الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أبي هريرة كما أشار إليه الترمذي، وقال البغوي في شرح السنة: حديث حسن، وهو كما قال رحمه الله، فإن سهيل بن أبي صالح وإن كان تُكلم فيه، فقد روى له مسلم في الصحيح احتجاجاً واستشهاداً، وروى له البخاري مقروناً، وقال السلمي: سألت الدارقطني: لِمَ ترك البخاري سهيلاً في الصحيح؟ فقال: لا أعرف له فيه عذراً، وبالجملة فالكلام فيه طويل، وقد روى عنه شعبة ومالك، ووثقه الجمهور، وهو حديث حسن، والله أعلم.
5 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بات وفي يده ريحُ غَمَرٍ، فأصابه شيئ، فلا يلومن إلا نفسه" رواه البزار والطبراني بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح إلا الزبير بن بكار، وقد تفرد به كما قال الطبراني، ولا يضر تفرده، فإنه ثقة إمام.
6 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بات وفي يدهِ ريحُ غَمَرٍ، فأصابهُ وَضَحٌ، فلا يلومَنَّ إلا نفسهُ" رواه الطبراني بإسناد حسن.
[الوضح]: بفتح الواو والضاد المعجمة جميعاً بعدهما حاء مهملة، والمراد به هنا البرص.
كتاب القضاء وغيره
الترهيب من تولي السلطنة والقضاء والإمارة سيما لمن لا يثق بنفسه وترهيب من وثق بنفسه أن يسأل شيئاً من ذلك
1 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كُلُّكُمْ راعٍ (1)، ومسئولٌ عن رعيته: الإمامُ راعٍ، ومسئولٌ عن رعيته،
(1) الراعي هو الحافظ الملتزم صلاح ما ائتمن على حفظه فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه. أ. هـ فتح ص 92 جـ 14، ورواه البخاري في باب قول الله تبارك وتعالى:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"(59 من سورة النساء)، وقال الخطابي: اشتركوا: أي الإمام والرجل، ومن ذكر في التسمية: أي في الوصف بالراعي، ومعانيهم مختلفة فرعاية الإمام الأعظم حياطة الشريعة بإقامة الحدود، والعدل في الحكم، ورعاية الرجل أهله سياسته لأمرهم وإيصالهم حقوقهم، ورعاية المرأة تدبير أمر البيت، والأولاد، والخدم، =
والرجلُ راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيتِ زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها، والخادمُ راعٍ في مال سيده، ومسئولٌ عن رعيته، وكُلُّكُمْ راعٍ ومسئولٌ عن رعيته" رواه البخاري ومسلم.
2 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ حَفِظَ (1) أم ضَيَّعَ" رواه ابن حبان في صحيحه.
3 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَلِيَ القضاء، أو جُعِلَ قاضياً بين الناس، فقد ذُبِحَ بغير سكينٍ" رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
[قال الحافظ]: ومعنى قوله ذبح بغير سكين أن الذبح بالسكين يحصل به إراحة الذبيحة بتعجيل إزهاق روحها، فإذا ذبحت بغير سكين كان فيه تعذيب لها، وقيل: إن الذبح لما كان في ظاهر العرف، وغالب العادة بالسكين عدل صلى الله عليه وسلم عن ظاهر العرف والعادة إلى غير ذلك، ليعلم أن مراده صلى الله عليه وسلم بهذا القول ما يخاف عليه من هلاك دينه دون هلاك بدنه ذكره الخطابي، ويحتمل غير ذلك.
4 -
وعن بُريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القضاةُ ثلاثةٌ: واحدٌ في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة، فرجلٌ عَرَفَ (2) الحق فقضى به
= والنصيحة للزوج في كل ذلك، ورعاية الخادم حفظ ما تحت يده، والقيام بما يجب عليه من خدمته. أ. هـ.
وقال القرطبي: في هذا الحديث أن الراعي ليس مطلوباً لذاته، وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك، فينبغي أن لا يصرف إلا بما أذن الشارع فيه، وهو تمثيل ليس في الباب ألطف، ولا أجمع، ولا أبلغ منه، فإنه أجمل أولاً، ثم فصل، وأتى بحرف التثنية مكرراً، قال: والفاء في قوله: ألا فكلكم جواب شرط محذوف، وختم بما يشبه الفذلكة إشارة إلى استيفاء التفصيل، وقال غيره: دخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوج له ولا خادم، ولا ولد، فإنه يصدق عليه أنه راع على جوارحه حتى يعمل المأمورات، ويجتنب المنهيات فعلاً، ونطقاً، واعتقاداً، فجوارحه، وقواه، وحواسه رعيته، ولا يلزم من الاتصاف بكونه راعياً أن لا يكون مرعياً باعتبار آخر، وجاء في حديث أنس مثل حديث ابن عمر فزاد في آخره "فأعدوا للمسألة جواباً، قالوا وما جوابها؟ قال أعمال البر" أخرجه ابن عدي والطبراني. أ. هـ. فتح.
(1)
قام بواجبه، وراعى حقوق الله أم أهمل وقصر.
(2)
علمه وعمل بنصره.
ورجلٌ عرف الحقَّ فَجَارَ (1)
في الحكم فهو في النار، ورجلٌ قضى للناس على جهلٍ فهو في النار" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
5 -
وعن عبد الله بن مَوْهَبٍ أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال لابن عمر: "اذهب فكن قاضياً (2). قال: أوَ تُعْفِيني (3) يا أمير المؤمنين؟ قال: اذهب فاقضِ بين الناس. قال: تُعْفِيني يا أمير المؤمنين؟ قال: عَزمْتُ عليك إلا ذهبت فقضيت. قال: لا تَعْجَلْ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَنْ عاذَ بالله، فقد عاذ بمُعاذٍ. قال نعم. قال: فإني أعوذ بالله أن أكون قاضياً. قال: وما يمنعك، وقد كان أبوك يقضي؟ قال: لأني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: مَنْ كان قاضياً، فقضى بالجهلِ كان من أهل النار، ومن كان قاضياً فقضى بالجور (4) كان من أهل النار، ومن كان قاضياً، فقضى بحقٍ أو بعدلٍ (5)
سأل التفلُّتَ كَفَافاً، فما أرجو منه بعد ذلك" رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه، والترمذي باختصار عنهما، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان قاضياً، فقضى بالعدل فبالحريِّ أن ينفلت منه كفافاً، فما أرجو بعد ذلك؟ ولم يذكر الآخرين، وقال: حديث غريب، وليس إسناده عندي بمتصل، وهو كما قال، فإن عبد الله بن موهب لم يسمع من عثمان رضي الله عنه.
(1) ظلم، وفي الجامع الصغير "فاعتبروا يا أولي الأبصار"(2 من سورة الحشر)، قال المناوي: ورتبة القضاء شريفة لمن تبع الحق، وحكم على علم. أ. هـ، وقال الحفني: عرف الحق، وهو أقبح وأشد مما قبله، بالهوى: أي هوى نفسه بنحو دنيا يأخذها، فهو يعدل عن الحق عمداً لذلك. أ. هـ ص 67
(2)
حكماً بين الناس.
(3)
تتركني، يخشى عبد الله بن عمر أن يكون في منصب القضاة، فتزل قدمه فيسأله مولاه ويحاسبه ربه، قال الله تعالى:"يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب"(26 من سورة ص).
(4)
الظلم.
(5)
يجتهد القاضي أن يحكم بالحق، ويزن قوله بالعدل، ولا يرجو من الله سوى النجاة من العقاب لأن المسئولية كبرى، والمحاسب لا تخفى عليه خافية، والمنتقم بالمرصاد يحصي كل شيء: أي طلب النجاة من الله تعالى اقتصاداً خشية كثرة الحساب بدليل الحديث الآتي أن القاضي يقف للحساب فيرى شدة الحساب ودقته فيلوم نفسه على منصب القضاء، ويود أنه لو فلت من هذا المركز الخطر فلا يعرض نفسه له، حتى ولو كانت المسألة تافهة فلا يتعرض للفصل فيها بين اثنين خشية أن يخطئ فيعاقب، قال تعالى:"إن ربك لبالمرصاد"(14 من سورة الفجر).
الإمارة أولها ندامة وأوسطها غرامة .. إلخ
6 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليأتينَّ على القاضي العدل يوم القيامة ساعةٌ يتمنى أنه لم يقضِ بين اثنين في تمرةٍ قطُّ" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، ولفظه قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُدعى القاضي العَدْلُ (1) يوم القيامة، فيلقى مِنْ شدة (2) الحساب ما يتمنى أنه لم يقضِ بين اثنين في عُمُرِهِ (3) قطُّ".
[قال الحافظ]: كذا في أصل من المسند والصحيح، تمرة، وعمره، وهما متقاربان في الخط ولعل أحدهما تصحيف، والله أعلم.
7 -
وعن عوف بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن شئتم أنبأتُكم (4) عن الإمارة وما هي؟ فناديتُ بأعلى صوتي: وما هي يا رسول الله؟ قال: أولها مَلامَةٌ (5)، وثانيها ندامةٌ (6)، وثالثها عذابٌ يوم القيامة إلا من عَدَل، وكيف يعدلُ مع قريبه (7) " رواه البزار والطبراني في الكبير، ورواته رواة الصحيح.
8 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "شريكٌ لا أدري رَفَعَهُ أم لا. قال: الإمارةُ أولها ندامةٌ، وأوسطها غرامةٌ (8)، وآخرها عذابٌ يوم القيامة" رواه الطبراني بإسناد حسن.
9 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما مِنْ رجلٍ يَلي (9) أمْرَ عشرةٍ فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولاً (10) يوم القيامة يدهُ إلى عنقه
(1) الذي يحكم بالحق العادل.
(2)
دقته، وشدة المسئولية وعظمها.
(3)
مدة حياته، وقد تورع سيدنا أبو حنيفة رضي الله عنه، وبعد عن القضاء، واختار أن يكون فاعلاً يجمع اللبن كما أمره الخليفة، ولا يتوظف في القضاء.
(4)
أخبرتكم عن تولي أمور الناس.
(5)
تأنيب، وعتاب، وردع نفس.
(6)
حسرة وألم.
(7)
المعنى على أي حال يتحرى الحق، والعاطفة تميل إلى بني جنسه وأهله.
(8)
خسارة، وفداحة العاقبة.
(9)
يتولى أمورهم، ويرأس أعمالهم، وتكون له الكلمة النافذة عليهم.
(10)
موضوعاً في سلاسل.
فَكَّهُ (1) بِرُّهُ، أو أوثقهُ (2) إثمهُ: أولها ملامةٌ، وأوسطها ندامةٌ، وآخرها خِزْيٌ (3)، يوم القيامة" رواه أحمد، ورواته ثقات إلا يزيد بن أبي مالك.
من ولى أحداً من المسلمين أتى به يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم .. إلخ
10 -
ورويَ عن أبي وائل شقيق ابن سامة "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعملَ بشرَ بن عاصمٍ رضي الله عنه على صدقات هوازن، فتخلفَ بِشرٌ، فلقيهُ عمر، فقال ما خَلَّقَكَ؟ أما لنا سمعاً وطاعةً؟ قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَنْ وَليَ شيئاً من أمر المسلمين أُتِيَ به يوم القيامة حتى يُوقفَ على جسرِ جهنم، فإن كان مُحْسِناً نجا، وإن كان مُسيئاً انخرق به الجسر (4) فهوى فيه سبعين خريفاً (5).
قال: فخرج عمر رضي الله عنه كئيباً محزوناً، فلقيهُ أبو ذرٍ، فقال: مالي أراك كئيباً حزيناً؟ فقال: مالي لا أكون كئيباً حزيناً، وقد سمعت بشر بن عاصمٍ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من وليَ شيئاً من أمر المسلمين أُتي به يوم القيامة حتى يُوقف على جسر جهنم، فإن كان مُحسناً نجا (6)، وإن كان مُسيئاً (7) انخرق به الجسر، فهوى فيه سبعين خريفاً، فقال أبو ذرٍ: أوَ ما سمعتهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. قال: أشهدُ أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من وَلِيَ (8) أحداً من المسلمين أُتِيَ به يوم القيامة حتى يُوقف على جسر جهنم، فإن كان مُحسناً نجا، وإن كان مُسيئاً انخرق (9) به الجسر فهوى فيه سبعين خريفاً (10)، وهي سوداءُ (11) مظلمةٌ، فأيُّ الحديثين أوجعُ (12) لقلبك؟ قال: كلاهما قد أوجعَ قلبي، فمن يأخذها بما فيها، فقال أبو ذرٍ: مَنْ سَلَتَ الله أنفهُ، وألصقَ (13) خَدَّهُ بالأرض، أما إنا لا نعلمُ إلا خيراً، وعسى أن وَلَّيْتَهَا (14) مَنْ لا يَعْدِلُ فيها أن لا تنجو من إثمها (15) "
(1) أزال عنه عمله الصالح وعدله.
(2)
أو رماه في الأغلال ظلمه وذنبه.
(3)
فضيحة.
(4)
انشق بكسر الجيم وفتحها.
(5)
سنة، والمعنى أنه ينزل في الدرك الأسفل من النار مدة هبوطه فيها سبعين عاماً لا يستقر على قرار.
(6)
سلم ومر ليصل إلى الجنة.
(7)
أعماله سيئة.
(8)
رأسهم، ونظر إلى أمورهم وتعهد تربيتهم ومصالحهم.
(9)
تهدم.
(10)
عاماً.
(11)
جهنم شديدة السواد، والظلام الحالك.
(12)
آلم وأضر.
(13)
أذله.
(14)
أسندتها إلى من يظلم.
(15)
ذنبها.
رواه الطبراني ويأتي أحاديث نحو هذه في الباب بعده إن شاء الله تعالى.
[سلت أنفه]: بفتح السين المهملة واللام بعدهما تاء مثناة فوق: أي جدعه.
11 -
وعن عبد الله، يعني ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من حاكمٍ يحكمُ بين الناس إلا جاء يوم القيامة وَمَلَكٌ آخذٌ بِقَفَاهُ، ثم يرفع رأسهُ إلى السماء، فإن قال: ألْقهْ ألقاه (1)
فهو في مَهْوَاةٍ (2) أربعين خريفاً" رواه ابن ماجة، واللفظ له، والبزار، ويأتي لفظه في الباب بعده إن شاء الله، وفي إسنادهما مجالد بن سعيد.
12 -
وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: "جاء حمزةُ بن عبد المطلب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله اجعلني على شيء أعيش به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حمزةُ! نَفْسٌ تُحْييها أحبُّ إليكَ أم نَفْسٌ تُميتها؟ قال: نفسٌ أُحييها. قال: عليك نفسك (3) " رواه أحمد، ورواته ثقات إلا ابن لهيعة.
13 -
وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب على منكبيه (4)، ثم قال: أفلحتَ يا قديمُ إن مِتَّ، ولم تكن أميراً (5)، ولا كاتباً (6)، ولا عريفاً (7) " رواه أبو داود، وفي صالح بن يحيى بن المقدام كلام قريب لا يقدح.
(1) رماه في مكان سحيق، وجهة بعيدة الغور يهوي سبعين سنة لا قرار له في هذه المدة.
(2)
مكان الهاوية والنزول.
(3)
الزم نفسك، وكملها بآداب الله وطاعته، واتق الله واعدل واعمل صالحاً.
(4)
المنكب مجتمع رأس العضد والكتف.
(5)
حاكماً متولياً أمور الناس.
(6)
وظيفتك تقيد لهم أعمالهم وتحصيها.
(7)
مدبر أمر الجماعة وقائم بسياستهم، قيل العريف يكون على نفير، والمنكب يكون على خمسة عرفاء ونحوها، ثم الأمير فوق هؤلاء. أ. هـ مصباح. وفي النهاية، العريف جمعه عرفاء: وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم، فعيل بمعنى فاعل، والعرافة عمله. أ. هـ، ففيه تحذير من التعرض للرياسة (والعرافة حق) أي فيها مصلحة للناس ورفق في أمورهم وأحوالهم "أهل القرآن عرفاء أهل الجنة" أي رؤساؤهم.
لا تؤمرنّ على اثنين ولا تلينّ مال يتيم
14 -
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذرٍ: إنك ضعيفٌ (1)،
وإنها أمانةٌ، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامةٌ إلا من أخذها بحقها (2)، وأدى الذي عليه فيها" رواه مسلم.
15 -
وعنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحبُ لنفس لا تُؤمَّرَنَّ (3) على اثنين، ولا تَلِيَنَّ (4) مال يتيمٍ" رواه مسلم وأبو داود والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما.
16 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم ستحرصون على الإمارة (5)، وستكون ندامةً (6) يوم القيامة، فنعمت المُرْضِعَةُ (7)،
وبئستِ الفاطمةُ" رواه البخاري والنسائي.
(1) ليست عندك قدرة وقوة على تسييرها كما يراه.
(2)
قام فيها بالعدل.
(3)
لا ترأس.
(4)
ولا تكون وصياً تسند إليه إدارة مال اليتيم.
(5)
الأمانة العظمى، أو الولاية بطريق النيابة كولاية الشرطة والقضاء.
(6)
حسرة وتعنيف لمن لم يعمل فيها بما يرضى الله تعالى.
(7)
أي أمدح تلك الرياسة التي تدر على صاحبها المنافع العظيمة، واللذات العاجلة والأبهة، وأذمها عند النساء سلطة الولاية وعند انفصال صاحبها عنها بموت أو غيره قال الشيخ شرقاوي فإنها تقطع عليه تلك اللذائذ والمنافع، وتبقى عليه الحسرة والتبعة، وفي الكلام استعارة تبعية حيث شبه الانتفاع والالتذاذ بالولاية بالارتضاع من المرأة وانقطاع ذلك عنه وانفصاله عنها بموت أو غيره بالفطام واشتق من ذلك مرضعة وفاطمة بمعنى نافعة وفاطمة للنفع، وفيه أن ما يناله الأمير من البأساء أبلغ وأشد مما يناله من النعماء والسراء، فعلى العاقل أن لا يتلذذ بلذة تتبعها حسرات، وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي وقال حديث غريب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ولي القضاء أو جُعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين" ولاشك أن الذبح إذا كان بغير سكين كان فيه زيادة تعذيب للمذبوح، بخلاف الذبح بالسكين ففيه راحة له بتعجيل إزهاق الروح، وقيل المراد بذلك هلاك دينه دون بدنه لأن الذبح في العرف لا يكون إلا بالسكين ففي عدوله صلى الله عليه وسلم عنه إلى غيره إشارة إلى ذلك، وقيل المراد بذلك أنه ينبغي له أن يميت جميع دواعيه الخبيثة وشهواته الرديئة فهو مذبوح بغير سكين بل بمجاهدات نفسانية، وعلى هذا فالقضاء مرغوب فيه، وعلى ما قبله فالمراد التحذير عنه بل وعلى هذا أيضاً، لأنه إذا لم يكن بتلك المثابة، فلا ينبغي له أن يتولى القضاء، ولذا قال بعضهم: خطر القضاء كثير وضرره عظيم لأنه قلما يعدل القاضي بين خصمين لأن النفس مائلة إلى ما تحبه، ومن له منصب يتوقع جاهه أو يخاف سلطانه ربما يميل إلى قبول الرشوة وهو الداء العضال، وما أحسن قول أبي الفضل في هذا:
ولما أن توليت القضايا
…
وفاض الجور من كفيك فيضا
ذبحت بغير سكين وإنا
…
لنرجو الذبح بالسكين أيضا
أ. هـ ص 364 جـ 3، =
ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء .. إلخ
17 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويلٌ للأمراء (1)، ويلٌ للعُرَفاء (2)، ويلٌ للأمناء (3) لَيَتَمَنَّيَنَّ أقوامٌ يوم القيامة أن ذوائبهم (4) مُعلقةٌ بالثُّرَيَّا (5) يُدلون بين السماء والأرض، وإنهم لم يَلُوا (6) عملاً" رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد.
18 -
وفي رواية له وصحح إسنادها أيضاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَيُوشِكَنَّ (7) رجلٌ أن يتمنى أنه خَرَّ (8) من الثُريا، ولم يَلِ (9) من أمْرِ الناس شيئاً".
[قال الحافظ]: وقد وقع في الإملاء المتقدم باب فيما يتعلق بالعمال والعرفاء والمكاسين والعشارين في كتاب الزكاة أغني عن إعادته هنا.
= وفي العيني قال الجوهري: الحرص الجشع، أي أشد الحرص والإمارة العظمى وهي الخلافة، والصغرى وهي الولاية على البلدة. أ. هـ، قال الكرماني: نعم المرضعة أي نعم أولها وبئست الفاطمة أي بئس آخرها وذلك لأن معها المال والجاه واللذات الحسية والوهمية أولاً لكن آخرها القتل والعزل ومطالبات التبعات في الاخرة.
وقال الداودي: نعمت المرضعة في الدنيا وبئست الفاطمة أي بعد الموت، لأنه يصير إلى المحاسبة على ذلك فيصير كالذي يفطم قبل أن يستغنى فيكون ذلك هلاكه، نعم فلان أي أصاب نعمة وبئس إذا أصاب بؤساً.
وقال الطيبي: إنما لم تلحق التاء بنعم، لأن المرضعة مستعارة للإمارة وتأنيثها غير حقيقي فترك إلحاق التاء بها وألحقت بئس نظراً إلى كون الإمارة حينئذٍ داهية دهياء. أ. هـ. ص 227 جـ 24
(1)
أصحاب السلطان.
(2)
ويل واد في جهنم، وعرفاء جمع عريف زعيم الجماعة ورئيس القبيلة، قال في النهاية: العرفاء في النار تحذير من التعرض للرياسة لما في ذلك من الفتنة، وأنه إذا لم يقم بحقه أثم واستحق العقوبة.
(3)
الذين يتولون عملاً ويحفظون ودائع الناس ويتصرفون في مصالح الناس خشية أن تزل قدمهم.
(أ) قال تعالى: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".
(ب) وقال تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون"، قيل الآية عامة في المسلمين وللكفار. أ. هـ عيني 223 جـ 24
(4)
شعور رءوسهم.
(5)
نجم ساطع في السماء يتمنون أن يعلقوا من شعورهم بين السماء والأرض وما كانوا يقضون بين الناس.
(6)
يتولون: أي تسند إليهم رياسة عمل.
(7)
ليقربن.
(8)
سقط من أعلى كوكب في السماء.
(9)
ولم يتول رياسة أحد في عمل.
من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه .. إلخ
19 -
وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة (1)، فإنك إن أُعطيتها من غيرِ مسألةٍ أُعِنْتَ عليها، وإن أُعطِيتَهَا عن مسألةٍ وُكِلْتَ إليها (2) " الحديث. رواه البخاري ومسلم.
20 -
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتغى (3) القضاء، وسأل فيه شُفعاء، وَكِلَ إلى نفسه، ومن أُكْرِهَ عليه أنزل الله عليه مَلَكاً يُسَدِّدُهُ (4) " رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة
(1) لا تطلب رياسة عمل.
(2)
صرفت إليها، من وكل إلى نفسه هلك، ومنه الدعاء "ولا تكلني إلى نفسي". وفي العيني: ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه وأن من حرص على ذلك لا يعان. أ. هـ 226 جـ 24، (وكل) أي لم يعن على ما أعطى.
وقال في الفتح: ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصه ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه فيدخل في الإمارة القضاء والحسبة، ونحو ذلك وأن من حرص على ذلك لا يعان ويعارضه في الظاهر ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رفعه "من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة، ومن غلب جوره عدله فله النار" والجمع بينهما أنه لا يلزم من كونه لا يعان بسبب طلبه أنه لا يحصل منه العدل إذا ولي أو يحمل الطلب هنا على القصد وهناك على التولية وقد تقدم من حديث أبي موسى: "إنا لا نولي من حرص" ولذلك عبر في مقابله بالإعانة فإن من لم يكن له من الله عون على عمله لا يكون فيه كفاية لذلك العمل فلا ينبغي أن يجاب سؤاله، ومن المعلوم أن كل ولاية لا تخلو من المشقة فمن لم يكن له من الله إعانة تورط فيما دخل فيه وخسر دنياه وعقباه، فمن كان ذا عقل لم يتعرض للطلب أصلاً بل إذا كان كافياً وأعطيها من غير مسألة فقد وعده الصادق بالإعانة ولا يخفى ما في ذلك من الفضل. انتهى ص 102 جـ 13
(3)
طلب واستعان بالشفعاء.
(4)
يساعده بإذن الله تعالى ليلهمه ربه الرشاد.
قال المهلب: وفي معنى الإكراه عليه أن يدعى إليه فلا يرى نفسه أهلاً لذلك هيبة له وخوفاً من الوقوع في المحذور فإنه يعان عليه إذا دخل فيه ويسدد، والأصل فيه أن من تواضع لله رفعه الله.
وقال ابن التين: وهو محمول على الغالب، وإلا فقد قال يوسف "اجعلني على خزائن الأرض" وقال سليمان "وهب لي ملكاً" قال ويحتمل أن يكون في غير الأنبياء.
وقال النووي: هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولاسيما لمن كان فيه ضعف وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة، وأما من كان أهلاً وعدل فيها فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار ولكن في الدخول فيها خطر عظيم ولذلك امتنع الأكابر منها. والله أعلم. أ. هـ ص 102
الثمرات المرجوة من هذه الأحاديث كما قال صلى الله عليه وسلم:
أولاً: شدة المسئولية على من رأس المسلمين وتولى مصالح طائفة "كلكم راعٍ". =
ولفظه، وهو رواية الترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل القضاء وُكِلَ إلى نفسه، ومن أُجبرَ عليه ينزل عليه ملك فيسدده".
= ثانياً: انتظار عدل القاضي والسير بالحق "وإلا فهلك دينه".
ثالثاً: تعفف المتقين عن هذا المنصب "تعفيني يا أمير المؤمنين".
رابعاً: حساب القاضي يوم القيامة عسير "فيها تعنيف ولوم".
خامساً: كل من ترأس عشرة يحشر مقيداً في سلاسل فيطلقه عدله أو يعذبه جوره.
سادساً: إذا عدل القاضي مر على متن جهنم ناجياً وإلا سقط معذباً.
سابعاً: السعادة والسلامة في عدم الرياسة "لم تكن أسيراً".
الآيات المرغبة في العدل والمرهبة من الظلم كما قال الله تعالى:
(أ)"إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون"(90 من سورة النحل).
(ب)"وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين"(9 من سورة الحجرات).
(جـ)"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين"(135 من سورة النساء).
(د)"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"(8 من سورة المائدة).
(هـ)"وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا"(152 من سورة الأنعام).
(و)"وأمرت لأعدل بينكم"(15 من سورة الشورى).
(ز)"وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً"(58 من سورة النساء).
(ح)"إنا أنزلنا إليك الكتاب الحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً، ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً"(107 من سورة النساء).
(ط)"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً"(65 من سورة النساء).
(ي)"وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين"(142 من سورة المائدة).
(ك)"وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم لكلٍ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"(48 من سورة المائدة).
(ل)"وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون"(49 - 50 من سورة المائدة).
(م)"إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون، ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون"(52 من سورة النور).
(ن)"يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"(6 من سورة الحجرات). =