الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من عود الإنسان في هبته
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذي
= الله عز وجل عن ذل مقامه بين يدي حتى أقرأ رقعته. أهـ:
أنت للمال إذا أمسكته
…
فإذا أنفقته فالمال لك
آيات ذم البخل وذم المال وكراهة حبه:
(أ) قال الله تعالى: "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون"(16 من سورة التغابن).
(ب) وقال تعالى: "ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شراً لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة" من سورة آل عمران.
(جـ) وقال تعالى: "الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله" من سورة النساء.
(د) وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم"(9 من سورة المنافقون).
(هـ) وقال تعالى: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم"(15 من سورة التغابن). قال الغزالي: فمن اختار ماله وولده على ما عند الله فقد خسر وغبن خسراناً عظيماً. ص 200 جـ 3
(و) وقال تعالى: "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون"(85 - 86 من سورة هود).
أي بإحسانه وبره (نوف): نوصل إليهم جزاء أعمالهم في الدنيا من الصحة والرياسة وسعة الرزق وكثرة الأموال والأولاد (لا يبخسون): لا ينقصون شيئاً من أجورهم، والآية في أهل الرياء، وقيل في المنافقين، وقيل في الكفرة وغرضهم وبرهم، وأوردها الغزالي في باب ذم المال، فأفهم أنها تشمل وعيد البخلاء الذين يكنزون ولا ينفقون في وجوه البر ويجمحون عن مشروعات الخير.
(ز) وقال تعالى: "كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى"(6 - 8 من سورة العلق). (كلا): ردع لمن كفر بنعمة الله تعالى بطغيانه وبخله: أي إن رأى نفسه متمتعاً بنعم الوهاب القدير، والرجعى بمعنى الرجوع، والخطاب للإنسان على الالتفات، تهديداً وتحذيراً من عاقبة الطغيان والشح.
(ح) وقال تعالى: "ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر"(1 - 2 من سورة التكاثر). أي شغلكم التباهي بالمال وكثرته والأولاد وعزتها إلى أن متم وقبرتم مضيعين أعماركم في طلب الدنيا عما هو أهم لكم، وهو السعي لأخراكم فتكون زيارة القبور عبارة عن الموت. أهـ بيضاوي. وآخر السورة "ثم لتسألن يومئذ عن النعيم"(8 من سورة التكاثر).
وإن شاهدنا طلب أصحاب الأموال بالسخاء خشية الموت فلا يجد الغني له أعمالاً صالحة تقيه عاديات يوم القيامة إن الإنسان مغمور بنعم الله فيجب عليه إنفاقها فيما يرضي الله، فإذا بخل أساء استعمالها فأضر نفسه بشحه وكثرت سيئاته ببخله وقبحت سيرته وسخط الله والناس عليه كما قال الله تعالى:"إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون"(44 من سورة يونس). أي يسلب حواسهم وعقولهم (يظلمون) أنفسهم بإفسادهم وتفويت منافعها عليهم. وفيه دليل على أن للعبد كسباً، وأنه ليس بمسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت الجبرية. =
يَرْجِعُ في هِبَتِهِ (1) كالكلب يَرْجِعُ في قَيْئِهِ (2) ".
2 -
وفي رواية: "مثل الذي يَعُودُ (3) في هِبَتِهِ كَمَثَلِ الكلب يَقيء، ثم يعود في قَيْئِهِ فيأكلهُ" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
= فيا أصحاب الأموال الوفيرة ساهموا في إنشاء معاهد العلم والمصانع والمشروعات النافعة عسى أن يشملكم إحسان الله ورضاه ومحبة أبناء الوطن، قال أبو محمد إسحاق الموصلي المتوفى سنة 235 هـ في ذم البخل:
وآمرة بالبخل قلت لها اقصري
…
فليس إلى ما تأمرين سبيل
أرى الناس خلان الجواد ولا أرى
…
بخيلاً له في العالمين خليل
وإني رأيت البخل يزري بأهله
…
فأكرمت نفسي أن يقال بخيل
ومن خير حالات الفتى لو علمته
…
إذا نال شيئاً أن يكون ينبل
عطاني عطاء المكثرين تجملاً
…
ومالي كما قد تعلمين قليل
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى
…
ورأى أمير المؤمنين جميل
(1)
الهبة تمليك بلا عوض في الحياة، وهي الأقارب أفضل، ويستحب لمن وهب لأولاده أن يسوي بينهم، فإن ملك المتهب لاحتياج أو لثواب آخرة فصدقة، وإن نقل الموهوب إلى المتهب بنفسه أو بغيره إعظاماً له وإكراماً لا لغرض آخر فهدية، والمراد بالهبة التملك، لكن بإيجاب وقبول، لا لإكراه ولا لأجل ثواب أو احتاج، وأركانها:
(أ) العاقدان.
(ب) الصيغة كوهبتك كذا وقبلت.
(جـ) الموهوب، وهو كل ما جاز بيعه، ولا يحصل الملك في الهبة إلا بالقبض بإذن الواهب، وإذا قبضها الموهوب له لم يصح للواهب أن يرجع فيها إلا أن يكون والداً وإن علا أي من جهة الآباء والأمهات. أهـ تنوير القلوب ص 274
(2)
ترديد الطعام وإخراج ما في بطنه، وفي باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته ص 148 جـ 5 "ليس لنا مثل السوء" قال في الفتح لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أحسن الحيوانات في أخس أحوالها، قال الله سبحانه وتعالى:"للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء، ولله المثل الأعلى" من سورة النحل. ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك وأدل على التحريم مما لو قال مثلاً: لا تعودوا في الهبة، وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن نقبض ذهب جمهور العلماء إلا هبة لولده جمعاً بين هذا الحديث وحديث النعمان "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". وقال الطحاوي قوله: لا يحل لا يستلزم التحريم، وهو كقوله: لا تحل الصدقة لغني، وإنما معناه لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوي الحاجة، وأراد بذلك التغليظ في الكراهة، وقال وقوله كالعائد في قيئه، وإن اقتضى التحريم لكون القيء حراماً، لكن في الرواية الأخرى، وهي قوله: كالكلب تدل على عدم التحريم، لأن الكلب غير متعبد فالقيء ليس حراماً عليه، والمراد التبرئة عن فعل يشبه فعل الكلب، وتعقب باستبعاد ما تأوله ومنافرة سياق الأحاديث له، وبأن عرف الشرع في مثل هذه الأشياء يريد به المبالغة في الزجر كقوله: من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير. أهـ.
(3)
أي العائد في هبته إلى الموهوب، وهو كقوله تعالى:"أو لتعودن في ملتنا" من سورة الأعراف. أهـ فتح.
ولفظ أبي داود: العائدُ في هبته كالعائد في قيئهِ. قال قتادة: ولا نعلم القيء إلا حراماً.
3 -
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "حَمَلْتُ على فَرَسٍ (1) في سبيل (2) الله، فأردتُ أن أشتريه، فظننتُ أنه يبيعُهُ بِرُخْصٍ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تشترهِ (3)، ولا تَعُدْ في صدقتك، وإن أعطاكَهُ بدرهمٍ، فإن العائد في صدقته (4)
كالعائد في قيئه" رواه البخاري ومسلم.
[قوله: حملت على فرسٍ في سبيل الله]: أي أعطيت فرساً لبعض الغزاة ليجاهد عليه.
4 -
وعن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحلُّ لرجلٍ أن يُعْطِي لرجلٍ عطيةً، أو يهب هبةً، ثم يرجعَ فيها إلا الوالدُ فيما يُعطي ولدهُ، ومثل الذي يرجعُ في عطيتهِ أو هبتهِ كالكلبِ يأكلُ فإذا شبعَ قاء، ثم عاد في قيئه" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
5 -
وعن عمرو بن شُعيبٍ عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثلُ الذي يستردُّ ما وهب كمثل الكلب يقيء، فيأكل قيئهُ، فإذا استرد الواهب فليوقف فَلْيُعَرَّفْ بما اسْتَرَدَّ، ثم لِيَدْفَعَ ما وهب" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
(1) زاد القعنبسي في الموطأ: عتيق، والعتيق الكريم الفائق من كل شيء. أهـ فتح.
(2)
ظاهره أنه حمله عليه حمل تمليك ليجاهد به إذ لو كان حمل تحبيس لم يجز بيعه، وزاد البخاري "فأضاعه" أي لم يحسن القيام عليه وقصر في مئونته وخدمته، وقبل أي لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته، وقيل معناه استعمله في غير ما جعل له، والأول أظهر. أهـ فتح ص 149 جـ 5
(3)
سمى الشراء عوداً في الصدقة، لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعاً، وأشار إلى الرخص بقوله:"وإن أعطاكه بدرهم" ويستفاد من قوله: "وإن أعطاكه بدرهم" أن البائع كان قد ملكه، ولو كان محتسباً لما باعه. أهـ.
(4)
حمل الجمهور هذا النهي في صورة الشراء على التنزيه، وحمله قوم على التحريم، وقال القرطبي وغيره: وهو =