الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من النميمة
1 -
عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
= سلام على الدنيا إذا لم يكن بها
…
صديق صدوق صادق الوعد منصفا
صاف الكرام فخير من صافيته
…
من كان ذا أدب وكان ظريفا
واحذر مؤاخاة اللئيم فإنه
…
يبدي القبيح وينكر المعروفا
الاستشهاد بالآيات القرآنية في طرد المنافق الذي يميل إلى الخصام والشقاق ولا يقبل عذراً:
(أ) قال تعالى: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد"(204 - 207 من سورة البقرة).
إن شاهدنا: الأول: صنف من الناس يحب الخصام والشقاق، وهذا بغيض طريد بعيد من رحمة الله تعالى.
الثاني: وآخر يميل إلى المحبة، والسعي إلى الإصلاح، ويطلب الصفاء، وهو في نعيم الله ورضوانه.
(ب) وقال تعالى: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين"(14 - 16 من سورة البقرة). شاهدنا: أولئك الفسقة الطغاة الذين يفسدون ويضمرون العداوة ولا يخلصون لله في نصائحهم.
(جـ) وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم"(208 - 209 من سورة البقرة). (السلم): الاستسلام والطاعة، ولذلك يطلق في الصلح والإسلام، والمعنى استسلموا لله وأطيعوه جملة ظاهراً وباطناً، والخطاب للمنافقين (عزيز): لا يعجزه الانتقام (حكيم): لا ينتقم إلا بالحق. أهـ بيضاوي. إن شاهدنا طلب الانقياد وحب التآلف ونصر آداب الله وتعاليمه، ونبذ التنافر، وترك الشقاق الذي يزيده اشتعالاً الشيطان.
(د) وقال تعالى: "إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم"(217 من سورة البقرة).
(هـ) وقال تعالى: "ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً"(28 من سورة الفرقان). إن شاهدنا فرط الحسرة وأكل البنان وحرق الأسنان والغيظ والحسرة للتفريط في طاعة الله ورسوله في الحياة الدنيا، ومنها الإصرار على الخصام وعدم قبول الاعتذار من التائب النادم:
من لم يصن نفسه ساءت خليقته
…
بكل طبع ردئ غير منتقل
من جالس الوغد والحمقى جنى ندماً
…
لنفسه ورمى بالحادث الجلل
دار جار السوء بالصبر وإن
…
لم تجد صبراً فما أحلى النقل =
"لا يدخلُ الجنة نَمَّامٌ (1) " وفي رواية قَتَّاتٌ، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
[قال الحافظ]: القتات والنمام بمعنى واحد، وقيل: النمام الذي يكون مع جماعة يتحدثون حديثاً فينمّ عليهم، والقتات: الذي يتسمع عليهم وهم لا يعلمون ثم ينمّ.
2 -
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَرَّ بقبرين يُعذبان فقال: إنهما يُعذبان، وما يُعذبان في كبيرٍ (2) بلى إنه كبيرٌ (3): أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر (4) من بوله" الحديث. رواه البخاري واللفظ له، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، ورواه ابن خزيمة في صحيحه بنحوه.
3 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم في يومٍ
= جانب السلطان واحذر بطشه
…
لا تعان من إذا قال فعل
(1)
ناقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد والشر، وقد نم الحديث ينمه نما فهو نمام، والاسم النميمة. ينهى صلى الله عليه وسلم أن لا يؤذوا الناس بإذاعة الأسرار، ونقل الكلام والفتنة والدس والكيد وحب التنافر بين المتصافين، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من اتصف بذلك لا يتنعم بالجنة.
وصية أعرابية إلى ابنها وقد أراد السفر:
أي بني، اجلس أمنحك وصيتي، وبالله توفيقك فإن الوصية أجدى (1) عليك من كثير عقلك. إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين المحبين، وإياك والتعرض للعيوب فتتخذ غرضاً، وخليق ألا يثبت الغرض على كثرة السهام وقلما اعتورت (2) السهام غرضاً إلا كلمته (3) حتى يهي (4) ما اشتد من قوته. وإياك والجود بدينك والبخل بمالك، وإذا هززت فاهزز كريماً يلين لهزتك ولا تهزز اللئيم، فإنه صخرة لا ينفجر ماؤها ومثل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به وما استقبحت من غيرك فاجتنبه، فإن المرء لا يرى عيب نفسه. ومن كانت مودته بشره وخالف ذلك منه فعله كان صديقه منه على مثل الريح في تصرفها، والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم، ومن جمع الحكم والسخاء فقد أجاد الحلة ربطتها وسربالها.
(2)
أي لا يقع العذاب على عمل يعدونه كبيراً. أهـ.
(3)
وقال القسطلاني: أي كبير تركه عليهما، ثم قال بلى: أي نعم إنه كبير من جهة المعصية.
(4)
أي لا يجعل بينه وبين بوله سترة: أي لا يتحفظ منه، فعدم التنزه عن البول يبطل الصلاة، والمشي بالنميمة من السعي بالفساد. أهـ قسطلاني. ذنبان كبيران نال صاحبهما العذاب من جرائهما في القبر:
(أ) النمام.
(ب) الذي لا يعتني بقضاء حاجته فيظهر سوءته ويبين عورته ولا يتحرز النظارة ولا يتجنب الطرق العامة.
_________
(1)
أنفع.
(2)
تداولت.
(3)
جرحته.
(4)
يهي: يضعف. فهذه أعرابية فقهت عاقبة النميمة ونصحت ابنها بتجنبها لضررها. وأتيت بهذه القطعة لأبين أن العرب على فصاحتها وسلامة بيانها وبلاغة تعبيراتها تحذر من الوقوع في النميمة، وأجاد السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم وأفاد ونطق بالحكمة الخالدة وأعلن أن نعيم الله سبحانه محرم على النمام في دنياه وآخرته.
شديد الحرِّ نحو بقيعِ الغرقد (1) قال: فكان الناسُ يمشون خلفهُ (2). قال: فلما سمع صوت النعالِ وَقَرَ (3) ذلك في نفسه، فجلس حتى قَدَّمَهُمْ (4) أمامهُ لئلا يقع في نفسه شيء من الكبر، فلما مر ببقيع الغرقد إذا بقبرين قد دَفَنُوا فيهما رجلين. قال: فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من دفنتم اليوم هاهنا؟ قالوا: فلانٌ وفلانٌ. قالوا: يا نبي الله وما ذاك؟ قال: أما أحدهما فكان لا يَتَنَزَّهُ (5) من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة (6)، وأخذ جريدةً (7) رَطبةً فَشَقَّهَا، ثم جعلها على القبر. قالوا يا نبي الله لِمَ فعلتَ هذا؟ قال: لِيُخَفَّفَنَّ عنهما. قالوا يا نبي الله: حتى متى (8) هُما يُعذبان قال: غَيْبٌ لا يعلمهُ إلا الله عز وجل، ولولا تَمَزُّعُ قلوبكم (9) وَتَزَيُّدُكُمْ في الحديث لسمعتم ما أسمعُ" رواه أحمد من طريق علي بن يزيد عن القاسم عنه.
4 -
ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "النميمةُ والشتيمةُ (10) والْحَمِيَّةُ (11) في النار".
(1) مقبرة أهل المدينة لأنه كان فيها غرقد: أي ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك، والواحدة غرقدة.
(2)
وراءه.
(3)
سكن فيه وثبت، من الوقار والحلم والرزانة، وفيه "لم يفضلكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في القلب".
(4)
تقدموا أمامه.
(5)
لا ستتر عند قضاء بوله، أو لا يستبرئ استبراء كاملاً: أي لا يتحرز النجاسة ويستهتر بنظر الناس ويتهاون في كشف العورة ويتجاسر في الطرق فيتبول.
(6)
يمشي بالفساد بين الناس.
(7)
من جريد النخل تكون سبب تخفيف العذاب وإنزال رحمة الله جل وعلا مدة خضرتها ودوام نضارتها إلى زمن اليبس.
(8)
إلى أي زمن ينتهي عذابهما.
(9)
لولا شدة جزعكم لأسمعكم الله صوت عذابهما مثل ما أسمع فأعطى الله النبي صلى الله عليه وسلم ميزة الثبات والرزانة ليسمع أشياء ليس في مقدور غيره صلى الله عليه وسلم أن يسمعها، ولو سمعها الإنس والجن لصعقوا: أي ماتوا كما في حديث البخاري في باب حمل الرجال الجنازة "وإن كانت غير صالحة قالت يا ويلها أين تذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه صعق".
(10)
السباب والأذى باللسان وقبح الألفاظ.
(11)
الأنفة في باطل واستعمال عزة الجانب في المعاصي والظلم وهتك أعراض الناس ولشدة شوكتهم يضيعون مصالح الناس، ومنه "وقدر القوم حامية تفور" أي حارة تغلي، وفي الغريب: وعبر عن القوة الغضبية إذا ثارت وكثرت بالحمية فقيل حميت على فلان: أي غضبت عليه، قال تعالى:"حمية الجاهلية" وعن ذلك استعير قولهم: حميت المكان حمى، وروي "لا حمى إلا لله ورسوله" أهـ.
ما جاء في عقاب النمام
5 -
وفي لفظٍ: "إن النميمةَ والحقد (1) في النار لا يجتمعان في قلبِ مُسلمٍ" رواه الطبراني.
6 -
وعن أبي بَرْزَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا إن الكذبَ يُسَوِّدُ الوجهَ، والنميمةَ من عذاب القبر (2) " رواه أبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه والبيهقي.
[قال الحافظ]: رووه كلهم من طريق زياد بن المنذر عن نافع بن الحارث عنه.
[وزياد]: هذا هو أبو الجارود الكوفي الأعمى تنسب إليه الجارودية من الروافض.
[ونافع]: هو نفيع أبو داود الأعمى أيضاً، وكلاهما متروك متَّهَم بالوَضع.
7 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كنا نمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا على قبرين فقامَ فقمنا معه، فجعل لونهُ يتغيرُ حتى رَعَدَ كُمُّ قميصهِ (3) فقلنا: مَا لَكَ يا رسول الله؟ فقال: أما تستمعون ما أسمعُ؟ فقلنا: وما ذاك يا نبي الله؟ قال: هذان رجلان يُعذبان في قُبورهما عذاباً شديداً في ذَنْبٍ هَيِّنٍ. قلنا: فِيمَ ذاك؟ قال: كان أحدهما لا يستنزهُ من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه، ويمشي بينهم بالنميمة، فدعا بِجَرِيدَتين من جرائدِ النخلِ، فجعل في كل قبر واحدةً. قلنا: وهل ينفعهم ذلك؟ قال: نعم يُخَفَّفُ عنهما مادامتا رَطبتين (4) " رواه ابن حبان في صحيحه.
[قوله: في ذنبٍ هين]: أي هين عندهما، وفي ظنهما، لا أنه هين في نفس الأمر، فقد تقدم في حديث ابن عباس قوله صلى الله عليه وسلم: بلى إنه كبيرٌ، وقد أجمعت الأمة على تحريم النميمة، وأنها من أعظم الذنوب عند الله تعالى.
(1) الانطواء على العداوة والبغضاء، يقال حقد عليه، والجمع أحقاد: أي ثنتان لا يدخلان في قلب رجل صالح بار عامل بالكتاب والسنة:
(أ) السعي بالفساد.
(ب) إضمار الشقاق للناس.
(2)
أي تسبب العقاب الأليم بعد الموت.
(3)
أصابته رعدة ورعشة.
(4)
فيهما خضرة.
شرار عباد الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة
8 -
ورويَ عن عبد الله بن بُسْرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس مني (1) ذو حسدٍ (2)، ولا نميمةٍ، ولا كَهَانَةٍ (3)، ولا أنا منه، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْر مَا اكْتَسَبُوا (4) فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وإثْماً مُبِيناً) (5) " رواه الطبراني.
9 -
وعن عبد الرحمن بن غَنْمٍ يَبْلُغُ به النبي صلى الله عليه وسلم: "خيارُ عباد الله الذين إذا رُءوا (6) ذُكِرَ اللهُ، وَشِرَارُ عباد الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبةِ الباغُونَ (7) لِلْبُرَآء الْعَنَتَ" رواه أحمد عن شهر عنه، وبقية إسناده محتج بهم في الصحيح، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا عن شهر عن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهما قالا: المفسدون بين الأحبةِ، والطبراني من حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) ليس على ديني الكامل.
(2)
المتمني زوال النعمة من أخيه.
(3)
التظاهر بعلم الغيب ومعرفة الأسرار، وإظهار الشيء الخافي والادعاء بالنبوغ في المغياب قال تعالى:"عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول"(26 - 27 من سورة الجن). وفي النهاية نهى صلى الله عليه وسلم عن حلوان الكاهن. الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار، وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما فمنهم من كان يزعم أن له تابعاً من الجن ورئياً يلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما، وجمع الكاهن كهنة وكهان. أهـ.
(4)
أي بغير جناية استحقوا بها الإيذاء.
(5)
ظاهراً، قيل إنها نزلت في المنافقين كانوا يؤذون علياً رضي الله عنه، وقيل في أهل الإفك، وقيل في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات. أهـ بيضاوي، وكذا النمامون الساعون بالفساد
وفي الغريب بهتان: أي كذب يبهت سامعه لفظاعته، قال الله تعالى:"يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن"(من سورة الممتحنة). كناية عن الزنا، وقيل بل ذلك لكل فعل شنيع يتعاطينه باليد والرجل من تناول ما لا يجوز والمشي إلى ما يقبح، ويقال جاء بالبهيتة: أي الكذب. أهـ فكان عقاب النميمة مثل عقاب الفاحشة، وكلاهما أذى.
(6)
رآهم الناس اعترفوا بوجود الله فأثنوا عليه، ذكر الله كذا (ط وع ص 229 - 2)، وفي (ن د): ذكروا الله.
(7)
الطالبون العيوب القبيحة للشرفاء المنزهين عن الفواحش، الباغون للبراء العنت كذا (د وع ص 230 - 2)، وفي (ن ط): الباغون للبراء العيب. أي صفات الأشرار الثلاثة:
(أ) السعي بالفساد وحب الشقاق والصيد في الماء العكر وإيقاد نار العداوة.
(ب) إزالة كل مودة وإماتة كل محبة بالتفريق، والخصام والتنافر بين الأخوين المتصافيين.
(جـ) كيل التهم جزافاً للأبرياء وإرخاء العنان للسب والشتم وذكر القبائح والهنات للطاهرين والطاهرات.
وابن أبي الدنيا أيضاً في كتاب الصمت عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عبد الرحمن أصح، وقد قيل له إن له صحبة.
10 -
وعن العلاء بن الحارثِ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الهمَّازُونَ (1)
واللَّمَّازُون (2)، والمشَّاءون بالنميمة الباغونَ للِبُرَآء الْعَنَتَ يَحْشُرُهُمُ الله في وجوهِ الكلاب" رواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ معضلاً هكذا، وتقدم في باب الإصلاح حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بأفضلَ (3) من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى. قال: إصلاحُ ذات البين (4)، فإن فسادَ ذاتِ البين هي الحالقةُ (5)" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والترمذي وصححه، ثم قال: "وَيُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هي الحالقةُ، لا أقولُ: تَحْلِقُ الشَّعَرَ ولكن أقولُ: تَحْلِقُ الدِّينَ (6) ".
(1) الذين يغتابون الناس، يقال رجل هامز وهماز وهمزة، قال الشاعر: وإن اغتيب فأنت الهامز اللمزه. قال تعالى: "وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين"(97 من سورة المؤمنون) أهـ غريب. وقال البيضاوي: الهمز الكسر كالهزم، واللمز الطعن كاللهز فشاعا في الكسر من أعراض الناس والطعن فيهم، وبناء فعلة يدل على الاعتياد، فلا يقال ضحكة ولعنة إلا للمكثر المتعود، وقرئ "ويل لكل همزة لمزة"(1 من سورة الهمزة)، بالسكون على بناء المفعول، وهو المسخرة الذي يأتي بالأضاحيك فيضحك منه ويشتم.
(2)
الذين يذكرون عيوب الناس ويفصحون ويشهرون، وفي النهاية اللمز العيب والوقوع في الناس، وقيل هو العيب في الوجه، والهمز العيب في الغيب، وفيه "أعوذ بك من همز الشيطان ولمزه" أهـ.
(3)
بأزيد وأكثر ثواباً.
(4)
الحال التي بينكم بالمساعدة والمواساة وجلب التآلف والتساند والتوفيق بين المتعاديين ووجود الوئام، وإزالة الخصام وإطفاء نار الفتنة، وتسكين ثائرة النفوس وبزوغ شمس الرأفة والرحمة.
(5)
القاطعة المستأصلة كل خير والجالبة كل ضير مثل التنابذ واقتراف الآثام وإزهاق الأرواح البريئة وإضاعة الأموال فيما يغضب الله جل وعلا.
(6)
تضيع آدابه وتحبط ثواب الناس الفجر الفسق العصاة المتخاصمين، ففيه الترغيب في الإصلاح، وإزالة الضغائن والعمل على التآلف والتعاون على البر والتقوى.
بيان حد النميمة وما يجب في ردها كما في إحياء علوم الدين:
اعلم أن اسم النميمة إنما يطلق في الأكثر على من ينم قول الغير إلى المقول فيه كما تقول فلان كان يتكلم فيك =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بكذا وكذا وليست النميمة مختصة به، بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كره المنقول عنه أو المنقول إليه أو كره ثالث، وسواء كان الكشف بالقول أو بالكتابة أو بالرمز أو بالإيماء، وسواء كان المنقول من الأعمال أو من الأقوال وسواء كان ذلك عيباً ونقصاً في المنقول عنه أو لم يكن، بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه، بل كل ما رآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره فينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية كما إذا رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به مراعاة لحق المشهود له فأما إذا رآه يخفي مالاً لنفسه فذكره فهو نميمة، وإفشاء للسر فإن كان ما ينم به نقصاً وعيباً في المحكى عنه كان قد جمع بين الغيبة والنميمة، فالباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه أو إظهار الحب للمحكي له أو التفرج بالحديث والخوض في الفضول والباطل، وكل من حملت إليه النميمة، وقيل له إن فلاناً قال فيك كذا أو فعل في حقك كذا أو هو يدبر في إفساد أمرك أو في ممالأة عدوك أو تقبيح حالك أو ما يجرى مجراه فعليه ستة أمور:
الأول: ألا يصدقه، لأن النمام فاسق وهو مردود الشهادة قال الله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة"(من سورة الحجرات).
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصح له ويقبح عليه فعله، قال الله تعالى:"وأمر بالمعروف وانه عن المنكر"(من سورة لقمان).
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من يبغضه الله تعالى.
الرابع: ألا تظن بأخيك الغائب السوء لقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم"(من سورة الحجرات).
الخامس: أن لا يحملك ما حكى لك على التجسس والبحث للتحقق اتباعاً لقوله تعالى: "ولا تجسسوا"(من سورة الحجرات).
السادس: ألا ترضى لنفسك ما نهيت النمام عنه ولا تحكي نميمته فتقول فلان قد حكى لي كذا وكذا فتكون به نماماً ومغتاباً وتكون قد أتيت ما عنه نهيت.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئاً فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"(من سورة الحجرات). وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية "هماز مشاء بنميم"(11 من سورة القلم). وإن شئت عفونا عنك. فقال العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبداً. وقال الحسن: من نم إليك نم عليك، وهذا إشارة إلى أن النمام ينبغي أن يبغض ولا يوثق بقوله ولا بصداقته، وكيف لا يبغض؟ وهو لاينفك عن الغيبة والكذب والغدر والخيانة والغل والحسد والنفاق والإفساد بين الناس والخديعة، وهو ممن يسعى في قطع ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، وقال تعالى:"إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق"(من سورة الشورى).
والنمام منهم، وقال صلى الله عليه وسلم:"إن من شرار الناس من اتقاه الناس لشره" والنمام منهم. وسعى رجل بزياد الأعجم إلى سليمان بن عبد الملك فجمع بينهما للموافقة فأقبل زياد عن الرجل وقال:
فأنت امرؤ إما ائتمنتك خالياً
…
فخنت وإما قلت قولاً بلا علم
فأنت من الأمر الذي كان بيننا
…
بمنزلة بين الخيانة والإثم
وقال لقمان لابنه: يا بني أوصيك بخلال إن تمسكت بهن لم تزل سيداً، أبسط خلقك للقريب والبعيد، وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم واحفظ إخوانك وَصِلْ أقاربك وآمنهم من قبول قول ساع أو سماع باغ يريد فسادك ويروم خداعك وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعبهم ولم يعيبوك. وقال بعضهم: النميمة مبنية على الكذب والحسد والنفاق، وهي أثات الذل. أهـ غزالي ص 134 جـ 3. =