المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترهيب من أذى الجار، وما جاء في تأكيد حقه - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ٣

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌الترهيب من الربا

- ‌ الترهيب من غصب الأرض وغيرها

- ‌الترهيب من البناء فوق الحاجة تفاخراً وتكاثراً

- ‌الترهيب من منع الأجير أجره والأمر بتعجيل إعطائه

- ‌ترغيب المملوك في أداء حق الله تعالى وحق مواليه

- ‌ترهيب العبد من الإباق من سيده

- ‌الترغيب في العتق والترهيب من اعتباد الحر أو بيعه

- ‌كتاب النكاح وما يتعلق به

- ‌الترغيب في غض البصروالترهيب من إطلاقه ومن الخلوة بالأجنبية ولمسها

- ‌الترغيب في النكاح سيما بذات الدين الولود

- ‌ترغيب الزوج في الوفاء بحق زوجته، وحسن عشرتهاوالمرأة بحق زوجها وطاعته، وترهيبها من إسقاطه ومخالفته

- ‌الترهيب من ترجيح إحدى الزوجات، وترك العدل بينهم

- ‌الترغيب في النفقة على الزوجة والعيالوالترهيب من إضاعتهم وما جاء في النفقة على البنات وتأديبهن

- ‌الترغيب في الأسماء الحسنةوما جاء في النهي عن الأسماء القبيحة وتغييرها

- ‌الترغيب في تأديب الأولاد

- ‌الترهيب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه

- ‌ترغيب من مات له ثلاثة من الأولاد أو اثنان أو واحدفيما يذكر من جزيل الثواب

- ‌الترهيب من إفساد المرأة على زوجها والعبد على سيده

- ‌ترهيب المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس

- ‌ترهيب المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة متزينة

- ‌الترهيب من إفشاء السر سيما ما كان بين الزوجين

- ‌كتاب اللباس والزينة

- ‌الترغيب في لبس الأبيض من الثياب

- ‌الترغيب في القميص

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن من لبس ثوباً جديداً

- ‌الترهيب من لبس النساء الرقيق من الثياب التي تصف البشرة

- ‌ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه والتحلي بالذهبوترغيب النساء في تركهما

- ‌الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك

- ‌الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعاً واقتداءً بأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابهوالترهيب من لباس الشهرة والفخر والمباهاة

- ‌الترغيب في الصدقة على الفقير بما يلبسه كالثوب ونحوه

- ‌الترغيب في إبقاء الشيب وكراهة نتفه

- ‌الترهيب من خضب اللحية بالسواد

- ‌ترهيب الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والمتفلجة

- ‌الترغيب في الكحل بالإثمد للرجال والنساء

- ‌كتاب الطعام وغيره

- ‌الترغيب في التسمية على الطعام، والترهيب من تركها

- ‌الترهيب من استعمال أواني الذهب والفضةوتحريمه على الرجال والنساء

- ‌الترهيب من الأكل والشرب بالشمال وما جاء في النهي عن النفخ في الإناءوالشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح

- ‌الترغيب في الأكل من جوانب القصعة دون وسطها

- ‌الترغيب في أكل الخل والزيت، ونهس اللحم دون تقطيعه بالسكين إن صح الخبر

- ‌الترغيب في الاجتماع على الطعام

- ‌الترهيب من الإمعان في الشبع، والتوسع في المأكل والمشارب شَرَهاً وبطراً

- ‌الترهيب من أن يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي وما جاء في طعام المتباريين

- ‌الترغيب في لعق الأصابع قبل مسحها لإحراز البركة

- ‌الترغيب في حمد الله تعالى بعد الأكل

- ‌الترغيب في غسل اليد قبل الطعام وبعده، والترهيب أن ينام وفي يده ريح الطعام لا يغسلها

- ‌كتاب القضاء وغيره

- ‌الترهيب من تولي السلطنة والقضاء والإمارة سيما لمن لا يثق بنفسه وترهيب من وثق بنفسه أن يسأل شيئاً من ذلك

- ‌ترغيب من ولي شيئاً من أمور المسلمين في العدل إماماً كان أو غيره وترهيبه أن يشق على رعيته، أو يجور، أو يغشهم، أو يحتجب عنهم، أو يغلق بابه دون حوائجهم

- ‌ترهيب من ولي شيئاً من أمور المسلمين أن يولي عليهم رجلاً وفي رعيته خير منه

- ‌ترهيب الراشي والمرتشي والساعي بينهما

- ‌الترهيب من الظلم ودعاء المظلوم وخذله، والترغيب في نصرته

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن من خاف ظالماً

- ‌الترغيب في الامتناع عن الدخول على الظلمة والترهيب من الدخول عليهم وتصديقهم وإعانتهم

- ‌الترهيب من إعانة المبطل ومساعدته والشفاعة المانعة من حد من حدود الله وغير ذلك

- ‌ترهيب الحاكم وغيره من إرضاء الناس بما يسخط الله عز وجل

- ‌الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم، ورحمتهم والرفق بهم

- ‌ترغيب الإمام وغيره من ولاة الأمور في اتخاذ وزير صالح وبطانة حسنة

- ‌الترهيب من شهادة الزور

- ‌كتاب الحدود وغيرها

- ‌الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترهيب من تركهما والمداهنة فيهما

- ‌الترهيب من أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر ويخالف قوله فعله

- ‌الترغيب في ستر المسلم، والترهيب من هتكه وتتبع عورته

- ‌الترهيب من مواقعة الحدود وانتهاك المحارم

- ‌الترغيب في إقامة الحدود، والترهيب من المداهنة فيها

- ‌الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها والتشديد في ذلكوالترغيب في تركه والتوبة منه

- ‌الترهيب من الزنا سيما بحليلة الجار والمغيبة والترغيب في حفظ الفرج

- ‌الترهيب من اللواط، وإتيان البهيمة، والمرأة في دبرها سواء كانت زوجته أو أجنبية

- ‌الترهيب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق

- ‌الترهيب من قتل الإنسان نفسه

- ‌الترهيب أن يحضر الإنسان قتل إنسان ظلماً أو ضربه وما جاء فيمن جرد ظهر مسلم بغير حق

- ‌الترغيب في العفو عن القاتل والجاني والظالموالترهيب من إظهار الشماتة بالمسلم

- ‌الترهيب من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب والإصرار على شيء منها

- ‌كتاب البر والصلة وغيرهما

- ‌الترغيب في بر الوالدين وصلتهما وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما وبر أصدقائهما من بعدهما

- ‌الترهيب من عقوق الوالدين

- ‌الترغيب في صلة الرحم وإن قطعت، والترهيب من قطعها

- ‌الترغيب في كفالة اليتيم ورحمته، والنفقة عليه والسعي على الأرملة والمسكين

- ‌الترهيب من أذى الجار، وما جاء في تأكيد حقه

- ‌الترغيب في زيارة الإخوان والصالحين وما جاء في إكرام الزائرين

- ‌الترغيب في الضيافة وإكرام الضيف، وتأكيد حقهوترهيب الضيف أن يقيم حتى يؤثم أهل المنزل

- ‌الترهيب أن يحتقر المرء ما قدم إليه أو يحتقر ما عنده أن يقدمه للضيف

- ‌الترغيب في الزرع وغرس الأشجار المثمرة

- ‌الترهيب من البخل والشح، والترغيب في الجود والسخاء

- ‌الترهيب من عود الإنسان في هبته

- ‌الترغيب في قضاء حوائج المسلمين، وإدخال السرور عليهموما جاء فيمن شفع فأهدى إليه

- ‌كتاب الأدب وغيره

- ‌الترغيب في الحياء، وما جاء في فضله، والترهيب من الفحش والبذاء

- ‌الترغيب في الخلق الحسن وفضله، والترهيب من الخلق السيئ وذمه

- ‌الترغيب في الرفق والأناة والحلم

- ‌الترغيب في طلاقة الوجه، وطيب الكلام، وغير ذلك مما يذكر

- ‌الترغيب في إفشاء السلام، وما جاء في فضلهوترهيب المرء من حب القيام له

- ‌الترغيب في المصافحة، والترهيب من الإشارة في السلاموما جاء في السلام على الكفار

- ‌الترهيب أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن

- ‌الترهيب أن يتسمع حديث قوم يكرهون أن يسمعه

- ‌الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط

- ‌الترهيب من الغضب، والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب

- ‌الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر

- ‌الترهيب من قوله لمسلم: يا كافر

- ‌الترهيب من السباب واللعن لا سيما لمعين آدمياً كان أو دابة وغيرهماوبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح والترهيب من قذف المحصنة والمملوك

- ‌الترهيب من سب الدهر

- ‌الترهيب من ترويع المسلم ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه جاداً أو مازحاً

- ‌الترغيب في الإصلاح بين الناس

- ‌الترهيب أن يعتذر إلى المرء أخوه فلا يقبل عذره

- ‌الترهيب من النميمة

- ‌الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما، والترغيب في ردهما

- ‌الترغيب في الصمت إلا عن خير، والترهيب من كثرة الكلام

- ‌الترهيب من الحسد وفضل سلامة الصدر

- ‌الترغيب في التواضع، والترهيب من الكبر والعجب والافتخار

- ‌الترهيب من قوله لفاسق أو مبتدع:يا سيدي أو نحوها من الكلمات الدالة على التعظيم

- ‌الترغيب في الصدق، والترهيب من الكذب

- ‌ترهيب ذي الوجهين وذي اللسانين

- ‌الترهيب من الحلف بغير الله سيما بالأمانة، ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر ونحو ذلك

- ‌الترهيب من احتقار المسلم وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى

- ‌الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق، وغير ذلك مما يذكر

- ‌الترغيب في قتل الوزغ وما جاء في قتل الحيات وغيرها مما يذكر

الفصل: ‌الترهيب من أذى الجار، وما جاء في تأكيد حقه

‌الترهيب من أذى الجار، وما جاء في تأكيد حقه

1 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جارهُ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" رواه البخاري ومسلم.

2 -

وفي رواية لمسلم: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيُحْسِنْ إلى جاره".

3 -

وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "ما تقولون في الزنا؟ قالوا: حرامٌ حَرَّمَهُ الله ورسوله فهو حرامٌ إلى يوم القيامة. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يزني الرجلُ بعشر نسوةٍ أيسرُ عليه من أن يزني بامرأة جاره. قال: ما تقولون في السرقة؟ قالوا: حرَّمها الله ورسوله فهي حرامٌ. قال: لأن يسرق الرجل من عشرة أبياتٍ أيسرُ عليه من أن يسرق من جاره" رواه أحمد واللفظ له، ورواته ثقات والطبراني في الكبير والأوسط.

4 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ. قيل مَنْ (1) يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمنُ جارهُ بوائقه (2) " رواه أحمد والبخاري ومسلم. وزاد أحمد: "قالوا: يا رسول الله، وما بوائقه! قال: شَرُّهُ".

5 -

وفي رواية لمسلم: "لا يدخل الجنة من لا يؤمن جارهُ بوائقهُ".

6 -

وعن أبي شُريحٍ الكعبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ. قيل: يا رسول الله لقد خاب وخسر،

(1) عرفنا ما المراد مثلاً ومن المحدث عنه. قال في الفتح: في الحديث جناس بليغ، وهو من جناس التحريف وهو قوله: لا يؤمن، ولا يأمن، فالأول من الإيمان والثاني من الأمان. أهـ. ص 341 جـ 10

(2)

جمع بائقة: الداهية والشيء المهلك، والأمر الشديد الذي يوافي بغتة.

ص: 352

من هذا؟ قال: من لا يأمنُ جارهُ بوائقهُ. قالوا: وما بؤائقهُ؟ قال: شَرُّهُ" رواه البخاري.

7 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما هو بمؤمنٍ من لم يأمن جارهُ بوائقهُ" رواه أبو يعلى من رواية ابن إسحاق والأصبهاني أطول منه، ولفظه:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل لا يكونُ مؤمناً حتى يأمن جارهُ بوائقهُ، يبيتُ حين يبيتُ وهو آمنٌ من شَرِّهِ، فإن المؤمن الذي نفسهُ منه في غناء (1)، والناسُ منهُ في راحةٍ".

8 -

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمنُ عبدٌ حتى يُحبَّ لجاره، أو قال لأخيه، ما يحب لنفسه" رواه مسلم.

9 -

ورويَ عن كعبٍ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله إني نزلتُ في محلةِ (2) بني فلانٍ، وإن أشَدَّهُمْ إليَّ أذىً أقربهم لي جواراً، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ وعمر وعلياً رضي الله عنهم يأتون المسجد، فيقومون على بابه، فيصيحون: ألا إن أربعين داراً جارٌ (3)، ولا يدخلُ الجنة من خاف جاره بوائقهُ" رواه الطبراني.

[البوائق] جمع بائقة: وهي الشرُّ، وغائلته كما جاء في حديث أبي هريرة المتقدم.

10 -

وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبهُ، ولا يستقيمُ قلبه حتى يستقيم لسانهُ، ولا يدخل الجنة حتى يأمنَ جارهُ بوائقهُ" رواه أحمد، وابن أبي الدنيا في الصمت كلاهما من رواية علي بن مسعدة.

11 -

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن من

(1) نفع أي يكثر خيره.

(2)

منزل القوم (حتى يبلغ الهدي محله) بكسر الحاء موضع النحر.

(3)

معناه يعد الإنسان أربعين داراً له مجاورة.

ص: 353

أمِنَهُ (1) الناسُ، والمسلمُ من سَلِمَ المسلمون (2) من لسانه ويده، والمهاجرُ (3)

من هجر السوء، والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبدٌ لا يأمنُ جَارُهُ بوائقهُ" رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وإسناد أحمد جيد، تابع عليَّ بن زيد حميدٌ، ويونس بن عبيدٍ.

12 -

وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل قَسَّمَ بينكم أخلاقكم كما قَسَّمَ بينم أرزاقكم، وإن الله عز وجل يُعطي الدنيا من يُحبُّ ومن لا يُحبُّ، ولا يُعطي الدين إلا من أحَبَّ، فمن أعطاه الدين فقد أحَبَّهُ، والذي نفسي بيده لا يُسْلِمُ عبدٌ حتى يُسْلِمَ قلبهُ ولسانهُ، ولا يؤمنُ حتى يأمنَ جارهُ بوائقهُ. قلت: يا رسول الله، وما بوائقهُ؟ قال: غشْمُهُ (4) وظلمهُ، ولا يكسب مالاً من حرامٍ، فَيُنْفِقَ منه فَيُبَارَكَ فيه، ولا يتصدقُ به فَيُقْبَلَ منهُ، ولا يتركهُ خلف ظهرهِ إلا كان زادهُ إلى النار. إن الله لا يمحو السيء بالسيء، ولكن يمحو السيء بالحسنِ (5) إن الخبيث لا يمحو الخبيث" رواه أحمد وغيره من طريق أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد عنه.

13 -

ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آذى جارهُ فقد آذاني (6) ومن آذاني، فقد آذى (7) الله، ومن حاربَ جارهُ (8) فقد حاربني، ومن حاربني فقد حارب الله (9)

عز وجل" رواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ.

(1) اطمأنوا من شروره. الأمن ضد الخوف.

(2)

نجوا من غيبته ونميمته وأذى قوله.

(3)

الذي يترك الشيء حباً في ثواب الله.

(4)

غشمه كذا "ط وع ص 171 - 2) أي جهله وإقدامه على الأذى والكيد والفسوق، وفي (ن د): غشه: أي خديعته وعدم نصحه وتدليسه.

(5)

الضرر والنجس والحرام بالحلال والطيب؛ قال تعالى: "إن الحسنت يذهبن السيئات" من سورة هود. وقال تعالى: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"(34 من سورة فصلت).

(6)

خالف سنتي وعمل ضرراً بي.

(7)

عصى الله سبحانه.

(8)

قدم له كل أذى وأعلن الحرب معه، يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين أن إكرام الجار دليل رضا الله وعنوان إيمانه به ومنبع الإسلام والنور الذي يتجلى من العمل بسنته صلى الله عليه وسلم.

(9)

أعلن عصيانه وفجر وفسق.

ص: 354

أول خصمين يوم القيامة جاران

14 -

ورويَ عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاةٍ قال: لا يصحبنا اليوم من آذى (1) جارهُ، فقال رجلٌ من القومِ أنا بُلْتُ في أَصلِ حائطِ جاري، فقال: لا تصحبنا اليوم (2) " رواه الطبراني، وفيه نكارة.

15 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذُ بك من جار السوء في دار المقامة (3) فإن جارَ الباديةِ (4) يتحولُ" رواه ابن حبان في صحيحه.

16 -

وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول خَصْمَيْنِ يوم القيامة جاران (5) " رواه أحمد، واللفظ له والطبراني بإسنادين أحدهما جيد.

17 -

وعن أبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جارهُ قال: اطرح متاعك على طريقٍ فطرحَهُ، فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونهُ (6)،

فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله لقيتُ من الناس. قال: وما لقيت منهم؟ قال: يلعنوني. قال: لقد لعنك الله قبل الناس، فقال إني لا أعودُ، فجاء الذي شكاهُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ارفع متاعكَ، فقد كُفِيتَ (7) " رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن بنحوه إلا أنه قال:

(1) قدم ضرراً له يريد صلى الله عليه وسلم أن يحارب أعداء الدين ويطلب النصر من رب العالمين ولا ينصر الله إلا الصالحين غير المرتكبين ذنوباً فنقى رجال جيشه وصفاهم واختارهم من المتقين.

(2)

انظر رعاك الله إلى نهي من اعتدى بالبول على أساس حائط جاره أن يرافقه في الغزو، أإلى هذا الحد يترك الرجل، فلا يحارب العدو لنصر دين الله، نعم إنه لا يؤمن. إنه معتد، إنه أثيم فلا يجاهد المذنب بإخلاص، ومن لا يخاف الله يخاف منه.

(3)

الإقامة الدائمة المستمرة.

(4)

سكان الصحراء يضرب خيامه زمناً ثم ينقلها مع الخصب، والمرعى والماء، وغيره يبني مساكن ويقيم فيها.

(5)

أي جاران متخاصمان متنازعان يقضي الله تعالى بينهما بالحق.

(6)

يطلبون من المولى سبحانه أن يطرده من رحمته. لقد عالجه السيد الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينظر إلى سخط الناس له ويلمس غضبهم ويرى مقتهم عسى أن يتوب عن أذى جاره، لماذا؟ لأنه علم ذكره السيء وسيرته الرديئة من أفواه القوم فاستتاب إلى الله وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مستغفراً فقال:"إني لا أعود".

(7)

وقاك الله أذاه وصده عن التعدي عليك وتاب إلى الله أن يقدم لك أي أذى.

ص: 355

ضع متاعك على الطريق أو على ظهر الطريق فوضعهُ، فكان كل من مَرَّ به قال ما شأنك؟ قال: جاري يؤذيني. قال: فيدعو عليه، فجاء جارهُ، فقال: رُدَّ متاعك، فإني لا أوذيك أبداً".

إن أذية الجار تحبط ثواب الأعمال الصالحة

18 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جارهُ، فقال له: اذهب فاصبر، فأتاه مرتين أو ثلاثاً، فقال: اذهب فاطرحْ متاعك في الطريق ففعل، فجعل الناس يمرون ويسألونه، فيخبرهم خبر جارهِ فجعلوا يلعنونهُ فعل الله به وفعل، وبعضهم يدعو عليه، فجاء إليه جارهُ، فقال: ارجع، فإنك لن ترى مني شيئاً تكرههُ" رواه أبو داود، واللفظ له وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.

19 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رجلٌ يا رسول الله: إن فلانة تُكثرُ من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تُؤذي جيرانها بلسانها. قال: هي في النار. قال: يا رسول الله، فإن فلانة يُذكرُ من قلة صيامها وصلاتها، وأنها تتصدقُ بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها. قال: هي في الجنة" رواه أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح أيضاً، ولفظه وهو لفظ بعضهم: "قالوا: يا رسول الله فلانةُ تصومُ النهار، وتقومُ الليل، وتؤذي جيرانها. قال: هي في النار. قالوا: يا رسول الله فلانة تُصلي المكتوبات، وتَصَدَّقُ (1)

بالأثوار من الأقطِ ولا تؤذي جيرانها. قال: هي في الجنة".

[الأثوار] بالمثلثة جمع ثور: وهي قطعة من الأقط.

[والأقط] بتفح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضاً وبكسر الهمزة والقاف معاً وبفتحهما: هو شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي.

(1) أي تتصدق وتحسن.

ص: 356

حقوق الجار

20 -

ورويَ عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أغلق بابهُ دون جارهِ مخافةً على أهلهِ ومالهِ، فليس ذلك بمؤمنٍ، وليس بمؤمنٍ من لم يأمنُ جارهُ بوائقهُ. أتدري ما حقُّ الجار؟ إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك (1) أقرضته، وإذا افتقر عُدْتَ عليه، وإذا مرض عُدْتَهُ، وإذا أصابهُ خيرٌ هنأتهُ، وإذا أصابتهُ مصيبةٌ عَزَّيْتَهُ، وإذا مات اتبعتَ جنازتهُ، ولا تستطيلُ بالبنيان فتحجبُ عنه الريحَ إلا بإذنه، ولا تُؤذِهِ بقُتَارِ ريح قِدْرِكَ إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهةً فأهدِ له، فإن لم تفعل فأدخِلها سراً، ولا يخرجْ بها ولدكَ ليغيظَ بها ولدهُ (2) " رواه الخرائطي من مكارم الأخلاق.

[قال الحافظ]: ولعل قوله أتدري ما حق الجار إلى آخره في كلام الراوي غير مرفوع، لكن قد روى الطبراني عن معاوية بن حيدة قال:"قلتُ: يا رسول الله ما حق الجار عليَّ؟ قال: إن مَرِضَ عُدْتَهُ، وإن مات شَيَّعْتَهُ، وإن استقرضك أقرضتهُ، وإن أعْوَذَ سترتهُ" فذكر الحديث بنحوه.

21 -

وروى أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ عن معاذ بن جبل قال: "قلنا: يا رسول الله ما حق الجوار؟ قال: إن استقرضك أقرضتهُ، وإن استعانكَ أعنتهُ، وإن احتاجَ أعطيتهُ وإن مرضَ عُدْتَهُ" فذكر الحديث بنحوه، وزاد في آخره: هل تفقهون ما أقولُ لكم؟ لن يُؤدي حق الجار إلا قليلٌ ممن رحم الله، أو كلمة نحوها.

22 -

وروى أبو القاسم الأصبهاني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، قالوا: يا رسول الله وما حق الجار على الجار؟ قال: إن سألك (3) فأعطه" فذكر الحديث بنحوه

(1) طلب منك شيئاً سلفة.

(2)

الغيظ غضب كامن للعاجز. مكارم أخلاق يتحلى بها الجار لجاره: يعينه ويسلفه، ويساعده إن عجز أو افتقر، ويزوره عند مرضه، ويهنئه عند السرور، ويعزيه في أتراحه ويمشي وراء نعشه ليدفنه، ولا يسد عليه الهواء النقي الجيد، ولا يسلط عليه أبخرة الطعام فيشمها فيتحسر إلا إذا أحسن إليه بجزء منها، ولا يلعب أولاده بفاكهة أمام أولاده فيتألم إلا إذا أعطاه يسيراً منها.

(3)

طلب منك.

ص: 357

لم يذكر فيه الفاكهة، ولا يخفى أن كثرة هذه الطرق تكسبه قوة، والله أعلم.

23 -

وعن فضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ من الفواقرِ (1): إمامٌ (2) إن أحسنتَ لم يشكر (3) وإن أسأت لم يغفر (4) وجارٌ سَوء (5) إن رأى خيراً دفنهُ، وإن رأى شراً أذاعهُ (6)، وامرأةٌ (7) إن حضرت آذتكَ (8) وإن غبت عنها خانتك (9) " رواه الطبراني بإسناد لا بأس به.

24 -

وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما آمَنَ بي (10) من بات شبعاناً وجارهُ جائعٌ إلى جنبه وهو يعلمُ" رواه الطبراني والبزار وإسناده حسن.

25 -

وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن الذي يشبعُ وجارهُ جائعٌ" رواه الطبراني وأبو يعلى ورواته ثقات ورواه الحاكم من حديث عائشة ولفظه: "ليس المؤمن الذي يبيت شبعاناً، وجارهُ جائعٌ إلى جنبه".

26 -

ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم

(1) الدواهي، جمع فاقرة: عظمة الظهر كأنها تحطم فقار الظهر كما يقال قاصمة الظهر.

(2)

خليفة أو سلطان أو أمير أي: أي حاكم تولى رياسة عمل.

(3)

إن عملت فيه خيراً لم يشكرك على إحسانك لصلفه وقلة أدبه مع الله "لا يشكر الله من لا يشكر الناس".

(4)

وإن حصلت هفوة أو فرطت سقطة يؤاخذ بها وينتقم.

(5)

أي جار جائر إن علم منك فعل خير ستره وأخفى أثره وكتم فضله، لماذا لأنه حسود يتأجج قلبه غيظاً وكمداً.

(6)

نشره وأظهره بين الناس ليعيبك به، لأنه كالذباب يسقط على موائد الفضلات.

(7)

زوجة وحليلة.

(8)

قدمت لك قوارس الكلم وشنعاء الفعل بتبجح وقلة حياء، لأنها سليطة صخابة شتامة فاسقة.

(9)

في نفسها بالزنا، وفي مالك بالإسراف وعدم الرفق، فكل واحدة من هذه الثلاث داهية عظيمة. أهـ جامع صغير ص 172 جـ 2

(10)

لم يكمل إيمانه بالله تعالى، لأنه تمتع بنعمة الله وبقرب منه أخ يبيت على الطوى ويذوق مرارة الجوع، فأين عاطفة الصدقة وأين الضمير الحي، يحث صلى الله عليه وسلم أصحاب النعم والثروة أن يحسنوا إلى جيرانهم، لأن الله تعالى مخلف، قال تعالى:"وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"(39 من سورة سبأ). والنعم عارية والإحسان إلى الجار يقيدها ويزيدها، ومن الإيمان الكامل الإنفاق على الجار المسكين، قال الإمام علي كرم الله وجهه:

وحفاظ جار لا تضعه فإنه

لا يبلغ الشرف الجسيم مضيع

ص: 358

فقال: يا رسول الله اكْسُني، فأعْرَضَ عنهُ، فقال: يا رسول الله اكْسُني. فقال: أما لك جارٌ له فضلُ ثوبين؟ قال: بلى غيرُ واحدٍ. قال: فلا يَجْمَعُ الله بينك وبينه في الجنة" رواه الطبراني في الأوسط.

27 -

ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كم من جارٍ مُتعلقٌ بجارهِ يقول: يارب سَلْ هذا لِمَ أغلق عني بابهُ، ومنعني فَضْلَهُ؟ " رواه الأصبهاني.

28 -

وعن أبي شريحٍ الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيُحْسِنُ إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" رواه مسلم.

29 -

وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخرفليقل خيراً أو ليصمتْ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جارهُ" رواه أحمد بإسناد حسن.

30 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يأخذ عني هذه الكلمات فيعملَ بهنَّ أو يُعَلِّمَ من يعملُ بهنَّ؟ فقال أبو هريرة: قلتُ أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فَعَدَّ خمساً فقال: اتَّقِ المحارم (1) تكن أعبد الناس، وَارْضَ بما قَسَمَ الله لك تكن أغنى الناس، وأحْسِنْ إلى جاركَ تكن مؤمناً وأحِبَّ للناس ما تُحبُّ لنفسكَ تكن مسلماً، ولا تُكْثِر الضحك فإن كثرة الضحك تُميتُ القلب" رواه الترمذي وغيره من رواية الحسن عن أبي هريرة، وقال الترمذي: الحسن لم يسمع من أبي هريرة، ورواه البزار والبيهقي بنحوه في كتاب الزهد عن مكحول عن واثلة عنه وقد سمع مكحول من واثلة قاله الترمذي وغيره لكن بقيةُ أمضاه، وفيه ضعف.

(1) المعاصي: الحرمة: ما لا يحل انتهاكه. وكذا المحرمة بضم الراء وفتحها.

ص: 359

خير الجيران عند الله خيرهم لجاره

31 -

وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الأصحاب (1) عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره" رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.

32 -

وعن مُطرفٍ، يعني ابن عبد الله قال:"كان يَبْلُغُني عن أبي ذر حديثٌ وكنتُ أشتهي لقاءهُ فلقيتهُ فقلتُ يا أبا ذر: كان يَبْلُغُني عنك حديثٌ، وكنتُ أشتهي لقاءك، قال: لله أبوُك قد لقيتني فهاتِ، قلتُ: حديثٌ، بَلَغَني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَدَّثَكَ قال: إن الله عز وجل يُحبُّ ثلاثةً، قال: فما إخَالُنِي أكذبُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقلتُ: فمن هؤلاء الثلاثةُ الذين يحبهم الله عز وجل؟ قال: رجلٌ غزا في سبيل الله صابراً محتسباً، فقاتل حتى قُتِلَ، وأنتم تجدونه عندكم في كتاب الله عز وجل ثم تلا: "إنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً (2) كأنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (3)" قلتُ: وَمَنْ؟ قال: رجلٌ كان له جارُ سوء يؤذيه، فيصبرُ على أذاهُ حتى يَكْفِيَهُ (4) الله إياهُ بِحَياةٍ أوْ مَوْتٍ" فذكر الحديث. رواه أحمد والطبراني واللفظ له وإسناده، وأحد إسنادي أحمد رجالهما محتج بهم في الصحيح، ورواه الحاكم وغيره بنحوه وقال: صحيح على شرط مسلم.

33 -

وعن ابن عمر وعائشةَ رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مازال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سَيُورِّثُهُ (5) " رواه

(1) أفضل الإخوان.

(2)

مصطفين.

(3)

عمل مستحكم، والرص: اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه، هم متراصون فلا توجد فرجة في صفوفهم.

(4)

يحفظه من أذاه ويغنيه عنه بفضله.

(5)

أي يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره، واختلف في المراد بهذا التوريث؛ فقيل يجعل له مشاركة في المال بفرض سهم يعطاه مع الأقارب، وقيل المراد أن ينزل منزلة من يرث بالبر والصلة، والأول أظهر، فإن الثاني استمر والخبر مشعر بأن التوريث لم يقع ويؤيده ما أخرجه البخاري من حديث جابر نحو حديث الباب بلفظ "حتى ظننت أنه يجعل له ميراثاً" وقال ابن أبي جمرة: الميراث على قسمين حسي ومعنوي: فالحسي هو المراد هنا، والمعنوي ميراث العلم، ويمكن أن يلحظ هنا أيضاً، فإن من حق =

ص: 360

البخاري ومسلم والترمذي، ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث عائشة وحدها، وابن ماجة أيضاً وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة.

= الجار على الجار أن يعلمه ما يحتاج إليه، والله أعلم. واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبلدي والنافع والضار والقريب والأجنبي والأجنب وأراد الأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض؛ فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جرا إلى الواحد، وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك فيعطى كل حقه بحسب حاله وقد تتعارض صفتان فأكثر فيرجح أو يساوى. وقد حمله عبد الله بن عمرو أحد من روى الحديث على العموم فأمر لما ذبحت له شاة أن يهدى منها لجاره اليهودي أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وحسنه، وقد وردت الإشارة إلى ما ذكرته في حديث مرفوع أخرجه الطبراني من حديث جابر رفعه "الجيران ثلاثة جار له حق وهو المشرك له حق الجوار، وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق مسلم له رحم وله حق الجوار والإسلام والرحم".

قال القرطبي: الجار يطلق ويراد به الداخل في الجوار ويطلق ويراد به المجاور في الدار وهو الأغلب، والذي يظهر أن المراد به في الحديث الثاني، لأن الأول كان يرث ويورث. فإن كان هذا الخبر صدر قبل نسخ التوريث بين المتعاقدين فقد كان ثابتاً فكيف يترجى وقوعه، وإن كان بعد النسخ فكيف يظن رجوعه بعد رفعه فتبين أن المراد به المجاور في الدار.

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: حفظ الجار من كمال الإيمان، وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه ويحصل امتثال الوصية به لا بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية والسلام وطلاقة الوجه عند لقائه وتفقد حاله ومعاونته فيما يحتاج إليه إلى غير ذلك وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية، وقد نفى صلى الله عليه وسلم الإيمان عن من لم يأمن جاره بوائقه وقد تقدم. وهي مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار، وأن أضراره من الكبائر قال: ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح وغير الصالح، والذي يشمل الجميع إرادة الخير له وموعظته بالحسنى والدعاء له بالهداية وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل، والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم وغير الصالح كفه عن الذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه ويبين محاسنه والترغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضاً ويستر عليه زلله عن غيره وينهاه برفق، فإن أفاد فيه وإلا فيهجره قاصداً تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسبب فكيف. أهـ ملخصاً ص 340 جـ 10

وأراد البخاري في باب حق الجوار في قرب الأبواب عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال إلى أقربهما منك باباً" قال في الفتح: أي أشدهما قرباً، قيل الحكمة فيه أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف لها بخلاف الأبعد، وأن الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من الملمات ولاسيما في أوقات الغفلة. قال ابن أبي جمرة: الإهداء إلى الأقرب مندوب، لأن الهداية في الأصل ليست واجبة فلا يكون الترتيب فيها واجباً. ويؤخذ من الحديث أن الأخذ في العمل بما هو أعلى أولى، وفيه تقديم العلم علىلعمل، واختلف في حق الجوار فجاء عن علي رضي الله عنه:"من سمع الندار فهو جار" وقيل: "من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار" وعن عائشة: "حد الجوار أربعون جاراً من كل جانب" وعن الأوزاعي مثله، وأخرج البخاري في الأدب المفرد مثله عن الحسن. أهـ ص 344 جـ 10

آيات الترغيب في إكرام الجار والترهيب من إيذائه:

أولاً: قال تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى =

ص: 361

34 -

وعن رجلٍ من الأنصار قال: "خرجت مع أهلي أريدُ النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا به قائمٌ، وإذا رجلٌ مُقبلٌ عليه، فظننتُ أن له حاجةً، فجلستُ فوالله لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلتُ أرْثى (1) له من طول القيام، ثم انصرف، فقمتُ إليه، فقلتُ: يا رسول الله لقد قام بك هذا الرجلُ حتى جعلتُ أرْثِي لك من طول القيام. قال: أتدري من هذا؟ قلتُ: لا. قال: جبريل صلى الله عليه وسلم، مازال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، أما إنك لو سَلَّمْتَ عليهِ لردَّ عليك السلام" رواه أحمد بإسناد جيد، ورواته رواة الصحيح.

35 -

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ناقته الجَدْعَاء (2) في حجةِ (3) الوداع يقول: أوصيكم بالجار حتى أكثر، فقلتُ: إنه يُوَرِّثُهُ" رواه الطبراني بإسناد جيد.

36 -

وعن مجاهد أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "ذُبِحَتْ له شاةٌ في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي، أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُوَرِّثُهُ" رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب.

[قال الحافظ]: وقد روى هذا المتن من طرق كثيرة، وعن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.

= والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً" (36 من النساء).

ثانياً: وقال تعالى: "والذي يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً"(58 من سورة الأحزاب).

والجار القريب: من بينك وبينه قرابة. والجار الجنب بخلافه، وهذا قول الأكثر، وقيل الجار القريب المسلم والجار الجنب غيره، وقيل الجار القريب المرأة، والجنب الرفيق في السفر. أهـ ص 340 جـ 10.

(1)

أترحم وأرق وأعطف عليه، من رثيت الميت ورثيت له: ترحمت ورققت له.

(2)

المقطوعة أذنها، من جدعت الشاة: قطعت أذنها فهي جدعاء.

(3)

آخر حجة للنبي صلى الله عليه وسلم، وبعدها التحق بالرفيق الأعلى.

ص: 362