المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها والتشديد في ذلكوالترغيب في تركه والتوبة منه - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ٣

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌الترهيب من الربا

- ‌ الترهيب من غصب الأرض وغيرها

- ‌الترهيب من البناء فوق الحاجة تفاخراً وتكاثراً

- ‌الترهيب من منع الأجير أجره والأمر بتعجيل إعطائه

- ‌ترغيب المملوك في أداء حق الله تعالى وحق مواليه

- ‌ترهيب العبد من الإباق من سيده

- ‌الترغيب في العتق والترهيب من اعتباد الحر أو بيعه

- ‌كتاب النكاح وما يتعلق به

- ‌الترغيب في غض البصروالترهيب من إطلاقه ومن الخلوة بالأجنبية ولمسها

- ‌الترغيب في النكاح سيما بذات الدين الولود

- ‌ترغيب الزوج في الوفاء بحق زوجته، وحسن عشرتهاوالمرأة بحق زوجها وطاعته، وترهيبها من إسقاطه ومخالفته

- ‌الترهيب من ترجيح إحدى الزوجات، وترك العدل بينهم

- ‌الترغيب في النفقة على الزوجة والعيالوالترهيب من إضاعتهم وما جاء في النفقة على البنات وتأديبهن

- ‌الترغيب في الأسماء الحسنةوما جاء في النهي عن الأسماء القبيحة وتغييرها

- ‌الترغيب في تأديب الأولاد

- ‌الترهيب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه

- ‌ترغيب من مات له ثلاثة من الأولاد أو اثنان أو واحدفيما يذكر من جزيل الثواب

- ‌الترهيب من إفساد المرأة على زوجها والعبد على سيده

- ‌ترهيب المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس

- ‌ترهيب المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة متزينة

- ‌الترهيب من إفشاء السر سيما ما كان بين الزوجين

- ‌كتاب اللباس والزينة

- ‌الترغيب في لبس الأبيض من الثياب

- ‌الترغيب في القميص

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن من لبس ثوباً جديداً

- ‌الترهيب من لبس النساء الرقيق من الثياب التي تصف البشرة

- ‌ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه والتحلي بالذهبوترغيب النساء في تركهما

- ‌الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك

- ‌الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعاً واقتداءً بأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابهوالترهيب من لباس الشهرة والفخر والمباهاة

- ‌الترغيب في الصدقة على الفقير بما يلبسه كالثوب ونحوه

- ‌الترغيب في إبقاء الشيب وكراهة نتفه

- ‌الترهيب من خضب اللحية بالسواد

- ‌ترهيب الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والمتفلجة

- ‌الترغيب في الكحل بالإثمد للرجال والنساء

- ‌كتاب الطعام وغيره

- ‌الترغيب في التسمية على الطعام، والترهيب من تركها

- ‌الترهيب من استعمال أواني الذهب والفضةوتحريمه على الرجال والنساء

- ‌الترهيب من الأكل والشرب بالشمال وما جاء في النهي عن النفخ في الإناءوالشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح

- ‌الترغيب في الأكل من جوانب القصعة دون وسطها

- ‌الترغيب في أكل الخل والزيت، ونهس اللحم دون تقطيعه بالسكين إن صح الخبر

- ‌الترغيب في الاجتماع على الطعام

- ‌الترهيب من الإمعان في الشبع، والتوسع في المأكل والمشارب شَرَهاً وبطراً

- ‌الترهيب من أن يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي وما جاء في طعام المتباريين

- ‌الترغيب في لعق الأصابع قبل مسحها لإحراز البركة

- ‌الترغيب في حمد الله تعالى بعد الأكل

- ‌الترغيب في غسل اليد قبل الطعام وبعده، والترهيب أن ينام وفي يده ريح الطعام لا يغسلها

- ‌كتاب القضاء وغيره

- ‌الترهيب من تولي السلطنة والقضاء والإمارة سيما لمن لا يثق بنفسه وترهيب من وثق بنفسه أن يسأل شيئاً من ذلك

- ‌ترغيب من ولي شيئاً من أمور المسلمين في العدل إماماً كان أو غيره وترهيبه أن يشق على رعيته، أو يجور، أو يغشهم، أو يحتجب عنهم، أو يغلق بابه دون حوائجهم

- ‌ترهيب من ولي شيئاً من أمور المسلمين أن يولي عليهم رجلاً وفي رعيته خير منه

- ‌ترهيب الراشي والمرتشي والساعي بينهما

- ‌الترهيب من الظلم ودعاء المظلوم وخذله، والترغيب في نصرته

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن من خاف ظالماً

- ‌الترغيب في الامتناع عن الدخول على الظلمة والترهيب من الدخول عليهم وتصديقهم وإعانتهم

- ‌الترهيب من إعانة المبطل ومساعدته والشفاعة المانعة من حد من حدود الله وغير ذلك

- ‌ترهيب الحاكم وغيره من إرضاء الناس بما يسخط الله عز وجل

- ‌الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم، ورحمتهم والرفق بهم

- ‌ترغيب الإمام وغيره من ولاة الأمور في اتخاذ وزير صالح وبطانة حسنة

- ‌الترهيب من شهادة الزور

- ‌كتاب الحدود وغيرها

- ‌الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترهيب من تركهما والمداهنة فيهما

- ‌الترهيب من أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر ويخالف قوله فعله

- ‌الترغيب في ستر المسلم، والترهيب من هتكه وتتبع عورته

- ‌الترهيب من مواقعة الحدود وانتهاك المحارم

- ‌الترغيب في إقامة الحدود، والترهيب من المداهنة فيها

- ‌الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها والتشديد في ذلكوالترغيب في تركه والتوبة منه

- ‌الترهيب من الزنا سيما بحليلة الجار والمغيبة والترغيب في حفظ الفرج

- ‌الترهيب من اللواط، وإتيان البهيمة، والمرأة في دبرها سواء كانت زوجته أو أجنبية

- ‌الترهيب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق

- ‌الترهيب من قتل الإنسان نفسه

- ‌الترهيب أن يحضر الإنسان قتل إنسان ظلماً أو ضربه وما جاء فيمن جرد ظهر مسلم بغير حق

- ‌الترغيب في العفو عن القاتل والجاني والظالموالترهيب من إظهار الشماتة بالمسلم

- ‌الترهيب من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب والإصرار على شيء منها

- ‌كتاب البر والصلة وغيرهما

- ‌الترغيب في بر الوالدين وصلتهما وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما وبر أصدقائهما من بعدهما

- ‌الترهيب من عقوق الوالدين

- ‌الترغيب في صلة الرحم وإن قطعت، والترهيب من قطعها

- ‌الترغيب في كفالة اليتيم ورحمته، والنفقة عليه والسعي على الأرملة والمسكين

- ‌الترهيب من أذى الجار، وما جاء في تأكيد حقه

- ‌الترغيب في زيارة الإخوان والصالحين وما جاء في إكرام الزائرين

- ‌الترغيب في الضيافة وإكرام الضيف، وتأكيد حقهوترهيب الضيف أن يقيم حتى يؤثم أهل المنزل

- ‌الترهيب أن يحتقر المرء ما قدم إليه أو يحتقر ما عنده أن يقدمه للضيف

- ‌الترغيب في الزرع وغرس الأشجار المثمرة

- ‌الترهيب من البخل والشح، والترغيب في الجود والسخاء

- ‌الترهيب من عود الإنسان في هبته

- ‌الترغيب في قضاء حوائج المسلمين، وإدخال السرور عليهموما جاء فيمن شفع فأهدى إليه

- ‌كتاب الأدب وغيره

- ‌الترغيب في الحياء، وما جاء في فضله، والترهيب من الفحش والبذاء

- ‌الترغيب في الخلق الحسن وفضله، والترهيب من الخلق السيئ وذمه

- ‌الترغيب في الرفق والأناة والحلم

- ‌الترغيب في طلاقة الوجه، وطيب الكلام، وغير ذلك مما يذكر

- ‌الترغيب في إفشاء السلام، وما جاء في فضلهوترهيب المرء من حب القيام له

- ‌الترغيب في المصافحة، والترهيب من الإشارة في السلاموما جاء في السلام على الكفار

- ‌الترهيب أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن

- ‌الترهيب أن يتسمع حديث قوم يكرهون أن يسمعه

- ‌الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط

- ‌الترهيب من الغضب، والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب

- ‌الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر

- ‌الترهيب من قوله لمسلم: يا كافر

- ‌الترهيب من السباب واللعن لا سيما لمعين آدمياً كان أو دابة وغيرهماوبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح والترهيب من قذف المحصنة والمملوك

- ‌الترهيب من سب الدهر

- ‌الترهيب من ترويع المسلم ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه جاداً أو مازحاً

- ‌الترغيب في الإصلاح بين الناس

- ‌الترهيب أن يعتذر إلى المرء أخوه فلا يقبل عذره

- ‌الترهيب من النميمة

- ‌الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما، والترغيب في ردهما

- ‌الترغيب في الصمت إلا عن خير، والترهيب من كثرة الكلام

- ‌الترهيب من الحسد وفضل سلامة الصدر

- ‌الترغيب في التواضع، والترهيب من الكبر والعجب والافتخار

- ‌الترهيب من قوله لفاسق أو مبتدع:يا سيدي أو نحوها من الكلمات الدالة على التعظيم

- ‌الترغيب في الصدق، والترهيب من الكذب

- ‌ترهيب ذي الوجهين وذي اللسانين

- ‌الترهيب من الحلف بغير الله سيما بالأمانة، ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر ونحو ذلك

- ‌الترهيب من احتقار المسلم وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى

- ‌الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق، وغير ذلك مما يذكر

- ‌الترغيب في قتل الوزغ وما جاء في قتل الحيات وغيرها مما يذكر

الفصل: ‌الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها والتشديد في ذلكوالترغيب في تركه والتوبة منه

لقطعت يدها" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

مثل القائم في حدود الله والواقع فيها

7 -

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ القائمِ (1) في حدود الله، والواقعِ (2) فيها كمثل قومٍ اسْتَهَامُوا (3) على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا اسْتَقَوْا (4) من الماء مَرُّوا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً (5)، ولم نُؤذِ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم (6) نجوا وَنَجَوْا جميعاً" رواه البخاري، واللفظ له والترمذي وغيره، وتقدمت أحاديث في الشفاعة المانعة من حد من حدود الله تعالى.

‌الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها والتشديد في ذلك

والترغيب في تركه والتوبة منه

1 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

= لا يحنث كمن قال لمن خاصم أخاه، والله لو كنت حاضراً لهشمت أنفك خلافاً لمن قال يحنث مطلقاً، فيه جواز التوجع لمن أقيم عليه الحد بعد إقامته عليه. أهـ.

قال تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير"(38 - 40 من سورة المائدة). توجب السرقة القطع إذا كانت من حرز المثل، والمأخوذ ربع دينار أو ما يساويه لقوله عليه الصلاة والسلام "القطع في ربع دينار فصاعداً" والجمهور على أنه الرسغ لأنه عليه الصلاة والسلام أتى بسارق فأمر بقطع يمينه. (ظلمه): سرقته (وأصلح): أمره بالتقصي عن التبعات والعزم على أن لا يعود إليها. قال المازري ومن تبعه: صان الله الأموال بإيجاب قطع سارقها، وخص السرقة لقلة ماعداها بالنسبة إليها من الانتهاب والغصب، ولسهولة إقامة البينة على ماعدا السرقة بخلافها، وشدد العقوبة فيها ليكون أبلغ في الزجر، ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع فيه حماية لليد، ثم لما خانت هانت. أهـ ص 79 جـ 12 هـ.

(1)

المنفذ أوامر الله كما أحب سبحانه، والمطيع الله المتبع الكتاب والسنة.

(2)

المرتكب المعاصي.

(3)

ضربوا قرعة على اختيار الأمكنة: أي تساهموا.

(4)

أرادوا الماء.

(5)

يخرج هذا الخرق الماء فلا يصعدون إلى أعلى.

(6)

منعوهم من فتح هذا الثقب. وفيه أن الإنسان يضرب بأيد من حديد على المفسدين: ويمنع المؤذين من أذاهم، ويصد الباغين، ويطرد العصاة ويبعد الفاسقين الضالين المضلين، فأنت ترى سيدنا رسول الله يمثل الفائزين الناجين بالسلامة والسلطة والنفوذ ليمنعوا الأذى، والعصاة الفساق بالباغين المفسدين المرذولين.

ص: 248

"لا يزني الزاني حين يزني (1)

وهو مؤمنٌ، ولا يسرق السارق حين يسرقُ وهومؤمنٌ، ولا يشرب الخمر حين يشربها، وهو مؤمنٌ" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وزاد مسلم وفي رواية: وأبو داود بعد قوله: "ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمنٌ: ولكن التوبة (2) معروضةٌ بَعْدُ".

2 -

وفي رواية النسائي قال: "لا يزني الزاني وهو مؤمنٌ، ولا يسرق السارقُ وهو مؤمنٌ، ولايشربُ الخمرَ وهو مؤمنٌ، وذكر رابعةً فنسيتها، فإذا فعل ذلك فقد خلع رِبْقَةَ (3) الإسلام من عُنقهِ، فإن تاب تاب الله عليه".

3 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومُبتاعها (4) وبائعها وعاصرها ومُعتصرها (5) وحاملها (6)

(1) قال في الفتح في باب ما يحذر من الحدود: باب الزنا وشرب الخمر ص 46 جـ 12: قيد نفي الإيمان بحالة ارتكابه لها، ومقتضاه أنه لا يستمر بعد فراغه، هذا هو الظاهر، ويحتمل أن يكون المعنى أن زوال ذلك إنما هو إذا أقلع الإقلاع الكلي، وأما لو فرغ وهو مصر على تلك المعصية فهو كالمرتكب فيتجه أن نفي الإيمان عنه يستمر، ويؤيده ما وقع في بعض طرقه "فإن تاب عاد إليه" من قول ابن عباس وأخرج الطبري من طريق نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس قال:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن فإذا زال رجع إليه الإيمان ليس إذا تاب منه، ولكن إذا تأخر عن العمل به" ويؤيده أن المصر وإن كان إثمه مستمراً لكن ليس إثمه كمن باشر الفعل كالسرقة مثلاً. أهـ. وقد روى مرفوعاً أخرجه أبوجعفر الطبري من طريق مجاهد عن ابن عباس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من زنى نزع الله نور الإيمان من قلبه، فإن شاء الله أن يرده إليه رده". قال تعالى في مدح الأبرار عباد الرحمن:

(أ) في سورة الرحمن: "ولا يزنون".

(ب) وقال تعالى: "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا"(32 من سورة الإسراء).

(جـ) وقال تعالى: "ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن" من سورة الأنعام، وزاد البخاري ولا ينتهب نهبة، يرفع الناس إليها أبصارهم وهو مؤمن، قال في الفتح: النهبة المال المنهوب، والمراد به المأخوذ جهراً قهراً، وأشار برفع البصر إلى حالة المنهوبين فإنهم ينظرون إلى من بينهم ولا يقدرون على دفعه ولو تضرعوا إليه، ويحتمل أن يكون كناية عن عدم التستر بذلك فيكون صفة لازمة للنهب بخلاف السرقة والاختلاس، فإنه يكون في خفية، والانتهاب أشد لما فيه من مزيد الجراءة وعدم المبالاة. أهـ.

(2)

الرجوع إلى الله أمر سهل ميسور، والعزيمة على عدم المعصية.

(3)

طوق وقلادة، والمعنى أزال عنه علامة الإسلام، والعروة الوثقى نزعها منه.

(4)

من ابتاع لغيره وابتاعها، اشتراها للتجارة.

(5)

يريد حابسها في الأواني والزجاجات، وعاصرها آخذها كسائل: وفي النهاية كل شيء حبسته ومنعته فقد اعتصرته، وقيل يعتصر. يرتجع، واعتصر العطية إذا ارتجعها. أهـ.

(6)

الذي يأخذها وينقلها للشاربين.

ص: 249

والمحمولة إليه (1) " رواه أبو داود واللفظ له وابن ماجة وزاد: وآكل ثمنها.

إن الله حرم الخمر وثمنها

4 -

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرةً: عاصرها ومعتصرها، وشاربها وحاملها، والمحمولة إليه وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشترِيَ لها، والمشترى له" رواه ابن ماجة والترمذي واللفظ له وقال حديث غريب.

[قال الحافظ]: ورواته ثقات.

5 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حرَّمَ الخمر وثمنها، وحرَّمَ الميتة (2)

وثمنها، وحرَّمَ الخنزيرَ وثمنه" رواه أبو داود وغيره.

6 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود ثلاثاً، إن الله حرَّمَ عليهم الشحوم (3) فباعوها، فأكلوا أثمانها، إن الله إذا حرَّمَ على قومٍ أكل شيءٍ حرَّمَ عليهم ثمنه" رواه أبو داود.

7 -

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من باع الخمرَ فَلْيُشَقِّصِ الخنازير (4) " رواه أبو داود أيضاً.

[قال الخطابي]: معنى هذا توكيد التحريم، والتغليظ فيه يقول: من استحل بيع الخمر فيستحل أكل الخنازير، فإنهما في الحرمة والإثم سواء، فإذا كنت لا تستحل أكل لحم الخنزير فلا تستحل ثمن الخمر. انتهى.

8 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أتاني جبريل فقال: يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها، وشاربها، والمحمولة إليه، وبائعها ومبتاعها، وساقيها ومُسْقَاهَا (5) " رواه أحمد بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال صحيح الإسناد.

(1) الذاهبة إليه كخازن. الجميع يبعدهم الله من رحمته ويقصيهم من رضوانه.

(2)

التي لم تذبح ذبحاً شرعياً.

(3)

الثروب وشحوم الكلى. قال تعالى: "وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون"(146 من سورة الأنعام). الثرب وزان فلس: شحم رقيق على الكرش والأمعاء ص 100 مصباح.

(4)

تشقيص الذبيحة تفصيل أعضائها سهاماً معتدلة بين الشركاء والمشقص كمحدث القصاب ص 306 - 2 قاموس.

(5)

الذي يملأ أوانيها للسقي، من أسقيته جعلت له سقياً. أما سقيته إذا كان بيدي.

ص: 250

إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء

9 -

ورويَ عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يبيت قومٌ من هذه الأمة على طعمٍ وشُربٍ ولهوٍ ولعبٍ، فيصبحوا قد مُسخوا (1)

قِرَدةً وخنازير، وليصيبهم خسفٌ وقذفٌ حتى يُصبح الناسُ، فيقولون: خُسف الليلة ببني فلانٍ، وخسف الليلة بدار فلانٍ خواصَّ، ولَتُرسَلنَّ عليهم حجارةٌ من السماء كما أُرسلت على قومِ لوطٍ على قبائل فيها، وعلى دُورٍ، ولترسلن عليهم الريح العقيم التي أهلكت عاداً على قبائل فيها، وعلى دورٍ بشربهم الخمر، ولبسهم الحرير، واتخاذهم القينات (2)، وأكلهم الربا، وقطيعتهم الرحم (3)، وخصلةٍ نسيها جعفرٌ" رواه أحمد مختصراً، وابن أبي الدنيا والبيهقي.

10 -

ورويَ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلةً حَلَّ بها البلاء (4) قيل: ما هُنَّ يا رسول الله؟ قال: إذا كان المغنمُ دُولاً (5)، والأمانة مغنماً (6) والزكاة مغرماً (7) وأطاع الرجل زوجته، وعقَّ (8) أمهُ، وَبَرَّ صديقهُ، وجفا (9) أباه، وارتفعتِ الأصوات في المساجد، وكان زعيمُ (10) القومِ أرذلهم، وأُكْرِمَ الرجلُ مخافة شَرِّهِ، وشُربت الخمور، وَلُبسَ الحريرُ، واتخذت القينات والمعازف (11)، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا (12) عند ذلك ريحاً (13) حمراء، أو خَسْفاً (14) وَمَسْخاً (15) " رواه الترمذي، وقال حديث غريب.

(1) بدلت صورهم مثل القردة والخنازير لميلهم إلى المعاصي.

(2)

المغنيات.

(3)

الأقارب.

(4)

المصائب والأزمة والفقر وعدم البركة.

(5)

تؤخذ الغنائم بالقوة.

(6)

فرصة لنهبها.

(7)

أي الصدقات غرامة.

(8)

عصى.

(9)

كره وقطع.

(10)

رئيس الناس.

(11)

المعازف: الدفوف وغيرها مما يضرب. أهـ نهاية.

(12)

فلينتظروا عذاب الله ونزول الآفات.

(13)

رياحاً شديدة مزعجة ممرضة.

(14)

قلب الأرض وزلزالها.

(15)

تغيير الصور وتبديلها. يبين صلى الله عليه وسلم أسباب المصائب التي تحل بالمسلمين ليتعظوا، وليطيعوا الله ورسوله، وليحفظوا الأمانة وليخرجوا الزكاة، وليكون الرجل شجاعاً ذا عزيمة نافذ الكلمة غير مطواع لزوجه في الشر، وغير موافق على التبرج، ويلزمها الاستقامة ويكبح جماحها، وليبر والديه ويكرم أمه، ويجتنب اللغو في بيوت يذكر فيها اسم الله، وليختار القوم سيداً عليهم ذا فضل ودين وعفة واستقامة، ثم يتحد المسلمون على =

ص: 251

11 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زنى، أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه" رواه الحاكم.

= معاكسة الأشرار، وكف أذاهم ولا يراءون في إكرام الشرير المجرم الفاسق، ويجتنبون شرب الخمور ولبس الحرير، وهنا طامة كبرى فشت بين بعض المسرفين "اتخاذ القينات" فتجد من يتخذ امرأة أجنبية تخادنه وتعاشره بلا عقد شرعي كخدامة (كمريرة) وهذا يغضب الله ورسوله، هذا إلى إرخاء العنان لاتخاذ آلات اللهو (المعازف) فليحذر المسلمون تلك الخصال رجاء نصر الله لهم، ومده بإحسانه فيزيل عسرهم ويفك كربهم ويبعد أزمتهم كما قال تعالى:

(أ)"وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا"(16 من سورة الجن).

(ب) وقال تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون"(19 من سورة الأعراف).

(جـ) وقال تعالى: "وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم"(47 - 49 من سورة الطور). (عذاباً دون ذلك): دون عذاب الآخرة، وهو عذاب القبر، أو المؤاخذة في الدنيا كقتلهم ببدر، والقحط سبع سنين. أهـ. بيضاوي. والعذاب الآن: الضيق والأزمة، والذل والاستعباد، ونزع البركة والأمراض، وهل نجد ظلماً أكثر من عصيان الله وهجر تعاليمه وترك عبادته، ولقد أمر الله حبيبه صلى الله عليه وسلم بالصبر والتسبيح ليل نهار وبالصلاة (بأعيننا): في حفظنا بحيث نراك ونكلؤك.

(د) وقال تعالى: "أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون"(18 - 21 من سورة السجدة). إن شاهدنا (العذاب الأدنى): أي عذاب الدنيا، يريد ما محنوا به من السنة سبع سنين والقتل والأسر. أهـ. بيضاوي.

(هـ) وقال تعالى: "ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى، لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون"(61 - 64 من سورة النحل). (بظلمهم): بكفرهم ومعاصيهم (ما يكرهون): ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشركاء في الرياسة والاستخفاف بالرسل وأراذل الأموال (مفرطون): مقدمون إلى النار، والولي القرين الناصر، فأصروا على قبائح الأعمال وكفروا بالمرسلين. قال البيضاوي: يجوز أن يكون الضمير لقريش: أي زين الشيطان للكفرة المتقدمين أعمالهم، وهو ولي هؤلاء اليوم يغريهم ويغويهم (ولهم عذاب أليم): مؤلم في القيامة. إن شاهدنا تأجيل العذاب إلى الآخرة مهما أسرف العصاة، نسأل الله السلامة.

ص: 252

من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر

وتقدم في باب الحمّام حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلسُ على مائدةٍ يُشربُ عليها الخمر" الحديث. رواه الطبراني.

12 -

ورويَ عن خَبَّابِ بن الأرَتِّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إياك والخمر فإنها تُفَرِّعُ (1) الخطايا كما أن شجرها يُفَرِّعُ الشَّجَرَ" رواه ابن ماجة، وليس في إسناده مَن ترك.

13 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكل مُسْكِرٍ حَرامٌ، ومن شرب الخمر في الدنيا، فمات وهو يُدمنها (2) لم يشربها في الآخرة" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي ولفظه في إحدى رواياته: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شرب الخمر في الدنيا ولم يَتُبْ لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة".

14 -

وفي رواية لمسلم قال: "من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يَتُبْ منها حُرِمَهَا في الآخرة"[قال الخطابي] ثم البغوي في شرح السنة: وفي قوله "حرمها في الآخرة" وعيدٌ بأنه لا يدخل الجنة لأن شراب أهل الجنة خمرٌ إلا أنهم لا يُصَدَّعُونَ عنها ولا يُنزفون، ومن دخل الجنة لا يُحرمُ شرابها. انتهى.

15 -

وعن أبي موسى رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: مُدمنُ (3) الخمرِ وقاطعُ (4) الرحمِ ومُصَدِّقٌ بالسِّحْرِ (5)

ومن

(1) تنمى وتزيد في الآثام. بمعنى أن الذي يتجارأ على شربهايترك الصلاة والصوم، ويظلم ويفسق ويستمر في الغواية، ويرخي العنان لنفسه في سبيل الغواية فتكثر ذنوبه وتقل حسناته كما أن الشجرة تنمو فتتفرع منها أشجار. كما قال تعالى:"ومن ثمرات النخيل والأعناب" يفرغ 123 - 2 ع.

(2)

يداوم عليها.

(3)

المداوم على الشرب فلا يتوب.

(4)

قاطع مودة أقاربه.

(5)

يقال على معان. الأول الخداع، وتخييلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعبذ يصرف الأبصار عما يفعله =

ص: 253

مات مُدمن (1) الخمر سقاه الله جل وعلا من نهر الْغُوطَةِ قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهرٌ يجري من فُرُوجِ المومسات يُؤذي أهل النار ريحُ (2) فُروجهم" رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم، وصححه في رواية لابن حبان: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة مُدمن خمرٍ، ولا مؤمنٌ بسحرٍ (3) ولا قاطعُ رحمٍ" [المومسات]: هنَّ الزانيات.

16 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربعٌ حقٌ على الله أن لا يُدخلهمُ الجنة، ولا يُذيقَهُمْ نعيمها: مُدمنُ الخمرِ، وآكلُ الربا، وآكل مال اليتيم بغير حقٍ، والعاقُ (4) لوالديه" رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد.

= لخفة يده وما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأسماع، وعلى ذلك قوله تعالى:"سحروا أعين الناس واسترهبوهم" من الأعراف، وقال:"يخيل إليه من سحرهم" وبهذا النظر سموا موسى عليه السلام ساحراً. فقالوا: "يا أيها الساحر ادع لنا ربك" والثاني استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه كقوله تعالى: "هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم"(221 - 222 من سورة الشعراء). وعلى ذلك قوله تعالى: "ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر" من سورة البقرة، والثالث ما يذهب إليه الأغنام وهو اسم الفعل، يزعمون أنه من قوته يغير الصور والطبائع فيجعل الإنسان حماراً ولا حقيقة لذلك عند المحصلين. أهـ غريب القرآن في مادة سحر.

فتجد الذي يصدق بالسحر لا يدخل الجنة لأنه اعتقد بحقيقة أشياء ثابتة، ولقد علم فرعون أن السحر خيالات وأوهام كما حكى الله عنه في كتابه العزيز، قال تعالى:"قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى"(57 - 61 من سورة طه) .. إلى قوله تعالى: "قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى فألقي السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى"(66 - 70 من سورة طه).

وشاهدنا قول البيضاوي: (من أرضنا بسحرك) أرض مصر، وهذا تعلل وتحير ودليل على أنه علم كونه محقاً حتى خاف منه على ملكه. فإن الساحر لا يقدر أن يخرج ملكاً مثله من أرضه (يوم الزينة): يوم عاشوراء أو يوم النيروز أو يوم عيد، وإنما عينه ليظهر الحق ويزهق الباطل على رءوس الأشهاد، ويشيع ذلك في الأقطار (تلقف): تبتلعه بقدرة الله تعالى، وتحقق عند السحرة أنه ليس بسحر بل آية ومعجزة من اله تعالى. لينصر نبيه ويؤيده ببراهين قدرته.

(1)

مواظب، من أدمنه: لازمه.

(2)

شدة نتن وقذارة.

(3)

مصدق بأحقية أنه مؤثر.

(4)

العاصي.

ص: 254

[قال الحافظ]: فيه إبراهيم بن خيثم بن عراك، وهو متروك.

17 -

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَلِجُ حائِطَ (1) القُدْسِ مُدمنُ خمرٍ، ولا العاقُّ، ولا المنانُ عطاءً" رواه أحمد من رواية علي بن زيد، والبزار إلا أنه قال: لا يلجُ جنان الفردوس.

مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن

18 -

وعن ابن المنكدر قال: حُدِّثْتُ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثنٍ (2) " رواه أحمد هكذا، ورجاله رجال الصحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه عن سعيد بن جبير.

19 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لقيَ الله مدمن خمرٍ، لقيه كعابد وثنٍ".

20 -

وعن أبي موسى رضي الله عنه أنه كان يقول: "ما أبالي شُرِبَتِ الخمرُ أو عُبِدَتْ هذه الساريةُ (3) دون الله" رواه النسائي.

21 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة مُدمن خمرٍ، ولا عاقٌ، ولا مَنَّانٌ، قال ابن عباسٍ: فشق ذلك عليَّ لأن المؤمنون يُصيبون ذنوباً حتى وجدت ذلك في كتاب الله عز وجل في العاقِّ: "فَهَلْ

(1) لا يدخل المكان الطاهر الذي فيه النعيم ثلاثة:

(أ) المستمر على شرب الخمر ولم يتب.

(ب) مهين والديه ومخالفهما وغير بار بهما.

(جـ) الذي يحسن ويذكر إحسانه على سبيل الفخر والرياء. قال تعالى: "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى" من سورة البقرة، أي رد جميل، وتجاوز عن السائل أفضل عند الله من إنفاق فيه مَنٌّ وإيذاء (والله غني حليم): سبحانه يحب الكريم الجواد الذي لا يمن (غني) عن إنفاق بمن وإيذاء (حليم) عن معاجلة من يمن ويؤذي بالعقوبة.

(2)

معناه الذي يموت سكيراً يحشر مع المشركين عباد الصنم. لماذا؟ لأن الإسلام زال عنه وانتفى منه الإيمان إذ يعصي الله بهذه الموبقة.

(3)

العمود المرتفع، والمعنى أن أبا موسى لا يكترث باثنين:

(أ) شارب خمر.

(ب) عابد صنم وهو العماد (وساريتي بلنط أو رخام) وهذا نهاية التحقير للسكير كأنه مغفل جاهل لا يعرف ما يضره أو ينفعه.

ص: 255

عَسَيْتُمْ (1) إنْ تَوَلَّيْتُمْ (2) أنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا (3)

أرْحَامَكُمْ" الآية، وفي المنان: "لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ والأذَى (4)" الآية، وفي الخمر: "إنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ والأزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ (5) " الآية. رواه الطبراني ورواته ثقات إلا أن عتاب بن بشير لا أراه سمع من مجاهد.

22 -

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ حَرَّمَ الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مُدمنُ الخمرِ، والعاقُّ، والدَّيُّوثُ الذي

(1) فهل يتوقع منكم.

(2)

أمور الناس، وتأمرتم عليهم، أو أعرضتم وتوليتم عن الإسلام.

(3)

تزيلوا مودة الأقارب تناحراً على الولاية وتجاذباً لها، أو رجوعاً إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغادر ومقاتلة الأقارب، والمعنى أنهم لضعفهم في الدين وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك منهم من عرف حالهم: أي إن تولاكم ظلمة خرجتم معهم، وساعدتموهم في الإفساد وقطيعة الرحم قال تعالى:"أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"(23 - 24 من سورة محمد). (فأصمهم): لا يستمعون الحق ولا يهتدون سبيله (يتدبرون): يتصفحون القرآن وما فيه من المواعظ والزواجر حتى لا يجسروا على المعاصي. أهـ. بيضاوي.

(4)

أي لا تحبطوا أجرها بالتحدث وذكر الفضل، والفخر والرياء.

(5)

تمام الآية: "فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر، ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين"(90 - 92 من سورة المائدة).

والخمر مصدر خمره إذا ستره، سمي به عصير العنب والتمر إذا اشتد وغلا كأنه يخمر العقل أي يغطيه كما سمى سكراً. لأنه يسكره: يحجزه، وهي حرام مطلقاً، والميسر سمى به القمار لأنه أخذ مال الغير بيسر، أو سلب يساره. والأنصاب: الأصنام التي نصبت للعبادة. والأزلام: الأقداح المكتوب على أحدها: أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، والثالث غفل، فإذا قصدوا فعلاً ضربوا هذه الثلاثة. فإن خرج الآمر مضوا على ذلك، وإن خرج الناهي تجنبوا عنه، فإن خرج الغفل أجالوها ثانياً. قال تعالى:"وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق" رجس: قذر تعاف عنه العقول، مسبب عن تسويل الشيطان وتزيينه.

قال البيضاوي: واعلم أنه أكد سبحانه وتعالى تحريم الخمر والميسر في هذه الآية، بأن صدر الجملة بإنما وقرنهما بالأنصاب والأزلام وسماها رجساً وجعلها من عمل الشيطان تنبيهاً على أن الاشتغال بهما شر بحت، أو غالب، وأمر بالاجتناب عن عينهما وجعله سبباً يرجى منه الفلاح، ثم قرر ذلك بأن بين ما فيهما من المفاسد الدنيوية والدينية المقتضية للتحريم (إنما يريد) الآية. أي يسببان الشقاق والكدر والبغضاء، ويمنع عن العبادة والذكر والصلاة، وأفرد الصلاة إشعاراً بفضلها، والصاد عنها كالصاد عن الإيمان، وأنها عماد الدين، وفرق بين المسلم والكافر الصلاة، وذكر سبحانه الأنصاب والأزلام للدلالة على أنهما مثل الخمر والميسر في الحرمة، والشر والضرر كما ذكر صلى الله عليه وسلم:"شارب الخمر كعابد الوثن".

ص: 256

يُقرُّ في أهلهِ الخبَثَ" رواه أحمد واللفظ له والنسائي والبزار والحاكم وقال: صحيح الإسناد.

اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر

23 -

ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُرَاحُ رِيحُ الجنةِ من مسيرةِ خمسمائة عامٍ، ولا يجدُ ريحها مَنَّانٌ بعملهِ، ولا عاقٌ ولا مُدمنُ خمرٍ" رواه الطبراني في الصغير.

24 -

وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة أبداً: الديوث، والرَّجُلَةُ من النساء، ومدمن الخمر، قالوا يا رسول الله: أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث (1)؟ قال: الذي لا يُبالي من دخل على أهله. قلنا: فما الرَّجُلَةُ من النساء؟ قال: التي تشبهُ بالرجال" رواه الطبراني، ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً، وشواهده كثيرة.

25 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شرٍ" رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

26 -

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الخمرُ جِمَاعُ الإثم (2)، والنساء حَبَائِلُ (3) الشيطان، وحُبُّ الدنيا رأس (4) كل خطيئةٍ" ذكره رزين، ولم أره في شيء من أصوله.

27 -

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن لا تُشْرِكَ بالله شيئاً وإن قُطِّعْتَ (5) وإن حُرِّقْتَ (6)،

ولا تترك صلاةً مكتوبة مُتعمداً فمن تركها متعمداً فقد برئت (7) منه الذمة، ولا تشرب الخمر، فإنها مفتاح (8) كُلِّ

(1) فاقد الشجاعة الذي يرضى بفسق أهله.

(2)

الذنب.

(3)

مصايد للإغواء والإضلال.

(4)

العكوف على جمع الدنيا وزهراتها مسبب للخطايا.

(5)

تمزق جسمك.

(6)

أصابك حرق في سبيل عقيدتك بتوحيد الله جل وعلا.

(7)

خرج من الملة الحنيفة السمحاء.

(8)

جالبة كل المصائب ومسببة المعاصي لأن الشارب يفقد عقله ويضيع صوابه فيرتكب كل جريمة ويفعل كل موبقة، ويهتك العرض ويقدم على الشرور والفجور. نسأل الله السلامة، ولقد بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم حالة رجل عرضت عليه الموبقات فاختار الخمر، فبعد أن شرب ضاع صوابه فوقع في حمأة الموبقات كلها، واقترف الآثام جميعها.

ص: 257

شَرٍّ" رواه ابن ماجة والبيهقي كلاهما عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عنه.

اجتنبوا أم الخبائث

28 -

وعن سالم بن عبد الله عن أبيه أن أبا بكرٍ وعمر، وناساً جلسوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم فيها علمٌ فأرسلوني إلى عبد الله بن عمروٍ أسألهُ، فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمرِ، فأتيتهم فأخبرتهم، فأكثروا ذلك، وَوَثَبُوا إليه جميعاً (1) حتى أَتَوْهُ في دارهِ، فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن ملكاً من مُلوكِ بني إسرائيل أخذ رجلاً فَخَيَّرَهُ بين أن يشرب الخمر، أو يقتل نفساً، أو يزني، أو يأكل لحم خنزيرٍ، أو يقتلوهُ؟ فاختار الخمر، وإنه لما شَرِبَ الخمر لم يمتنع من شيء أرادوه منه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحدٍ يشربها فَتُقْبَلَ له صلاةُ أربعين ليلةً، ولا يموتُ، وفي مثانتهِ منه شيء إلا حُرِّمَتْ بها عَليه الجنة، فإن مات في أربعين ليلةً مات ميتةً جاهليةً" رواه الطبراني بإسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.

29 -

وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اجتنبوا أم الخبائث، فإنه كان رجلٌ ممن كان قبلكم يتعبدُ، ويعتزلُ النسا، فَعَلِقَتْهُ (2)

امرأةٌ، فأرسلت إليه خادماً إنا ندعوك لشهادةٍ فدخل، فَطَفِقَتْ (3) كلما يدخلُ باباً أغلقتهُ دونه حتى إذا أفضى (4) إلى امرأةٍ وضيئةٍ (5) جالسةٍ، وعندها غُلامٌ وبَاطِيَةٌ (6) فيها خمرٌ، فقالت: إنا لم نَدْعُكَ لشهادةٍ ولكن دعوتك لقتلِ (7) هذا الغُلامِ أو تقع عليَّ، أو تشربَ كأساً من الخمر، فإن أبيت صِحْتُ (8) بك وفَضَحْتُكَ.

(1) طفروا جميعاً. كذا (د): ص 25 - 2، وفي (ط): شيعاً.

(2)

أحبته وقلبها هام به وتعلق، وفي النهاية فعلقت منه كل معلق: أي أحبها وشغف بها. يقال علق بقلبه علاقة، وكل شيء وقع موقعه فقد علق عاليقه. أهـ.

(3)

أخذت في الفعل.

(4)

وصل.

(5)

جميلة حسنة الوجه وضاءة متلألئة براقة.

(6)

إناء كبير مثل القصعة.

(7)

لقتل. كذا (ط وع)، وفي (ن د): لتقتل وتشرب الخمر.

(8)

رفعت صوتي مستغيثة، وأعلنت جرمك على رءوس الأشهاد.

ص: 258

قال: فلما رأى أنه لابد له من ذلك قال: اسقيني كأساً من الخمر، فسقتهُ كأساً من الخمر فقال: زيديني، فلم تزل حتى وقعَ عليها (1) وقتل النَّفْسَ، فاجتنبوا الخمر فإنه والله لا يجتمعُ إيمانٌ وإدمانُ الخمر في صدر رجلٍ وليوشكن أحدهما يُخْرِجُ صاحبهُ" رواه ابن حبان في صحيحه واللفظ له، والبيهقي مرفوعاً مثله، وموقوفاً وذكر أنه المحفوظ.

30 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن آدم لما أُهْبِطَ (2) إلى الأرض قالت الملائكة: أيْ ربِّ أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لكَ (3)

قال: إنِّي أعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ. قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله لملائكته: هَلُمُّوا (4) مَلَكَيْنِ مِنَ الملائكةِ، فننظر كيف يعملان؟ قالوا: ربنا هاروت وماروت. قال: فاهبطا (5) إلى الأرض، فتمثلت لهما الزهرةُ (6) امرأةً من أحسن البشر، فجاءاها، فسألاها نفسها، فقالت: لا واللهِ حتى تتكلما بهذه الكلمةِ من الإشراكِ، قالا: والله لا نُشركُ بالله أبداً،

(1) أي جامعها وارتكب الفاحشة، وقتل الغلام، لماذا؟ لأنه سكر فغاب عقله فشابه المجنون ففعل المعاصي، ولم يدر. فكذلك شارب الخمر عرضة لفعل ما يغضب الله ولا يعي، ومن ذا طلب صلى الله عليه وسلم من أمته أن تبتعد عن شرب الخمر قليلها وكثيرها، ثم أقسم صلى الله عليه وسلم بعدم اجتماع هذين الضدين:

(أ) الإيمان.

(ب) إدمان. فالإيمان إذا عمر القلب أثمر بالاستقامة فلا إدمان، وأما إذا شرب الإنسان زال الإيمان.

(2)

أنزله الله الدنيا.

(3)

تعجب من أن يستخلف لعمارة الأرض وإصلاحها من يفسد فيها، أو يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية، واستكشاف عما خفي عليهم من الحكمة التي بهرت تلك المفاسد وألفتها، واستخبار عما يرشدهم، ويزيح شبهتهم كسؤال المتعلم معلمه عما يختلج في صدره، وليس باعتراض على الله تعالى جلت قدرته، ولا طعن في بني آدم على وجه الغيبة، فإنهم أعلى من أن يظن بهم ذلك لقوله تعالى:"بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون"(26 - 27 من سورة الأنبياء). وإنما عرفوا ذلك بإخبار من الله تعالى، أو تلق من اللوح، أو استنباط عما ركن في عقولهم أن العصمة من خواصهم. أهـ. بيضاوي.

(4)

أقبلوا وانظروا، واختاروا ملكين.

(5)

أنزلا.

(6)

كوكب وضاء في السماء تشبه بغادة حسناء فاشتاقت نفساهما إلى مداعبتها، شأن الطباع البهيمية لأنهما تجردا من عالم الملائكة إلى عالم البشر فعلقت الزهرة رضاها على الكفر، مهراً لها وأجراً، فأبيا، ثم عادت وطلبت قتل غلام فأبيا، ثم رجعت ثالثة ومعها كوبة خمر فشربا فذهب عقلهما فارتكبا الفاحشة وقتلا الغلام وذلك من شرب الخمر وبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أنها أم الخبائث ومفتاح كل شر.

ص: 259

فذهب عنهما، ثم رجعت إليهما ومعها صبيٌ تحملهُ، فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تقتُلَا هذا الصبي، فقالا: والله لا نقتلهُ أبداً، فذهبت، ثم رجعت بقدحٍ من خمرٍ تحملهُ، فسألاها نفسها، فقالت: لا واللهِ حتى تشربا هذه الخمرَ، فشربا فَسَكِرَا، فوقعا عليها، وقتلا الصبي، فلما أفاقا، قالت المرأةُ: والله مَا تَركتما من شيءٍ أبيتماهُ عليَّ إلا فعلتماهُ حين سَكِرْتُمَا، فَخُيِّرَا عند ذلك بين عذاب الدنيا والآخرة، فاختارا عذاب الدنيا" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه من طريق زهير بن محمد، وقد قيل: إن الصحيح وقفه على كعب، والله أعلم.

31 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما حُرِّمَتِ الخمرُ مشى أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعضٍ، وقالوا: حُرِّمَتِ الخمرُ، وجُعِلَتْ عِدْلاً للشرك (1) " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

32 -

وعن أبي تميم الجيشاني: أنه سمع قيس بن سعيد بن عبادة الأنصاري وهو على مِصْرَ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كذب عليَّ كذبةً مُتعمداً، فليتبوأ (2) مضجعاً من النار، أو بيتاً في جهنم، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شرب الخمر أتى عطشان يوم القيامة، ألا فكل مُسْكِرٍ (3) خمرٌ، وكل خمرٍ حرامٌ، وإياكم والغُبَيْرَاءَ (4)، وسمعت عبد الله بن عمروٍ، بعد ذلك يقول مثلهُ، لم يختلف إلا في بيتٍ أو مضجعٍ" رواه أحمد وأبو يعلى، كلاهما عن شيخ من حمير لم يسمياه، عن أبي تميم.

33 -

ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) مساوية لعقاب الإشراك بالله، وقد تقدم أن شارب الخمر يعذب كعابد الوثن، وقد قرن الله تعالى الخمر مع الأنصاب والأزلام، رجاء البعد عنها.

(2)

فليأخذ مكان اضطجاعه.

(3)

كل ما يغيب العقل من شراب العنب، والتمر والشعير، والحشيش والأفيون وغير ذلك.

(4)

ضرب من الشراب يتخذه الحبش من الذرة، وتسمى الكركة، وقال ثعلب: هو خمر يعمل من الغبيراء، هذا التمر المعروف، أي مثل الخمر التي يتعارفها جميع الناس لا فضل بينهما في التحريم. أهـ. نهاية.

ص: 260

قال: من شرب الخمر خرج نور الإيمان من جوفه" رواه الطبراني.

34 -

ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شرب الخمر أسقاه الله من حميمِ (1) جهنم" رواه البزار.

35 -

وعن جابر رضي الله عنه: "أن رجلاً قَدِمَ من جَيْشَانَ، وجيشانُ من اليمن فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرابٍ يشربونهُ بأرضهم من الذرة، يقال له: المزْرُ (2)

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوَمُسْكِرٌ هُوَ؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلُّ مُسْكِرٍ حرامٌ، وإن عند الله عهداً لمن يشربُ المسكرَ أن يسقيهُ من طينة الخَبَالِ. قالوا: يا رسول الله! وما طينةُ الخَبَالِ؟ قال عَرَقُ أهل النارِ أو عُصارةُ أهل النار" رواه مسلم والنسائي.

36 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ثلاثةٌ لا تقربهم الملائكةُ: الجُنُبُ والسَّكرَانُ، والمُتَضَمِّخُ بالخُلوقِ (3) " رواه البزار بإسناد صحيح.

37 -

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يقبل الله لهم صلاةً، ولا تصعدُ لهم إلى السماء حسنةٌ: العبدُ الآبقُ (4) حتى يرجع إلى مواليه (5)، فيضع يده في أيديهم، والمرأة الساخطُ (6) عليها زوجها حتى يرضى، والسكران حتى يصحو (7) " رواه الطبراني في الأوسط وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والبيهقي.

38 -

وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله بعثني رحمةً وهدىً للعالمين، وأمرني أن أمحقَ المزامير (8)، والْكُبَّارَاتِ، يعني الْبَرَابِطَ

(1) سقى وأسقاه الماء الشديد الحرارة قال تعالى: "وسقوا ماءً حميماً".

(2)

نبيذ يتخذ من الذرة، وقيل من الشعير والحنظة. أهـ. نهاية.

(3)

طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وقد ورد تارة بإباحته، وتارة بالنهي عنه، والنهي أكثر وأثبت، وإنما نهى عنه لأنه من طيب النساء وكن أكثر استعمالاً له منهم، والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة. أهـ. نهاية.

(4)

الفار الهارب.

(5)

أسياده.

(6)

الغضبان.

(7)

يستيقظ من سكرته وغفلته ويفيق.

(8)

جمع مزمار، والمزمار: الآلة التي يزمر بها من زمر =

ص: 261

والمعازف (1) والأوثان (2)

التي كانت تُعْبَدُ في الجاهلية، وَأقْسَمَ ربي بعزته: لا يشربُ عَبْدٌ من عبيدي جَرْعَةً من خمرٍ إلا سَقَيْتُهُ مكانها من حميم جهنم مُعذباً أو مغفوراً (3) له ولا يسقيها (4) صبياً صغيراً إلا سقيتهُ مكانها من حميم جهنمَ مُعَذَّبَاً أو مغْفُوراً له، ولا يدعها عبدٌ من عبيدي من مخافتي إلا سقيتها إياهُ من حظيرة القُدْسِ (5) " رواه أحمد من طريق علي بن يزيد.

[البرابط]: جمع بربط، بفتح الباءين الموحدتين: وهو العود.

من سره أن يسقيه الله الخمر في الآخرة فليتركها في الدنيا

39 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك الخمر وهو يقدرُ عليه لأسقينهُ منه في حظيرة القدس: ومن ترك الحرير، وهو يقدرُ عليه لأكسونه إياه في حظيرة القدس" رواه البزار بإسناد حسن.

40 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يسقيه الله الخمر في الآخرة فليتركها في الدنيا، ومن سره أن يكسوهُ الله الحريرَ في الآخرة فليتركهُ (6) في الدنيا" رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات إلا شيخه المقدام بن داود، وقد وُثِّق، وله شواهد.

41 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من شربَ حَسْوَةً (7) من خمرٍ، لم يقبل الله منه ثلاثةَ أيامٍ صَرْفاً ولا عَدْلاً (8)، ومن شرب كأساً لم يقبلِ الله صلاتهُ أربعين صباحاً، وَمُدمنُ الخمر حقاً على الله أن يسقيهُ من نهر الخَبَالِ. قيل: يا رسول الله: وما نهر الخبَالِ؟ قال: صديدُ (9)

أهل النار" رواه الطبراني من رواية حكم بن نافع.

= إذا غنى والقصبة التي يزمر بها زمارة، ومنه حديث أبي بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وفي رواية مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

الدفوف وغيرها مما يضرب.

(2)

الأصنام.

(3)

عاصياً أو طائعاً.

(4)

ولا يسقيها رجل بالغ صبياً صغيراً فيعذب الله الساقي من الماء المغلي بنار جهنم لأنه يريد أن يغوي الطفل ويعوده الإجرام.

(5)

نعيم الجنة.

(6)

فلا يلبسه.

(7)

الجرعة من الشراب بقدر ما يحسى مرة واحدة مثل حسو الطير.

(8)

فرضاً ولا نفلاً.

(9)

ما يسيل من جلود أهل النار. قال تعالى: "ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه"(16 - 17 من سورة إبراهيم).

ص: 262

في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، الحديث

42 -

وروي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لَيَبِيتَنَّ أُنَاسٌ من أمتي على أشَرٍ وَبَطَرٍ وَلَعِبٍ وَلَهْوٍ فيصبحوا قردةً وخنازير (1) باستحلالهم المحارمَ، واتخاذهم القينات، وشربهم الخمر وبأكلهم الربا، وَلُبْسِهمُ الحرير" رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في رواية، وتقدم حديث أبي أمامة في معناه.

43 -

وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يَشْرَبُ ناسٌ من أمتي الخمر، يُسمُّونها بغير اسمها، يُضربُ على رؤوسهم بالمعازف والقيناتِ يخسفُ الله بهم الأرض، ويجعلُ منهم القردةَ والخنازير" رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه.

44 -

وعن عمران بن حُصينٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في هذه الأمة خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ. قال رجلٌ من المسلمين: يا رسول الله! متى ذلك؟ قال: إذا ظهرت القِيَانُ (2) والمعازفُ (3)، وشُربتِ الخمور" رواه الترمذي من رواية عبد الله بن عبد القدوس، وقد وُثِّق، وقال: حديث غريب، وقد روى عن الأعمش عن عبد الرحمن بن سابط مرسلاً.

(1) أي يظل قومه طول ليلهم يفرحون ويمرحون، وينسون نعمة الله بطراً فتشرق الشمس عليهم وهم مثل القردة والخنازير في الدناءة والخسة والحقارة بسبب فجورهم وزيادة فسوقهم: وارتكاب المعاصي كما قال تعالى: "أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون"(24 - 26 من سورة الزمر). (يتقي): يجعل الأعمال الصالحة وقاية له من عذاب الله (للظالمين): للكافرين والعصاة (الخزي): كالمسخ والخسف والقتل والسبي والإجلاء. أهـ. بيضاوي.

قف بنظرك قليلاً على هذا الحديث واقرأه مراراً وتكراراً. ألا يصدق علينا الآن سنة 1955 م، وامش خطوات قليلة بعد العشاء تجد مواخير عامرة: ودور الملاهي ملأى بالغافلين، والمسارح مزدحمة بالعاصين وهكذا من غشيان الناس الفجور جهاراً وليلاً ونهاراً. هذا إلى استحلال الأجنبيات والعيش معهن بلا عقد شرعي (كمريرة) وذهاب إلى حوانيت الخمور يشربون، وبيوتهم في حاجة إلى مليم ينفق على أهله وأولاده، وانتشار الربا وكثرة التعامل به وعمران المصارف بملايين من أموال المسلمين.

(2)

القيان. كذا (ط وع) ص 127 - 2، وفي (ن د): القينات: أي المغنيات، ومن على شاكلتهن.

(3)

آلات الملاهي.

ص: 263

من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً

45 -

وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من مات من أمتي، وهو يشرب الخمر حَرَّمَ الله عليه شُربها في الجنة، ومن مات من أمتي، وهو يتحلى الذهب حرم الله عليه لباسهُ في الجنة" روه أحمد والطبراني، ورواة أحمد ثقات.

46 -

وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر فاجلدوه (1)،

فإن عاد في الرابعة فاقتلوهُ" رواه الترمذي وأبو داود، ولفظه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاقتلوهم" ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه.

47 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سَكِرَ فاجلدوه، ثم إن سكرَ فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة، وعندهما: فإن عاد في الرابعة فاضربوا عنقه.

[قال الحافظ]: قد جاء قتل شارب الخمر في المرة الرابعة من غير ما وجهٍ صحيح، وهو منسوخ، والله أعلم.

48 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر لم تُقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عادَ لم تُقبلْ له صلاةٌ أربعين صباحاً فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تُقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد في الرابعة لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن تاب لم يَتُبِ الله عليه، وغضب الله عليه، وسقاهُ من نهر الخبال. قيل: يا أبا عبد الرحمن! وما نهر الخَبَالِ؟ قال: نهر يجري من صديد أهل النار" رواه الترمذي

(1) أقيموا عليه أربعين جلدة للحر، ذكراً كان أو أنثى، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالضرب بسبب شرب الخمر بالجريد، والنعال أربعين. رواه مسلم، ونصفها للرقيق ولو مبعضاً، هذا عند الشافعية خلافاً للأئمة حيث قالوا إن الجلد ثمانون للحر وأربعون للرقيق، وللإمام الزيادة على أربعين إلى ثمانين للحر، وعلى العشرين إلى أربعين في الرقيق تعزيراً. أهـ. تنوير القلوب، وقد ذكر الحافظ المنذري أنه منسوخ: أي غير معمول به.

ص: 264

وحسنه، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد: ورواه النسائي موقوفاً عليه مختصراً. ولفظه: "من شرب الخمر فلم يَنْتَشِ (1) لم تُقبل له صلاةٌ مادام في جوفه أو عروقه منها شيء، وإن مات مات كافراً، وإن انتشى (2) لم تقبل منه صلاةٌ أربعين (3)

يوماً وإن مات فيها مات كافراً (4) ".

من شرب الخمر فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً

49 -

وفي رواية للنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شرب الخمر فجعلها في بطنه لم تُقبل منه صلاةٌ سبعاً، وإن مات فيها مات كافراً، فإن أذهبت عَقْلَهُ عن شيء من الفرائض"، وفي رواية:"عن القرآن لم تقبل منه صلاةٌ أربعين يوماً، وإن مات فيها مات كافراً".

50 -

وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمرَ فَسَكِرَ لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فَسَكِرَ لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد في الرابعة، كان حقاً على الله أن يسقيهُ من طينة الخَبَالِ يوم القيامة. قالوا: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار" رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه الحاكم مختصراً ببعضه، قال:"لا يشرب الخمر رجلٌ من أمتي فتقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً" وقال: صحيح على شرطهما.

51 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ

(1) لم يسكر. الانتشاء: أول السكر ومقدماته: وقيل هو السكر نفسه، ورجل نشوان، بين النشوة. أهـ. نهاية.

(2)

سكر وغاب عقله.

(3)

لأن الصلاة لم تنهه عن ارتكاب هذه الموبقة، والله تعالى يقول:"إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"، فصلاته وهو يشرب خمراً غير مقبولة، ومن أحسن التوبة وعزم على عدم الرجوع إلى المعاصي قبل الله عذره وإنابته.

(4)

شارب الخمر لو مات على حالة سكره انتزع الإيمان من قلبه فكفر فمات على هذه الحالة فيرمى في جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.

ص: 265

مُخَمِّرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حرَامٌ، ومن شرب مُسْكِراً بُخِسَتْ صلاتهُ أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقاً على الله أن يسقيهُ من طينة الخبالِ. قيل: وما طينةُ الخبالِ يا رسول الله؟ قال: صديد أهل النار، ومن سقاه صغيراً لا يعرفُ حلالهُ من حرامهِ، كان حقاً على الله أن يسقيهُ من طينة الخبالِ" رواه أبو داود.

من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة

52 -

وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من شرب الخمر لم يرضَ الله عنه أربعين ليلةً، فإن مات مات كافراً، وإن تاب تابَ الله عليه، فإن عاد كان حقهُ على اللهِ أن يسقيهُ من طينةِ الخبال، قيل: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: صديد أهل النار" رواه أحمد بإسناد حسن، ورواه أحمد أيضاً والبزار والطبراني من حديث أبي ذر بإسناد حسن.

53 -

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شرب الخمر سخطَ الله عليه أربعين صباحاً، وما يُدريهِ لعل مَنِيَّتَهُ (1) تكون في تلك الليالي، فإن عاد سخط الله عليه أربعين صباحاً، وما يدريه لعل منيته تكون في تلك الليالي، فإن عاد سخط الله عليه أربعين صباحاً، فهذه عشرون ومائة ليلةٍ، فإن عاد فهو في رَدْغَةِ الخبال. قيل: وما ردغة الخبال؟ قال: عرقُ أهل النار وصديدهم" رواه الأصبهاني، وفيه إسماعيل بن عياش، ومن لا يحضرني حاله.

54 -

ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من فارق الدنيا وهو سكران، دخل القبر سكران، وبُعِثَ من قبره سكران، وأُمِرَ به إلى النار سكران إلى جبلٍ يُقالُ له سكرانُ فيه عينٌ يجري منها القيحُ والدمُ

(1) موتته: أي وما يعلم ذلك السكران أن روحه تفارقه في حالة غضب الله عليه في هذه المدة فيموت كافراً مطروداً من رحمة الله فيستمر غضب الله عليه مدة إدمانه مائة وعشرين ليلة، وبعد ذلك يستحق أن يرمى في جهنم ليشرب عرق أهل النار، ويذوق مرارة صديدهم، والعياذ بالله تعالى. 130 - 2 ع.

ص: 266

وهو طعامهم وشرابهم مادامت السموات (1) والأرضُ" رواه الأصبهاني وأظنه في مسند أبي يعلى أيضاً مختصراً، وفيه نكارة.

55 -

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك الصلاة سُكراً مرةً واحدةً فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فَسُلِبَهَا (2)، ومن ترك الصلاة أربع مراتٍ سُكراً كان حقاً على الله أن يسقيهُ من طينة الخبالِ. قيل: وما طينةُ الخبال؟ قال: عُصارةُ أهل جهنم" رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد.

56 -

وروى أحمد منه: "من ترك الصلاة سُكراً مرةً واحدةً فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فَسُلِبَهَا" ورواته ثقات.

57 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار (3): إذا ظهر التَّلَاعُنُ (4)، وشربوا الخمور، ولبسوا الحرير، واتخذوا القيان (5)، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء (6) " رواه البيهقي وتقدم في لبس الحرير.

(1) مدة وجود السموات والأرض، أي يستمر عذاب شارب الخمر زمناً طويلاً يعلمه الله تعالى، والنصوص دالة على فناء السموات والأرض في الدنيا، وإنما ضرب ذلك على سبيل المثال كما قال تعالى:"فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد"(106 - 107 من سورة هود). قال البيضاوي: ليس لارتباط دوامهم في النار بدوامها. بل التعبير عن التأبيد والمبالغة.

(2)

يعني أن السكرة الواحدة تفقده شيئاً كثيراً ملكه كما لو ملك الدنيا فذهبت عنه لعصيانه.

(3)

استحقت الهلاك والخراب.

(4)

أن يلعن كل واحد منهما نفسه أو صاحبه مثل الملاعنة: أي يحصل من اثنين سب وخصام. واللعن كما في النهاية: الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السب والدعاء، وفي حديث اللعان فالتعن، هو افتعل من اللعن: أي لعن نفسه، واللعان والملاعنة: اللعن بين اثنين فصاعدا. أهـ.

(5)

القيان كذا (ط وع) ص 131 - 2، وفي (ن د): القينات.

(6)

أي انتشرت العزوبة وقل الزواج فيلوط الرجل وتقضي المرأة شهوتها مع أختها فحلت نذر الخراب.

أضرار شرب الخمر كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه:

أولاً: تنتزع من الشارب أنوار الإيمان حين شربه.

ثانياً: استحق لعنة الله وطرده من رحمته.

ثالثاً: شرب الخمر يدعو إلى جلب الهموم وتضييق الأرزاق، وانتشار الأزمة والخسف والمسخ "يبيد قومه". =

ص: 267