الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من الحسد وفضل سلامة الصدر
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم
= لا تراني راتعاً في مجلس
…
في لحوم الناس كالسبع الضرم
ولبعض الصفح والإعراض عن
…
ذي الخنا أبقى وإن كان ظلم
وللنابغة الذبياني:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
…
وليس وراء الله للمرء مذهب
لئن كنت قد بلغت عني رسالة
…
فمبلغك الواشي أغش وأكذب
ولست بمستبق أخاً لا تلمه
…
على شعث أي الرجال المهذب؟
الآيات الدالة على فضائل الصمت الناهية عن اللغو:
(أ) قال الله تعالى: "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون"(1 - 3 من سورة المؤمنون). واللغو كل ما لا فائدة فيه لا للجسم ولا للنفس ولا للروح ولا للعقل، فالمؤمن لا يشغل وقته إلا بما يفيده في حياته العاجلة أو حياته القابلة.
(ب) وقال تعالى: "والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً"(72 من سورة الفرقان).
(جـ) وقال تعالى: "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين"(55 من سورة القصص). فلا نجاة من خطر اللسان إلا بالصمت بحفظه من جميع الآفات، ألا ترى المؤمن قاتلاً وقته بالجلوس على المقاهي بلعب النرد أو الشطرنج، أو يخوض في أعراض الناس أو يتحدث في شؤونهم بما لا يجدي نفعاً أو يتدخل فيما لا يعنيه من شئون السياسة، وليس من أربابها ولا من المنوط بهم درسها والدفاع عنها، بل تراه هادئاً ثابتاً صامتاً ساكتاً، لا يتكلم إلا في مفيد ولا يتحرك إلا في نافع، ولا يفكر إلا في منتج. يجد في تحصيل رزقه وأهله وولده ليكف يده عن المسألة ويصون وجهه عن بذل مائه، ويجلب العزة والكرامة والنبالة. قال الحسن: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه. وفي الغريب: اللغو من الكلام: ما لا يعتد به، وهو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغا، وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور. قال أبو عبيدة: لغو ولغا نحو عيب وعاب وأنشدهم عن اللغا ورفث التكلم، يقال لغيت تلغي نحو لقيت تلقى وقد يسمى كل كلام قبيح لغواً. قال تعالى:"لا يسمعون فيها لغواً ولا كذاباً"(35 من سورة النبأ). "لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً"(25 من سورة الواقعة). أهـ.
(د) وقال تعالى: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً إن تبدو خيراً أو تخفوه أو تعفو عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً"(148 - 149 من سورة النساء).
(هـ) وقال تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً"(114 من سورة النساء).
(و) وقال تعالى: "واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين"(108 من سورة المائدة).
(ز) وقال تعالى: "وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون"(3 من سورة الأنعام).
(ح) وقال تعالى: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره"(الآية من سورة الأنعام). =
والظن (1)، فإن الظن أكذبُ الحديثِ (2)، ولا تَحَسَّسُوا (3)، ولا تجسسوا (4)، ولا تنافسوا (5)، ولا تحاسدوا (6)، ولا تباغضوا (7)، ولا تدابروا (8)، وكونوا عباد الله
= وقد قال الله تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم: "ثم ذرهم في خوضهم يلعبون" أي اترك أولئك الكفرة الذين ينكرون "إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس"(من سورة الأنعام).
(ط) وقال تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون"(108 من سورة الأنعام). ينهى الله تعالى عن سب الآلهة التي يعبدها الكفار خشية أن يتطاولوا على عظمة الله وجلاله. قال البيضاوي: وفيه دليل على أن الطاعة إذا أدت إلى معصية راجحة وجب تركها. أهـ. وكذلك العاقل يصمت أو يهجر الكلام القبيح فلا يجلس في مجالس العصاة الفساق.
(1)
قال القرطبي: أي التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم بفاحشة من غير ظهور مقتضيها، ولذا عطف عليه ولا تجسسوا، وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة فيريد تحققه فيتجسس ويبحث فنهى عن ذلك، وهذا موافق لقوله تعالى:"اجتنبوا كثيراً من الظن"(الآية من سورة الحجرات). ودل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن، فإن قال أبحث لأتحقق قيل له "ولا تجسسوا" فإن قال تحققت من غير تجسس، قيل له:"ولا يغتب بعضكم بعضاً" وقال الحافظ في الفتح: ليس المراد به ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالباً، بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به، وكذا ما يقع في القلب من غير دليل. أهـ.
(2)
قيل أريد من الكذب عدم المطابقة للواقع سواء كان قولاً أم لا، ويحتمل أن يراد بالظن ما ينشأ من القول فيوصف به الظن مجازاً.
(3)
لا تتسمعوا الحديث ولا تنصتوا لألفاظ من في البيوت.
(4)
ولا تبحثوا عن عورات الناس ولا تتبعوا سوءاتهم وتبحثوا عن هناتهم وأخطائهم. قال القرطبي: بالجيم: تتبعه لأجل غيره، وبالحاء تتبعه لأجل نفسه، وقيل بالجيم البحث عن العورات، وبالحاء استماع حديث القوم، ثم يستثنى من التجسس المنهي عنه ما إذا تعين لإنقاذ نفس من الهلاك كأن يخبر باختلاء إنسان بآخر ليقتله ظلماً أو بامرأة ليزني بها أو إخبار سارق أو كشف سر مؤامرة مدبرة لوقوع إجرام وسطو فهذا التجسس مشروع حذراً عن فوات استدراكه.
(5)
لا تتزاحموا في الانفراد بالشيء الحسن ولا ترغبوا في التفوق عن الند والفوز بالخير دونه، وأن تتمنوا حرمانه وخسارته وسقوطه.
(6)
لا يحصل منكم تمني زوال النعمة عن صاحبها سواء كانت نعمة دين أو دنيا، نهى صلى الله عليه وسلم المسلمين عن الحسد: أي إضمار السوء ورجاء اندحار الخصم وكساد تجارته وإزالة خيراته، وفيه نوع يسمى الغبطة، وهي تمني أن تنال مثل هذا النعمة أو العز أو الجاه لتعمل صالحاً، فإن كان في الدين فمحمود وإلا فلا لقوله صلى الله عليه وسلم "لا حسد إلا في اثنتين". (أ) رجل آتاه الله الحكمة.
(ب) غني ينفق أمواله في وجوه البر.
(7)
لا يحصل منكم شقاق أو تنافر.
(8)
لا تقاطعوا، ولا يحصل إعراض أو معاداة أو استئثار الإنسان عن أخيه.
إخواناً (1) كما أمركم (2) المسلم أخو المسلم (3) لا يظلمهُ (4)، ولا يخذلهُ (5)، ولا يَحْقِرُهُ (6) التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا (7)، وأشار إلى صدره بحسب امرئٍ من الشر أن يَحْقِرَ أخاهُ المسلم (8) كل المسلم على المسلم حرامٌ (9) دَمُهُ وَعِرْضُهُ ومالهُ" رواه مالك والبخاري ومسلم، واللفظ له، وهو أتمَّ الروايات وأبو داود والترمذي.
2 -
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجتمع في جوف عبدٍ مؤمنٍ غُبَارٌ في سبيل الله (10)، وفَيْحُ جهنمَ، ولا يجتمعُ في جوف عبدٍ الإيمانُ والحسدُ" رواه ابن حبان في صحيحه، ومن طريقه البيهقي.
3 -
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والحسد (11)
(1) متآخين أي اكتسبوا ما تصيرون به إخوة، من التآلف والتحابب وترك هذه المنهيات. قال في الفتح: أي إذا تركتم هذه صرتم كالإخوان ومفهومه إذا لم تتركوها تصيرون أعداء، وقيل معناه كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة.
(2)
أي مثل الذي ألزمكم الله أن تتبعوه. قال القرطبي: لعله أشار بذلك إلى الأوامر المتقدم ذكرها فإنها جامعة لمعاني الآخرة والفاعل مضمر يعود إلى الله، وهو مصرح به في مسلم.
(3)
لاجتماعهما في الإسلام كالأخوة في النسب.
(4)
لا يؤذيه في نفسه ولا ينقص ماله ولا يسب عرضه.
(5)
لا يترك نصرته وإعانته، ولا يتأخر عنه في مساعدة ولا يهزمه في عمل ولا يتركه في مصيبة.
(6)
لا يهينه ويعبأ به.
(7)
أي خوف الله وخشيته في القلب الذي هو في الصدر.
(8)
كافيه من الشر لعظمه وشدته عند الله أن يهمل حق أخيه أو يعرض عنه أو يعجب بنفسه ويحتقر غيره ويرضى عن نفسه ويسخط عن غيره، وما يدريه أن ذلك المحتقر عند الله بمكان سام كما قال صلى الله عليه وسلم "رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبر قسمه".
(9)
محظور وممنوع قتله وأذاه والتعرض له بسوء، والمراد منع هذه الأمور بما لم يأذن الشرع فيه من نحو قصاص أو تعذير أو قضاء ما امتنع من أدائه مما هو واجب عليه. أهـ رياض الصالحين وشرح 74 جـ 8. قال المناوي: ولا تحسسوا: أي لا تطلبوا الشيء بالحاسة كاستراق السمع وإبصار الشيء خفية. أهـ. ولا تتدابروا ولا تتهاجروا فيهجر أحدكم أخاه مأخوذ من تولية الرجل الآخر دبره إذا أعرض عنه حين يراه.
(10)
من شدة العراك والهياج تنتشر ذرات التراب في الجو فيشمها المسلم المجاهد فتكون ضمانة له من دخول النار وكذلك لا يجتمع الإخلاص لله تعالى وحسن عبادته والاعتماد عليه جل وعلا وأنه الرزاق وتمنى زوال النعمة من أخيه المسلم، لأن نور الإيمان يسطع بأشعته في القلب فيثمر بمحبة أخيه المسلم فيود له كل سعادة وسيادة.
(11)
احذروه، وفي الجامع الصغير: الحسد حب زوال النعمة عن المنعم عليه، أما من لا يحب زوالها ولا يكره وجودها ودوامها، ولكن يشتهي لنفسه مثلها فهذا يسمى غبطة (فإن الحسد) أقام المظهر مقام المضمر حثاً على الاجتناب (يأكل الحسنات) أي يذهبها ويحرقها ويحبطها (الحطب) اليابس لسرعة إيقادها فيه. وقال =
فإن الحسد يأكلُ الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو قال: العُشْبَ" رواه أبو داود والبيهقي ورواه ابن ماجة والبيهقي أيضاً وغيرهما من حديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحسدُ يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، والصدقةُ تُطفئ الخطيئة (1) كما يطفئ الماء النار، والصلاة نور المؤمن (2)، والصيام جُنَّةٌ (3) من النار".
4 -
وعن ضَمُرَةَ بن ثعلبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزالُ الناس بخيرٍ ما لم يتحاسدوا (4) " رواه الطبراني ورواته ثقات.
5 -
ورويَ عن عبد الله بن بُسْرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس مِني ذو حسدٍ، ولا نميمةٍ، ولا كَهَانَةٍ (5)، ولا أنا منه، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإثْماً مُبِيناً) (6) " رواه الطبراني، وتقدم في باب أجلاء العلماء حديثه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا أخاف على أمتي إلا ثلاث (7) خِلَال أن يكثر (8) لهم من الدنيا فيتحاسدون".
= الحفني: يأكل الحسنات: أي بسبب أنه يفضي بصاحبه إلى إيذاء المحسود بإتلاف ماله مثلاً، وإلا فذهب أهل السنة أن السيئة لا تحبط الحسنة. أهـ ص 98 جـ 2.
(1)
الإحسان والإنفاق لله يمحو الذنب.
(2)
أي تمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب، وقيل يكون أجر الصلاة نوراً لصاحبها يوم القيامة، وقيل لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب فيها وإقباله على الله عز شأنه بظاهره وباطنه. أهـ نووي من مختار الإمام مسلم ص 176
(3)
وقاية تمنع الصائم من دخول النار، لأنه يمتنع عن المفطر ابتغاء ثواب الله جل وعلا ويتباعد عن جميع المعاصي وبذا يستحق نعيم الجنة فلا يعذب.
(4)
مدة عدم تحاسدهم فهم في عز وخير، وإن تحاسدوا حلت عليهم النقمة وعمهم الشقاق والعذاب وسوء المآب.
(5)
أي ليس على طريقتي الكاملة ثلاثة:
(أ) الحاسد.
(ب) النمام.
(جـ) الكاهن. هؤلاء مخالفون شريعته صلى الله عليه وسلم نابذون سنته معلنون الحرب عليه فساق عصاة.
(6)
يرمونهم بجريرة ويتمنون زوال نعمهم والله تعالى هو الذي أعطاهم وأمدهم بخيراته فقد ارتكبوا آثاماً جمة من جراء أعمالهم السيئة الشريرة المؤذية.
(7)
لا أخاف على أمتي إلا ثلاث كذا (ط وع ص 247)، وفي (ن د) بحذف إلا، والمعنى يخشى صلى الله عليه وسلم زيادة النعم ووفرة المال عند المسلمين فتكثر الشرور وتزداد العداوة ويتمنون الأذى لخصومهم وينسون آداب الله ورسوله (لا تحاسدوا).
(8)
من كثر الخير يكثر، كذا (ع) بفتح الياء.
إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار العشب
6 -
وعن عبد الله بن كعبٍ عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما ذئبان جائعان أُرْسِلَا في زريبة غنمٍ بأفسدَ لها من الْحِرْصِ على المال والحسد في دين المسلم (1)، وإن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب".
7 -
وفي رواية: "إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار العشب" ذكره رزين، ولم أره في شيء من أصوله بهذا اللفظ إنما روى الترمذي صدره وصححه، ولم يذكر الحسد بل قال:"على المال والشرف" وبقية الحديث تقدمت عند أبي داود من حديث أبي هريرة.
8 -
وعن الزبير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دَبَّ (2) إليكم داء الأمم قبلكم: الحسدُ والبغضاءُ، والبغضاء هي الحالقةُ: أما إني لا أقولُ: تحلقُ الشعر، ولكن تحلقُ الدين" رواه البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما.
9 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بُنَيَّ إن قدرت على أن تُصبحَ وتُمسيَ ليس في قلبك غِشٌ (3) لأحدٍ فافعل" الحديث. رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
10 -
وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) ثنتان يضران كثيراً أكثر من ضرر انطلاق الذئب على حظيرة الماشية:
(أ) الجشع والشح وحب جميع المال مع البخل وإنكار الحقوق.
(ب) تمني زوال نعم المسلمين وكراهة الصالحين ومحاربتهم، وتمني عدم الإكثار من طاعة الله جل وعلا وعبادته.
(2)
سار. وقال الحفني: أي سرى إليكم، يقال دب على الأرض فهو خاص بالأجسام ودب إليه المرض في المعاني: أي سرى إليه ففيه تجوز (الحالقة): أي مثلها فالبغضاء تزيل بركة الإيمان والدين كما يزيل الموسى الشعر. أهـ. وقال العزيزي: هي الخصلة التي شأنها أن تحلق: أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر. أهـ ص 260 جـ 2
يخبر صلى الله عليه وسلم عن ثنتين بقيتا من خصال الأمم البائدة الجاهلة:
(أ) تمني زوال نعم الغير.
(ب) حب الشقاق، والميل إلى العداوة، ولكن المسلم الصالح الكامل الإيمان خلو منهما، لأنه يحب لله وينوي الخير ويفكر في طاعة.
(3)
خيانة وكيد ومكر وخبث وحسد، وهكذا من خلال العاصين.
فقال: "يَطْلُعُ (1) الآن عليكم رجلٌ من أهل الجنة، فطلعَ رجلٌ من الأنصار تَنْطُفُ لحيتهُ من وَضُوئِهِ قد عَلَّقَ نعليه بيده الشمال، فلما كان الغدُ (2) قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجلُ مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجلُ على مثلِ حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تَبِعَهُ عبد الله بن عمرو، فقال: إني لَاحَيْتُ (3) أبي، فأقسمتُ أني لا أدخلُ عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت. قال: نعم. قال أنسٌ: فكان عبد الله يُحَدِّثُ أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يرهُ يقومُ من الليل شيئاً (4) غير أنه إذا تَعَارَّ تقَلَّبَ على فراشهِ (5)
ذكر الله عز وجل، وكَبَّرَ حتى لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضتِ الثلاثُ الليالي، وَكِدتُ أن أحتقرَ عملهُ قلتُ: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضبٌ ولا هجرةٌ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مراتٍ: يطلعُ عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردتُ أن آويَ إليك، فأنظرُ ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرَكَ عملت كبيرَ عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وَلَّيْتُ دعاني (6) فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجدُ في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشاً ولا أحسدُ أحداً على خيرٍ أعطاهُ الله إياهُ، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك" رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري ومسلم والنسائي، ورواته احتج بهم أيضاً إلا شيخه سويد بن نصر، وهو ثقة وأبو يعلى والبزار بنحوه، وسمى الرجل المبهم سعداً.
(1) يظهر.
(2)
اليوم الثاني.
(3)
جادلته وخاصمته رجاء أن يقبله ذلك الرجل الصالح لينظر إلى فعله.
(4)
استيقظ وحد الله جل وعلا وأكثر من تسبيحه وتحميده وتكبيره حتى مطلع الفجر.
(5)
أي يتهجد ويذكر الله.
(6)
طلبني، وأخبر أنه لا يحب الغش والخديعة. وفي النهاية: الغش ضد النصح من الغشش، وهو المشرب الكدر ولا أتمنى زوال نعمة أحد. ثنتان تحلى بهما ذلك المؤمن الكامل:
(أ) إبداء النصيحة.
(ب) حب الخير للمسلمين وطلب زيادته للمستزيد.
وقال في آخره: "فقال سعدٌ: ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي إلا أني لم أبِتْ ضاغناً (1) على مسلمٍ" أو كلمة نحوها.
وزاد النسائي في رواية له والبيهقي والأصبهاني: "فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نُطيقُ".
11 -
ورواه البيهقي أيضاً عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: "كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال: لَيَطْلُعَنَّ عليكم رجلٌ من هذا الباب من أهل الجنة، فجاء سعدُ بن مالكٍ فدخل منه. قال البيهقي: فذكر الحديث قال: فقال عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما: ما أنا بالذي أنتهي حتى أُبَايِتَ (2) هذا الرجل، فأنظرَ عملهُ قال: فذكر الحديث في دخوله عليه قال: فناولني عَباءةً، فاضجعتُ عليها قريباً منه، وجعلتُ أرْمُقُهُ (3) بعيني لَيْلَهُ (4) كلما تَعَارَّ سَبَّحَ، وكَبَّرَ، وَهَلَّلَ، وَحَمِدَ الله حتى إذا كان في وجه السَّحَرِ قام فتوضأ، ثم دخل المسجد فصلى ثنتي عشرة ركعةً باثنتي عشرة سورة من المفصل (5) ليس من طوالهِ، ولا من قصاره، يدعو في كل ركعتين بعد التشهد بثلاث دعواتٍ يقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنةً (6) وفي الآخرة حسنةً (7)
وقنا عذاب النار. اللهم أكفنا ما أهمنا من أمر آخرتنا ودنيانا. اللهم إنا نسألك من الخير كله، وأعوذ بك من الشر كله حتى إذا فرغ قال فذكر الحديث في استقلال عمله، وعوده إليه ثلاثاً إلى أن قال: فقال: آخُذُ مضجعي، وليس في قلبي غِمْرٌ على أحدٍ".
(1) حاقداً، من ضغن صدره: أي حقد. وفي النهاية: الضغن الحقد والعداوة والبغضاء وكذا الضغينة. أهـ.
(2)
أبيت معه وألازمه صباح مساء.
(3)
أطلع وأنظر.
(4)
طيلة ليله يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر صيغة غراس الجنة. قال الله تعالى في وصفها: "والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً خير أملاً"(46 من سورة الكهف). أي أعمال الخيرات التي تبقى له ثمرتها أبد الآباد ويندرج فيها ما فسرت به من الصلوات الخمس وأعمال الحج، وصيام رمضان والكلام الطيب.
(5)
السبع الأخير، ذلك للفصل بين القصص بالسور القصار.
(6)
الصحة والكفاف والتوفيق للخير.
(7)
الثواب، والرحمة في الآية طلب محاسن الدنيا والآخرة وهي جماع كل خير.
[الغمر] بكسر الغين المعجمة وسكون الميم: هو الحقد، وقوله: تنطف: أي تقطر.
[لاحيت] بالحاء المهملة بعدها ياء مثناة تحت: أي خاصمت.
[تعار] بتشديد الراء: أي استيقظ.
12 -
وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: "قيل يا رسول الله: أيُّ الناس أفضلُ؟ قال كُلُّ مَخْمُومِ القلب صَدُوقِ اللسان. قالوا: صدوقُ اللسان نعرفهُ، فما مخموم القلب؟ قال: هو النقي لا إثم فيه، ولا بغيَ، ولا غِلَّ ولا حسد" رواه ابن ماجة بإسناد صحيح والبيهقي وغيره أطول منه.
13 -
وروى الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بُدلاء (1) أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرةِ صلاةٍ، ولا صومٍ، ولا صدقةٍ، ولكن دخلوها برحمةِ اللهِ، وسخاوةِ الأنفسِ (2)، وسلامة الصدور (3) " رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء مرسلاً.
14 -
ورويَ عن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قد أفلح (4) من أخلص قلبه للإيمان، وجعل قلبه سليماً (5) ولسانه صادقاً، ونفسهُ مطمئنةً، وخليقتهُ مستقيمةً (6) الحديث" رواه أحمد والبيهقي، وتقدم بتمامه في الإخلاص
(1) الأولياء والعباد، سموا بذلك لأنهم كلما مات واحد منهم أبدل بآخر.
(2)
جودهم وكرمهم وكثرة إنفاقهم.
(3)
نقاوتها من الحسد وإضمار العداوة.
(4)
فاز.
(5)
سيرته وأفعاله. يخبر صلى الله عليه وسلم عن صفات الناجي الفائز المفلح السعيد:
(أ) مطيع الله ورسوله وآمن بهما وعمل صالحاً.
(ب) قلبه طاهر من أدران المعاصي والنفاق والشقاق.
(جـ) كلامه طيب يرضي الله جل وعلا.
(د) نفسه هادئة تحب الخير راضية مرضية صابرة محتسبة قانعة.
(6)
طبعه حسن وأخلاقه كريمة وباطنه نقى من الشرور.
خلاصة أضرار الحسد كما قال صلى الله عليه وسلم وثمرات اجتنابه:
أولاً: الحاسد تعرض لما ينهي الله عنه ورسوله "ولا تحاسدوا".
ثانياً: ليس في قلبه الإيمان بالله "لا يجتمع". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ثالثاً: يمحو حسناته من صحيفته كما تأكل النار الحطب.
رابعاً: يدل على عدم فائدة الحاسد ورداءة صحبته.
خامساً: ليس مسلماً كامل الإيمان ذو حسد.
سادساً: الحسد يجلب المصائب ويزيل النعم ويفتك بصاحبه فتكاً ذريعاً (ما ذئبان).
سابعاً: يجعل صاحبه جاهلاً غراً متصفاً بأعمال الأمم الحقيرة (دب إليكم).
ثامناً: عدم الحسد يدل على الاستقامة والهداية (إن قدرت).
تاسعاً: ترك الحسد يدخل الجنة (ولا أحسد أحداً).
عاشراً: اجتنابه عنوان النجابة ومعين السعادة (قد أفلح).
الاستشهاد من القرآن الكريم على وخامة الحسد وسوء عاقبته:
(أ) قال الله جل ذكره: "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير"(110 من سورة البقرة). (كفاراً): مرتدين أي تمنوا من عند أنفسهم وتشهيهم لا من قبل التدين والميل مع الحق. أي حسداً منبعثاً من أصل نفوسهم، والعفو ترك عقوبة المذنب، والصفح ترك تثريبه.
إن شاهدنا هذا الخلق الذميم الذي منع الكفار أن يقتبسوا من نور الله تعالى المحمدي ويهتدوا بهديه كما قال سيدنا معاوية: ليس في خصال الشر أعدل من الحسد يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود. وقال ابن المعتز: الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له، بخيل بما لا يملكه، طالب ما لا يجده. أهـ وقد أمر الله الصحابة بترك محاسبة أولئك الحساد مع الحذر واليقظة.
(ب) وقال تعالى: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيراً"(54 - 55 من سورة النساء). بل أيحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم والعرب والناس، لأن من حسد على النبوة فكأنما حسد الناس كلهم كمالهم ورشدهم. وبخهم وأنكر عليهم الحسد كما ذمهم على البخل وهما شر الرذائل (من فضله): النبوة والكتاب والنصرة والإعزاز وجعل النبي الموعود منهم، فلا يبعد أن يؤتيه الله تعالى مثل ما آتى إبراهيم وآله (فمنهم): أي اليهود من آمن بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وترك الحسد، ومنهم من أعرض عنه ولم يؤمن به. وقيل معناه فمن آل إبراهيم من آمن به ومنهم من كفر، ولم يكن في ذلك توهين أمره فكذلك لا يوهن كفر هؤلاء أمرك (سعيراً): ناراً مسعورة يعذبون بها إن لم يعجلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما أعد لهم من سعير جهنم.
إن شاهدنا أولئك الحساد ابتعدوا عن الاعتراف من العذب والاستضاءة بنبراس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يمنعهم من الخير سوى الحسد.
(جـ) وقال تعالى: "ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن"(من سورة الأنعام). "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها ومابطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون"(33 من سورة الأعراف). وعد العلماء الحسد من الفواحش الباطنة.
(د) وقال تعالى: "واتل عليهم نبأ ابني آدم إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغرب فأواريَ سوأة أخي فأصبح من النادمين" (27 - 31 من سورة المائدة).
قابيل وهابيل أخوان شقيقان أوحى الله سبحانه وتعالى إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توءمة الآخر فسخط منه قابيل وحسده، لأن توءمته كانت أجمل فقال لهما آدم قربا قرباناً فمن أيكما قبل منه تزوجها فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل سخطاً وحسداً وضغناً.
انظر رعاك الله تعالى إلى الحسد جر إلى جريمة قتل مع أن المؤرخين قالوا كان هابيل أقوى منه، ولكن تحرج عن قتله واستسلم له خوفاً من الله سبحانه وتعالى، قيل القتل بالبصرة في موضع المسجد الأعظم، وهابيل عمره عشرون سنة، وقيل عند عقبة حراء (يا ويلتا) كلمة زجر وتحسر وتأنيب الضمير، واحتار في أمره وحمله على رقبته سنة واسود لونه مثل الغراب، دليله وقائده. قال الشاعر: إذا كان الغرب دليل قوم ..
(هـ) وقال تعالى: "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد"(سورة الفلق). أمره الله سبحانه وتعالى ليستعيذ وأمته ويطلب الحصن المنيع من أذى الحاسد إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه وانبعث الشر من الحاسد كما ينبعث من الخلق، ومن ظلام الليل الحالك ومن السواحر النفوس والنساء اللاتي يعقدن عقل في خيوط وينفثن عليها للضرر، وأورد البخاري باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر وقوله تعالى:"ومن شر حاسد إذا حسد" قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تحاسدوا) وأورد أيضاً باب قول الله تعالى:
(أ)"إن الله يأمر بالعدل والإحسان"(الآية من سورة النحل).
(ب) وقوله تعالى: "إنما بغيكم على أنفسكم"(من سورة يونس).
(جـ) وقوله تعالى: "ثم بغى عليه لينصرنه الله"(من سورة الحج).
وترك إثارة الشر على مسلم أو كافر. ثم ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود أتاه رجلان في الرؤيا وأرشداه إلى جف طلعة ذكر في مشط ومشاطة تحت رعوفة في بئر ذروان، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذه البئر التي أريتها كأن رءوس نخلها رءوس الشياطين، وكان ماءها نقاعة الحناء فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فأخرج قالت عائشة فقلت يا رسول الله فهلا تعني تنشرت فقال صلى الله عليه وسلم أما الله فقد شفاني، وأما أنا فأكره أن أثير على الناس شراً. أهـ. قال ابن بطال: وجه الجميع بين الآيات المذكورة وترجمة الباب مع الحديث أن الله تعالى لما نهى البغي، واعلم أن ضرر البغي إنما هو راجع إلى الباغي وضمن النصر لمن بغي عليه، وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقب الذي كاده بالسحر مع قدرته على ذلك. انتهى ملخصاً. قال الحالفظ: ويحتمل أن يكون مطابقة الترجمة للآيات والحديث أنه صلى الله عليه وسلم ترك استخراج السحر خشية أن يثور على الناس منه شر فسلك مسلك العدل في أن لا يحصل لمن لم يتعاط السحر من أثر الضرر الناشئ عن السحر شر وسلك مسلك الإحسان في ترك عقوبة الجاني. أهـ فتح ص 368 جـ 10، قال الغزالي: اعلم أن الحسد من نتائج الحقد والحقد من نتائج الغضب فهو فرع فرعه والغضب أصل أصله. وقال زكريا عليه السلام قال الله تعالى: "الحاسد عدو لنعتمي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي" وقال بعض السلف: أول خطيئة كانت هي الحسد، حسد إبليس آدم عليه السلام على رتبته فأبى أن يسجد له فحمله الحسد على المعصية. وقال رجل للحسن هل يحسد المؤمن؟ قال ما أنساك بني يعقوب، نعم ولكن غمه في صدرك فإنه لا يضرك ما لم تعد به يداً ولا لساناً. وقال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= معاوية: كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه إلا زوالها، ولذلك قيل:
كل العداوة قد ترجى إماتتها
…
إلا عداوة من عاداك من حسد
ليس المؤمن بحسود ولذا يسود وينجح في أعماله:
(و) وفي كتاب الزاوجر: الكبيرة الثالثة الغضب بالباطل والحقد والحسد. قال ابن حجر الهيتمي: لما كانت هذه الثلاثة بينها تلازم وترتب، إذا الحسد من نتائج الحقد والحقد من نتائج الغضب كانت بمنزلة خصلة واحدة، قال الله تعالى:"إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها"(من سورة الفتح).
الله سبحانه وتعالى ذم الكفار بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن الغضب بالباطل ومدح المؤمنين بما أنزل عليهم من السكينة والطمأنينة الناشئ عنها إلزامهم كلمة التقوى وأنهم هم أهلها وأحق بها. أهـ ص 43 جـ 1، (الحمية): الأنفة، والسكينة الثبات والوفاء، وكلمة التقوى الشهادة أو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ محمد رسول الله اختارها لهم، أو الثبات والوفاء بالعهد والتحلي بآداب الله وتنفيذ أوامره.
(ز) وقال تعالى: "وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين"(60 - 61 من سورة يونس).
أي شيء ظنهم؟ أيحسبون أن لا يجازوا عليه؟ وفيه إنذار العصاة، ويدخل الحسد في ذلك، وفيه إيهام الوعيد تهديد عظيم؛ فالله تعالى أنعم عليهم بالعقل وهداهم بإرسال الرسل وبإنزال الكتب فعليهم أن يتعظوا ويعملوا صالحاً (شأن) أي أمر يقصد إلا والله يعلمه، وكذا الأعمال جليلها وحقيرها (تفيضون): تخضون فيه وتندفعون، وما يعزب ولا يبعد عنه ولا يغيب عن علمه (كتاب) اللوح المحفوظ، قال تعالى:"إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون"(44 من سورة يونس).
(ح) وقال تعالى: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً"(32 من سورة النساء).
(ط) وقال تعالى: "ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط"(119 - 120 من سورة آل عمران).
(ي) وقال تعالى: "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم"(89 من سورة الشعراء).
(ك) وقال تعالى: "والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم"(10 من سورة الحشر).
(تبوءوا): نزلوا، والمراد الأنصار تبوءوا مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فانشرحت صدورهم للمسلمين الغرباء ويفرحون بقضاء طلبهم، وذهبت عنهم الحزازة والحسد والغيظ، ويقدمون المهاجرين على أنفسهم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حتى إن من كان عنده امرأتان نزل عن واحة وزوجها من أحدهم. بخ بخ ذلك العمل الرابح الفائز بالثناء العاجل والثواب الآجل (غلا) حقداً، هذا طلب الذين هاجروا حين قوي الإسلام أو التابعون بإحسان أو المؤمنون إلى يوم القيامة صفاتهم المحبة في الله وتقديم الخير للمسلمين، وإزالة الأثرة والأنانية من نفوسهم والاعتصام والاتحاد، قال الشاعر:
اصبر على كيد الحسود
…
فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل نفسها
…
إن لم تجد ما تأكله
وقال آخر:
يا حاسداً لي على نعمتي
…
أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه
…
لأنك لم ترض لي ما وهب
فأخزاك ربي بأن زادني
…
وسد عليك وجوه الطلب
أدلة تحريم الحسد من إحياء علوم الدين:
وأورد الغزالي في تفسير الحسد بكراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه وبتفسير الغبطة: أن لا تحب زوالها، ولا تكره وجودها ودوامها، ولكن تشتهي لنفسك مثلها، وقد تختص باسم المنافسة، وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن المؤمن يغبط والمنافق يحسد" فأما الأول فهو حلال، وأما الثاني فهو حرام بكل حال إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر، وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها ومحبتك لزوالها فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة، بل من حيث هي آلة الفساد، ولو أمنت فساده لم يغمك بنعمته، ثم أورد قوله تعالى:"إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها"(من سورة آل عمران). وهذا الفرح شماتة، والحسد والشماتة يتلازمان. ثم قال: إن هذه الكراهة تسخط لقضاء الله تعالى في تفضيل عباده على بعض، وذلك لا عذر فيه ولا رخصة، وأي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مفرة، ثم أورد الغزالي قول الله تبارك وتعالى:"ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء"(من سورة النساء).
وذكر الله تعالى حسد أخوة يوسف عليه السلام وعبر عما في قلوبهم "إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم"(من سورة يوسف). فلما كرهوا حب أبيهم له وساءهم ذلك وأحبوا زواله عنه فغيبوه عنه "ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا"(من سورة الحشر). أي لا تضيق صدورهم به ولا يغتمون، فأثنى عليهم بعدم الحسد وقال تعالى:"كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين" إلى قوله تعالى: "إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم"(من سورة البقرة).
قيل في التفسير حسداً، وقال تعالى:"وما تفرقوا إلا من بعد ماجاءهم العلم بغياً بينهم"(من سورة الشورى). فأنزل الله العلم ليجمعهم ويؤلف بينهم على طاعته وأمرهم أن يتآلفوا بالعلم فتحاسدوا، واختلفوا إذا أراد كل واحد منهم أن ينفرد بالرياسة وقبول القول فرد بعضهم على بعض، قال ابن عباس: كانت اليهود قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا قوماً قالوا نسألك بالنبي الذي وعدتنا أن ترسله وبالكتاب الذي تنزله إلا ما نصرتنا فكانوا ينصرون، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم من ولد إسماعيل عليه السلام عرفوه وكفروا به بعد معرفتهم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= إياه فقال تعالى: "وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به .. إلى قوله: بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغياً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب"(من سورة البقرة).
وقال تعالى: "سابقوا إلى مغفرة من ربكم"(من سورة الحديد). وإنما المسابقة عند خوف الفوت، وهو كالعبدين يتسابقان إلى خدمة مولاهما إذ يجزع كل واحد أن يسبقه صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى الآخر بها، ثم عدد أسباب الحسد والمنافسة:
1 -
العداوة البغضاء.
2 -
الكبر.
3 -
التعزز وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره.
4 -
التعجب.
5 -
الخوف من فوت المقاصد.
6 -
حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه.
7 -
خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى.
ثم أشار الغزالي إلى الدواء الذي ينفيه، وهو العلم والعمل، أي ضرر الحسد عليك في الدنيا والدين، وأنت لك في أعدائك ثلاثة:
الأول: أن تحب مساءتهم بطبعك وتكره حبك لذلك، وميل قلبك إليه بعملك وتمقت نفسك عليه، وتود لو كانت لك حيلة في إزالة ذلك الميل منك، وهذا معفو عنه قطعاً، لأنه لا يدخل تحت الاختيار أكثر منه.
الثاني: أن تحب ذلك وتظهر الفرح بمساءته إما بلسانك أو بجوارحك فهذا هو الحسد المحظور قطعاً.
الثالث: وهو بين الطرفين أن تحسد بالقلب من غير مقت لنفسك على حسدك، ومن غير إنكار منك على قلبك، ولكن تحفظ جوارحك عن طاعة الحسد في مقتضاه، وهذا في محل الخلاف والظاهر أنه لا يخلو عن إثم بقدر قوة ذلك الحب وضعفه، والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل. أهـ. ص 174 جـ 3.
قطعة من أدب الجاحظ في ذم الحسد من نبع السنة النبوية:
الحسد - أبقاك الله - داء ينهك (1) الجسد. علاجه عسير وصاحبه ضجر (2) وهو باب غامض (3) وما ظهر منه فلا يداوى. وما بطن منه فمداويه في عناء، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:"دب (4) إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء".
الحسد عقيدة (5) الكفر وحليف (6) الباطل وضد الحق. منه تتولد العداوة وهو سبب كل قطيعة (7) ومفرق كل جماعة، وقاطع كل رحم من الأقرباء (8) ومحدث التفرق بين القرناء (9) وملقح (10) الشر بين الحلفاء.
ولابن سعيد المغربي:
ولا تجادل أبداً حاسدا
…
فإنه أدعى إلى هيبتك
وامش الهوينى مظهراً عفة
…
وابغ رضا الأعين عن هيبتك
أفش التحيات إلى أهلها
…
ونبه الناس إلى رتبتك
ولأبي الحسن التهامي:
إني لأرحم حاسدي من حرما
…
ضمنت صدورهم من الأوغار
نظروا صنيع الله بي فعيونهم
…
في جنة وقلوبهم في نار =
_________
(1)
يضنيه.
(2)
متبرم.
(3)
مسلك خفي يعسر الخروج منه.
(4)
سرى فيكم.
(5)
معاهده ومحالفه.
(6)
ملازمه.
(7)
انفصال.
(8)
كل قرابة واتصال.
(9)
المناظرين.
(10)
يولد الشر بين المتحالفين.