الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من الحلف بغير الله سيما بالأمانة، ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر ونحو ذلك
1 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم (1) من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت (2) " رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
= قال الغزالي: كلام ذي اللسانين الذي يتردد بين المتعاديين ويكلم كل واحد منهما بكلام يوافقه وقلما يخلو عنه من يشاهد متعاديين، وذلك عين النفاق. وقال ابن مسعود: لا يكون أحدكم إمعة قالوا وما الإمعة؟ قال الذي يجري مع كل ريح، وإذا دخل على متعاديين وجامل كل واحد منهما، وكان صادقاً فيه لم يكن منافقاً ولا ذا لسانين، نعم لو نقل كلام واحد منهما إلى الآخر فهو ذو لسانين وهو شر من النميمة إذ يصير نماماً بأن ينقل من أحد الجانبين فقط، ويدخل في ذلك إذا حسن لكل واحد منهما ما هو عليه من المعاداة مع صاحبه أو وعد أحدهما بالمساعدة والنصر أو أثنى عليه في معاداته، بل ينبغي أن يسكت أو يثني على المحق من المتعاديين، ويثني عليه في غيبته، وفي حضوره وبين يدي عدوه. قيل لابن عمر رضي الله عنهما إنا ندخل على أمرائنا فنقول القول فإذا خرجنا قلنا غيره الحديث إلى أن قال: وهذا نفاق مهما كان مستغنياً عن الدخول على الأمير، وعن الثناء عليه ويقنع بالقليل، وترك المال والجاه كما قال صلى الله عليه وسلم "حب المال والجاه ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" فأما إذا ابتلى به لضرورة وخاف إن لم يثن فهو معذور، فإن اتقاء الشر جائز، ولا يجوز الثناء ولا التصديق، ولا تحريك الرأس في معرض التقرير على كلام باطل، فإن فعل ذلك فهو منافق. بل ينبغي أن ينكر فإن لم يقدر فيسكت بلسانه وينكر بقلبه. أهـ إحياء ص 128 جـ 3
قال بشار بن برد:
خير إخوانك المشارك في المر
…
وأين الشريك في المر أينا
الذي إن شهدت سرك في الحى
…
وإن غبت كان أذنا وعينا
مثل سر الياقوت إن مسه النا
…
ر جلاه البلاء فازداد زينا
أنت في معشر إذا غبت عنهم
…
بدلوا كل ما يزينك شينا
وإذا ما رأوك قالوا جميعا
…
أنت من أكرم البرايا علينا
ما أرى للأنام ودا صحيحا
…
صار ود الأنام زورا ومينا
عدوك من صديقك مستفاد
…
فلا تستكثرن من الصحاب
(1)
تقول: وأبي، وأمي، وخالي، وجدي.
(2)
ليسكت الذي أراد القسم للتعظيم والإجلال فيقسم بالله جل جلاله، أو بصفة من صفاته، قال تعالى:"ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها"(من سورة الأعراف).
وفي الفتح قال العلماء: السر في النهي عن الحلف بغير الله تعالى أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده، وظاهر الحديث تخصيص الحلف بالله خاصة؛ لكن قد اتفق العلماء على أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية؛ وأما اليمين بغير ذلك فقد ثبت المنع فيها، وهل المنع للتحريم؟ قولان. عند المالكية كذا قال ابن دقيق العيد: والمشهور عندهم الكراهة، والخلاف أيضاً عند الحنابلة، لكن المشهور =
2 -
وفي رواية لابن ماجة من حديث بُريدة قال: "سَمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يحلفُ بأبيه فقال: "لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فَلْيَصْدُقْ (1)، ومن حُلِفَ لهُ بالله فَلْيَرْضَ (2)، ومن لم يَرْضَ بالله فليس من الله (3) ".
3 -
وعنه رضي الله عنه: "أنه سمع رجلاً يقولُ: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا يُحْلَفُ بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك (4) " رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما.
4 -
وفي رواية للحاكم: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كُلُّ يمينٍ يُحْلَفُ بها دون الله شِرْكٌ (5) ".
5 -
وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "لأن أحلفَ بالله كاذباً (6)
= عندهم التحريم، وبه جزم الظاهرية، وقال ابن عبد البر: لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع ومراده بنفي الجواز الكراهة أعم من التحريم والتنزيه، فإنه قال في موضع آخر: أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها، والخلاف موجود عند الشافعية من أجل قول الشافعي: أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية فأشعر بالتردد، وجمهور أصحابه على أنه للتنزيه. وقال إمام الحرمين: المذهب القطع بالكراهة وجزم غيره بالتفصيل، فإن اعتقد في المحلوف فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به، وكان بذلك الاعتقاد كافراً وعليه يتنزل الحديث المذكور، وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك، ولا تنعقد يمينه، قال الماوردي: لا يجوز لأحد أن يحلف أحداً بغير الله لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر، وإذا حلف الحاكم أحداً بشيء من ذلك وجب عزله لجهله. أهـ ص 426 جـ 10.
(1)
يقل الحق ويضمر الخير، ويطهر نيته ويشعر بإجلاله الله وتعظيمه.
(2)
فلينفذ ما حلف عليه وليبر بقسم الحالف.
(3)
نفى عنه سبحانه وتعالى الاعتماد عليه والتوكل: أي ليس خائفاً مني، ولا وجلاً ولا شاعراً بعظتمي، ومنصرفاً لتعظيم غيري.
(4)
أي من أقسم بغير الله تعظيماً له من دونه فقد جعل لله شريكاً، وقد خرج من الإسلام، وقد جحد نعمة الله وأنكر فضله.
(5)
إدخال غير الله في التعظيم.
قال المناوي: أي فَعلَ فِعل أهل الشرك وتشبه بهم إذ كانت أيمانهم بآبائهم وما يعبدونه من دون الله، أو فقد أشرك غير الله في تعظيمه. أهـ عزيزي. وقال الحفني: أي فقد فعل مثل فعل المشركين، لأنهم كانوا يحلفون بأسماء آلهتهم فيكره الحلف بغير الله تعالى، ولو ولياً أو ملكاً أو نبياً. أهـ جامع صغير.
(6)
المعنى أكثر من ذكر الله تعالى مع تغيير الأقوال الموافقة للواقع أفضل من الصدق مع القسم بغيره سبحانه.
أحبُّ إليَّ من أن أحلفَ بغيرهِ وأنا صادقٌ" رواه الطبراني موقوفاً، ورواته رواة الصحيح.
6 -
وعن بُريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بالأمانة فليس منا" رواه أبو داود.
7 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف قال إني برئٌ من الإسلام (1)، فإن كان كاذباً، فهو كما قال (2)، وإن كان صادقاً (3) فلن يرجع إلى الإسلام سالماً (4) " رواه أبو داود وابن ماجة، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما.
8 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمينٍ فهو كما حلف (5) إن قال: هو يهوديٌ، فهو يهوديٌ، وإن قال: هو نصرانيٌّ، فهو نصرانيٌّ، وإن قال هو برئٌ من الإسلام فهو برئٌ من الإسلام، ومن ادَّعَى دُعاء الجاهلية فإنه من جُثاء جهنم (6) قالوا: يا رسول الله، وإن صام وصلى؟ قال: وإن صام وصلى" رواه أبو يعلى والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد كذا قال.
9 -
وروى ابن ماجة من حديث أنسٍ رضي الله عنه قال: "سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: أنا إذاً يهوديٌّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَجَبَتْ (7) ".
10 -
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف بملةٍ غير الإسلام (8)
(1) أي بعيد من آدابه خارج عن سننه.
(2)
أي يتصف ببعده عن الإسلام وينقص إيمانه ويضعف دينه.
(3)
أي وإن قال معتقداً أنه خارج عن الإسلام فإسلامه عسير، وهو مشرك ولابد من النطق بالشهادتين وتجديد توبته.
(4)
المعنى أنه كفر.
(5)
أي ينال درجة من يعظم، فإن عظم اليهودية فهو يهودي أو النصرانية فهو نصراني.
(6)
شيء مجموع: أي من جماعتها، لأنه لازال متعصياً بحمية الجاهلية مائلاً لنداءاتها معظماً غير الله تعالى.
(7)
حق عليه الاتصاف بالمروق عن الإسلام، والخروج من حظيرته.
(8)
قال السندي: في حاشيته على البخاري كأن يقول إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني. أهـ فيرضى لنفسه هذه التي جاء الإسلام فنسخها وبدلها بالملة السمحاء الحنيفية.
كاذباً، فهو كما قال (1) رواه البخاري ومسلم في حديثٍ، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
(1) ظاهره أنه يكفر بذلك، وهو كذلك إن قصد الرضى بما قاله وإلا بأن قصد إبعاد نفسه عن الفعل أو أطلق، فلا يكفر لكنه ارتكب مكروها. أهـ. سندي.
فصل في الأيمان:
والخلاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يحلف الإنسان بأبيه أو بأي شيء غير الله تعالى، وأورد البخاري حديث سيدنا سالم:"قال ابن عمر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" قال عمر فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذاكراً ولا آثراً"(ذاكراً): عامداً، (وآثراً): أي حاكياً عن الغير. أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري، أو متفاخراً بالآباء في الإكرام، وفي الفتح: وفي هذا الحديث من الفوائد الزجر عن الحلف بغير الله، وأما ما ورد في القرآن من القسم بغير الله ففيه جوابان:
(أ) أن فيه حذفاً، والتقدير: ورب الشمس.
(ب) يختص بالله، فإذا أراد تعظيم شيء من مخلوقاته أقسم به، وليس لغيره ذك، وأما ما وقع مما يخالف ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي:"أفلح وأبيه إن صدق" فنفاها ابن عبد البر "أفلح والله إن صدق" ومن لفظ أبي بكر الصديق في قصة السارق الذي سرق حلي ابنته فقال في حقه: "وأبيك ما ليلك بليل سارق" أخرجه في الموطأ وغيره، وأخرج مسلم للذي سأل: أي الصدقة أفضل؟ فقال: وأبيك لتنبأن. إذا ثبت ذلك كان يجري على ألسنتهم من غير أن يقصد به القسم، والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف، وإلى هذا جنح البيهقي، وقال النووي: إنه الجواب المرضي، والثاني أنه كان يقع في كلامهم على وجهين: أحدهما للتعظيم، والآخر للتأكيد، والنهي إنما وقع عن الأول، فمن أمثلة ما وقع في كلامهم للتأكيد لا للتعظيم قول الشاعر:
* لعمر أبى الواشين إني أحبها *
وقول آخر:
فإن تك ليلى استودعتني أمانة
…
فلا وأبي أعداءها لا أذيعها
قال البيهقي (أفلح وأبيه): أي ورب أبيه، ولا تنعقد يمين من حلف بغير الله سواء كان المحلوف به يستحق التعظيم لمعنى غير العبادة كالأنبياء والملائكة والعلماء الصلحاء والملوك والآباء، والكعبة، أو كان لا يستحق التعظيم كالآحاد أو يستحق التحقير والإذلال كالشياطين والأصنام، وسائر من عبد من دون الله، واستثنى بعض الحنابلة من ذلك الحلف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: تنعقد به اليمين، وتجب الكفارة بالحنث. أهـ ص 428 جـ 10
وفي تنوير القلوب يخشى على من يكثر الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم فراراً من الكفارة في الحلف باسم الله من سوء الخاتمة، لما فيه من التهاون باسم النبي صلى الله عليه وسلم، بل إن قصد ذلك كفر والعياذ بالله تعالى، واليمين تحقيق ما يحتمل الوقوع وعدمه: أي إثبات أنه لابد منه بذكر الله أو صفة من صفات ذاته، ولا يصح اليمين إلا من كل بالغ عاقل مختار قاصد، فلا تصح يمين الصبي، ومن زال عقله بنوم أو مرض، وإن زال بمحرم صحت يمينه، ومن أكره على اليمين لم تصح يمينه، ومن لم يقصد اليمين أصلاً فسبق لسانه إليها أو قصد اليمين على شيء وسبق لسانه إلى غيره لم تصح يمينه، وذلك لغو اليمين الذي لا يؤاخذ به، وتصح اليمين على =