الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في الخلق الحسن وفضله، والترهيب من الخلق السيئ وذمه
1 -
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر (1) والإثم، فقال: البر حُسْنُ الْخُلُقِ، والإثمُ ما حَاكَ (2) في صَدركَ، وكَرِهْتَ أن يَطلعَ عليه الناسُ" رواه مسلم والترمذي.
2 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "لم يكن
= رابعاً: ثواب الحياء كنوز مدخرة وأجرها جزيل في الآخرة.
خامساً: هيئة المستحي جميلة يكسوها الوقار والهيبة وتحفها الزينة والإجلال، ولو مثل كان "رجلاً صالحاً".
سادساً: المستحي أعمالة صالحة، وهو موفق "إلا زانه".
سابعاً: وحركات المستحي وسكناته كلها في طاعة فلا يفكر ولا يأكل إلا ما يرضي الله جل وعلا "حق الحياء".
ثامناً: عدم الحياء مصيبة ودمار يجلب سخط الرب تعالى والناس فيستحق قليل الحياء كل مقت، ولعن وعد خائناً سارقاً فاحشاً "رجيماً ملعنا".
تاسعاً: من لا يستحي قاسي القلب جبار متكبر متجبر أرخى العنان لنفسه في عصيان الله غير موطد العزيمة على طاعة الله، وكساه الله الغل والخيبة ونزع منه دلائل الرضا والقبول "ربقة الإسلام". والحياء كما في الغريب: انقباض النفس عن القبائح وتركها، ولا يعد الجبان مستحياً، لأن الدين يدعو إلى عزة النفس وشجاعتها في الحق ودرك المحامد في تذليل المخاوف وإزالة الأخطار كما قال تعالى:"والله لا يستحي من الحق" من سورة الأحزاب. وكما قال الشاعر:
وبالإقدام يسهل كل صعب
…
وبالتمويه يتسع المجال
وللمرحوم حافظ بك إبراهيم:
امنع يديك وكف سوطك إنما
…
بالبغي تجحد نعمة الديان
أبت العواطف أن تزور لجاهل
…
قلباً ولا تأوي له بجنان
لا تألف الشفقات إلا أنفسا
…
قد طهرت بالعلم والعرفان
وقد روى البخاري: "لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر".
وقد ورد في الفتح: حكى ابن التين عن أبي عبد الملك أن المراد "بالحياء من الإيمان" كمال الإيمان، وقال أبو عبيد الهروي: معناه أن المستحي ينطقع بحيائه عن المعاصي. وقال عياض وغيره: إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة، لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم. أهـ ص 399 جـ 10
وكان صلى الله عليه وسلم في الغريزي أشد حياءً من العذارء في خدرها، وفي المكتسب في الذروة العليا، ومعنى العذارء: البكر، وخدرها: الموضوع الذي تحبس فيه وتستتر، والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياءً شرعياً، بل هو عجز ومهانة.
(1)
البر: الإحسان إلى الناس والتقرب إلى الله تعالى، وفي النهاية: وأن البر دون الإثم: أي وإن الوفاء بما جعل على نفسه دون الغدر والنكث.
(2)
أي أثر فيه ورسخ.
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً (1)، ولا مُتَفَحِّشاً، وكان يقول: إن من خياركم (2) أحسنكم أخلاقاً" رواه البخاري ومسلم والترمذي.
3 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من شيء أثقلَ في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُقٍ حسنٍ، وإن الله يُبغضُ الفاحشَ البذيء" رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
وزاد في رواية له: "وإن صاحب حُسْنِ الخلق لَيَبْلُغُ به درجة صاحب الصوم والصلاة" ورواه بهذه الزيادة البزار بإسناد جيد لم يذكر فيه: الفاحش البذيء، ورواه أبو داود مختصراً قال:"ما من شيء أثقل في الميزان من حُسْنِ الخلق".
[البذيء] بالذال المعجمة ممدوداً: هو المتكلم بالفحش، وردئ الكلام.
4 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخلُ الناس الجنة؟ فقال: تقوى الله، وحُسْنُ الخلق، وسُئلَ عن أكثرِ ما يُدْخِلُ الناس النار؟ فقال: الفَمُ (3) والفَرْجُ (4) " رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الزهد وغيره، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.
5 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكْمَلِ المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وألطفهم (5) بأهله" رواه الترمذي والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، كذا قال، وقال الترمذي: حديث حسن، ولا نعرف لأبي قلابة سماعاً من عائشة.
(1) فاعل القبح مفرطاً في الإساءة، وفي الفتح: الفحش ما خرج عن مقداره حتى يستقبح، ويدخل في القول والفعل والصفة، يقال طويل فاحش الطول: إذا أفرط في طوله، لكن استعماله في القول أكثر. والمتفحش الذي يتعمد ذلك ويكثر منه ويتكلفه، وأغرب الداودي فقال: الفاحش الذي يقول الفحش، والمتفحش الذي يستعمل الفحش ليضحك الناس. أهـ ص 348 جـ 10
(2)
أكثركم خيراً.
(3)
يأكل حراماً، واللسان به الغيب والنميمة والسب والشتم.
(4)
الزنا.
(5)
أرأفهم.
إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار
6 -
وعنها رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن المؤمن لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ درجةَ الصائم (1) والقائم" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ولفظه:"إن المؤمن ليدرك بِحُسْنِ الخلق درجات قائم الليل، وصائم النهار" ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة إلا أنه قال: "إن الرجل ليدرك بِحُسْنِ خُلُقهِ درجةَ القائم بالليل الظامئ بالهواجر (2) ".
7 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لَيُبَلِّغُ العبدَ بِحُسْنِ خُلُقِهِ درجة الصوم والصلاة" رواه الطبراني في الأوسط، وقال: صحيح على شرط مسلم. ورواه أبو يعلى من حديث أنس، وزاد في أوله:"أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً".
8 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبدَ ليبلغُ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة، وشرف المنازل، وإنه لضعيفُ العبادة، وإنه ليبلغُ بسوء خُلقهِ أسفلَ درجةٍ في جهنم" رواه الطبراني ورواته ثقات سوى شخية المقدام بن داود، وقد وُثق.
9 -
وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن المسلم المُسَدَّدَ (3) لَيُدْرِكُ درجةَ الصُّوَّامِ القَوَّامِ بآيات الله بِحُسْنِ خُلُقِهِ، وَكَرَمِ ضَرِيبَتِهِ" رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورواة أحمد ثقات إلا ابن لهيعة.
[الضريبة: الطبيعة] وزناً ومعنى.
10 -
وعن صفوان بن سُلَيْمٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا
(1) الصائم نهاره المتهجد ليله الذاكر العابد.
(2)
شديد الظمأ في شدة الحر في الجهاد في سبيل الله تعالى.
(3)
الموفق المتصف بالسداد والحكمة المتحلي بمكارم الأخلاق.
أخبركم بأيْسَر (1) العبادة، وأهونها على البدن: الصَّمْتُ (2)، وَحُسْنُ الخلق" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت مرسلاً.
11 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كَرَمُ المؤمن دِينُهُ، وَمُروءتهُ عَقْلُهُ، وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ" رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي كلهم من رواية مسلم بن خالد الزنجي، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ورواه البيهقي أيضاً موقوفاً على عمر صحح إسناده، ولعله أشبه.
12 -
وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أبا ذرٍ لا عَقْلَ كالتدبير (3)،
ولا وَرَعَ (4) كالْكَفِّ، ولا حَسَبَ (5) كَحُسْنِ الخُلُقِ" رواه ابن حبان في صحيحه، وغيرهُ في آخر حديث طويل تقدم منه قطعة في الظلم.
13 -
وتقدم في الإخلاص حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أفلح من أخلص قلبهُ للإيمان، وجعل قلبهُ سليماً (6)، ولسانهُ صادقاً، ونَفْسَهُ مُطمئنةً (7)، وخَلِيقَتَهُ مُستقيمةً (8) " الحديث.
14 -
وعن العلاء بن الشِّخِّيرِ رضي الله عنه: "أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم من قِبَلِ وَجْهِهِ، فقال يا رسول الله: أي العمل أفضلُ؟ قال: حُسْنُ الخلق، ثم أتاهُ عن يمينه، فقال: أي العمل أفضلُ؟ قال: حُسْنُ الخلق، ثم أتاهُ عن شمالهِ، فقال
(1) أسهلها.
(2)
السكوت بأدب ووقار وسكينة.
(3)
التفكير في مصادر الأمور ومواردها:
قدر لرجلك قبل الخطو موضعها
…
فمن علا زلقا عن غرة زلجا
(4)
زهد يجلب خوف الله تعالى. وفي النهاية: ملاك الدين الورع: أي الكف عن المحارم والتحرج منه.
(5)
الحسب: الشرف بالآباء وما يعده الإنسان من مفاخرهم، وقيل الحسب والكرم يكونان في الرجل، وإن لم يكن له آباء لهم شرف، والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء، فجعل المال بمنزلة شرف النفس أو الآباء، ومنه "حسب المرء دينه وكرمه خلقه".
(6)
خالياً من الأحقاد والضغائن.
(7)
راضية.
(8)
متبعاً سنن النبي صلى الله عليه وسلم سالكاً مناهج الصالحين وطريقته محبوبة.
يا رسول الله: أي العمل أفضلُ؟ قال: حُسْنُ الخلق، ثم أتاه من بعدهِ، يعني من خَلْفِهِ، فقال: يا رسول الله: أي العمل أفضلُ؟ فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مَالَكَ لا تَفْقَهُ (1) حُسْنُ الخُلُقِ هو أن لا تغضبَ إن استطعت" رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة مرسلاً هكذا.
حسن الخلق خلق الله الأعظم
15 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيمٌ (2) ببيتٍ في رَبَضِ (3)
الجنةِ لمن ترك المِراءَ (4)، وإن كان مُحِقاً، وببيتٍ في وَسَطِ الجنة لمن ترك الكذِبَ، وإن كان مَازِحاً، وببيتٍ في أعلى الجنة لمن حَسَّنَ خُلُقَهُ" رواه أبو داود، واللفظ له، وابن ماجة والترمذي، وتقدم لفظه، وقال: حديث حسن.
16 -
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أحَبِّكُمْ إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً الحديث" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
17 -
ورويَ عن عمَّار بن ياسرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حُسْنُ الخلقِ خُلُقُ الله الأعْظَمُ" رواه الطبراني في الكبير والأوسط.
18 -
ورويَ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله تعالى قال: إن هذا دينُ ارتضيتهُ (5) لنفسي، ولن يَصْلُحَ له إلا السَّخَاءُ (6)، وَحُسْنُ الخلقِ، فأكرموهُ بهما ما صَحِبْتُمُوهُ" رواه الطبراني في الأوسط، وتقدم في البخل والسخاء حديث عمران بن حصين بمعناه.
19 -
ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) لا تفهم، وفسره صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب.
(2)
كفيل وضامن، قال تعالى:"وأنا به زعيم"(72 من سورة سويف).
(3)
ما حولها خارجاً عنها تشبيهاً بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع. أهـ نهاية.
(4)
الجدل والخصومة.
(5)
ارتضيته كذا (ط وع ص 195)، وفي (ن د): أرتضيه.
(6)
الجود والكرم.
قال: "أوْحَى الله إلى إبراهيم عليه السلام: يا خليلي حَسِّنْ خُلُقَكَ ولو مع الكفار تدخل مدخلَ الأبرار، وإن كلمتي سبقت لمن حَسَّنَ خُلُقَهُ أن أُظِلَّهُ تحت عرشي، وأن أسْقِيَهُ من حظيرة (1) قدسي، وأن أُدنيه (2) من جواري" رواه الطبراني.
20 -
وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما حَسَّنَ اللهُ خَلْقَ رجُلٍ وَخُلُقَهُ، فَتَطْعَمَهُ النارُ أبداً (3) " رواه الطبراني في الأوسط.
عليك بحسن الخلق وطول الصمت
21 -
وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأحَبِّكُمْ إليَّ، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ فأعادها مرتين أو ثلاثاً. قالوا: نعم يا رسول الله. قال: أحسنكم خُلُقاً" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه.
22 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "لقيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: يا أبا ذرٍ ألا أدُلُّكَ على خَصْلَتيْنِ هما أخفُّ على الظهر، وأثقلُ على الميزانِ من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله قال: عليك بِحُسْنِ الخُلُقِ، وطُولِ الصَّمْتِ (4)، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائقُ بمثلهما" رواه ابن أبي الدنيا والطبراني والبزار وأبو يعلى بإسناد جيد ورواته ثقات، واللفظ له، ورواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب بإسناد واهٍ عن أبي ذر، ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذرٍ ألا أدلك على أفضل العبادة، وأخفها
(1) أراد الجنة: وهي في الأصل الموضع الذي يحاط عليه لتأوى إليه الغنم والإبل يقيهما البرد والريح. أهـ نهاية، فكأن حسن الخلق يجلب النعيم والعز المقيم والأمن من الفزع والنجاة من الشدائد، ويزيل الظمأ بشربة هنيئة مريئة ويقرب إلى رضوان الله وإحسانه.
(2)
أن أقربه.
(3)
أي لا يكون جميل الخلق حسن الخلق طعاماً للنار.
(4)
السكوت والهدوء والرزانة والأدب والكمال، قال عامر بن الظرب العدواني لحممة بن رافع الدوسي: من أحكم الناس؟ قال من صمت فاذكر، ونظر فاعتبر، ووعظ فازدجر، قال: من أجهل الناس؟ قال من رأى الخرق مغنماً، والتجاوز مغرماً.
على البدن، وأثقلها في الميزان، وأهونها (1) على اللسان؟ قلتُ: بلى فداك أبي وأمي (2) قال: عليك بطولِ الصمت (3)، وحُسْنِ الخُلُقِ، فإنك لست بعاملٍ يا أبا ذرٍ بمثلهما (4) ".
23 -
ورواه أيضاً من حديث أبي الدرداء قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا الدرداء: ألا أُنَبِّئُكَ بأمرين خفيفٍ مُؤنَتُهُما (5)، عظيمٍ أجْرُهُمَا، لم تَلْقَ الله عز وجل بمثلهما: طول الصمت، وحُسْنِ الخُلُقِ".
24 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال أطْوَلُكُمْ أعماراً (6)، وأحسنكم أخلاقاً" رواه البزار وابن حبان في صحيحه كلاهما من رواية ابن إسحاق، ولم يصرح فيه بالتحديث.
25 -
وعن أسامةبن شريكٍ رضي الله عنه قال: "كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطيرُ، ما يتكلمُ منا مُتَكلمٌ (7) إذ جاءهُ أُناسٌ فقالوا: مَنْ أحَبُّ عِبَادِ اللهِ إلى اللهِ تعالى؟ قال: أحْسَنُهُمْ خُلُقاً" رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في الصحيح، وابن حبان في صحيحه.
26 -
وفي رواية لابن حبان بنحوه إلا أنه قال: "يا رسول الله فما خَيْرُ ما أُعْطِيَ الإنسانُ؟ قال: خُلُقٌ حَسَنٌ" ورواه الحاكم والبيهقي بنحو هذه، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما، ولم يخرّجاه لأن أسامة ليس له سوى راوٍ واحد، كذا قال، وليس بصواب فقد روى عنه زياد بن علاقة، وابن الأقمر وغيرهما.
27 -
وعن جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنهما قال: "كنت في مجلسٍ فيه النبيُّ
(1) أيسرها وأسهلها في النطق.
(2)
أفديك بأعز عزيز لدي.
(3)
السكوت.
(4)
يوصيه صلى الله عليه وسلم باتباع السكينة وقلة الكلام إلا فيما يعنيه وعدم الثرثرة مع التحلي بمكارم الأخلاق وهاتان خلتان لا نظير لهما في الكمال والأدب والتقدم الاجتماعي.
(5)
مؤنتهما كذا (د وع ص 195)، وفي (ن ط): مونهما.
(6)
الذين أنفقوا أعمارةم في طاعة الله كما قيل: خيركم من طال عمره وحسن عمله.
(7)
كناية عن السكوت التام مثل الرجل الهادئ الذي ينتهز فرصة وقوف الطائر على رأسه ليصيده.
صلى الله عليه وسلم، وسَمُرَةُ، وأبو أمامة، فقال: إن الفُحْشَ (1) والتَفَحُّشَ (2)
ليسا من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خُلُقاً" رواه أحمد والطبراني وإسناد أحمد جيد، ورواته ثقات.
إن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم أخلاقاً
28 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "أن معاذ بن جبل رضي الله عنه أراد سفراً فقال: يا نبي الله أوصني، قال: اعْبُد الله لا تُشركْ به شيئاً. قال: يا نبي الله زدني، قال: إذا أسأت فأحْسِنْ، قال: يا نبي الله زدني، قال: اسْتَقِمْ، وَلْيَحْسُنْ (3) خُلُقُكَ" رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
29 -
ورواه مالك عن معاذ قال: "كان آخرُ ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وَضَعْتُ رِجْلِي في الغَرْزِ (4) أن قال: يا معاذُ أحْسِنْ خُلُقَكَ للناس".
30 -
وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقِ الله حيثما كنت (5) وأتبع السيئة الحسنةَ تمحُها (6)، وخَالِقِ الناس بِخُلُقٍ حَسَنٍ" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
31 -
وعن عُمير بن قتادة رضي الله عنه: "أن رجلاً قال: يا رسول الله: أي الصلاة أفضلُ؟ قال: طُولُ القُنُوتِ (7). قال: فأي الصدقة أفضلُ؟ قال: جَهْدُ المُقِلِّ (8).
قال: أي المؤمنين أكملُ إيماناً؟ قال: أحسنهم خُلُقاً" رواه الطبراني في الأوسط من رواية سويد بن إبراهيم أبي حاتم، ولا بأس به في المتابعات.
(1) الزيادة في القبح.
(2)
تكلف الوقاحة والقباحة وتعمد الإجرام، وفي النهاية "إن الله يبغض الفاحش المتفحش: الفاحش" ذو الفحش في كلامه وفعاله. والمتفحش: الذي يتكلف ذلك ويتعمده، وكل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي فاحشة. أهـ.
(3)
وليحسن خلقك كذا (ط وع ص 196 - 2)، وفي (ن د): ولتحسن خلقك، ففيه الأمر بالاستقامة واتباع الصراط السوي وسلوك العمل الصالح مع تهذيب الخلق وتحسينه.
(4)
الغرز: ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل هو الكور مطلقاً مثل الركاب للسرج. أهـ نهاية.
(5)
خفف من الله في أي مكان وجدت.
(6)
اجعل بدل السيئة حسنة تزيلها.
(7)
الخشوع والمداومة على الطاعة.
(8)
الإنفاق مع قلة الشيء وجهاد النفس في السخاء مع الضيق.
32 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم كما أحسنت (1) خَلْقِي فأحْسِنْ خُلُقِي (2) " رواه أحمد، ورواته ثقات.
33 -
ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحَبَّكُمْ إليَّ أحَاسِنُكُمْ أخلاقاً الموطِّئُونَ (3) أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون (4)، وإن أبغضكم إليَّ المشَّاءون بالنميمة (5) المُفَرِّقُون بين الأحبة (6)، الملتمسون للبرآء العيب (7) " رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورواه البزار من حديث عبد الله بن مسعود باختصار، ويأتي في النميمة إن شاء الله حديث عبد الرحمن بن غنم بمعناه.
34 -
ورويَ عن أنس رضي الله عنه قال: "قالت أم حبيبة: يا رسول الله المرأةُ يكون لها زوجان، ثم تموت فتدخل الجنة هي وزوجاها لأيهما (8) تكونُ، للأول أو للآخر؟ قال: تُخَيَّرُ، أحسنهما خُلُقاً كان معها في الدنيا يكون زوجها في الجنة، يا أم حبيبة ذهب حُسْنُ الخلق بخير الدنيا والآخرة" رواه الطبراني والبزار باختصار،
(1) أحسنت كذا في (ط وع)، وفي (ن د): حسنت.
(2)
السجية الداعية إلى التحلي بالكمالات، دعاء منه صلى الله عليه وسلم ليزيده الله نوراً ومحامد ومكارم وفضائل وقد مدحه الله جل وعلا "وإنك لعلى خلق عظيم"(4 من سورة القلم).
(3)
الهينون المتواضعون حسنو المعاملة. وفي النهاية هذا مثل، وحقيقته من التوطئة، وهي التمهيد والتذليل وفراش وطئ لا يؤذي جنب النائم، والأكناف الجوانب، أراد الذين جوانبهم وطيئة يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى. أهـ. والوطاء: المهاد الوطيء، وطؤ الفراش: قرب.
(4)
يحبهم الناس ويحبون الناس.
(5)
السعي بالفساد وإيقاد نار العداوة.
(6)
المشتتون الأخلاء الذين يخلقون الشقاق بين المتصافين.
(7)
السبابون للشرفاء. بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أن المحبوب ذا الدرجة العالية عنده صلى الله عليه وسلم الذي حسن خلقه وكرمت صفاته فتصدر عنه الأفعال الحسنة بسهولة وبشاشة، ويصدر عنه الكرم والحلم بلا عناء وتتجلى فيه محاسن الأخلاق كالزهرة اليانعة والشمس الساطعة كالصدق والشهامة، والنجدة وعزة النفس والتواضع والتثبت وعلو الهمة والعفو والبشر والرحمة والحكمة والشجاعة والوقار والصيانة والحرية والدماثة والدعة والصبر والورع والحياء والنزاهة وحفظ السر والقناعة والعفة والإيثار، وحسبك أنه صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للأخلاق الفاضلة. وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها:"كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن" أي أدبه آدابه وخلقه أخلاقه: من صبر وحلم وكرم وعفو وإخلاص وشجاعة وعدل وحكمة وهكذا. أي عامل بآياته.
(8)
لأيهما كذا (د وع ص 197)، وفي (ن ط): لايهمها، والمعنى أن المرأة التي تزوجت اثنين في حياتها بأن مات الأول أو طلقها تترك لها الحرية والخيار في اختيار أحسنهما خلقاً.
ورواه الطبراني أيضاً في الكبير والأوسط من حديث أم سلمة في آخر حديث طويل يأتي في صفة الجنة إن شاء الله تعالى.
35 -
ورويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْخُلُقُ الْحَسَنُ يُذِيبُ الخطايا (1) كما يُذيبُ الماء الجليد، والخلقُ السوء يفسد العمل كما يفسد الخلُّ العسل" رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي.
أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً
36 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكملُ المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وخياركم خياركم لأهلهِ" رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح، والبيهقي إلا أنه قال:"وخياركم خياركم لنسائهم" والحاكم دون قوله: وخياركم خياركم لأهلهِ"، ورواه بدونه أيضاً محمد بن نصر المروزي، وزاد فيه: "وإن المرء ليكونُ مؤمناً وإن في خُلُقِهِ شيئاً فينقص ذلك من إيمانه".
37 -
وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم لن تَسَعُوا الناس بأموالكم، ولكن يَسَعُهُمْ منكم بسطُ الوجه (2)،
وحُسْنُ الخُلُقِ" رواه أبو يعلى والبزار من طرق أحدُها حسن جيد.
38 -
وعن رجلٍ من مُزَيْنَةَ قال: "قيل يا رسول الله ما أفضل ما أُوتِيَ الرجلُ المسلم؟ قال: الخُلُقُ الحسن. قال: فما شرُّ ما أُوتِيَ الرجل المسلم؟ قال: إذا كرهت أن يُرى عليك شيء في نادي القوم، فلا تفعلهُ إذا خلوت" رواه عبد الرزاق في كتابه عن معمر بن أبي إسحاق عنه.
39 -
ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الأخلاق من الله، فمن أراد الله به خيراً منحه (3) خُلُقاً حسناً، ومن أراد به سوءاً منحه خُلُقاً سيئاً" رواه الطبراني في الأوسط.
(1) الذنوب.
(2)
بشاشته ولطفه.
(3)
أعطاه.
حسن الخلق نماء وسوء الخلق شؤم
40 -
وعن أبي ثعلبة الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحَبَّكُمْ (1) إليَّ، وأقربكم مني (2) في الآخرة محاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليَّ (3)، وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم (4) أخلاقاً الثرثارون المتفيهقون المتشدقون" رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح والطبراني وابن حبان في صحيحه، ورواه الترمذي من حديث جابر، وحسنه لم يذكر فيه: أسوؤكم أخلاقاً. وزاد في آخره: قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون.
[الثرثار] بثاءين مثلثتين مفتوحتين: هو الكثير الكلام تكلفاً.
[والمتشدق]: هو المتكلم بملء شدقه تفاصحاً، وتعظيماً لكلامه.
[والمتفيهق] أصله من الفهق، وهو الامتلاء، وهو بمعنى المتشدق، لأنه الذي بالكلام، ويتوسع فيه إظهاراً لفصاحته وفضله، واستعلاء على غيره، ولهذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالمتكبر.
41 -
وعن رافعٍ بن مَكِيثٍ، وكان ممن شهد الحديبية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حُسْنُ الخلق نماء (5)، وسوء الخلق شؤم (6) والبر (7) زيادةٌ في العمر، والصدقةُ تدفعُ ميتةَ السوء (8) " رواه أحمد وأبو داود باختصار، وفي إسنادهما راوٍ لم يسمّ، وبقية إسناده ثقات.
42 -
ورويَ عن جابرٍ رضي الله عنه قال: "قيل يا رسول الله ما الشؤم؟ قال: سوء الخلق" رواه الطبراني في الأوسط.
(1) أكثركم محبة وطاعة.
(2)
درجة وجوده في الجنة بجوار مكانه صلى الله عليه وسلم.
(3)
أشدكم كرهاً.
(4)
الذين أخلاقهم سيئة شديدة قبيحة.
(5)
زيادة في الخير وكسب للمعروف وتقدم وعلو.
(6)
الشؤم ضد اليمن، يقال تشاءمت به، ويتمنت به، والمعنى أن الخلق السيء يجلب لصاحبه الذم والبغض والشر والأذى.
(7)
فعل الخير وتشييد الصالحات وصلة الأقارب.
(8)
الإحسان يجلب حسن الخاتمة، ويزيل الألم عند الموت، ويبعد الميتة الشنيعة القبيحة.
43 -
ورواه فيه أيضاً من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشؤم سوء الخلق".
44 -
ورويَ عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من شيء إلا له توبةٌ إلا صاحب سوء الخلق، فإنه لا يتوبُ من ذنبٍ إلا عاد (1) في شرٍ منه" رواه الطبراني في الصغير والأصبهاني.
45 -
وفي رواية للأصبهاني عن رجل من أهل الجزيرة لم يسمه عن ميمون بن مهران قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنبٍ أعظمُ عند الله عز وجل من سوء الخلق، وذلك أن صاحبهُ لا يخرجُ من ذنبٍ إلا وقعَ في ذنبٍ" وهذا مرسل.
46 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يدعو يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشقاق (2)، والنفاق (3) وسوء الأخلاق" رواه أبو داود والنسائي.
(1) رجع.
(2)
التنافر.
(3)
التذبذب وعدم الثبات على الحق.
أقوال العلماء في تفسير حُسن الخلق:
قال الحسن: حُسن الخلق بسط الوجه وبذل الندى، وكف الأذى. وقال الواسطي: هو أن لا يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بالله تعالى. وقال شاه الكرماني: هو كف الأذى واحتمال المؤمن. وقال بعضهم: هو أن يكون من الناس قريباً، وفيما بينهم غريباً. وقال الواسطي مرة: هو إرضاء الخلق في السراء والضراء. وقال أبو عثمان: هو الرضا عن الله تعالى، وسئل سهل التستري عن حسن الخلق، فقال: أدناه الاحتمال وترك المكافأة والرحمة للظالم، والاستغفار له والشفقة عليه، وقال مرة: أن لا يتهم الحق في الرزق، ويثق به، ويسكن إلى الوفاء بما ضمن فيطيعه ولا يعصيه في جميع الأمور فيما بينه وبينه، وفيما بينه وبين الناس. وقال علي رضي الله عنه: حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، وطلب الحلال والتوسعة على العيال. وقال الحسين بن منصور: هو أن لا يؤثر جفاء الخلق بعد مطالعته للحق. وقال أبو سعيد الخراز: هو أن لا يكون لك هم غير الله تعالى. قال الغزالي: فهذا وأمثاله كثير، وهو تعرض لثمرات حسن الخلق لا لنفسه. ثم ليس هو محيطاً بجميع الثمرات أيضاً يقال حسن الخلق والخلق: أي حسن الظاهر والباطن، والخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة عنها تصدر الأفعال بسهولة، ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلاً وشرعاً سميت تلك الهيئة خلقاً حسناً، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئاً، وكما أن حسن الظاهر بتمام جميع الجسم.
كذلك حسن الخلق يحصل بأربعة: قوة العلم وقوة الغضب وقوة الشهوة وقوة العدل، فالأولى بها يفرق بين الصدق والكذب في الأقوال =