الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر
1 -
عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقَاطَعُوا ولا تَدَابَرُوا (1)،
= ودعوا الضغائن لا تكن من شأنكم
…
إن الضغائن للقرابة توضع
يزجى عقاربه ليبعث بينكم
…
حرباً كما بعث العروق الأخدع
إن الذين ترونهم إخوانكم
…
يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا
وللإمام علي الرضا:
إن عضك الدهر فكن صابراً
…
على الذي نالك من عضته
أو مسك الضر فلا تشتكي
…
إلا لمن تطمع في رحمته
لسانك احفظه وصن نطقه
…
واحذر على نفسك من عثرته
فالصمت زين ووقار وقد
…
يؤتى على الإنسان من لفظته
من أطلق القول بلا مهملة
…
لاشك أن يعثر في عجلته
من لزم الصمت نجا سالماً
…
لا يندم المرء على سكتته
وقال أبو علي "في الأمالي ص 235 جـ 2 وأنشدنا أبو بكر محمد بن السرى قال أنشدني وكيع" قال أنشدنا أحمد بن سليمان الراوية:
استر بصبر خلك
…
والبس عليه شملك
وكل هزيليلك على
…
الراحة واشرب وشلك
إذا اعترتك فاقة
…
فارحل برفق جملك
وارغب إلى الله ونط
…
بما لديه أملك
وآخ في الله وصل
…
في دينه من وصلك
رزقك يأتيك إلى
…
حين تلاقي أجلك
ما لك ما قدمته
…
وليس ما بعدك لك
وللزمان أكلة
…
إذا اشتهاها أكلك
وللردى قوس فإن
…
رماك عنها قتلك
يا رب إني راغب
…
أدعوك وأرجو نفلك
أنت حفي لم تخب
…
دعوة راج أملك
فأعطني من سعة
…
يا من تعالى فملك
سبحانك اللهم ما
…
أجل عندي مثلك
(1)
التدابر: المعاداة، وقيل المقاطعة، لأن كل واحد يولي صاحبه دبره، والحسد تمني النعمة، وهو حرام ومعنى كونوا عباد الله إخواناً: أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة، والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال. قال بعض العلماء: وفي النهي عن التباغض إشارة إلى النهي عن الأهواء المضلة الموجبة للتباغض. أهـ نووي ص 116 جـ 16، =
ولا تباغضوا (1)، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجر أخاهُ فوق ثلاثٍ (2)" رواه مالك والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، ورواه مسلم أخصر منه، والطبراني، وزاد فيه: "يلتقيان فَيُعْرِضُ هذا، ويُعْرِضُ هذا، وخَيْرُهُمُ الذي يبدأ بالسلام، والذي يبدأ بالسلام يسبقُ إلى الجنة". قال مالك: ولا أحسبُ التدابر إلا الإعراض عن المسلم يُدْبِرُ عنه بوجهه.
2 -
وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاهُ فوق ثلاثِ ليالٍ، يلتقيان، فَيُعْرِضُ هذا، وَيُعْرِضُ هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي وأبو داود.
3 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاهُ فوق ثلاثٍ، فمن هَجَرَ فوقَ ثلاثٍ فمات دخل النار" رواه أبو داود والنسائي بإسنادٍ على شرط البخاري ومسلم.
4 -
وفي رواية لأبي داود، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لمؤمنٍ أن يهجرَ
= وفي النهاية: أي لا يعطي كل واحد منكم أخاه دبره وقفاه فيعرض عنه ويهجره. أهـ.
(1)
أي لا يحصل منكم بغض ونفاق وشقاق وتنافر.
(2)
قال العلماء: في هذا الحديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال وإباحتها في الثلاث، الأول بنص الحديث، والثاني بمفهومه قالوا وإنما عفى عنها في الثلاث، لأن الآدمي مجبول على الغضب وسوء الخلق، ونحو ذلك فعفى عن الهجرة في الثلاثة ليذهب ذلك العارض، وقيل إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجرة في الثلاثة وهذا على مذهب من يقول لا يحتج بالمفهوم، ودليل الخطاب قوله صلى الله عليه وسلم (يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وفي رواية: فيصد هذا ويصد هذا) أي يعرض، أي يوليه عرضه، وهو جانبه (وخيرهما): أي أفضلهما، وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة ويرفع الإثم فيها ويزيله، وقال أحمد وابن القاسم المالكي: إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجرته، قال أصحابنا: ولو كاتبه أو راسله عند غيبته عنه هل يزول إثم الهجرة؟ وفيه وجهان أحدهما لا يزول، لأنه لم يكلمه، وأصحهما يزول لزوال الوحشة والله أعلم (لا يحل لمسلم): قد يحتج به من يقول: الكفار غير مخاطبين بفروع الشرع، والأصح أنهم مخاطبون بها، وإنما قيد بالسملم، لأنه الذي يقبل خطاب الشرع وينتفع به. أهـ نووي ص 118 جـ 16
وقال ابن حجر: في الفتح في باب الهجرة: الهجرة أي ترك الشخص مكاملة الآخر إذا تلاقيا، وهي في الأصل الترك فعلاً كان أو قولاً، وليس المراد بها مفارقة الوطن، وأراد أن عمومه مخصوص بمن هجر أخاه بغير موجب لذلك. وقال أبو العباس القرطبي: المعتبر ثلاث ليال حتى لو بدأ بالهجرة في أثناء النهار ألغى البغض وتعتبر ليلة ذلك اليوم وينقضي العفو بانقضاء الليلة الثالثة. فالمعتمد أن المرخص فيه ثلاثة أيام بلياليها فحيث أطلقت الليالي أريد بأيامها. أهـ فتح ص 373 جـ 10.
مؤمناً فوق ثلاثٍ، فإن مَرَّتْ به ثلاثٌ فَلْيَلْقَهُ (1) فَلْيُسَلِّمْ عليه، فإن رد عليه السلام، فقد اشتركا (2) في الأجر، وإن لم يَرُدَّ عليه، فقد باء (3) بالإثم، وخرج المسلمُ من الهجرةِ (4) ".
5 -
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يكونُ لمسلمٍ أن يهجرَ مُسلماً فوق ثلاثةِ أيامٍ، فإذا لَقِيَهُ سَلَّمَ عليه ثلاثَ مراتٍ، كُلُّ ذلك لا يَرُدُّ عليه، فقد باء بإثمه" رواه أبو داود.
6 -
وعن هشام بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجرَ مُسلماً فوق ثلاثِ ليالٍ، فإنهما ناكبان (5) عن الحق ماداما على صِرَامِهِمَا (6)
وأولهما فَيْء (7) يكونُ سَبْقُهُ بالفيء كفارة له (8)، وإن سَلَّمَ فلم يقبل ورَدَّ عليه سلامهُ ردتْ عليه الملائكة (9)، وردَّ على الآخرِ الشيطانُ، فإن ماتا على صِرَامِهِمَا لم يَدْخُلا الجنة جميعاً أبداً" رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح، وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: "لم يدخُلا الجنة، ولم يجتمعا في الجنة" ورواه أبو بكر بن أبي شيبة إلا أنه قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلُّ أن يَصْطَرِمَا (10) فوق ثلاثٍ، فإن اصطرما فوق ثلاثٍ لم يجتمعا في الجنة أبداً، وأيهما (11) بدأ صاحبهُ كُفِّرَتْ ذُنُوبُهُ، وإن هو سَلَّمَ فلم يَرُدَّ عليه، ولم يقبل سلامهُ رَدَّ عليه المَلَكُ، وردَّ على ذلك الشيطان".
7 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) هكذا في (ع ص 216)، وفي (ن د): فلقيه.
(2)
نالا الثواب.
(3)
رجع بالذنب.
(4)
الترك الشرعي لأنه أراد أن يحادثه فامتنع.
(5)
مائلان، من نكب الإناء ونكبه: إذا أماله وكبه.
(6)
قطيعتهما.
(7)
أي حنين إلى مودته ورجوع إلى محادثته، من قولهم الفيء على ذي الرحم: أي العطف عليه والرجوع إليه بالبر والصلة.
(8)
أي إذا تقدم له بأنواع الألفة غفرت ذنوبه.
(9)
ملائكة الرحمة.
(10)
يتقاطعا.
(11)
وأيهما كذا (د وع ص 216).
"لا تَحِلُّ الهجرة فوق ثلاثةِ أيامٍ، فإن التقيا، فَسَلَّمَ أحدهما، فَرَدَّ الآخرُ اشتركا في الأجر، وإن لم يَرُدَّ بَرِئ (1) هذا من الإثم، وباء به الآخرُ، وأحسبهُ قال: وإن ماتا وهما مُتهاجران لا يجتمعان في الجنة" رواه الطبراني في الأوسط والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد.
من هجر أخاه فهو كسفك دمه
8 -
وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدابروا ولا تَقَاطَعُوا، وكونوا عباد الله إخواناً (2) هَجْرُ المؤمنين ثلاثاً (3)، فإن تكلما وإلا أعْرَضَ (4)
الله عز وجل عنهما حتى يتكلما" رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا عبد الله بن عبد العزيز الليثي.
9 -
وعن فضالة بن عُبيدٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من هجر أخاهُ فوق ثلاثٍ، فهو في النار إلا أن يتداركهُ (5) الله برحمته" رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح.
10 -
وعن أبي حِرَاشٍ حَدْرَدِ بن أبي حدردٍ الأسلميِّ رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من هجر أخاهُ سنةً، فهو كَسَفْكِ دَمِهِ" رواه أبو داود والبيهقي.
11 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الشيطان قد يئس أن يعبدهُ المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التَّحْرِيشِ بينهم" رواه مسلم.
[التحريش]: هو الإغراء، وتغيير القلوب والتقاطع.
12 -
وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "لا يتهاجرُ الرجلان قد دَخَلَا
(1) سلم من الذنب.
(2)
أصدقاء أحباباً.
(3)
كذا (د وع)، وفي (ن ط) ثلاث.
(4)
أبعد عنهما سبحانه وتعالى رحمته ولم يعاونهما.
(5)
يسامحه ويعفو عنه، ففيه للنهي عن الخصام والعناد والتقاطع رجاء نيل النعيم والخطوة برحمة الله.
في الإسلام إلا خرج (1) أحدهما منه حتى يرجعَ إلى ما خرج منه، ورجوعه (2) أن يأتيهُ فَيُسَلِّمَ عليه" رواه الطبراني موقوفاً بإسناد جيد.
13 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رجلين دخلا في الإسلام فاهْتَجَرَا لكان أحدهما خارجاً عن الإسلام حتى يرجعَ، يعني الظالم (3) منهما" رواه البزار، ورواته رواة الصحيح.
14 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعْرَضُ الأعمال في كل اثنين وخميسٍ، فيغفرُ الله عز وجل في ذلك اليوم لكلِّ امرئٍ لا يُشركُ بالله شيئاً إلا امرؤٌ كانت بينه وبين أخيه شحناء (4)،
فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا" رواه مالك ومسلم، واللفظ له، وأبو داود والترمذي وابن ماجة بنحوه.
15 -
وفي رواية لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تُفتحُ أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فَيُغْفَرُ لكلِّ عبدٍ لا يُشركُ بالله شيئاً إلا رجلٌ كان بينه وبين أخيه شحناء فيقالُ: أنْظِرُوا هذين حتى يصطلحا، أنْظِرُوا هذين حتى يصطلحا، أنْظِرُوا هذين حتى يصطلحا".
16 -
ورواه الطبراني، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُنسخُ دواوينُ أهل الأرضِ في دواوينِ أهل السماء في كل اثنينٍ وخميسٍ، فَيُغْفَرُ لكلِّ مُسْلمٍ لا يُشركُ بالله شيئاً إلا رجلٌ بينهُ وبين أخيه شحناء. قال أبو داود: إذا كانت الهجرةُ لله (5) فليس من هذا بشيءٍ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين يوماً، وابن عمر هجر ابناً له إلى أن مات" انتهى.
17 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تُعْرَض الأعمالُ يوم الاثنين والخميس، فَمِنْ مُسْتَغْفِرٍ، فَيُغْفَرُ له، ومن تائبٍ فَيُتَابُ عليه،
(1) كفر.
(2)
إثبات إسلامه وزيادة إيمانه.
(3)
يريد صلى الله عليه وسلم أن يبين أن المعتدي في الخصام بعيد من الإسلام الكامل ناقص الإيمان بالله.
(4)
شقاق وتنافر وخصام فيؤجل الله غفران ذنوبهما حتى يصطلحا.
(5)
أي التقاطع بسبب ارتكاب الثاني الإجرام وفعل المعاصي فالعاقل الكيس يصل لله ويترك العصاة لله.
وَيَرُدُّ أهلَ الضغائنِ بضغائنهم حتى يُتوبوا" رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات.
[الضغائن] بالضاد والغين المعجمتين: هي الأحقاد.
18 -
وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يَطَّلِعُ اللهُ إلى جميع خَلْقِهِ ليلةَ النصف من شعبان، فَيَغْفِرُ لجميعِ خلقهِ إلا لِمُشركٍ (1) أو مُشاحنٍ (2) " رواه الطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه والبيهقي، ورواه ابن ماجة بلفظه من حديث أبي موسى الأشعري، والبزار والبيهقي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه بنحوه بإسناد لا بأس به.
19 -
ورويَ عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: "دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضع عنه ثوبيه، ثم لم يَسْتَتِمَّ (3) أن قام فلبسهما، فأخذتني غَيْرَةٌ شديدةٌ ظننتُ أنه يأتي بعض صُوَيْحِبَاتِي، فخرجتُ أتْبَعُهُ، فأدركتهُ بالبقيع (بقيع الغرقد) يستغفرُ للمؤمنين (4) والمؤمنات والشهداء، فقلتُ: بأبي وأمي أنت في حاجةِ ربك، وأنا في حاجة الدنيا، فانصرفتُ فدخلتُ حُجْرَتي، ولي نَفَسٌ عَالٍ (5)، ولحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا النفس يا عائشةُ؟ قلتُ (6): بأبي وأمي أتيتني فوضعت عنك ثوبيك، ثم لم تستتم (7) أن قمتَ فلبستهما، فأخذتني غيرةٌ شديدةٌ (8) ظننتُ أنك تأتي بعض صُويحباتي حتى رأيتُكَ بالبقيع تصنعُ ما تصنعُ فقال: يا عائشة أكنتِ تخافين أن يحيفَ (9) الله عليك ورسولهُ! أتاني جبريل عليه السلام، فقال:
(1) الذي جعل لله شريكاً في ذاته أو صفاته أو أفعاله.
(2)
مشاكس شرير مجرم يخلق الفتن ويبعث الاضطراب، ويزيل الصفاء ويجلب النفور دائماً.
(3)
لم يستكمل الراحة ولم يطلب تمام المكث عندنا.
(4)
يطلب محو ذنوب أمته.
(5)
اضطراب وخفقان، والمعنى تظهر على حركة غير عادية.
(6)
أفديك بهما.
(7)
لم تأخذ راحتك التامة.
(8)
حمية وأنفة، يقال رجل غيور، وامرأة غيور أو غيرى، وهي فعلى من الغيرة.
(9)
يجور ويظلم، ومنه حتى لا يطمع شريف في حيفك: أي في ميلك معه لشرفه.
هذه ليلةُ النصف من شعبان، ولله فيها عُتقاءُ من النار بعدد شُعُورِ غَنَمِ كَلْبٍ (1)
لا ينظرُ الله فيها إلى مشركٍ، ولا إلى مُشاحنٍ، ولا إلى قاطعِ رحمٍ، ولا إلى مُسبلٍ، ولا إلى عاقٍ لوالديه، ولا إلى مدمن خمرٍ. قال: ثم وضع عنه ثوبيه، فقال لي: يا عائشة تأذنين لي في قيام هذه الليلة؟ قلتُ بأبي وأمي، فقام فسجد ليلاً طويلاً حتى ظننتُ أنه قد قُبضَ (2)، فقمتُ ألتمسُهُ ووضعتُ يدي على باطن قدميه، فتحرك ففرحتُ، وسمعتهُ يقول في سجوده: أعوذُ بعفوك (3) من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، جَلَّ وجهك (4) لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، فلما أصبح ذكرتهنَّ له، فقال: يا عائشةُ: تَعَلَّمِيهنَّ، فقلتُ: نعم، فقال: تعلميهن وعَلَّمِيهِنَّ، فإن جبريل عليه السلام عَلَّمَنِيهِنَّ، وأمرني أن أُرددهُنَّ في السجود (5) " رواه البيهقي.
20 -
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَطَّلِعُ (6) الله عز وجل إلى خلقهِ ليلة النصف من شعبان، فيغفرُ لعباده إلا اثنين: مُشاحنٍ، وقاتلِ نفسٍ" رواه أحمد بإسناد لين.
(1) كناية عن إبعاد نفوس كثيرة جداً من جهنم، وكانت قبيلة كلب في هذا الوقت مشهورة بكثرة ماشيتها ووفرتها، وقد خاب وخسر ستة في هذه الليلة وباءوا بسخط الله وغضبه:
(أ) من يجعل لله شريكاً، ولم يخلص له تعالى في عبادته وسؤاله.
(ب) موقد نار العداوة والبغضاء بين النفوس المتصافية.
(جـ) الجافي على أقاربه الذي لا يود أهله، ولا يصلهم بخيره وطيب كلامه.
(د) المتصف بالكبر والخيلاء.
(هـ) عاص والديه ومؤذيهما.
(و) السكير المتبع هواه صريع الكأس المبذر.
(2)
التحق بالرفيق الأعلى: أي مات، فهمت السيدة عائشة ذلك من طول سجوده، وفي ذلك طلب الخضوع في الصلاة وإطالة السجود خصوصاً في النفل والتهجد.
(3)
أطلب تجاوزك لتجيرني من عذابك، وأرجو بعطفك أن تبعد عني غضبك، وأتوسل بصفاتك الحسنى وأتقرب بعظمتك أن تجيرني من انتقامك.
(4)
عظمت ذاتك.
(5)
أكثر من ذكرهن في السجود.
(6)
ينظر نظر رحمة ويتجلى برضوانه.
يغفر الله عز وجل لأهل الأرض إلا مشرك أو مشاحن
21 -
وعن مكحولٍ عن كثير بن مُرَّةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في ليلة النصف من شعبان يغفرُ الله عز وجل لأهل الأرض إلا مُشركٌ أو مُشاحنٌ" رواه البيهقي، وقال: هذا مرسل جيد.
22 -
[قال الحافظ]: ورواه الطبراني والبيهقي أيضاً عن مكحول عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يطلعُ الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفرُ (1) للمؤمنين، ويُمْهِلُ (2) الكافرين، وَيَدَعُ (3) أهل الحقد بحقدهم حتى يَدَعُوهُ (4) " قال البيهقي: وهو أيضاً بين مكحول وأبي ثعلبة مرسل جيد.
23 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من لم يكن فيه واحدةٌ منهن، فإن الله يغفرُ له ما سوى ذلك لمن يشاء: من مات لا يُشركُ بالله شيئاً (5)، ولم يكن ساحراً (6) يتبعُ السحرة، ولم يحقد (7) على أخيه" رواه الطبراني في الكبير والأوسط من رواية ليث بن أبي سليم.
24 -
وعن العلاء بن الحرث أن عائشة رضي الله عنها قالت: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل، فصلى، فأطال السجود حتى ظننتُ أنه قد قُبضَ، فلما رأيت ذلك قُمتُ حتى حركتُ إبهامهُ، فتحرك فرجع، فلما رفع رأسه من السجود، وفرغَ من صلاته قال: يا عائشةُ أو يا حُمَيْرَاءُ أظننتِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خَاسَ (8) بك قلتُ لا والله يا رسول الله، ولكني ظننتُ أنك قُبضتَ (9) لطول سجودك، فقال: أتدرين (10)
أيُّ ليلةٍ هذه؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم. قال: هذه ليلةُ النصف من
(1) بمحو ذنوبهم.
(2)
يؤجل عقابهم.
(3)
يترك.
(4)
يتجنبوه.
(5)
موحداً بالله ومؤمناً به عاملاً صالحاً له وحده.
(6)
يصرف قلوب الناس إلى غير الحق، والسحر صرف الشيء عن وجهه.
(7)
يضمر له أذى، وفي المصباح: الحق الانطواء على العداوة والبغضاء.
(8)
غدر بذمتك وضيع وقت وجوده معك، وفي النهاية إني لأخيس بالعهد: لا أنقضه، يقال خاس بعهده وخاس بوعده إذا أخلفه، وفي حديث معاوية أنه كتب إلى الحسين بن علي: إني لم أكسك ولم أخسك: أي لم أذلك أهنئك أو لم أخلفك وعداً. أهـ.
(9)
التحقت بالرفيق الأعلى.
(10)
أتعلمين.
شعبان، إن الله عز وجل يَطَّلِعُ على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفرُ للمستغفرين ويرحمُ المسترحمين، ويؤخرُ أهلَ الحقد كما هم" رواه البيهقي أيضاً، وقال: هذا مرسل جيد، ويحتمل أن يكون العلاء أخذه عن مكحول.
[قال الأزهري]: يقال للرجل إذا غدر بصاحبه، فلم يؤته حقه: قد خاس به، يعني بالخاء المعجمة، والسين المهملة.
25 -
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا تُرفعُ صلاتهم فوق رءوسهم شبراً: رجلٌ أمَّ قوماً (1)، وهم له كارهون، وامرأةٌ باتت وزوجها عليها ساخطٌ (2)، وأخوان مُتَصارمانِ (3) " رواه ابن ماجة، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال:"ثلاثةٌ لا يقبلُ الله لهم صلاةً" فذكر نحوه.
[قال الحافظ]: ويأتي في باب الحسد حديث أنس الطويلُ إن شاء الله تعالى.
(1) صلى بهم إماماً.
(2)
غضبان.
(3)
متقاطعان متباغضان: متنافران. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دينه مضرة، فإن كان كذلك جاز، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. أهـ. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه عقوبة لهم لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر، ولم يمنع من كلام من تخلف عنها من المنافقين مؤاخذة للثلاثة لعظيم منزلتهم وازدراء بالمنافقين لحقارتهم، وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده والزوج زوجته، ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث، واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهراً، وكذلك ما صدر من كثير من السلف في استجازتهم ترك مكالمة بعضهم بعضاً مع علمهم بالنهي عن المهاجرة، ولا يخفى أن هنا مقامين: أعلى، وأدنى، فالأعلى اجتناب الإعراض جملة فيبذل السلام والكلام والمواددة بكل طريق، والأدنى الاقتصار على السلام دون غيره، والوعيد الشديد: إنما هو لمن يترك المقام الأدنى، وأما الأعلى فمن تركه من الأجانب، فلا يلحقه اللوم، بخلاف الأقارب، فإنه يدخل فيه قطيعة الرحم. أهـ فتح ص 381 جـ 10
وروى البخاري: في باب ما يجوز من الهجران لمن عصى. وقال كعب: حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا، وذكر خمسين ليلة. قال في الفتح أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز، لأن عموم النهي مخصوص بمن لم يكن لهجره سبب مشروع فبين من هذا السبب المسوغ للهجر، وهو لمن صدرت منه معصية فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها. ص 382، ففيه التنوع: ترك المكالمة أو مغضبة بين الأهل والإخوان، فيجوز الهجر فيه بترك التسليم مثلاً أو بترك بسط الوجه مع عدم هجر السلام والكلام. وقال الكرماني: لعله أراد قياس هجران من يخالف الأمر الشرعي على هجران اسم من يخالف الأمر الطبيعي. وقال الطبري: قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي.