الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورواه عبد الله في زياداته موقوفاً على أبي الدرداء، وإسناده أصح، وهو أشبه.
12 -
وعن أبي الأحوص قال: "قرأ ابن مسعودٍ: (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤخِّرُهُمْ إلى أجَلٍ مُسمَىًّ .. الآية) فقال: كاد الجُعَلُ يُعذَّبُ في جُحْرِهِ بذنب ابن آدم" رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
[الجعل] بضم الجيم وفتح العين: دويبة تكاد تشبه الخنفساء تدحرج الروث.
كتاب البر والصلة وغيرهما
الترغيب في بر الوالدين وصلتهما وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما وبر أصدقائهما من بعدهما
1 -
عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُ العملِ أحبُ إلى اللهِ؟ قال: الصلاة على وقتها. قلتُ: ثم أي؟ قال: برُّ الوالدين (1). قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله" رواه البخاري ومسلم.
2 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجزي ولدٌ والدهُ إلا أن يجدهُ مملوكاً (2) فيشتريهُ فيعتقهُ" رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
3 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "جاء رجلٌ إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنهُ في الجهاد، فقال: أحَيٌّ والدكَ؟ قال: نعم. قال:
= قال تعالى: "وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين"(42 - 45 من سورة يس). (حملنا): أولادهم الذين يبعثونهم إلى تجاراتهم (المشحون): المملوء، وانظر رعاك الله إلى السفن البخارية الآن وفائدتها أنها من نعم الله، فأين العباد الشاكرون الحامدون الطائعون (من مثله): الإبل، القطر، السيارات، الطيارات، العجلات (فلا صريخ) فلا مغيث للعاصين (ينقذون) ينجون من الموت إلا لرحمة ولتتمتع بالحياة إلى زمان قدر لآجالهم.
(1)
طاعتهما.
(2)
عبداً ملكه الغير.
فيهما فجاهد (1) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
ما جاء أن بر الوالدين أفضل من الجهاد
4 -
وفي رواية لمسلم قال: "أقبل رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أُبايعُكَ على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله. قال: فهل من والديكَ أحدٌ حَيٌّ؟ قال: نعم. بل كلاهما حَيٌّ. قال: فتبتغي (2) الأجر من الله؟ قال: نعم. قال: فارجع إلى والديك، فأحسن صُحْبَتَهُمَا".
5 -
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: جئتُ أُبايعُكَ على الهجرة، وتركتُ أبوَيَّ يبكيان؟ فقال: ارجعْ إليهما، فأضحكهُما (3) كما أبكيتهما" رواه أبو داود.
6 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه: "أن رجلاً من أهل اليمن هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل لك أحدٌ باليمن؟ قال: أبوايَ. قال: أذِنَا لك؟ قال: لا. قال: فارجع إليهما، فاستأذنهما، فإن أذِنَا لك فجاهد، وإلا فَبِرَّهُمَا (4) " رواه أبو داود.
7 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنهُ في الجهاد، فقال: أحَيٌّ والدكَ؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد" رواه مسلم وأبو داود وغيره.
8 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "أتى رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أشتهي الجهادَ ولا أقْدِرُ عليه. قال: هل بَقِيَ من والديكَ أحدٌ. قال: أمي. قال: قَابِلِ اللهَ في برها، فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمرٌ ومجاهدٌ (5) " رواه أبو يعلى والطبراني في الصغير والأوسط، وإسنادهما جيد، ميمون بن نجيح وثقه ابن حبان، وبقية رواته ثقات مشهورن.
(1) فأكرمهما محبة في ثواب الله لتنال ثواب الجهاد بالانقياد إلى أوامرهما.
(2)
فتطلب.
(3)
أدخل عليهما السرور وأجلب لهما الفرح.
(4)
أحسن إليهما بطاعتك.
(5)
إن أرضيت أمك حزت ثواب الذي حج واعتمر وحارب في سبيل الله تعالى. ترغيب في إطاعة الأم.
الوالد أوسط أبواب الجنة .. إلخ
9 -
ورويَ عن طلحةَ بن معاويةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قال: "أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسول الله إني أُريدُ الجهاد في سبيل الله؟ قال: أُمُّكَ حَيَّةٌ؟ قلتُ: نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: الزم رِجْلَهَا (1) فَثَمَّ الجنةُ" رواه الطبراني.
10 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه: "أن رجلاً قال: يا رسول الله ما حقُّ الوالدين على ولدهما؟ قال هُما جنتك ونارك" رواه ابن ماجة من طريق علي بن يزيد عن القاسم.
11 -
وعن معاوية بن جاهمةَ: "أن جاهمةَ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أردتُ أن أغزو، وقد جئتُ أستشيرك؟ فقال: هل لك من أُمٍّ؟ قال: نعم. قال: فالزمها، فإن الجنة عند رجلها (2) " رواه ابن ماجة والنسائي، واللفظ له والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
12 -
ورواه الطبراني بإسناد جيد، ولفظه قال:"أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستشيرهُ في الجهاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألك والدنِ؟ قلتُ: نعم. قال: الزمهما، فإن الجنة تحت أرجُلِهِما".
13 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: "أن رجلاً أتاه فقال: إن لي امرأةً، وإن أمي تأمرني بطلاقها؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الوالدُ أوْسَطُ أبواب الجنة، فإن شئت فأضعْ (3) هذا الباب أو احفظهُ" رواه ابن ماجة والترمذي واللفظ له، وقال: ربما قال سفيان أمي، وربما قال أبي، قال الترمذي: حديث صحيح.
14 -
ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه: "أن رجلاً أتى أبا الدرداء، فقال: إن أبي لم يزل بي حتى زَوَّجَني، وإنه الآن يأمرُني بطلاقها؟ قال: ما أنا بالذي آمرُكَ أن تَعُقَّ والديك، ولا بالذي آمركَ أن تُطَلِّقَ امرأتكَ غير أنك إن شئت حدثتكَ بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: الوالدُ أوسطُ أبواب الجنة، فحافظ على ذلك
(1) الخضوع لها واقترب منها وراعها واخدمها فهناك الجنة بسبب رضاها تحظى بنعيم الله "الجنة تحت أقدام الأمهات".
(2)
كناية عن شدة إكرامها ورضاها والتذلل طاعة لها. قال تعالى: "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة".
(3)
فأذهب، من أضاع بمعنى ترك.
الباب إن شئت أوْ دَعْ (1)، قال: فأحْسِبُ عَطَاءً. قال: فَطَلِّقْها".
15 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان تحتي امرأةٌ أُحِبُّها، وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلقها فأبيتُ، فأتى عمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرَ ذلك لهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلقها" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
16 -
وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَرَّهَ أن يُمَدَّ لهُ في عُمُرِهِ ويُزادَ في رزقهِ فَلْيَبَّر (2) والديه وَلْيَصِلْ (3) رحمه" رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح، وهو في الصحيح باختصار ذكر البر.
17 -
وعن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من بَرَّ والديه طُوبى (4)
له زاد الله في عمرهِ" رواه أبو يعلى والطبراني والحاكم والأصبهاني، كلهم من طريق زبان بن قائد عن سهل بن معاذ عن أبيه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
18 -
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجلَ لَيُحْرَمُ (5) الرزقَ بالذنب يُصِيبُهُ، ولا يَرُدُّ القدرَ إلا الدعاء، ولا يزيدُ العمرِ إلا البِرُّ (6) " رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه، واللفظ له والحاكم بتقديم وتأخير، وقال: صحيح الإسناد.
19 -
وعن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَرُدُّ القضاء إلا الدعاء، ولا يزيدُ في العمر إلا البرُّ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
20 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عِفُّوا عن نساء الناس تَعِفُّ نساؤكم، وبَرُّوا آباءكم تَبَرُّكُمْ أبناؤكم، ومن أتاهُ أخوهُ
(1) اترك وتجنب.
(2)
فليكرمهما.
(3)
وليود بالهدية والزيارة أقاربه.
(4)
شجرة في الجنة يملك قدر ظلها البار بوالديه.
(5)
ليمنع ويضيق عليه.
(6)
حسن الخلق والسخاء وإطاعة الوالدين.
مُتنصلاً (1) فليقبلْ ذلك مُحقاً (2) كان أو مُبْطِلاً، فإن لم يفعل لم يَرِدْ على الحوْضِ" رواه الحاكم من رواية سويد عن أبي رافع عنه وقال: صحيح الإسناد.
[قال الحافظ]: سويد عن قتادة هو ابن عبد العزيز واهٍ.
21 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "برُّوا آباءكم تَبَرُّكُمْ أبناؤكم، وَعِفُّوا تَعِفَّ نساؤكم" رواه الطبراني بإسناد حسن، ورواه أيضاً هو وغيره من حديث عائشة.
22 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رغم أنفهُ، ثم رغم أنفهُ، ثم رغم أنفهُ. قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة" رواه مسلم.
[رغم أنفه]: أي لصق بالرغام، وهو التراب.
23 -
وعن جابرٍ، يعني ابن سمرةَ رضي الله عنه قال:"صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبرَ فقال: آمين (3) آمين، آمين. قال: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال يا محمدُ: من أدركَ أحد أبويه فمات، فدخل النار، فأبعدهُ الله، فقل آمين، فقلتُ: آمين، فقال: يا محمد من أدركَ شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار، فأبعده الله، فقل آمين. فقلتُ: آمين. قال: ومن ذُكِرْتُ عندهُ فلم يُصَلِّ عليك فمات، فدخل النار، فأبعدهُ الله فقل: آمين، فقلتُ: آمين" رواه الطبراني بأسانيد أحدُه حسن، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة إلا أنه قال فيه: "ومن أدرك أبويهِ أو أحدهما، فلم يبرهما فمات، فدخل النار، فأبعده الله قل
(1) متبرئاً عاتباً معترفاً بذنبه. بر يبر، من باب علم وضرب.
(2)
أي صاحب حق أو كان على باطل، يترك الجدال، والمعنى يقبل اعتذار من اعتذر، ويكون سهلاً ليناً كريماً ظريفاً لا يحمل ضغناً، فإن كان جافاً غليظ الطبع طرد من الشرب من الحوض يوم القيامة.
(3)
اللهم استجب.
آمين. فقلت: آمين" رواه أيضاً من حديث الحسن بن مالك الحويرث عن أبيه عن جده، وتقدم، ورواه الحاكم وغيره من حديث كعب بن عجرة، وقال في آخره: "فلما رقيتُ الثالثةَ قال: بعد من أدرك أبويه الكبرُ عنده أو أحدهما، فلم يُدخلاهُ الجنة. قلتُ: آمين" وتقدم أيضاً.
رواه الطبراني من حديث ابن عباس بنحوه، وفيه:"ومن أدرك والديه أو أحدهما فلم يبرهما دخل النار، فأبعده الله وأسحقهُ (1) قلتُ: آمين".
24 -
وعن مالك بن عمرو القشيري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أعتق رقبةً مسلمةً فهي فداؤه من النار، ومن أدركَ أحدَ والديهِ ثم لم يُغفر له فأبعدهُ الله" رزاد في رواية: وأسحقهُ. رواه أحمد من طرق أحدها حسن.
25 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "انطلق ثلاثةُ نفرٍ ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيتُ إلى غارٍ فدخلوه، فانحدرت صخرةٌ من الجبل، فَسَدَّتْ عليهمُ الغار، فقالوا: إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم. قال رجلٌ منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكُنتُ لا أغْبُقُ (2) قبلهُما أهلاً ولا مالاً، فنأى (3) بي طلب شجرٍ يوماً فلم أُرِحْ (4) عليهما حتى ناما، فحلبتُ لهما غَبُوقَهُما فوجدتهما نائمين، فكرهتُ أن أغْبُقَ قَبْلَهُمَا أهلاً أو مالاً، فلبثتُ والقدحُ (5) على يدي انتظرُ استيقاظهما حتى بَرِقَ (6) الفجرُ فاستيقظا فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فَفَرِّجْ عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج. وقال الآخر: اللهم كانت
(1) أهلكه وأبعده عن رحمته.
(2)
أي ما كنت أقدم عليهما أحداً في شرب نصيبهما من اللبن الذي يشربانه. والغبوق: شرب آخر النهار مقابل الصبوح. أهـ نهاية.
(3)
فبعد.
(4)
فلم أرجع 156 - 2 ع.
(5)
الإناء الذي فيه اللبن.
(6)
طلع.
لي ابنةُ عمٍ، وكانت أحبَّ الناس إليَّ فأردتها" الحديث. رواه البخاري ومسلم، وتقدم بتمامه، وشرح غريبه في الإخلاص.
حديث الثلاثة الذين سدت عليهم الغار ثم فتح ببركة العمل الصالح
26 -
وفي رواية البخاري قال: "بينما ثلاثةُ نفرٍ يتماشون أخذهم المطرُ فمالوا إلى غارٍ (1) في الجبِ فانحطت (2) على فمِ غارهم صخرةٌ من الجبلِ، فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها لله عزوجل صالحةً، فادعوا الله بها لعلهُ يُفْرِجُهَا (3)،
فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدن شيخان كبيران، ولي صبيةٌ صغارٌ كنتُ أرعى، فإذا رُحتُ عليهم فحلبتُ لهم بدأتُ بوالدي أسقيهما قبل ولدي، وإنه نأى الشجرُ فما أتيتُ حتى أمسيتُ، فوجدتهما قد ناما، فحلبتُ كما كُنتُ أحلبُ، فجئتُ بالحلاب، فقمتُ عند رءوسهما أكرهُ أن أوقظهما من نومهما، وأكرهُ أن أبدأ بالصبيةِ قبلهما، والصبيةُ يتضاغون (4) عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلمُ أني فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا فُرجةً نرى منها السماء، ففرَّجَ الله عز وجل لهم حتى رأوا منها السماء" وذكر الحديث.
27 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خرج ثلاثةٌ فيمن كان قبلكم يرتادون لأهلهم فأصابتهم السماء، فلجئوا إلى جبلٍ فوقعتْ عليهم صخرةٌ، فقال بعضهم لبعضٍ: عفا الأثرُ (5)، ووقع الحجرُ، ولا يعلمُ بمكانكم إلا الله، فادعوا الله بأوثق (6) أعمالكم، فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كانت لي امرأةٌ تُعجبني فطلبتها فأبتْ (7) علىَّ فجعلتُ لها جُعلاً (8) فلما قرَّبَتْ نفسها تركتها، فإن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتكَ، وخشيةَ عذابك، فافرج عنا، فزال ثلثُ الحجرِ، وقال الآخر: اللهم إن كنتَ تعلم أنه كان لي والدان
(1) بيت منقور في الجبل.
(2)
نزلت.
(3)
يزيلها ويوسعها.
(4)
يبكون جوعاً.
(5)
زالت العلامات التي تنبئ عنكم.
(6)
بأعمال اطمأننتم على كمالها.
(7)
فامتنعت.
(8)
أجراً معلوماً، يقال جعلت له جعلاً بضم الميم.
وكنت أحلب لهما في إنائهما، فإذا أتيتهما، وهما نائمان قمتُ حتى يستيقظا، فإذا استيقظا شربا، فإن كنتَ تعلمُ أني فعلتُ ذلك رجاء رحمتكَ، وخشية عذابك، فافرج عنا، فزال ثلث الحجر، وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرتُ أجيراً يوماً، فعمل لي نصف النهار، فأعطيتهُ أجراً، فَسَخِطَه (1)
ولم يأخذهُ، فوفرتها عليه حتى صار من كل المال، ثم جاء يطلب أجرهُ، فقلتُ: خذ هذا كلهُ، ولو شئت لم أُعْطِهِ إلا أجرهُ الأول، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك، وخشية عذابك فافرج عنا، فزال الحجرُ، وخرجوا يتماشون" رواه ابن حبان في صحيحه.
28 -
وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ (2) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحقُّ الناس بُحسنِ صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم مَنْ؟ قال: أمك. قال: ثم مَنْ؟ قال: أمك. قال: ثم مَنْ؟ قال: أبوك" رواه البخاري ومسلم.
29 -
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "قَدِمَتْ على أمي، وهي مُشركةٌ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) فسخطه كذا (د وع ص 157 - 2) وفي (ن ط): فتسخطه، أي غضب عليه وكرهه. سخط من باب طرب وفيه ادخار صالح الأعمال عند الشدائد يتوسل بها إلى الله، وكذا محبة الأولياء من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى الله رجاء فك الكروب وتيسير الأمور، رضي الله عنهم وأرضاهم ونفعنا بالصالحين.
(2)
هو جد بهز بن حكيم. قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم أمثال ما للأب من البر، قال وكان ذلك لصعوبة الحمل، ثم الوضع، ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى:"ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين" من سورة لقمان. فسوى بينهما في الوصاية وخص الأمور الثلاثة، وقال القرطبي: المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة. وقال عياض: وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب. أهـ.
وقد رتب صلى الله عليه وسلم في حديث: "أمك وأباك ثم أختك وأخاك ثم أدناك أدناك" أي تقدم القرابة من ذوي الرحم. وأخرج أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث عائشة: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال زوجها، قلت فعلى الرجل قال أمه" أهـ. فتح ص 310 جـ 19 من كتاب الأدب باب البر والصلة، وفسر الأدب باستعمال ما يحمد قولاً أو فعلاً وعبر بعضهم عنه بالأخذ بمكارم الأخلاق، وقيل تعظيم من فوقك، والرفق بمن دونك.
قلتُ: قَدِمَتْ على أمي، وهي راغبةٌ، أفَأصِلُ أمي؟ قال: نعم صِلِي (1)
أمك" رواه البخاري ومسلم وأبو داود، ولفظه قالت: "قدمت على أمي راغبةً في عهدٍ قريبٍ، وهي راغمةٌ مُشركةٌ، فقلتُ: يا رسول الله إن أمي قَدِمَتْ عليَّ، وهي راغمةٌ مُشركةٌ أفَأصِلُهَا؟ قال: نعم صِلي أمك".
[راغبة]: أي طامعة فيما عندي تسألني الإحسان إليها.
[راغمة]: أي كارهة للإسلام.
30 -
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رضا الله في رضا الوالد (2)، وسُخْطُ اللهِ في سُخطِ الوالد" رواه الترمذي، ورجح وقفه، وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقالا: صحيح على شرط مسلم، ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة إلا أنه قال:"طاعة الله طاعةُ الوالدِ، ومعصيةُ الله معصيةُ الوالد" ورواه البزار من حديث عبد الله بن عمر، أو ابن عمر، ولا يحضرني أيهما، ولفظه قال:"رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين، وسُخْطُ الله تبارك وتعالى في سخط الوالدين".
31 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: إني أذنبتُ ذنباً عظيماً فهل لي من توبةٍ؟ فقال: هل لك من أمٍ؟ قال: لا. قال: فهل لك من خالةٍ؟ قال: نعم. قال: فَبِرَّهَا (3) " رواه الترمذي واللفظ له
(1) قدمي لها إحساناً ومودة، أورد البخاري في باب صلة الوالد المشرك وزاد: قال ابن عيينة فأنزل الله تعالى فيها "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"(9 - 10 من سورة الممتحنة). أي لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء وتقضوا إليهم بالعدل. روى أن قتيلة بنت عبد العزى قدمت مشركة على بنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت الآية.
(2)
الوالد كذا (ط وع ص 157)، وفي (ن د): الوالدين.
(3)
أحسن إليها. والبر: ضد العقوق. يبر خالقه: يشكره ويطيعه.
وابن حبان في صحيحه والحاكم إلا أنهما قالا: "هل لك والدان بالتثنية" وقال الحاكم: صحيح على شرطهما.
من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه بعده
32 -
وعن أبي أسيدٍ مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: "بينا نحن جلوسٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ من بني سلمةَ، فقال: يا رسول الله هل بقيَ من برِّ أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم الصلاة عليهما (1)، والاستغفار لهما (2)،
وإنفاذُ (3) عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم (4) التي لا تُوصلُ إلا بهما، وإكرام صديقهما (5) " رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه، وزاد في آخره: قال الرجل ما أكثر هذا يا رسول الله وأطيبهُ. قال: فاعمل به.
33 -
وعن عبد الله بن دينارٍ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من الأعراب لقيهُ بطريق مكة، فَسَلَّمَ عليه عبد الله بن عمر، وحملهُ على حمارٍ كان يركبهُ، وأعطاهُ عمامةً كانت على رأسه. قال ابن دينارٍ: فقلنا له أصلحك الله إنهم الأعرابُ (6) وهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان وُداً لعمرَ بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أبرَّ البر صلةُ الولدِ أهلَ وُدِّ أبيه (7) " رواه مسلم.
34 -
وعن أبي بُرْدَةَ قال: قدمتُ المدينة فأتاني عبد الله بن عمر فقال: أتدري لم أتيتكُ؟ قال: قلتُ لا. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحبَّ أن يَصِلَ (8) أباهُ في قبره فَلْيَصِلْ إخوان (9) أبيه بعده، وإنه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاء وَوُدٌّ فأحببتُ أن أصِلَ ذاكَ" رواه ابن حبان في صحيحه.
(1) الدعاء لهما بالنعيم والقبول.
(2)
اطلب من الله تعالى أن يعفو عن زلاتهما.
(3)
العمل بوصيتهما.
(4)
مودة الأقارب المحارم وغير المحارم.
(5)
رعاية واجب أصحابهما.
(6)
يعني سكان البوادي يتحملون خشونة العيش وشظفه.
(7)
إن أعظم الصلة لأصحاب أبيك الذين كان يودهم ويحبهم ويعاملهم.
(8)
يقدم لأبيه صلة ورحمة.
(9)
أصحابه.