): من فرط رحمتك عليهما وادع الله تعالى أن يرحمهما برحمته الباقية (للأوابين): للتوابين (غفوراً): ما فرط منهم عند حرج الصدر من أذية أو تقصير. أهـ بيضاوي.
(هـ) وقال تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي =
حَرَّمَ عليكم عقوق الأمهاتِ (1)، ووأدَ البناتِ (2)، ومنعاً وهاتِ (3)، وكره لكم قيل وقال (4)، وكثرة السؤال (5)،
= ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون" (14 - 15 من سورة لقمان).
(1)
جمع أمهة لمن يعقل والأم أعم: أي عصيانهما والخروج عليهما، وخص الأمهات لقبح أذاهن وشدة عقاب العاق لهما، عق يعق عقوقاً، فهو عاق إذا أذاه وعصاه، من العق: الشق والقطع.
(2)
دفن البنات بالحياة، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن. ويقال إن أول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي، وكان بعض أعدائه أغار عليه فأسر بنته فاتخذها لنفسه، ثم حصل بينهم صلح فخير ابنته فاختارت زوجها فآلى قيس على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها حية فتبعه العرب في ذلك، وكان من العرب فريق ثان يقتلون أولادهم مطلقاً إما نفاسة منه على ما ينقصه من ماله، وإما من عدم ما ينفقه عليه، وقد ذكر الله أمرهم في القرآن في عدة آيات. أهـ فتح ص 313 جـ 10
(3)
ومنعاً وهات كذا (د وع ص 158 - 2)، وفي (ن ط): ومنع وهات، وفي الفتح بسكون النون في الموضعين، والحاصل من النهي منع ما أمر بإعطائه، وطلب ما لا يستحق أخذه، ويحتمل أن يكون النهي عن السؤال مطلقاً. أهـ ص 313 جـ 10، الله تعالى لا يحب البخلاء الأشحاء الذين لا يعطون شيئاً في سبيل الخير، ولكن يجمعون المال بشراهة ويلحون في السؤال ويطلبون ثروة بلا إنفاق كما قال تعالى:"ويمنعون الماعون"(7 من سورة الماعون)، وفي العيني: أي حرم عليكم منع ما عليكم إعطاؤه، وطلب ما ليس لكم أخذه، وقيل نهى عن منع الواجب من ماله وأقواله وأفعاله، وعن استدعاء ما لا يجب عليهم من الحقوق. أهـ ص 87 جـ 22
(4)
كثرة الكلام بلا فائدة والثرثرة وإعادة الحديث واللغو، وفي العيني:
(أ) النهي عن كثرة القول فيما لا يعني.
(ب) الزجر عن الاستكثار.
(جـ) ينقل حديث الناس من غير احتياط ودليل أهـ: أي قال فلان، وقيل كذا كقوله صلى الله عليه وسلم "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع" مسلم.
وفي الفتح:
(أ) قال المحب الطبري: قيل وقال مصدران. وفي الحديث إشارة إلى كراهة كثرة الكلام، لأنها تؤول إلى الخطأ.
(ب) إرادة حكاية أقاويل الناس والبحث عنها ليخبر بها.
(جـ) حكاية الاختلاف في أمور الدين كقوله قال فلان كذا. أهـ.
(5)
أي في المسائل التي لا حاجة له إليها، أو من الأموال أو عن أحوال الناس. أهـ عيني، وفي الفتح هل هو: سؤال المال أو السؤال عن المشكلات والمعضلات أو أعم من ذلك؟ وأن الأولى حمله على العموم، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، فإن ذلك مما يكرهه المسئول غالباً، وقد ثبت النهي عن الأغلوطات أخرجه أبو داود، وفي صحيح مسلم "إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: فقر مدقع أو غرم مفظع أو جائحة" وفي السنن قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس "إذا سألت فاسأل الله" وفي سنن أبي داود "إن كنت لابد سائلاً فاسأل الصالحين". قال النووي في شرح مسلم: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة، واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب على وجهين أصحهما التحريم لظاهر الأحاديث، والثاني يجوز مع الكراهة بشروط ثلاثة: أن يلح ولا يذل نفسه زيادة على ذل نفس السؤال، ولا يؤذي المسئول فإن فقد شرط من ذلك حرم. أهـ ص 314 جـ 1.
وإضاعة المال (1) " رواه البخاري وغيره.
2 -
وعن أبي بركة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم (2)
بأكبر الكبائر ثلاثاً؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: الإشراكُ بالله (3) وعقوق الوالدين، وكان مُتكئاً فجلسَ، فقال: ألا وقولُ الزور، وشهادة الزور، فمازال يكررها حتى قلنا: ليتهُ سكت (4) " رواه البخاري ومسلم والترمذي.
3 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الكبائر الإشراكُ بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس (5) " رواه البخاري.
4 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: "ذُكرَ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، فقال: الشركُ بالله، وعقوق الوالدين" الحديث. رواه البخاري ومسلم والترمذي
(1) الإسراف في الإنفاق وقيل الإنفاق في الحرام. أهـ عيني ص 87 جـ 22، وفي الفتح: والأقوى أنه ما أنفق في غير وجوهه المأذون فيه شرعاً سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه، لأن الله تعالى جعل المال قياماً لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويت لتلك المصالح إما في حق مضيعها، وإما في حق غيره، ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة ما لم يفوت حقاً أخروياً أهم منه، قال تعالى:"والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً"(67 من سورة الفرقان). قال الطيبي: هذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق، وهو تتبع جميع الأخلاق الحميدة والخلال الجميلة. أهـ ص 315 جـ 10
(2)
ألا أخبركم.
(3)
مطلق الكفر. أن تجعل لغير الله رقيباً على عملك.
(4)
تمنينا أنه يسكت إشفاقاً عليه لما رأوا من أثر انزعاجه في ذلك، وقال ابن دقيق العيد: اهتمامه صلى الله عليه وسلم بشهادة الزور، يحتمل أن يكون لأنها أسهل وقوعاً على الناس والتهاون بها أكثر ومفسدتها أيسر وقوعاً، لأن الشرك ينبو عنه المسلم، والعقوق ينبو عنه الطبع، وأما قول الزور فإن الحوامل عليه كثيرة، فحسن الاهتمام بها، وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها. أهـ. وفيه غلظ أمر شهادة الزور لما يترتب عليها من المفاسد. وضابط الزور وصف الشيء على خلاف ما هو به، وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل، وقد يضاف إلى الشهادة فيختص بها، وقد يضاف إلى الفعل ومنه "لابس ثوبي زور" قال تعالى:"والذين لا يشهدون الزور" من سورة الفرقان. المراد بالباطل، وفيه التحريض على مجانبة كبائر الذنوب ليحصل تكفير الصغائر بذلك كما وعد الله عز وجل، وفيه إشفاق التلميذ على شيخه إذا رآه منزعجاً وتمنى عدم غضبه لما يترتب على الغضب من تغير مزاجه والله أعلم. أهـ. ص 319 جـ 10
(5)
اليمين الكاذبة الفاجرة كالتي يقتطع بها الحالف مال غيره، سميت غموساً، لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، وفعول للمبالغة. أهـ نهاية.
وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كتبه إلى أهل اليمن، وبعث به مع عمرو بن حزم:"وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير الحق، والفرارُ (1) في سبيل الله يوم الزحفِ، وعقوق الوالدين، ورميُ المحصنة (2) وتَعَلُّمُ السحر، وأكل الربا، وأكل مالِ اليتيم" الحديث. رواه ابن حبان في صحيحه.
5 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ إليهمْ يومَ القيامةِ: العاقُّ لوالديهِ، ومدمنُ الخمرِ، والمنَّانُ عطاءه، وثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: العاقُّ لوالديه، والديُّوثُ، والرَّجِلَةُ" رواه النسائي والبزار، واللفظ له بإسنادين جيدين، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وروى ابن حبان في صحيحه شطره الأول.
[الديوث] بتشديد الياء: هو الذي يقر أهله على الزنا مع علمه بهم.
[والرجلة] بفتح الراء وكسر الجيم: هي المترجلة المتشبهة بالرجال.
6 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ حَرَّمَ الله تبارك وتعالى عليهمُ الجنة: مدمن الخمر، والعاقُّ، والديوثُ الذي يقر الْخَبَثَ في أهله" رواه أحمد واللفظ له، والنسائي والبزار والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
7 -
ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُرَاح ريحُ الجنة من مسيرةِ خمسمائة عامٍ، ولا يجدُ ريحها مَنَّانٌ بِعَمَلِهِ، ولا عاقٌ ولا مدمنُ خمرٍ" رواه الطبراني في الصغير.
8 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يقبلُ الله عز وجل منهم صَرْفاً ولا عَدْلاً: عاقٌ، ولا مَنَّانٌ، ومُكَذِّبٌ بِقَدَرٍ" رواه
(1) الهروب من الجهاد، لنصرة دين الله والخوف من محاربة الأعداء.
(2)
سب العفيفة المتزوجة الصالحة.
ابن أبي عاصم في كتاب السنة بإسناد حسن، وتقدم في شرب الخمر حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أربعٌ حقٌّ على اللهِ أن لا يُدخلهمُ الجنة، ولا يُذيقهم نعيمها: مُدمنُ الخمر، وآكلُ الربا، وآكل مالِ اليتيم بغير حقٍ (1)، والعاقُّ لوالديهِ" رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
9 -
ورويَ عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا ينفعُ معهنَّ عَمَلٌ (2) الشركُ باللهِ، وعقوقُ الوالدينِ، والفرارُ من الزحفِ" رواه الطبراني في الكبير.
10 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من الكبائر شَتْمُ (3) الرجلِ والديهِ. قالوا: يا رسول الله وهلْ يشتمُ الرجلُ والديه؟ قال: نعم يَسُبُّ أبا الرجلِ فيسبُّ أباهُ، ويسبُّ أمهُ" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
11 -
وفي رواية للبخاري ومسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يلعنَ الرجلُ والديه. قيل: يا رسول الله وكيف يلعنُ الرجلُ والديه (4)؟
قال: يسبُّ أبا الرجلِ، فيسبُّ أباهُ، ويسبُّ أمهُ فيسبُّ أمهُ".
(1) بغير تعب عمل، قال تعالى:"ومن كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف" من سورة النساء.
(2)
لا يقبل الله منهم عملاً، قال تعالى:"إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه" من سورة فاطر.
(3)
سب. والمعنى أن الولد سفيه قليل الأدب يؤذي الناس بالسباب فترد الشتيمة بمثلها. وفي البخاري: باب لا يسب الرجل والديه. قال في الفتح: أي ولا أحدهما: أي لا يتسبب إلى ذلك، والمذكور هنا فرد من أفراد العقوق، وإن كان التسبب إلى لعن الوالد من أكبر الكبائر فالتصريح بلعنه أشد، وترجم بلفظ السب وساقه بلفظ اللعن. أهـ ص 311 جـ 10
(4)
هو استبعاد من السائل، لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك، فبين في الجواب أنه وإن لم يتعاط السب بنفسه في الأغلب الأكثر، لكن قد يقع منه التسبب فيه، وهو ما يمكن وقوعه كثيراً، قال ابن بطال: هذا الحديث أصل في سد الذرائع، ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل، وإن لم يقصد إلى ما يحرم والأصل في هذا الحديث قوله تعالى:"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله" الآية من سورة الأنعام. واستنبط منه الماوردي: بيع الثوب الحرير ممن يتحقق أنه يلبسه، والغلام الأمرد ممن يتحقق أنه يفعل به =
اتقوا الله وصلوا أرحامكم
12 -
وعن عمرو بن مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الخمس، وأديتُ زكاة مالي، وصُمتُ رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من مات على هذا (1) كان مع النبيين والصِّدِّيقِينَ والشهداء يوم القيامة هكذا، وَنَصَبَ أُصبعيهِ ما لم يَعُقَّ والديه" رواه أحمد والطبراني بإسنادين أحدهما صحيح، ورواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما باختصار.
13 -
وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: "أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرِ كلماتٍ قال: لا تُشركْ بالله شيئاً وإن قُتِلْتَ (2) وَحُرِّقْتَ، ولا تَعُقَّنَّ والديكَ وإن أمراكَ أن تُخْرُجُ من أهلكَ (3) ومالكَ، الحديث" رواه أحمد وغيره، وتقدم في ترك الصلاة بتمامه.
14 -
ورويَ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مجتمعون، فقال: يا معشر المسلمين اتقوا الله، وَصِلُوا أرحامكم (4)، فإنه ليس من ثوابٍ أسرعَ من صلةِ الرحمِ، وإياكم والبغي (5)،
= الفاحشة، والعصير ممن يتحقق أنه يتخذه خمراً، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: فيه دليل على عظم حق الأبوين، وفيه العمل بالغالب، لأن الذي يسب أبا الرجل يجوز أن يسب الآخر أباه، ويجوز أن لا يفعل لكن الغالب أن يجيبه بنحو قوله. وفيه مراجعة الطالب لشيخه فيما يقوله مما يشكل عليه، وفيه إثبات الكبائر. أهـ فتح ص 211 جـ 10، المعنى يكون الولد شتاماً فيسب غيره فيضطر إلى سماع ضد ما يقول بنفس كيله وألفاظه.
(1)
أي محافظاً على توحيد الله وإخلاص العمل له مع العمل بسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أداء الصلاة في أوقاتها والزكاة والصيام أدخله الله الجنة بجوار الأنبياء والأبرار المتقين والشهداء المجاهدين على شريطة أن يطيع والديه ولا يؤذيهما، والمعنى خلال الإسلام توصل إلى نعيم الله مدة عدم عصيان الأبوين، وعقوقهما يحبط الثواب ويضيع الحسنات فلا يجد الإنسان العاق ما يقيه يوم القيامة من العذاب.
(2)
لا ترجع عن عقيدتك موحداً الله جلا وعلا، ولو أصابك قتل أو حرق أو ضرر.
(3)
أنهاك عن قطيعة والديك وأطعهما وبرهما وأجب طلبهما إن أرادا أن تتجنب أعز أعزائك، وقد رأينا في الحديث أن أم أحد الصالحين طلبت منه طلاق زوجته فلبى طلبها إكراماً لرضاها ووافقه على ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(4)
أحسنوا إلى أقاربكم بالمودة والمحبة.
(5)
الظلم عقابه الدمار وضياع المال والجاه، وقد فسر ذلك الإمام علي رضي الله عنه في شعره المشهور: =
فإنه ليس من عقوبةٍ أسرعَ من عقوبةِ البغي، وإياكم وعقوق الوالدينِ فإن ريحَ الجنةِ تُوجدُ من مسيرةِ ألف عامٍ، والله لا يجدها عاقٌّ، ولا قاطعُ رحمٍ ولا شيخٌ زانٍ ولا جارٌّ إزارهُ خُيلاء (1) إنما الكبرياء لله رب العالمين، والكذبُ كلهُ إثمٌ (2) إلا ما نفعتَ به مؤمناً، ودفعتَ به عن دينٍ، وإن في الجنة لَسُوقاً (3)
ما يُباعُ فيها ولا يُشترى ليس فيها إلا الصُّوَرُ فمن أحبَّ صُورَةً من رجلٍ أو امرأةٍ دخل فيها" رواه الطبراني في الأوسط.
وتقدم في اللواط حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعنَ الله سبعةً من فوقِ سبع سمواتهِ، وردد اللعنةَ على واحدٍ منهم ثلاثاً، ولعنَ كلَّ واحدٍ منهم لعنةً تكفيهِ، قال: ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، ملعونٌ من ذبح لغير الله، ملعونٌ من عَقَّ (4) والديه. الحديث" رواه الطبراني والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
= أما والله إن الظلم شوم
…
ولازال المسيء هو الظلوم
إلى الديان يوم الدين نمضي
…
وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا
…
غداً عند المليك من الملوم
ستنقطع اللذاذة عن أناس
…
من الدنيا وتنقطع الهموم
(1)
تفاخراً وتكبراً وتجبراً وعظمة.
(2)
ذنب، قالوا والكذب جائز في ثلاثة:
(أ) في إصلاح ذات البين وجلب المودة بين المتخاصمين وبذل سبل المحبة ونبذ الشقاق.
(ب) في إرضاء الزوجة بأحاديث الأماني وبلوغ الآمال وقضاء المآرب.
(جـ) في الحرب وحفظ مكامن الجيش وأسراره وعدته، والكذب معناه الإخبار بغير الحقيقة ومطابقة غير الواقع، وأحله الله في التورية التي بها نجاة النفس من القتل ظلماً أو النهب أمام عدو جبار وظالم قهار، وهكذا من ضروب الأمن والاطمئنان على شرط أن لا يضيع حق ولا يبطل حد من حدود الله.
(3)
مكاناً تعرض فيه الأشياء وتظهر فيه صور الصالحين والصالحات، فمن كان يحب صالحاً في حياته استضاء بنوره وانتفع بصحبته، وذهب على نوره فدخل الجنة قال تعالى:"ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له" من سورة سبأ. وقال صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب". يرشدك صلى الله عليه وسلم إلى انتهاز الفرص في دنياك باختيار محبة المتقين والجلوس معهم والقدوة بأفعالهم والاستكثار من ذكر الله وتحميده.
(4)
عصاهما، قال الإمام علي كرم الله وجهه: =
وتقدم أيضاً حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله من ذبح (1) لغير الله، ولعن الله من غَيَّرَ تُخُومَ الأرض (2)، ولعن الله من سَبَّ والديه (3) " الحديث رواه ابن حبان في صحيحه.
15 -
وعن أبي بكرةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل الذنوب يُؤخِّرُ الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين (4)، فإن الله يُعَجِّلُهُ لصاحبهِ في الحياة قبل الممات" رواه الحاكم والأصبهاني كلاهما من طريق بكار بن عبد العزيز وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
16 -
ورويَ عن عبد الله بن أبي أوْفَى رضي الله عنه قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهُ آتٍ، فقال: شابٌ يَجُودُ بنفسهِ، فقيل له: قل لا إله إلا الله، فلم يستطع، فقال: كان يُصَلِّي؟ فقال: نعم، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهضنا معهُ، فدخل على الشابِّ، فقال له: قل لا إله إلا الله، فقال: لا أستطيعُ. قال: لِمَ؟ قال: كان يَعُقُّ والدتهُ (5)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحَيَّةٌ والدتهُ؟ قالوا:
= عليك ببر الوالدين كليهما
…
وبر ذوي القربى وبر الأباعد
ولا تصحبن إلا تقياً مهذباً
…
عفيفاً ذكياً منجزاً للمواعد
وقارن إذا قارنت حراً مؤدباً
…
فتى من بني الأحرار زين المشاهد
وكف الأذى واحفظ لسانك واتقِ
…
فديتك في ود الخليل المساعد
ونافس ببذل المال في طلب العلا
…
بهمة محمود الخلائق ماجد
وكن واثقاً بالله في كل حادث
…
يصنك مدى الأيام من شر حاسد
وبالله فاستعصم ولا ترج غيره
…
ولا تك في النعماء عنه بجاحد
وغض عن المكروه طرفك واجتنب
…
أذى الجار واستمسك بحبل المحامد
(1)
لم يذكر اسم الله عليها ويذبحها الذبح الشرعي.
(2)
حدودها ومعالمها وأوجد فتنة في ضياع حقوق الناس.
(3)
شتمهما وآذاهما.
(4)
مخالفتهما فيدرك العاق نتيجة ذلك في حياته، وشاهدنا كثيراً رجالاً عذبوا آباءهم فأطال الله أعمارةم وأفقرهم وأذلهم وسلط عليهم أبناءهم ليمثلوا بهم أشنع تمثيل، وكانوا مثلاً سيئاً بين عشيرتهم وباءوا بالخيبة وبدت عليهم سوء الخاتمة ولا بارك الله في أولادهم، وهكذا من ضروب انتقام الجبار العزيز القاهر فوق عباده. نسأل الله السلامة والتوفيق: وللإمام علي كرم الله وجهه:
وإذا ائتمنت على السرائر فاخفها
…
واستر عيوب أخيك حين تطلع
وأطع أباك بكل ما أوصى به
…
إن المطيع أباه لا يتضعضع
(5)
يعصيها.
نعم. قال: ادعوها، فَدَعَوْهَا، فجاءت، فقال: هذا ابنك؟ فقالت: نعم. فقال لها: أرأيتِ لو أُجِّجَتْ (1)
نارٌ ضخمةٌ، فقيل لك: إن شفعت له خَلَّيْنَا عنهُ، وإلا حرقناه بهذه النار، أكنتِ تشفعين له؟ قالت: يا رسول الله إذاً أشفعَ له. قال: فأشهدي الله وأشْهِدِيني قد رضيت عنهُ. قالت: اللهم إني أُشهدك، وأُشهدُ رسولك أني قد رضيتُ عن ابني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلامُ قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسولهُ، فقالها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أنقذهُ بي (2) من النار" رواه الطبراني وأحمد مختصراً.
17 -
وعن العوام بن حوْشَبٍ رضي الله عنه قال: "نزلتُ مَرَّةً حَياً (3)، وإلى جانب ذلك الحي مقبرةٌ، فلما كان بعد العصر انشق منها قبرٌ فخرج رجلٌ رأسهُ رأسُ الحمارِ وجسدهُ جسدُ إنسانٍ، فَنهَقَ (4) ثلاثَ نهقاتٍ، ثم انطبق عليه القبرُ، فإذا عجوزٌ تغزلُ شَعْراً أو صُوفاً، فقالت امرأةٌ: ترى تلك العجوز؟ قلت: ما لها؟ قالت: تلك أم هذا، قلتُ: وما كان (5)
قصتهُ؟ قالت: كان يشرب الخمرَ فإذا راحَ تقولُ له أمهُ: يا بني
(1) اتقدت والتهبت.
(2)
نجاه، ولقد قبل الله تعالى رضا والدته إكراماً لحبيبه صلى الله عليه وسلم الرءوف الرحيم الشفيع، وكان هذا الشاب لا يمكنه أن ينطق بالشهادتين، لماذا؟ لأن الله عقل لسانه بسبب عصيان أمه، ثم رضي عنه سبحانه لشفاعة سيدنا ومولانا المصطفى صلى الله عليه وسلم ورضا أمه، ففيه الترغيب في إرضاء الأم والترهيب من عقوقها، لأن غضبها يجر إلى الكفر بالله تعالى ودخول النار.
(3)
جهة معمورة آهلة بالسكان.
(4)
صوت صوت الحمار، إن الله تعالى عذبه من جنس افترائه وغروره وإغوائه وإضلاله: سبحانه جعل صورته صورة حمار له صوت منكر مرتفع، لماذا؟ لأنه خالف نصيحة أمه وصد عن قولها ورماها بالوقاحة وقلة الأدب، وألفاظ البذاءة "أنت تنهقين" فلو سمع نصحها وصغى إلى قولها واسترشد بنور إيمانها لتنعم وفاز بالجنة، ولكن عصاها فاستحق كل إهانة وازدراء.
(5)
وما كان كذا (ط وع ص 161 - 2)، وفي (ن د): وما كانت.
أضرار عصيان الوالدين كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه:
أولاً: لقد حرم الله عقوق الوالدين وكره ذلك.
ثانياً: أنه من أكبر الكبائر المهلك الموصل إلى الجحيم.
ثالثاً: يمنع من التعطر بريح الجنة وشم شذاها "يراح ريح الجنة". =