الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: يا أبا أيوب اسْتَوْصِ بها خيراً، فإنا لم نَرَ إلا خيراً مادامت عندنا، فلما جاء بها أبو أيوب من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا أجدُ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً لهُ من أن أعتقها، فأعتقها" رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه كلاهما من رواية عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس.
[حاق الجوع]: بحاء مهملة، وقاف مشددة: هو شدته وكلبه.
4 -
وروي عن حماد بن أبي سُليمان قال: تَعَشَّيْتُ مع أبي بُردة رضي الله عنه فقال: "ألا أحدثك ما حدثني به أبو عبد الله بن قيسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل فشبع وشرب فَرَوِيَ، فقال: الحمد لله الذي أطعمني وأشبعني، وسقاني، وأرْوَاني خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" رواه أبو يعلى.
[قال الحافظ]: وفي الباب أحاديث كثيرة مشهورة من قول النبي صلى الله عليه وسلم ليست من شرط كتابنا لم نذكرها.
الترغيب في غسل اليد قبل الطعام وبعده، والترهيب أن ينام وفي يده ريح الطعام لا يغسلها
1 -
عن سلمان رضي الله عنه قال: قرأت في التوراة: إن بركة الطعام الوضوء بعده، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرتهُ بما قرأتُ في التوراة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بركة الطعام الوضوء (1) قبلهُ، والوضوء بعده" رواه أبو داود والترمذي، وقال: لا يعرف هذا الحديث إلا من حديث قيس بن الربيع، وقيس يضَعِّف في الحديث. انتهى.
[قال الحافظ]: قيس بن الربيع صدوق، وفيه كلام لسوء حفظه لا يخرج الإسناد
(1) نظافة اليد بالماء، يحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون المسلم نظيف اليد طاهر الجسم متوضئاً: أي يذهب فيتوضأ كما يتوضأ للصلاة رجاء إزالة الرائحة الزنخة الآتية من الطعام.
عن حد الحسن، وقد كان سفيان يكره الوضوء قبل الطعام، قال البيهقي: وكذلك مالك بن أنس كرهه، وكذلك صاحبنا الشافعي استحب تركه، واحتج بالحديث، يعني حديث ابن عباس قال:"كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى الخلاء، ثم إنه رجع، فأُتِىَ بالطعام، فقيل: ألا تتوضأ؟ قال: لم أُصَلِّ فأتوضأ" رواه مسلم وأبو داود والترمذي بنحوه إلا أنهما قالا: فقال: إنما أُمرتُ بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة.
2 -
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب أن يُكْثِرَ (1) الله خير بيته، فليتوضأ إذا حضر غذاؤهُ، وإذا رفع (2) " رواه ابن ماجة والبيهقي، والمراد بالوضوء غسل اليدين.
3 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام، وفي يده غَمَرٌ، ولم يغسلهُ؛ فأصابه شيء؛ فلا يلومنَّ إلا نفسه (3) " رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجة؛ وابن حبان في صحيحه؛ ورواه ابن ماجة أيضاً عن فاطمة رضي الله عنها بنحوه.
[الغمر]: بفتح الغين المعجمة والميم بعدهما راء: هو ريح اللحم وزهومته.
4 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان حَسَّاسٌ (4) لَحَّاسٌ فاحذروه على أنفسكم، من بات وفي يده ريحُ غَمَرٍ؛ فأصابه شيء؛
(1) الذي يريد زيادة النعم يحافظ على الوضوء في أول الأكل وبعده، والمراد النظافة وغسل اليدين.
(2)
انتهى من الطعام.
(3)
الذي أكل ولم يغسل يديه وفمه فأصابه ضرر فهو الجاني على نفسه.
(4)
كثير الحس واللحس واللمس فخافوا منه أيها الآكلون ونظفوا أيديكم واجتنبوا القذارة.
بيان فوائد الجوع وذم الشبع كما في إحياء علوم الدين للغزالي
(أ) صفاء القلب واللمس وإيقاد القريحة واتقاد البصيرة فإن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر البخار في الدماغ.
(ب) الانكسار والذل وزوال الفرح والبطر والأشر الذي هو مبدأ الطغيان والغفلة عن الله تعالى.
(جـ) أن لا ينسى بلاء الله وعذابه ولا ينسى أهل البلاء فإن الشبعان ينسى الجائع وينسى الجوع فيذكر الفطن عطش القيامة وجوع أهلها.
(د) كسر شهوات المعاصي كلها والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء، فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى =
فلا يَلُومَنَّ إلا نفسه" رواه الترمذي والحاكم كلاهما عن يعقوب بن الوليد المدني
= ومادة القوى والشهوات الأطعمة فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة، وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه، والشقاوة في أن تملكه نفسه.
(هـ) دفع النوم ودوام السهر، فإن من شبع شرب كثيراً ومن كثر شربه كثر نومه.
(و) تيسير المواظبة على العبادة، فإن الأكل يمنع من كثرة العبادات.
(ز) يستفيد من قلة الأكل صحة البدن ودفع الأمراض.
(ح) خفة المؤنة، فإن من تعود قلة الأكل كفاه من المال قدر يسير، والذي تعود الشبع صار بطنه غريماً ملازماً له آخذاً بمخنقه في كل يوم فيقول ماذا تأكل اليوم؟ فيحتاج إلى اكتساب من الحرام فيعصي أو من الحلال فيذل. أ. هـ ص 75 جـ 3
ما يستفاد من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الأكل وبعده كما في الإحياء:
أولاً: أن يكون الطعام بعد كونه حلالاً في نفسه طيباً من جهة مكسبه موافقاً للسنة والورع.
ثانياً: غسل اليد قبل الطعام وبعده.
ثالثاً: أن يوضع الطعام على السفرة الموضوعة على الأرض فهو أقرب إلى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من رفعه على المائدة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بطعام وضعه على الأرض فهذا أقرب للتواضع، فإن لم تكم فعلى السفرة فإنها تذكر السفر ويتذكر من السفر سفر الآخرة وحاجته إلى زاد التقوى.
رابعاً: أن يحسن الجلسة على السفرة في أول جلوسه ويستديمها كذلك "إنما أنا عبد".
خامساً: أن ينوي بأكله أن يتقوى به على طاعة الله تعالى ليكون مطيعاً بالأكل ولا يقصد التلذذ والتنعم بالأكل.
سادساً: أن يرضى بالموجود من الرزق والحاضر من الطعام.
سابعاً: أن يجتهد في تكثير الأيدي على الطعام ولو من أهله وولده "اجتمعوا على طعامكم".
ثامناً: أن يبدأ باسم الله في أوله وبالحمد لله في آخره.
تاسعاً: أن يأكل باليمنى ويبدأ بالملح ويختم به ويصغر اللقمة ويجود مضغها.
عاشراً: أن لا يذم مأكولاً.
حادي عشر: أن لا يأكل من ذروة القصعة ولا من وسط الطعام بل يأكل من استدارة الرغيف ولا يوضع على الخبز قصعة ولا غيرها إلا ما يؤكل به.
ثاني عشر: لا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه.
ثالث عشر: لا ينفخ في الطعام الحار بل يصبر إلى أن يسهل أكله ويبرد.
رابع عشر: أن لا يترك ما استرذله من الطعام ويطرحه في القصعة بل يتركه مع التفل حتى لا يلتبس على غيره فيأكله.
خامس عشر: أن لا يكثر من الشرب في أثناء الطعام إلا إذا غص بلقمة أوصدق عطشه.
سادس عشر: أن يأخذ الكوز ليشرب بيمينه ويقول: باسم الله ويشرب مصاً لا عباً، قال صلى الله عليه وسلم "مصوا الماء مصاً ولا تعبوه عباً فإن الكباد من العب" ولا يشرب قائماً ولا مضطجعاً.
سابع عشر: لا يتجشأ ولا يتنفس في الإناء، ويشرب في ثلاثة أنفاس. =
عن ابن أبي ذئب عن المقبُري عنه، وقال الترمذي: حديث غريب من هذا الوجه، وقد روي من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة. انتهى، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
[قال الحافظ]: يعقوب بن الوليد الأزدي هذا كذاب واتهم، لا يحتج به لكن رواه البيهقي والبغوي، وغيرهما من حديث زهير بن معاوية عن سهيل بن أبي صالح
= ثامن عشر: أن يقلل من الطعام ما أمكن: أي يمسك قبل الشبع، ويلعق أصابعه، ثم يمسح بالمنديل، ثم يغسلها ويلتقط فتات الطعام.
تاسع عشر: لا يبتلع كل ما يخرج من بين أسنانه بالخلال.
عشرين: يكثر من حمد الله وشكره بقلبه على ما أنعم، قال تعالى:"واشكروا نعمة الله".
زاد الغزالي في إحياء علوم الدين بعد ما تقدم:
أولاً: يقرأ بعد الطعام قل هو الله أحد ولإيلاف قريش.
ثانياً: ولا يقوم عن المائدة حتى ترفع أولاً، فإن أكل طعام الغير فليدع له، اللهم أكثر خيره، وبارك فيما رزقته.
ثالثاً: يقدم من هو أكبر منه ليبتدئ.
رابعاً: يتحدث على الطعام.
خامساً: يرفق برفيقه في القصعة فلا يقصد أن يأكل زيادة على ما يأكله، فإن ذلك حرام.
سادساً: أن لا يحوج رفيقه إلى أن يقول له كل.
سابعاً: أن لا يتنخم في الطست.
ثامناً: أن لا ينظر إلى أصحابه ولا يراقب أكلهم فيستحيون بل يغض بصره عنهم ويشتغل بنفسه.
تاسعاً: أن لا يفعل ما يستقذره غيره فلا ينفض يده في القصعة ولا يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فيه ولا يتكلم بما يذكر المستقذرات. أ. هـ. ص 8 جـ 2
الله تعالى جدير بكل حمد وثناء لأنه ساق لنا هذه النعم تفضلاً:
(أ) قال تعالى: "وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون"(14 من سورة النحل).
(ب)"الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين"(65 من سورة المؤمن).
(جـ)"الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عيها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون"(79 - 81 من سورة المؤمن).
(د)"أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرماً واتقوا الله الذي إليه تحشرون"(96 من سورة المائدة).
(هـ)"الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين"(82 من سورة الشعراء).
(و)"وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون"(33 - 36 من سورة يس).