الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الحدود وغيرها
الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترهيب من تركهما والمداهنة فيهما
1 -
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم مُنكراً فليغيره (1) بيده، فإن لم يستطع (2) فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه (3)، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي، ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكراً فَغَيَّرَهُ بيده فقد برئ (4)،
ومن لم يستطع أن يُغيرهُ بيده فَغَيَّرَهُ بلسانه فقد برئ، ومن لم يستطع أن يُغيرهُ بلسانه فَغَيَّرَهُ بقلبه فقد برئ، وذلك أضعف الإيمان".
2 -
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) فليزله. أمر صلى الله عليه وسلم بإزالة الباطل وكل ما يغضبه سبحانه وتعالى.
(2)
يقدر أن يزيله بالكلام.
(3)
ينكر عليه ويبغضه ويقطع مودته الله. قال العزيزي في الجامع الصغير: (رأى): علم (منكم): معشر المسلمين (منكراً): شيئاً قبحه الشرع فعلاً أو قولاً (فليغيره): وجوباً إن استطاع (فإن لم يستطع): تغييره بيده فليغيره بلسانه كاستهانة وتوبيخ. فإن خاف ضرراً فالواجب إنكاره بقلبه أن يكرهه به، ويعزم على تغييره إن قدر، وذلك الإنكار بالقلب أضعف الإيمان. قال المناوي: أي خصاله. فالمراد به الإسلام، أو آثاره وثمراته. أ. هـ ص 329
(4)
سلم من العقاب.
على السمع (1)، والطاعة في العُسرِ واليُسرِ (2)، والمنْشَطِ والمكرَهِ (3)، وعلى أثَرَةٍ (4) علينا، وأن لا نُنَازع الأمر أهله إلا أن تروا كُفراً بوَاحاً عندكم من الله فيه برهانٌ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائمٍ" رواه البخاري ومسلم.
أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صلاة
3 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علىكل مِيْسَمٍ (5) من الإنسان صلاةٌ كل يومٍ، فقال رجلٌ من القوم: هذا من أشد ما أنبأتنا به قال: أمرُكَ بالمعروف، ونهيك عن المنكر صلاةٌ، وحَمْلُكَ (6) عن الضعيف صلاةٌ، وإنحاؤك (7) القذى عن الطريق صلاةٌ، وكل خطوةٍ تخطوها إلى الصلاة صلاةٌ (8) " رواه ابن خزيمة في صحيحه.
4 -
وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن أُناساً قالوا يا رسول الله: "ذهب أهل الدثور (9) بالأجور يُصَلُّون كما نُصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم قال: أوَليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به؟ إن بكل تسبيحةٍ صدقةً، وبكل تكبيرةٍ صدقةً، وبكل تحميدةٍ صدقةً، وبكل تهليلةٍ صدقةً، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن منكرٍ صدقةٌ" رواه مسلم وغيره.
(1) تنفيذ أوامر الأولياء الحكام.
(2)
في الرخاء والشدة.
(3)
أي في حال نشاطنا، وفي حال عجزنا عن العمل بما نؤمر به، وقيل في وقت الكسل والمشقة في الخروج أي عاهدناه بالتزام السمع والطاعة في حالتي الشدة والرخاء، وأن لا ننازع الأمر أهله. أ. هـ شرقاوي ص 366 جـ 3
(4)
الأثرة: الإثم، من آثر إيثاراً إذا أعطى: أي على تفضيله واختيار حكمه، واتباع سنته، والاستئثار: الانفراد بالشيء.
(5)
هكذا جاء في ع 107 - 2 ورواية، فإن كان محفوظاً فالمراد به أن على كل عضو موسوم بصنع الله صدقة هكذا فسر. أ. هـ نهاية ص 211 والوسامة: الحسن الوضيء الثابت، وقد وسم يوسم وسامة فهو وسيم، ومعنى صلاة: التنفل وزيادة القربى والطاعة لله تعالى شكراً على ما أنعم وتفضل.
(6)
أي إزاحة كل مكروه عن ضعيف صدقة.
(7)
إزالة ما فيه ضرر.
(8)
المعنى أن كل عمل صالح يجلب لك الخير ويزيدك حسنات.
(9)
جمع دثر، وهو المال الكثير. أ. هـ نهاية: أي الأغنياء انتفعوا بثواب إنفاقهم في سبيل الله. =
أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان أو أمير جائر
5 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فضل الجهاد كلمةُ حقٍ عند سلطان أو أمير جائرٍ (1) " رواه أبو داود، واللفظ له، والترمذي وابن ماجة كهم عن عطية العوفي عنه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
6 -
وعن أبي عبد الله طارق بن شهابٍ البجلي الأحْمَسيِّ: "أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وضع رجله في الغَرْزِ: أي الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حقٍ عند سلطان جائرٍ" رواه النسائي بإسناد صحيح.
[الغرز]: بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدهما زاي: هو ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل: لا يختص بهما.
7 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "عَرَضَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ عند الجمرة الأولى، فقال: يا رسول الله، أيُّ الجهاد أفضل؟ فسكت عنه، فلما رمى الجمرة الثانية سألهُ، فسكت عنه، فلما رمى جمرة العقبة وضع رجلهُ في الغَرْزِ ليركب. قال: أين السائل؟ قال: أنا يا رسول الله. قال: كلمة حق تُقالُ عند ذي سُلطان جائرٍ" رواه ابن ماجة بإسناد صحيح.
8 -
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيدُ الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمرهُ ونهاهُ، فقتله" رواه الترمذي والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
9 -
وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثلُ القائم في حدود الله، والواقع فيها كمثل قومٍ اسْتَهَمُوا (2) على سفينةٍ، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم (3)، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خَرْقاً، ولم نؤذِ مَنْ فوقنا،
= يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين أن ذكر الله وتمجيده، والدفاع عن الحق والنصيحة، وأعمال البر صدقات كثيرة.
(1)
ظالم.
(2)
ضربوا قرعة وتسابقوا على اختيار الأمكنة فيها ليفوز كل بجهة.
(3)
مورد الماء في الجهة العالية، فيصعد القاطنون إليها ويأخذون الماء فتمنوا أن يفتحوا ثغرة في السفينة من قعرها ليسهل أخذ الماء فلا يتكلفون مشاق جمة.
فإن تركوهم وما أرادوا (1)
هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونَجَوْا جميعاً" رواه البخاري والترمذي.
10 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبيٍ بعثهُ الله في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحابٌ يأخذون (2) بِسُنَّتِه، ويَقْتَدُونَ بأمره، ثم إنها تَخْلُفُ من بعدهم خُلُوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده (3) فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بلسانه (4) فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بقلبه، فهو مؤمنٌ ليس وراء ذلك من الإيمان حبةُ خردلٍ" رواه مسلم.
[الحواري]: هو الناصر للرجل، والمختص به، والمعين، والمصافي.
ويل للعرب من شر قد اقترب
11 -
وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فَزِعاً يقول: "لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فُتِحَ اليوم من رَدْمِ يأجوج ومأجوج مِثلُ هذه، وحَلَّقَ بين أُصبعيه: الإبهام والتي تليها، فقلتُ: يا رسول الله
(1) فإن أعطاهم المرتفعون هذه الأمنية انخرقت السفينة ونزل الماء في قاعها فغرقوا جميعاً، وإن أظهروا الشهامة والسلطة النافذة، ومنعوهم بالقوة سلمت السفينة من الغرق، وفاز الراكبون، كذلك العصاة الفساق المنهمكون في الملذات يحتاجون إلى إدارة حازمة ورقابة تامة تمنع من طغيانهم وضلالهم، وإلا وقعت الداهية فأصابت الصالح والطالح، وعمت المصيبة الطائع وغيره كما قال تعالى:
(أ)"كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون"(80 من سورة المائدة). أي لا ينهى بعضهم بعضاً عن معاودة منكر فعلوه، أو عن مثل منكر فعلوه، أو عن منكر أرادوا فعله، وتهيئوا له، أو لا ينتهون عنه.
(ب) وقال تعالى: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً"(17 من سورة الإسراء). أي وإذا تعلقت إرادتنا بأهلاك قوم لإنفاذ قضائنا السابق اغتر أصحاب نعمة الله تعالى العظيمة ففسقوا وعصوا الله فعذبوا بالفقر، وانتزاع البركة والخراب، فاتقوا الله عباد الله واستيقظوا من سباتكم، واتحدوا واضربوا بأيد من حديد على أولئك العصاة والمتبرجات، وأقيموا حدود الله وادعوا الناس إلى الله، وأمروا بالمعروف لله وانهو عن المنكر لله رجاء أن الله تعالى يشملكم برحمته، ويبعد منكم كل مكروه، وإلا فستنزل بكم الكوارث ولا ملجأ من الله إلا إليه.
(2)
يعملون بشريعته، وينفذون أوامره ابتغاء رضوان الله تعالى.
(3)
منعهم بالقوة.
(4)
تصدى لزجرهم وردعهم وكرههم وقطع مودتهم وغير ذلك، ينتفي الإيمان في قلب المخالف هذه الأمور الثلاثة: الدفاع بالسلطان، أو اللسان، أو التقاطع وكرهه لله.
أنَهْلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كَثُرَ الخبثُ (1) " رواه البخاري ومسلم.
12 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت: يا رسول الله إن الله أنزل سطوتهُ بأهل الأرض، وفيهم الصالحون، فَيَهْلِكُونَ بهلاكهم؟ فقال: يا عائشة إن الله عز وجل إذا أنزل سطوته بأهل نقمته، وفيهم الصالحون، فيصيرون معهم، ثم يُبعثون على نياتهم (2) " رواه ابن حبان في صحيحه.
13 -
وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله يبعثُ عليكم عذاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
14 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُحقرنَّ أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله: وكيف يُحقِّرُ أحدنا نفسه؟ قال: يرى أن عليه مقالاً، ثم لا يقولُ فيه، فيقول الله عز وجل يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس (3)، فيقول: فإياي كنت أحقَّ أن تخشى" رواه ابن ماجة، ورواته ثقات.
15 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن عبدٌ حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده، والناس أجمعين" رواه مسلم وغيره.
16 -
وعن جرير رضي الله عنه قال: "بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، فلقنني فيما استطعت والنصح لكل مسلمٍ" رواه البخاري ومسلم.
(1) الفسوق والفجور. 109 - 2 ع خبيث: أي خب ردئ.
(2)
يحييهم الله على أعمالهم الصالحة أو الخبيثة "يوم ينظر المرء ما قدمت يداه".
(3)
امتنع أن ينصح لله خوفاً من المخلوقين، وهذا في زماننا كثير سنة 1955 م، يرى العالم القبائح ولا ينهى مرتكبها خشية لسانه، والمراد أن الإنسان يخشى الله وحده وينكر كل فعل يخالفه، ويحث على العمل بشريعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى:"إنما يخشى الله من عباده العلماء" من سورة فاطر، وقال تعالى:"إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير"(12 من سورة الملك).
وتقدم حديث تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدينُ النصيحة (1) قاله لهُ ثلاثاً. قال: قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله (2)، ولرسوله (3)، ولأئمة المسلمين (4)،
وعامتهم (5) " رواه البخاري ومسلم، واللفظ له.
17 -
وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجلُ يلقى الرجلَ، فيقولُ: يا هذا اتق الله وَدَعْ (6) ما تصنعُ به، فإنه لا يحلُ لك، ثم يلقاهُ من الغدِ (7) وهو على حاله، فلا يمنعهُ ذلك أن يكون أكيلهُ وشَرِيَبهُ وقَعِيدَهُ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعضٍ، ثم قال: "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَني إسْرَائِيلَ عَلىَ لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ (8) الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أنْفُسُهُمْ (9) إلى قوله فاسقون". ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد (10) الظالم، وَلَتَأْطُرُنَّهُ (11)
على الحق أطراً" رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي، وقال حديث حسن غريب، ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهاهم
(1) أي هو قوام الدين وعماده.
(2)
يؤمن به ويطيعه ويعظمه، ويعتمد عليه وحده، ويهجر المعاصي ويترك صحبة الفساق.
(3)
يصدق برسالته صلى الله عليه وسلم، وينصره بإحياء سنته ويتبع مناهجه.
(4)
يرشدهم إلى الحق ويعينهم عليه، ويطيع أوامرهم وينبههم عند الغفلة برفق ولين.
(5)
إرشاد الناس إلى طاعة الله، واتباع كتابه وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم، وتعليم الجهلة.
(6)
اترك عملك الفاسد.
(7)
اليوم التالي يصاحبه ويجالسه، ويتخذه سميره ونديمه، ويجلس على مائدته، وسكت عن نصائحه، فطرده الله من رحمته وأقصاه من نعيمه.
(8)
يوالون المشركين بغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، والآن يوادون من عصى الله وفسق وفجر، ويتخذونهم أصحاباً ولا ينكرون عليهم القبائح.
(9)
" أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون"(81 - 82 من سورة المائدة).
(10)
تمنعونهم كرهاً، وتجبرونهم قسراً، وتلزمونهم اتباع العدل مهما صعب عليهم.
(11)
لأنهم لم ينصحوه، ويردعوه ويقطعوا صحبته لله.
علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داودَ وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان متكئاً فقال: لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً".
[قال الحافظ]: رويناه من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، ولم يسمع من أبيه، وقيل سمع، ورواه ابن ماجة عن أبي بعدة مرسلاً.
[تأطروهم]: أي تعطفوهم وتقهروهم، وتلزموهم باتباع الحق.
18 -
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يُغيروا عليه، ولا يُغيرون إلا أصابهم اله منه بعقابٍ قبل أن يموتوا" رواه أبو داود عن أبي إسحاق قال: أظنه عن ابن جرير عن جرير، ولم يسمّ ابنه، ورواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه والأصبهاني وغيرهم عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير عن أبيه.
19 -
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: "يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: "يأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ (1) ". وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا (2)
على يديه أوشكَ أن يَعُمهمُ الله بعقابٍ من عنده" رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجة والنسائي وابن حبان في صحيحه، ولفظ النسائي: "إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يُغيروهُ عَمَّهُمُ الله بعقاب".
وفي رواية لأبي داود: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من قومٍ
(1)" إذا اهتديم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون"(160 من سورة المائدة). قال البيضاوي: أي احفظوا أنفسكم والزموا إصلاحها لا يضركم الضلال إن كنتم مهتدين، والآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة ويتمنون إيمانهم، وقيل كان إذا أسلم الرجل قالوا له سفهت آباءك فنزلت. أهـ.
(2)
لم يمنعوه وينصحوه.
يُعْمَلُ فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يُغيروا، ثم لا يُغيروا إلا يُوشك (1) أن يعمهم الله منه بعقابٍ".
20 -
وعن أبي كثيرٍ السُّحَيْمِي عن أبيه قال: "سألت أبا ذرٍ قلتُ: دُلني على عملٍ إذا عمل العبدُ به دخل الجنة؟ قال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تؤمن بالله واليوم الآخر. قلت: يا رسول الله إن مع الإيمان عملاً. قال: يَرْضَخُ (2) مما رزقه الله. قلت: يا رسول الله أرأيتَ إن كان فقيراً لا يجدُ ما يرضخُ به؟ قال: يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر. قال: قلتُ: يا رسول الله أرأيت إن كان عيياً لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال: يصنعُ لأِخْرَقَ (3)، قلت: أرأيت إن كان أخرقَ أن يصنع شيئاً؟ قال: يُعينُ مَغْلُوباً. قلت: أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يُعين مغلوباً؟ قال: ما تريدُ أن يكون في صاحبك (4)؟ من خَيْر، يُمْسِكُ (5)
عن أذى الناس، فقلت: يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة؟ قال: ما من مسلمٍ يفعل خَصْلَةً من هؤلاء إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة" رواه الطبراني في الكبير، واللفظ له، ورواته ثقات، وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم.
21 -
ورويَ عن ذَرَّةَ بنتِ أبي لهبٍ رضي الله عنها قالت: "قلتُ يا رسول الله مَنْ خَيْرُ الناسِ؟ قال: أتقاهم (6) للرب عز وجل، وأوصلهم (7) للرحم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر" رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب، والبيهقي في الزهد الكبير وغيره.
22 -
ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس مُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب
(1) يقرب أن يحل بهم العذاب والآفات والمصائب فتعم.
(2)
يعطي عطية قليلة.
(3)
أي يبحث عن جاهل ضعيف حقير أحمق ويفيده ليكسب صدقة، والخرق كما في النهاية: الجهل والحمق، وقد خرق يخرق خرقاً فهو أخرق. أهـ.
(4)
يعني أليست فيه خلة يحمد عليها فيكسب حسنة.
(5)
يبتعد عن إضرار الناس وعطفه على الإهل.
(6)
أخوفهم وأكثرهم عبادة وطاعة.
(7)
أكثرهم مودة للأقارب.
لكم، وقبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يدفع (1) رزقاً، ولا يُقربُ أجلاً (2)، وإن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم، ثم عُمُّوا بالبلاء (3) " رواه الأصبهاني.
23 -
ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزالُ لا إله إلا الله (4) تنفعُ من قالها، وتَرُدُّ عنهم العذاب والنقمة ما لم يستخفوا بحقها. قالوا: يا رسول الله وما الاستخفافُ بحقها؟ قال: يظهرُ العملُ بمعاصي الله، فلا يُنْكَرُ (5)، ولا يُغير" رواه الأصبهاني أيضاً.
24 -
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تُعْرَضُ الفتنُ على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيُّ قلبٍ أُشربها (6) نُكتت (7) فيه نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرها نُكتتْ فيه نُكتةٌ بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تُضره فتنةٌ مادامت السموات والأرضُ، والآخر أسود مُرْبَاداً (8) كالكوز مُجَخَّياً لا يعرفُ معروفاً، ولا يُنكرُ منكراً إلا ما أُشربَ من هواه" رواه مسلم وغيره.
[قوله: مجخياً] هو بميم مضمومة، ثم جيم مفتوحة، ثم خاء معجمة مكسورة: يعني مائلاً، وفسره بعض الرواة بأنه المنكوس، ومعنى الحديث: أن القلب إذا افتتن، وخرجت منه حرمة المعاصي والمنكرات خرج منه نور الإيمان كما يخرج الماء من الكوز إذا مال أو انتكس.
25 -
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(1) لا يمنع خيراً.
(2)
موتاً.
(3)
أصابتهم المحن والابتلاء أجمعين.
(4)
مع محمد رسول الله، أي النطق بالشهادتين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
(5)
لا يجد العصاة من يزجرهم، ولا يبدل العصيان طاعة.
(6)
أي اختلطت به وامتزجت به، وفي النهاية: الإشراب خلط لون بلون كأن أحد اللونين سقى اللون الآخر يقال بياض مشرب حمرة. أهـ.
(7)
وضعت فيه علامة.
(8)
متغيراً إلى الغبرة: مائلاً إلى الرمادي، والربدة كما في المصباح: لون يختلط سواده بكدرة. يريد صلى الله عليه وسلم أن يتباعد المؤمن عن المعاصي.
"إذا رأيت أمتي تَهابُ (1) أن تقول للظالم يا ظالمُ، فقد تُوُدِّعَ منهم (2) " رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد.
26 -
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصالٍ من الخير: أوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني أن أقول الحق إن كان مراً" مختصراً رواه ابن حبان في صحيحه، ويأتي بتمامه.
الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً .. إلخ
27 -
وعن عُرْسِ بن عميرة الكندي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عُملتِ الخطيئة في الأرض كان من شهدها وكرهها" وفي رواية: "فأنكرها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها، فَرَضِيَهَا (3) كان كمن شهدها (4) " رواه أبو داود من رواية مغيرة بن زياد الموصلي.
28 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج (5)، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتسليمكَ (6) على أهلك، فمن انتقص شيئاً منهن فهو سهمٌ من الإسلام يدعه (7)، ومن تركهن، فقد وَلَّى الإسلام ظهره (8) " رواه الحاكم.
وتقدم حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام ثمانية أسهمٍ: الإسلام سهمٌ، والصلاة سهمٌ، والزكاة سهمٌ، والصوم سهمٌ، وحج البيت سهمٌ، والأمر بالمعروف سهمٌ، والنهي عن المنكر سهمٌ، والجهاد في سبيل الله سهمٌ، وقد خاب (9) من لا سهم له" رواه البزار.
(1) تخاف.
(2)
فقد تتركهم ولا تصاحبهم.
(3)
أي عمل الذنب بتدبيره واقترف بمشورته.
(4)
حضرها. فيه الترهيب من إيقاد نار العداوة.
(5)
في ع 113 - 2 والحج.
(6)
إلقاء السلام.
(7)
يترك ركناً.
(8)
أي أعرض عن آداب الإسلام وطرح مناهجه. وفي النهاية: السهم في الأصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر، وهي القداح، ثم سمى به ما يفوز به الفالج سهمه، ثم كثر حتى سمى كل نصيب سهماً، ويجمع على أسهم وسهمان وسهام. أهـ.
(9)
خسر من لا شيء له من الصالحات الطيبات.