المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم، ورحمتهم والرفق بهم - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ٣

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌الترهيب من الربا

- ‌ الترهيب من غصب الأرض وغيرها

- ‌الترهيب من البناء فوق الحاجة تفاخراً وتكاثراً

- ‌الترهيب من منع الأجير أجره والأمر بتعجيل إعطائه

- ‌ترغيب المملوك في أداء حق الله تعالى وحق مواليه

- ‌ترهيب العبد من الإباق من سيده

- ‌الترغيب في العتق والترهيب من اعتباد الحر أو بيعه

- ‌كتاب النكاح وما يتعلق به

- ‌الترغيب في غض البصروالترهيب من إطلاقه ومن الخلوة بالأجنبية ولمسها

- ‌الترغيب في النكاح سيما بذات الدين الولود

- ‌ترغيب الزوج في الوفاء بحق زوجته، وحسن عشرتهاوالمرأة بحق زوجها وطاعته، وترهيبها من إسقاطه ومخالفته

- ‌الترهيب من ترجيح إحدى الزوجات، وترك العدل بينهم

- ‌الترغيب في النفقة على الزوجة والعيالوالترهيب من إضاعتهم وما جاء في النفقة على البنات وتأديبهن

- ‌الترغيب في الأسماء الحسنةوما جاء في النهي عن الأسماء القبيحة وتغييرها

- ‌الترغيب في تأديب الأولاد

- ‌الترهيب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه

- ‌ترغيب من مات له ثلاثة من الأولاد أو اثنان أو واحدفيما يذكر من جزيل الثواب

- ‌الترهيب من إفساد المرأة على زوجها والعبد على سيده

- ‌ترهيب المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس

- ‌ترهيب المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة متزينة

- ‌الترهيب من إفشاء السر سيما ما كان بين الزوجين

- ‌كتاب اللباس والزينة

- ‌الترغيب في لبس الأبيض من الثياب

- ‌الترغيب في القميص

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن من لبس ثوباً جديداً

- ‌الترهيب من لبس النساء الرقيق من الثياب التي تصف البشرة

- ‌ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه والتحلي بالذهبوترغيب النساء في تركهما

- ‌الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك

- ‌الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعاً واقتداءً بأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابهوالترهيب من لباس الشهرة والفخر والمباهاة

- ‌الترغيب في الصدقة على الفقير بما يلبسه كالثوب ونحوه

- ‌الترغيب في إبقاء الشيب وكراهة نتفه

- ‌الترهيب من خضب اللحية بالسواد

- ‌ترهيب الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والمتفلجة

- ‌الترغيب في الكحل بالإثمد للرجال والنساء

- ‌كتاب الطعام وغيره

- ‌الترغيب في التسمية على الطعام، والترهيب من تركها

- ‌الترهيب من استعمال أواني الذهب والفضةوتحريمه على الرجال والنساء

- ‌الترهيب من الأكل والشرب بالشمال وما جاء في النهي عن النفخ في الإناءوالشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح

- ‌الترغيب في الأكل من جوانب القصعة دون وسطها

- ‌الترغيب في أكل الخل والزيت، ونهس اللحم دون تقطيعه بالسكين إن صح الخبر

- ‌الترغيب في الاجتماع على الطعام

- ‌الترهيب من الإمعان في الشبع، والتوسع في المأكل والمشارب شَرَهاً وبطراً

- ‌الترهيب من أن يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي وما جاء في طعام المتباريين

- ‌الترغيب في لعق الأصابع قبل مسحها لإحراز البركة

- ‌الترغيب في حمد الله تعالى بعد الأكل

- ‌الترغيب في غسل اليد قبل الطعام وبعده، والترهيب أن ينام وفي يده ريح الطعام لا يغسلها

- ‌كتاب القضاء وغيره

- ‌الترهيب من تولي السلطنة والقضاء والإمارة سيما لمن لا يثق بنفسه وترهيب من وثق بنفسه أن يسأل شيئاً من ذلك

- ‌ترغيب من ولي شيئاً من أمور المسلمين في العدل إماماً كان أو غيره وترهيبه أن يشق على رعيته، أو يجور، أو يغشهم، أو يحتجب عنهم، أو يغلق بابه دون حوائجهم

- ‌ترهيب من ولي شيئاً من أمور المسلمين أن يولي عليهم رجلاً وفي رعيته خير منه

- ‌ترهيب الراشي والمرتشي والساعي بينهما

- ‌الترهيب من الظلم ودعاء المظلوم وخذله، والترغيب في نصرته

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن من خاف ظالماً

- ‌الترغيب في الامتناع عن الدخول على الظلمة والترهيب من الدخول عليهم وتصديقهم وإعانتهم

- ‌الترهيب من إعانة المبطل ومساعدته والشفاعة المانعة من حد من حدود الله وغير ذلك

- ‌ترهيب الحاكم وغيره من إرضاء الناس بما يسخط الله عز وجل

- ‌الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم، ورحمتهم والرفق بهم

- ‌ترغيب الإمام وغيره من ولاة الأمور في اتخاذ وزير صالح وبطانة حسنة

- ‌الترهيب من شهادة الزور

- ‌كتاب الحدود وغيرها

- ‌الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترهيب من تركهما والمداهنة فيهما

- ‌الترهيب من أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر ويخالف قوله فعله

- ‌الترغيب في ستر المسلم، والترهيب من هتكه وتتبع عورته

- ‌الترهيب من مواقعة الحدود وانتهاك المحارم

- ‌الترغيب في إقامة الحدود، والترهيب من المداهنة فيها

- ‌الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها والتشديد في ذلكوالترغيب في تركه والتوبة منه

- ‌الترهيب من الزنا سيما بحليلة الجار والمغيبة والترغيب في حفظ الفرج

- ‌الترهيب من اللواط، وإتيان البهيمة، والمرأة في دبرها سواء كانت زوجته أو أجنبية

- ‌الترهيب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق

- ‌الترهيب من قتل الإنسان نفسه

- ‌الترهيب أن يحضر الإنسان قتل إنسان ظلماً أو ضربه وما جاء فيمن جرد ظهر مسلم بغير حق

- ‌الترغيب في العفو عن القاتل والجاني والظالموالترهيب من إظهار الشماتة بالمسلم

- ‌الترهيب من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب والإصرار على شيء منها

- ‌كتاب البر والصلة وغيرهما

- ‌الترغيب في بر الوالدين وصلتهما وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما وبر أصدقائهما من بعدهما

- ‌الترهيب من عقوق الوالدين

- ‌الترغيب في صلة الرحم وإن قطعت، والترهيب من قطعها

- ‌الترغيب في كفالة اليتيم ورحمته، والنفقة عليه والسعي على الأرملة والمسكين

- ‌الترهيب من أذى الجار، وما جاء في تأكيد حقه

- ‌الترغيب في زيارة الإخوان والصالحين وما جاء في إكرام الزائرين

- ‌الترغيب في الضيافة وإكرام الضيف، وتأكيد حقهوترهيب الضيف أن يقيم حتى يؤثم أهل المنزل

- ‌الترهيب أن يحتقر المرء ما قدم إليه أو يحتقر ما عنده أن يقدمه للضيف

- ‌الترغيب في الزرع وغرس الأشجار المثمرة

- ‌الترهيب من البخل والشح، والترغيب في الجود والسخاء

- ‌الترهيب من عود الإنسان في هبته

- ‌الترغيب في قضاء حوائج المسلمين، وإدخال السرور عليهموما جاء فيمن شفع فأهدى إليه

- ‌كتاب الأدب وغيره

- ‌الترغيب في الحياء، وما جاء في فضله، والترهيب من الفحش والبذاء

- ‌الترغيب في الخلق الحسن وفضله، والترهيب من الخلق السيئ وذمه

- ‌الترغيب في الرفق والأناة والحلم

- ‌الترغيب في طلاقة الوجه، وطيب الكلام، وغير ذلك مما يذكر

- ‌الترغيب في إفشاء السلام، وما جاء في فضلهوترهيب المرء من حب القيام له

- ‌الترغيب في المصافحة، والترهيب من الإشارة في السلاموما جاء في السلام على الكفار

- ‌الترهيب أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن

- ‌الترهيب أن يتسمع حديث قوم يكرهون أن يسمعه

- ‌الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط

- ‌الترهيب من الغضب، والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب

- ‌الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر

- ‌الترهيب من قوله لمسلم: يا كافر

- ‌الترهيب من السباب واللعن لا سيما لمعين آدمياً كان أو دابة وغيرهماوبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح والترهيب من قذف المحصنة والمملوك

- ‌الترهيب من سب الدهر

- ‌الترهيب من ترويع المسلم ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه جاداً أو مازحاً

- ‌الترغيب في الإصلاح بين الناس

- ‌الترهيب أن يعتذر إلى المرء أخوه فلا يقبل عذره

- ‌الترهيب من النميمة

- ‌الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما، والترغيب في ردهما

- ‌الترغيب في الصمت إلا عن خير، والترهيب من كثرة الكلام

- ‌الترهيب من الحسد وفضل سلامة الصدر

- ‌الترغيب في التواضع، والترهيب من الكبر والعجب والافتخار

- ‌الترهيب من قوله لفاسق أو مبتدع:يا سيدي أو نحوها من الكلمات الدالة على التعظيم

- ‌الترغيب في الصدق، والترهيب من الكذب

- ‌ترهيب ذي الوجهين وذي اللسانين

- ‌الترهيب من الحلف بغير الله سيما بالأمانة، ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر ونحو ذلك

- ‌الترهيب من احتقار المسلم وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى

- ‌الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق، وغير ذلك مما يذكر

- ‌الترغيب في قتل الوزغ وما جاء في قتل الحيات وغيرها مما يذكر

الفصل: ‌الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم، ورحمتهم والرفق بهم

وفي رواية له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد سُخْطَ اللهِ، ورضا الناس عَادَ (1) حَامِدُهُ من الناس ذَاماً".

5 -

وروي عن عبد الله بن عصمة بن مالكٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تحبب إلى الناس بما يُحبونه، وبارزَ الله تعالى لقيَ الله تعالى يوم القيامة وهو عليه غضبان" رواه الطبراني.

‌الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم، ورحمتهم والرفق بهم

والترهيب من ضد ذلك، ومن تعذيب العبد والدابة وغيرهما بغير سبب شرعي وما جاء في النهي عن وسم الدواب في وجوهها

1 -

عن جرير بن عبالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يَرْحَمُ الناسَ لا يَرْحَمُهُ الله" رواه البخاري ومسلم والترمذي، ورواه أحمد وزاد: ومن لا يغفرُ لا يُغفرُ له، وهو في المسند أيضاً من حديث أبي سعيد بإسناد صحيح.

2 -

وعن أبي موسى رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لن تؤمنوا حتى تَرَاحَمُوا. قالوا يا رسول الله كُلنا رَحِيمٌ؟ قال: إنه ليسَ برحمةِ أحدكم صاحبهُ، ولكنها رحمةُ العامَّةِ (2) " رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح.

3 -

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ لَمْ يَرْحَمِ الناس لَمْ يَرْحَمْهُ الله" رواه الطبراني بإسناد حسن.

4 -

وعن جريرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(1) ينقلب ذلك المادح ناقداً ساخطاً، لماذا؟ لأنه نافق وداهن وأحب، وعمل لغير الله تعالى، فلم تدم مودة الفساق، ولم تصف خلة العصاة، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:

وكل مودة لله تصفو

ولا يصفو على الفسق الإخاء

(2)

الرأفة بجميع خلق الله جل شأنه.

ص: 201

"من لا يرحمُ من في الأرض لا يرحمهُ من في السماء" رواه الطبراني بإسناد جيد قوي.

ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء

5 -

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه أبو داود والترمذي بزيادة وقال: حديث حسن صحيح.

6 -

وعنه رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ارحموا تُرْحَمُوا، واغفروا يُغفرْ لكم، ويلٌ لأقماعِ (1) القول، ويلٌ للمُصِرِّينَ الذين يُصِرُّونَ على ما فعلوا وهم يعلمون" رواه أحمد بإسناد جيد.

7 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من لم يُوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، ويَنْهَ عن المنكر" رواه أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقد روي هذا اللفظ من حديث جماعة من الصحابة وتقدم بعض ذلك في إكرام العلماء.

8 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيتٍ فيه نفرٌ من قريشٍ، فأخذ بِعُضَادتيِ البابِ، فقال: هل في البيتِ إلا قُرشيٌ؟ فقالوا: لا. إلا ابن أُختٍ لنا. قال: ابن أختِ القوم منهم، ثم قال: إن هذا الأمر في قريشٍ ما إذا استُرْحِمُوا (2) رَحِمُوا، وإذا حَكمُوا عَدَلُوا، وإذا أقسموا أقسطوا، ومن لم يفعل ذلك فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين" رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورواته ثقات.

9 -

وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "كنا في بيتٍ فيه نفرٌ من المهاجرين والأنصار، فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل كلُ رجلٍ يُوسِعُ رجاء

(1) الأقماع: جمع قمع كضلع، وهو الإناء الذي يترك في رؤوس الظروف لتملأ بالمائعات من الأشربة والأدهان، شبه أسماع الذين يستمعون القول ولا يعونه، ويحفظونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئاً مما يفرغ فيها، فكأنه يمر عليها مجازاً كما يمر الشراب في الأقماع اجتيازاً. أ. هـ نهاية: أي واد في جهنم لعذاب الذين يسمعون النصائح ولا يعملون بها، المتمادين في الغواية، الموطدين العزيمة على العصيان.

(2)

مدة إجابة طلب المسترحمين، أي ماداموا راحمين.

ص: 202

أن يجلس إلى جَنْبِهِ، ثم قام إلى الباب فأخذ بِعُضَادَتَيْهِ (1)، فقال: الأئمة من قريشٍ وَلِيَ عليكم حقٌ عظيمٌ، ولهم ذلك ما فعلوا ثلاثاً: إذا استرحموا رَحِمُوا، وإذا حكموا عَدَلُوا، وإذا عاهدوا وَفَّوْا، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن واللفظ له، وأحمد بإسناد جيد، وتقدم بلفظه، وأبو يعلى، ورواه ابن حبان في صحيحه مختصراً من حديث أبي هريرة، وتقدم حديث بنحوه لأبي برزة، وحديث لأبي موسى العدل والجور.

10 -

وعن نَصِيحٍ العنسي عن رَكبٍ المصري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طُوبَى (2)

لمن تواضعَ في غير مَنْقَصَةٍ، وذَلَّ في نفسهِ من غيرِ مسألةٍ، وأنفقَ مالاً جَمَعَهُ في غيرِ معصيةٍ، وَرَحِمَ أهل الذِّلةِ والمسكنة، وخالطَ أهلَ الفقهِ والحكمةِ" الحديث رواه الطبراني، ورواته إلى نَصِيح ثقات.

11 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سمعت الصادقَ المصدوقَ صاحب هذه الحجرةِ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: لا تُنْزَعُ الرحمةُ إلا من شقيٍ (3) " رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن، وفي بعض النسخ حسن صحيح.

12 -

وعنه رضي الله عنه قال: "قَبَّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحَسَنَ أو الحُسَيْنَ بن عليٍ، وعنده الأقرعُ بن حابسٍ التميمي. فقال الأقرعُ: إن لي عَشرةً من الولد ما قَبَّلْتُ منهم أحداً قطُّ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.

(1) مصراعيه. 95 - 2 ع

(2)

شجرة في الجنة يتمتع بثمراتها وظلها، ورائحتها الذكية من الطيب:

(أ) المتواضع تواضعاً شريفاً.

(ب) المجتنب الشحاذة والدناءة وضعة النفس.

(جـ) الجواد الكريم: السخي الذي شيد الصالحات بأمواله.

(د) الرءوف بالضعفاء.

(هـ) مجالس العلماء العاملين.

(3)

مجرم سفيه عاص، الشقاء والشقاوة ضد السعادة.

ص: 203

ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا سأل الله عنها يوم القيامة

13 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "جاء أعرابيٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تُقَبِّلُونَ الصبيان وما نُقَبِّلُهُمْ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوَ أمْلِكُ لك أن نزع الله الرحمة من قلبك" رواه البخاري ومسلم.

14 -

وعن معاوية بن قُرَّةَ عن أبيه رضي الله عنه أن رجلاً قال: "يا رسول الله إني لأرحَمُ الشاةَ أن أذبحها، فقال: إن رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ الله" رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد والأصبهاني. ولفظه: قال: "يا رسول الله إني آخذُ شاةً وأُريدُ أن أذبحها فأرْحَمَها قال: والشاة إن رَحِمْتَهَا رحمك الله".

15 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رجلاً أضجع شاةً، وهو يُحِدُّ شفرتهُ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتُرِيدُ أن تُميتها مَوتتين، هَلَاّ أحْدَدْتَ (1)

شفرتك قبل أن تُضجعها" رواه الطبراني في الكبير والأوسط والحاكم، واللفظ له، وقال صحيح على شرط البخاري.

16 -

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من إنسانٍ يقتلُ عُصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا يَسْألُ الله عنها يوم القيامة. قيل يا رسول الله: وما حَقُّها؟ قال: حَقُّها أن تذبحها فتأكلها، ولا تقطع رأسها فترميَ به" رواه النسائي والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

17 -

وعن الشِّرِّيدِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل عصفوراً عبثاً عَجَّ (2) إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب إن فلاناً قتلني عبثاً، ولم يقتلني منفعة" رواه النسائي وابن حبان في صحيحه.

18 -

وعن الوَضِينِ بن عطاءٍ قال: "إن جزاراً فتح باباً على شاةٍ ليذبحها، فانفلتت منه حتى جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتبعها، فأخذ يسحبها برجلها،

(1) أمضيت سكينتك.

(2)

شكا بصوت عال مرتفع.

ص: 204

فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اصبري لأمرِ الله، وأنت يا جزار فَسُقْها سَوْقاً رفيقاً" رواه عبد الرزاق في كتابه عن محمد بن راشد عنه، وهو مُعضل.

19 -

وعن ابن سيرين أن عمر رضي الله عنه: "رأى رجلاً يَسْحَبُ شاةً برجلها ليذبحها، فقال له: ويلك قُدْهَا (1) إلى الموت قَوْداً جميلاً" رواه عبد الرزاق أيضاً موقوفاً.

20 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما" أنه مرَّ بفتيانٍ من قريشٍ قد نَصَبُوا طيراً أو دجاجةً يترامونها، وقد جعلوا لصاحب الطير كلَّ خاطئةٍ من نَبْلِهمْ، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروحُ غَرَضاً" رواه البخاري ومسلم.

[الغرض] بفتح الغين المعجمة والراء: هو ما ينصبه الرماة يقصدون إصابته من قرطاس وغيره.

21 -

وعن أبي مسعودٍ رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فانطلقَ لحاجتهِ، فرأينا حُمَّرَةً معها فَرْخَانِ، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تُعْرِشُ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من فَجَعَ هذه بوالديها؟ رُدُّوا ولديها إليها، ورأى قرية نملٍ قد حَرَقْنَاهَا فقال: مَنْ حَرَقَ هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يُعذب بالنار إلا ربُّ النار" رواه أبو داود.

[قرية النمل]: هي موضع النمل مع النمل.

22 -

وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: "أرْدَفَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يومٍ، فَأسَرَّ إليَّ حديثاً لا أُحَدِّثُ به أحداً من الناس، وكان أحبُّ ما اسْتَتَرَ به النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفاً (2) أو حَايِشَ (3) نَخْلٍ، فدخل حائطاً لرجلٍ من الأنصار فإذا فيه جَمَلٌ فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حَنَّ (4) وذرفت (5)

(1) خذها برأفة والرأفة.

(2)

مرمى مستتر.

(3)

سورة كحائط يحيط بالنخل.

(4)

أصابه الحنان والرأفة.

(5)

دمعت.

ص: 205

عيناه، فأتاه سول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح ذِفْرَاهُ فسكت، فقال: من ربُّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتىً من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي مَلَّكَكَ الله إياها؛ فإنه شكا إليَّ أنك تُجِيعُهُ (1) وَتُدْئِبُهُ (2) " رواه أحمد وأبو داود.

23 -

وروى أحمد أيضاً في حديث طويل عن يحيى بن مرة قال فيه وكنتُ معهُ، يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يومٍ إذ جاء جملٌ يَخُبُّ (3) حتى ضرب (4)

بِجِرَانِهِ بين يديه، ثم ذرفت (5) عيناه، فقال: ويحك (6) انظر لمن هذا الجمل؟ إن له لشأناً قال: فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجلٍ من الأنصار، فدعوته إليه فقال: ما شأن جملك هذا؟ فقال: وما شأنه؟ لا أدري والله ما شأنه عملنا عليه، ونضحنا (7) عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا (8) البارحة أن ننحره ونقَسِّمَ لحمه. قال: فلا تفعل، هَبْهُ لي أو بِعْنِيهِ، قال: بل هو لك يا رسول الله. قال: فوَسَمَهُ (9) بِمِيْسَمِ الصدَقَةِ، ثم بَعَثَ به" وإسناده جيد.

وفي رواية له نحوه إلا أنه قال فيه: إنه قال: لصاحب البعير: ما لبعيرك يشكوك؟ زعم أنك سَنَأتَهُ (10) حتى كَبِرَ، تريد أن تنحره (11) قال: صدقتَ، والذي بعثك بالحق لا أفعلُ.

وفي أخرى له أيضاً قال يعلى بن مرة: بينا نحن نسير معه يَعني مع النبي صلى الله عليه وسلم

(1) تمنع عنه الطعام.

(2)

تتعبه من شدة العمل. أنطق الله الجمل لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة له فاستغاث من صاحبه يكلفه فوق طاقته ويجيعه.

(3)

يسرع الذهاب إليه، من خب في الأمر: أسرع الأخذ فيه، ومنه الخبب لضرب من العدو، وهو خطو فسيح دون العنق، يخب. كذا (ع) ص 97 - 2 وفي (ن ط): مخبب.

(4)

مد عنقه على الأرض، وبرك، والجران مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره.

(5)

دمعت.

(6)

كلمة رحمة: أي رحمه الله.

(7)

حملنا عليه الماء، من نضح البعير الماء: حمله من نهر أو بئر لسقي الزرع، فهو ناضح لأنه ينضح العطش: أي يبله بالماء الذي يحمله.

(8)

تشاورنا.

(9)

علمه بعلامة.

(10)

استقيت عليه، ومنه: إنا كنا نسنو عليه: أي نستقي، والسانية: الناقة التي يستقى عليها، والسحابة تسنو الأرض: أي تسقيها، فهي سانية أيضاً.

(11)

تذبحه.

ص: 206

إذ مررنا ببعيرٍ يُسْنَى عليه، فلما رآه البعير جَرْجَرَ (1)، ووضع جِرَانَهُ فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أين صاحب هذا البعير؟ فجاء فقال: بِعْنِيهِ قال: لا، بل أهَبُهُ لك، وإنه لأهل بيتٍ ما لهم معيشةٌ غيرهُ، فقال: أما إذْ ذكرتَ هذا من أمره، فإنه شكا كثرة العمل، وقلة العلف (2)، فأحسنوا إليه" الحديث.

24 -

وروى ابن ماجة عن تميمٍ الداري رضي الله عنه قال: "كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل بعيرٌ يعدو حتى وقف على هامة (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: أيها البعيرُ اُسْكُنْ، فإن تَكُ صادقاً فلك صدقك، وإن تكُ كاذباً، فعليك كذبك مع أن الله تعالى قد أمَّنَ عائذنا (4)، وليس بخائبٍ لائذُنَا، فقلنا: يا رسول الله ما يقول هذا البعير؟ فقال هذا بعيرٌ قد هَمَّ أهلهُ بنحرهِ وأكلِ لحمهِ فهرب منهم واستغاث بنبيكم صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن كذلك إذ أقبل أصحابهُ يتعادون، فلما نظر إليهم البعير عادَ إلى هامةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلاذ بها، فقالوا: يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منذ ثلاثةِ أيامٍ فلم نَلْقَهُ إلا بين يديك، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنه يشكو إليَّ، فبئست الشكاية، فقالوا: يا رسول الله ما يقول؟ قال: يقول إنه رُبِّيَ (5) في أمنكم أحْوَالاً، وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضعِ الكلأ، فإذا كان الشتاء رَحَلْتُمْ إلى موضع الدِّفاء، فلما كبر استفحلتموه، فرزقكم الله منه إبلاً سائمةً، فلما أدركتهُ هذه السَّنَةُ الخصبةُ (6) هممتم بنحره، وأكل لحمه، فقالوا: قد والله كان ذلك يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ما هذا جزاء المملوكُ الصالح (7)

من مواليه، فقالوا: يا رسول الله فإنا لا نبيعهُ ولا ننحرهُ

(1) ردد صوته في حنجرته، وجرجرت النار: صوتت، ومنه:"يجرجر في بطنه نار جهنم".

(2)

الغذاء: فحث صلى الله عليه وسلم على الرأفة به، والرفق وتقديم الطعام التام له.

(3)

المعنى أنه قرب منه وكان بجوار هامة رأسه صلى الله عليه وسلم.

(4)

أعطى الأمان لمن استغاث بنا، وأزال روعه وأبعد خوفه.

(5)

تربى وترعرع.

(6)

الخصبة. كذا (د وع) 98 - 2، وفي (ن ط) الخصيبة: أي التي كثر خيرها، وزاد نعيمها ورخاؤها.

(7)

الخادم الأمين من مخدوميه.

ص: 207

فقال عليه الصلاة والسلام: كذبتُم قد استغاث بكم فلم تُغِيثُوهُ، وأنا أولى بالرحمة منكم، فإن الله نزع الرحمة من قلوب المنافقين، وأسكنها في قلوب المؤمنين، فاشتراه عليه الصلاة والسلام منهم بمائة درهمٍ، وقال: يا أيها البعير انطلق فأنت حُرٌّ لوجه الله تعالى فَرَغَى (1) على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: آمين (2)، ثم دعا فقال: آمين، ثم دعا فقال: آمين، ثم دعا الرابعة فبكى عليه الصلاة والسلام، فقلنا: يا رسول الله! ما يقول هذا البعير؟ قال: قال جزاك الله أيها النبي عن الإسلام والقرآن خيراً، فقلت: آمين، ثم قال: سَكَّنَ الله رُعْبَ أمتك يوم القيامة كما سَكَّنْتَ رُعْبِي، فقلتُ: آمين، ثم قال: حَقَنَ (3) الله دماء أمتك من أعدائها كما حقنت دمي، فقلتُ: آمين، ثم قال: لا جعل الله بأسها بينها فبكيتُ، فإن هذه الخصال سألتُ ربي فأعطانيها، ومنعني هذه، وأخبرني جبريل عن الله تعالى أن فناء أُمتي بالسيف (4) جرى القلمُ بما هو كائنٌ".

[الهدف] بفتح الهاء والدال المهملة بعدها فاء: هو ما ارتفع على وجه الأرض من بناء ونحوه.

[والحائش] بالحاء المهملة وبالشين المعجمة ممدوداً: هو جماعة النخل، ولا واحد له من لفظه.

[والحائط]: هو البستان.

[وذفرا البعير] بكسر الذال المعجمة مقصور: هي الموضع الذي يعرق في قفا البعير عند أذنه، وهما ذفريان.

(1) أي أزبد وأخرج من فيه كأنه يدعو، وفي (ن د): فدعا، وفي المصباح: الرغاء صوت البعير وزان غراب، ورغت الناقة ترغو: صوتت. فهي راغية. أ. هـ.

(2)

اللهم استجب.

(3)

حفظ.

(4)

بالحرب والشقاق والنزاع. إن الله تعالى أكرم أمة محمد صلى الله عليه وسلم بتأجيل عذابها في الدنيا فلم يخسف بها، أو ينزل عليها صواعق: ولكن دعا إلى الاتحاد والاعتصام بالكتاب والسنة، وإلا ففتن بها الموت الزؤام، كما قال تعالى:"أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض"(65 من سورة الأنعام). قال البيضاوي: يخلطكم فرقاً متحزبين على أهواء شتى فينشب القتال بينكم، نسأل الله صفاء القلوب والسلامة.

ص: 208

[وقوله تدئبه] بضم التاء، ودال مهملة ساكنة بعدها همزة مكسروة وباء موحدة: أي تتبعه بكثرة العمل.

[وجران البعير] بكسر الجيم: مقدّم عنقه من مذبحه إلى نحره قال ابن فارس.

[يسنى عليه] بالسين المهملة والنون: أي يسقي عليه.

25 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت امرأةٌ النار في هرةٍ (1) ربطتها، فم تُطعمها، ولم تدعها (2) تأكل من خشاش الأرض"

وفي رواية: عُذِّبَتِ امرأةٌ في هرةٍ سجنتها حتى ماتت، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خُشاشِ الأرض" رواه البخاري وغيره، ورواه أحمد من حديث جابر، فزاد في آخره: فوَجَبَتْ لها النار بذلك.

[خشاش الأرض] مثلة الخاء المعجمة، وبشينين معجمتين: هو حشرات الأرض والعصافير ونحوها.

26 -

وعن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: "مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعيرٍ قد لَصِقَ ظهرهُ ببطنه (3)، فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة (4)، فاركبوها صالحةً، وكلوها صالحةً" رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: قد لحق ظهرهُ.

27 -

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت الجنة فرأيتُ أكثر أهلها الفقراء، واطلعتُ في النار فرأيتُ أكثر أهلها النساء ورأيت فيها ثلاثةً يُعذبون: امرأةً من حميرٍ (5)

طوَالةً (6) رَبَطتْ هِرةً لها لم تطعمها، ولم

(1) بسبب قطة.

(2)

ولم تتركها.

(3)

كناية عن شدة جوعه: هزل وضعف وصار هيكلاً عظمياً.

(4)

غير الناطقة، وبهيمة عجماء لأنها لا تفصح.

(5)

قبيلة.

(6)

طويل القامة.

ص: 209

تَسْقِهَا، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، فهي تنهش (1) قُبُلَهَا وَدُبُرَهَا، ورأيت فيها أخا بني دَعْدَعٍ الذي كان يسرق الحاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فإذا فُطِنَ له قال: إنما تعلق بمحجني، والذي سرق بَدَنَتَيْ (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه ابن حبان في صحيحه.

وفي رواية له ذكر فيها الكسوف قال: وعرضت عليَّ النار، فلولا أني دفعتها عنكم لغشيتكم (3)، ورأيت فيها ثلاثةً يعذبون: امرأةً حِمْيَرِيَّةٌ سوداء طويلةً تُعذبُ في هرةٍ لها أوثقتها (4) فلم تدعها تأكلُ من خشاش الأرضِ، ولم تُطعمها حتى ماتت، فهي إذا أقبلتْ (5) تنهشها؛ وإذا أدْبَرَتْ تنهشها، الحديث.

[المحجن] بكسر الميم وسكون الحاء المهملة بعدهما جيم مفتوحة: هي عصا محنية الرأس.

28 -

وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم "صلى صلاة الكسوف، فقال: دَنَتْ مني النارُ حتى قلتُ: أي ربِّ وأنا معهم، فإذا امرأةٌ حَسِبْتُ أنه قال: تخدشها (6) هرةٌ. قال: ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعا" رواه البخاري.

ما جاء في فضل الرفق بالحيوان

29 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دنا رجلٌ إلى بئرٍ فنزل، فشرب منها، وعلى البئر كلبٌ يلهثُ (7)، فَرَحِمَهُ، فَنزَعَ أحد خُفَّيْهِ فَسقَاهُ، فشكرَ (8)

الله له فأدخله الجنة" رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود أطول من هذا. وتقدم في إطعام الطعام.

30 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التَّحْرِيشِ (9) بين البهائم" رواه أبو داود والترمذي متصلاً ومرسلاً عن مجاهد، وقال في المرسل: هو أصح.

(1) تعض آلتيها انتقاماً منها، والنهش: الأخذ بالأسنان وبالأضراس: 99 - 2 ع

(2)

ناقتي.

(3)

أصابتكم.

(4)

ربطتها بسلاسل أو حبال.

(5)

قدمت من الأمام أو من وراء ظهرها.

(6)

تجرحها بأظافرها.

(7)

يخرج لسانه من شدة العطش.

(8)

قبل عمله وأثابه وغفر له بسبب سقي هذا الحيوان العطشان.

(9)

الإغراء بينهما: يناطح بعضها بعضاً.

ص: 210

من ضرب مملوكه ظلماً أقيد منه يوم القيامة

31 -

وعن أبي مسعودٍ البدري رضي الله عنه قال: "كنت أضرب غلاماً لي بالصَّوْتِ فسمعتُ صوتاً من خلفي: اعلم أبا مسعودٍ، فلم أفهم الصَّوْتَ من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعودٍ أن الله عز وجل أقدرُ عليكَ منك على هذا الغلام، فقلتُ: لا أضربُ مملوكاً بعده أبداً". وفي رواية: "فقلت: يا رسول الله هو حُرٌّ لوجه الله تعالى، فقال: أما لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار" رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

32 -

وعن زاذان وهو الكِنْديُّ مولاهمُ الكوفي قال: "أتيتُ ابن عمر، وقد أعتق مملوكاً له، فأخذ من الأرض عوداً أو شيئاً، فقال: مالي فيه من الأجرِ ما يساوي هذا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من لَطَمَ مملوكاً له أو ضربه فكفارته أن يُعتقهُ" رواه أبو داود واللفظ له، ورواه مسلم، ولفظه قال:"من ضرب غلاماً له حداً لم يأتهِ أو لطمهُ فإن كفارته أن يُعتِقَهُ".

33 -

وعن معاوية بن سويد بن مُقَرِّنٍ قال: لطمتُ مولىً لنا فدعاه أبي ودعاني فقال اقتص منه فإنا معشر بني مُقرنٍ كنا سبعةً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وليس لنا إلا خادمٌ، فلطمها رجلٌ منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتقوها، قالوا: إنه ليس لنا خادمٌ غيرها، قال فلتخدمهم حتى يستغنوا فإذا استغنوا فليعتقوها" رواه مسلم وأبو داود واللفظ له والترمذي، والنسائي.

34 -

وعن عمار بن ياسرٍ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضرب مملوكه (1) ظلماً أُقِيدَ (2) منه يوم القيامة" رواه الطبراني، ورواته ثقات.

35 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم نبي التوبة (3): من قذف (4) مملوكه بريئاً (5) مما قال أُقيم عليه الحد (6) يوم القيامة

(1) عبده أو خادمه.

(2)

اقتص منه. أقدته به أقيده إقادة، ومنه القود: القصاص: أقيد (ع) ص 101 - 2، وفي (ن ط د) وقيد.

(3)

المرسل للطاعة والإنابة إلى الله تعالى، من تاب إلى الله: رجع.

(4)

رمى خادمه أو عبده بقبيحة أو شتمه.

(5)

حالة كونه لا يستحق هذا السب.

(6)

العقاب، يقال قذف المحصنة: رماها بالفاحشة، وقذف بقوله: تكلم من غير تدبر ولا تأمل، =

ص: 211

إلا أن يكون كما قال" رواه البخاري ومسلم والترمذي واللفظ له وقال: حسن صحيح.

حُسنُ الملكة نماء، وسوء الخلق شؤم

36 -

وعن رافع بن مكيثٍ، وكان ممن شهدَ الحديبية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"حُسْنُ الملكةِ (1) نماء، وسوء الخلق شؤمٌ (2) " رواه أحمد وأبو داود عن بعض بني رافع بن مكيث، ولم يسمعه عنه، ورواه أبو داود أيضاً عن الحارث بن رافع بن مكيث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

37 -

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة سيئ الملكة. قالوا: يا رسول الله أليس أخبرتنا أن هذه الأمة أكثر الأمم مملوكين ويتامى. قال: نعم، فأكرموهم ككرامة أولادكم وأطعموهم مما تأكلون. قالوا: فما ينفعنا من الدنيا؟ قال: فرسٌ (3)

تربطهُ تقاتل عليه في سبيل الله، مملوكك (4) يكفيك، فإذا صلى، فهو أحق" رواه أحمد وابن ماجة والترمذي مقتصراً على قوله: لا يدخل الجنة سيء الملكة. وقال حديث حسن غريب، وقد تكلم أيوب السختياني في فرقد السنجي من قبل حفظه، ورواه أبو يعلى والأصبهاني أيضاً مختصراً، وقال: قال أهل اللغة سيئ الملكة إذا كان سيء الصنيعة إلى مماليكه.

38 -

وعن المعرور بن سُويدٍ رضي الله عنه قال: "رأيت أبا ذرٍ بالرَّبّذَةِ، وعليه بُردٌ غليظٌ، وعلى غلامه مثله. قال: فقال القوم: يا أبا ذرٍ لو كنت أخذت الذي على غُلامك، فجعلته مع هذا، فكانت حُلةً؛ وكسوت غُلامك ثوباً غيره؟ قال: فقال أبو ذرٍ: إني كنت ساببتُ رجلاً، وكانت أمه أعجمية (5) فَعَيَّرْتُهُ بأمه، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا أبا ذرٍ: إنك امرؤ فيك جاهلية (6)، فقال:

= وفيه حسن القول، والمعاملة وطيب الكلام لمن يخدمه.

(1)

حسن الفكر ذكاء.

(2)

شر، ورجل مشئوم: غير مبارك، وتشاءم القوم به: تطيروا: يعني أن البذاءة والدناءة، وقلة الأدب دمار وخراب وجالبة كل ضرر.

(3)

حصان تجعله للجهاد في سبيل نصر الدين الله.

(4)

خادمك.

(5)

تنتسب إلى الأعاجم.

(6)

أي فيك خصلة وأنفة من أحوال الجاهلية قبل الإسلام، وفي جواهر البخاري أبو ذر بمنزلة عالية رضي الله عنه من الإيمان: وإنما وبخه صلى الله عليه وسلم بذلك على عظيم منزلته تحذيراً له عن معاودة مثل ذلك، وليكره السيد خادمه، وليسن قانون حسن معاملة العبد لسيده والخادم لمخدومه. أ. هـ ص 51.

ص: 212

إنهم إخوانكم فَضَّلَكُمُ (1) الله عليهم، فمن لم يُلائمكم (2)

فبيعوه، ولا تُعذبوا خلق الله" رواه أبو داود، واللفظ له، وهو في البخاري ومسلم والترمذي بمعناه، إلا أنهم قالوا فيه: هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسهُ مما يلبسُ، ولا يُكلفهُ من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبهُ فَلْيُعِنْهُ عليه" واللفظ للبخاري.

من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموهم مما تأكلون .. إلخ

39 -

وفي رواية للترمذي قال: "إخوانكم جعلهم الله فتية تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه؛ فإن كلفه ما يغلبهُ فليعنه عليه".

40 -

وفي رواية لأبي داود عنه قال: "دخلنا على أبي ذرٍ بالربذة، فإذا عليه بُردٌ، وعلى غلامه مثله؛ فقلنا: يا أبا ذر لو أخذت بُردَ غلامك إلى بُردك فكانت حُلةً، وكسوته ثوباً غيره؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إخوانكم جعلهم الله تحت أيدكم فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وَلْيَكْسُهُ مما يكتسي، ولا يُكلفهُ ما يغلبه فإن كلفهُ ما يغلبه فَلْيُعِنْهُ".

41 -

وفي أخرى له: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لاءمكم (3) من مملوكيكم فأطعموهم مما تأكلون، وأكسوهم مما تلبسون، ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه، ولا تُعذبوا خلق الله"

(1) زادكم إكراماً، وسخرهم لخدمتكم منه جل وعلا.

(2)

فمن لم يوافق طباعكم، ويجب طلبكم، ويحفظ أموالكم وسيركم، وفي الجواهر: إخوانكم خولكم: أي خدمكم أو عبيدكم الذين يتخولون الأمور: أي يصلحونها، وفي الحديث النهي عن سب العبيد، ومن في معناهم وتعبيرهم بآبائهم، والحث على الإحسان إليهم والرفق بهم، وأن التفاضل الحقيقي بين المسلمين بالتقوى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فلا يفيد الشريف النسب نسبه إذا لم يكن من أهل التقوى، ويفيد الوضيع النسب التقوى، ويلحق بالعبد: الأجير، والخادم والضعيف والدابة. قال النووي: فيه أن الدواب ينبغي أن يحسن إليها، ولا تكلف من العمل ما لا تطيق الدوام عليه، وفيه النهي عن الترفع على المسلم وإن كان عبداً، وفيه المحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أ. هـ. ص 53

(3)

وافقكم.

ص: 213

[قال الحافظ]: الرجل الذي عيَّره أبو ذر هو بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

42 -

وعن زيد بن حارثة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "أرقاءكم أرقاءكم أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، فإن جاءوا بذنبٍ لا تريدون (1) أن تغفروه، فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم" رواه أحمد والطبراني من رواية عاصم بن عبيد الله، وقد مشاه بعضهم، وصحح له الترمذي والحاكم، ولا يضر في المتابعات.

للمملوك طعامه وشرابه وكسوته ولا يكلف إلا ما يطيق

43 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبيد: "إن أحسنوا فاقبلوا، وإن أساءوا فاعفوا، وإن غلبوكم (2) فبيعوا" رواه البزار وفيه عاصم أيضاً.

44 -

ورويَ عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغنمُ بركةٌ على أهلها، والإبل عزٌّ لأهلها، والخيلُ معقود في نواصيها الخير، والعبدُ أخوك فأحسن إليه، وإن رأيته مغلوباً فأعنه" رواه الأصبهاني.

45 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للملوك طعامهُ وشرابهُ وكسوته، ولا يُكلفُ إلا ما يطيق، فإن كلفتموهم فأعينوهم ولا تُعذبوا عباد الله خلقاً أمثالكم" رواه ابن حبان في صحيحه، وهو في مسلم باختصار.

46 -

وعن عمر بن حُريثٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما خفَّفتَ على خادمك من عمله كان لك أجراً في موازينك (3) " رواه أبو يعلى، وابن حبان في صحيحه.

(1) لا تودون ستره، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيع ونهى عن التعذيب.

(2)

خالفوكم بشدة.

(3)

حسنات في صحيفتك التي توزن يوم القيامة 103 - 2 ع.

ص: 214

[قال الحافظ]: وعمرو بن حريث: قال ابن معين: لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، والذي عليه الجمهور أن له صحبة، وقيل: قُبضَ النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتي عشرةَ سنةً، وروى عن أبي بكر وابن مسعود، وغيرهم من الصحابة.

47 -

وعن عليٍ رضي الله عنه قال: "كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم (1) " رواه أبو داود وابن ماجة إلا أنه قال: الصلاة وما ملكت أيمانكم.

48 -

وروى ابن ماجة وغيره عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الذي تُوفي فيه: الصلاة وما ملكت أيمانكم، فمازال يقولها حتى ما يُفيضُ لسانهُ".

49 -

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وجاءه قهرمانٌ لهُ، فقال له: "أعطيتَ الرَّقيقَ قُوْتهم؟ قال: لا. قال: فانطلق فأعطهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى إثماً (2)

أن تحبسَ عمن تملك قوتهم" رواه مسلم.

50 -

وعن كعب بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "عهدي بنبيكم صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمسِ ليالٍ، فسمعتهُ يقول: لم يكن نبيٌ إلا ولهُ خليلٌ من أمته، وإن خليلي أبو بكر بن أبي قحافة، وإن الله اتخذ صاحبكم خليلاً، ألا وإن الأمم من قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، وإني أنهاكم عن ذلك، اللهم هل بلغت، ثلاث مراتٍ، ثم قال: اللهم اشهد، ثلاث مراتٍ، وأغمي عليه هُنيهةً، ثم قال: الله الله فيما ملكت أيمانكم: أشبعوا بطونهم، واكسوا ظهورهم، وألينوا القول لهم (3) " رواه الطبراني من طريق عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد، وقد وثقا، ولا بأس بهما في المتابعات.

(1) الجواري والإماء، والعبيد والخدم.

(2)

ذنباً

(3)

حادثوهم برفق أمر صلى الله عليه وسلم بثلاثة لمرءوسيهم:

(أ) إطعامهم الغذاء اللازم.

(ب) تقديم الملابس.

(جـ) طيب القول، وبشاشة الوجه.

ص: 215

ما جاء في العفو عن الخادم وعدد مراته

51 -

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله كم أعفو (1) عن الخادم؟ قال: كل يومٍ سبعين مرةً" رواه أبو داود والترمذين وقال: حديث حسن غريب، وفي بعض النسخ حسن صحيح، وروى أبو يعلى بإسناد جيد عنه، وهو رواية للترمذي: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن خادمي يُسيء ويظلمُ أفأضربهُ؟ قال: تعفو (2) عنه كل يومٍ سبعين مرةً".

[قال الحافظ]: كذا وقع في سماعنا عبد الله بن عمر، وفي بعض نسخ أبي داود عبد الله بن عمرو، وقد أخرجه البخاري في تاريخه من حديث عباس بن جليد عن عبد الله بن عمرو بن العاص ومن حديث أيضاً عن عبد الله بن عمر، وقال الترمذي: روى بعضهم هذا الحديث بهذا الإسناد، وقال: عن عبد الله بن عمرو، وذكر الأمير أبو نصر أن عباس بن جليد يروى عنهما كما ذكره البخاري، ولم يذكر ابن يونس في تاريخ في مصر، ولا ابن أبي حاتم روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص، والله أعلم.

52 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجلٌ فقعد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن لي مملوكين يُكذبونني، ويخونونني، ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا كان يوم القيامة يُحسبُ ما خانوك وعصوْك وكذَّبوك، وعقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل، فتنحى (3) الرجل، وجعل يهتفُ ويبكي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تقرأُ قول الله: "ونَضَعُ الموَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شيئاً وَإنْ كانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَردْلٍ أتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبينَ" فقال الرجلُ: يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء خيراً من مفارقتهم أُشهدكَ أنهم كلهم أحرارٌ" رواه أحمد والترمذي، وقال

(1) ما عدد المرات التي أسمع فيها وأصفح عن الخادم.

(2)

تصفح عنه.

(3)

تباعد. المعنى يأخذ العدل مجراه، وكل يقف للحساب، فمن تعدى أكثر حوسب.

ص: 216

حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن غزوان، وقد روى أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن غزوان هذا الحديث.

[قال الحافظ] عبد الرحمن: هذا ثقة احتج به البخاري، وبقية رجال أحمد بهم البخاري ومسلم، والله أعلم.

من ضرب سوطاً ظلماً اقتص منه يوم القيامة

53 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضرب سوطاً (1)

ظلماً اقْتُصَّ (2) منه يوم القيامة" رواه البزار والطبراني بإسناد حسن.

54 -

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وكان بيده سواكٌ، فدعا وصيفةً له أولها حتى استبان (3) الغضبُ في وجهه، وخرجت أم سلمةَ إلى الحجرات، فوجدت الوصيفةَ وهي تلعب ببَهْمَةٍ (4) فقالت: ألا أراكِ تلعبين بهذه البَهْمَةِ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك؟ فقالت: لا والذي بعثك بالحق ما سمعتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا خشيةُ القَوَدِ (5) لأوجعتكِ بهذا السواك (6) " رواه أحمد بأسانيد أحدها جيد، واللفظ له، ورواه الطبراني بنحوه.

55 -

وعن هشام بن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه: "أنه مر بالشام على أُناسٍ من الأنْبَاطِ، وقد أُقيُموا في الشمس، وَصُبَّ على رءوسهم الزيتُ، فقال: ما هذا؟ قيل: يُعذبون في الخَرَاجِ" وفي رواية: "حُبسوا في الجزيةِ، فقال هشام: أشهد لسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يُعذب الذين يُعذبون الناس في الدنيا، فدخل على الأمير فَحَدَّثَهُ فأمر بهم فَخُلُّوا (7) " رواه مسلم وأبو داود والنسائي.

[الأنباط]: فلاحون من العجم ينزلون بالبطائح بين العراقين.

56 -

ورويَ عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1) أي تعدى بضرب سوط (درة).

(2)

أخذ منه القصاص عقاب المثلى.

(3)

ظهر.

(4)

ولد الضأن.

(5)

القصاص وشدة العذاب.

(6)

عود السواك: أي أضربك به.

(7)

تركوا من خل كساءه على نفسه وأخل بمركزه.

ص: 217

"ثلاثٌ من كُنَّ فيه نشر الله عليه كنفه (1)، وأدخله جنته: رفقٌ بالضعيف، وشفقةٌ على الوالدين، وإحسانٌ إلى المملوك" رواه الترمذي وقال حديث غريب.

فصل

57 -

عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: "مَرَّ على حمارٍ قد وُسِمَ (2) في وجههِ فقال: لعن الله الذي وَسَمَهُ" رواه مسلم. وفي رواية له: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، وعن الوَسْمِ في الوجه" ورواه الطبراني بإسناد جيد مختصراً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنْ يَسِمُ (3) في الوجه.

58 -

وعن جُنادةَ بن جَرادةَ أحد بني غَيْلَانَ بن جُنادة رضي الله عنه قال: "أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بإبلٍ قد وسمتها في أنفها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جُنادةُ فما وجدت عضواً تَسِمُهُ إلا في الوجه. أما إن أمامك القصاص فقال: أمرها إليك يا رسول الله" الحديث. رواه الطبراني.

59 -

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مَرَّ حمارٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم قد كُوِيَ (4)

في وجهه يفوزُ مِنْخَراهُ مِنْ دَمٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1) رحمته ومعاونته:

(أ) الرأفة بالعاجز المسكين.

(ب) الإحسان إلى الوالدين وإكرامهما وبرهما.

(جـ) حسن معاملة العبد.

(2)

وضعت عليه علامة، يقال وسمت الشيء وسماً، من باب وعد، والاسم السمة: وهي العلامة، والوسمة: نبت يختضب بورقه، ثم طلب صلى الله عليه وسلم إقصاء من فعل ذلك، وإبعاده من رحمة الله تعالى.

(3)

يضع عليه أي علامة.

(4)

كواه بالنار كياً. قال تعالى في بيان أن هذا العمل من غواية الشيطان: "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً"(119 - 120 من سورة النساء).

قال البيضاوي: "فليغيرن خلق الله" أي عن وجهه وصورته أو صفته، ويندرج فيه ما قيل من فقء عين =

ص: 218