الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما، والترغيب في ردهما
1 -
عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال في خطبته
= الآيات الكريمة التي تدل على وخامة عاقبة النميمة:
(أ) قال الله تعالى: "ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم"(10 - 13 من سورة القلم). قال عبد الله بن المبارك: الزنيم ولد الزنا الذي لا يكتم الحديث، وأشار به إلى أن كل من لم يكتم الحديث، ومشى بالنميمة دل على أنه ولد الزنا استنباطاً من قوله عز وجل:"عتل بعد ذلك زنيم" والزنيم هو الدعي.
(ب) وقال تعالى: "ويل لكل همزة لمزة"(1 من سورة الهمزة). قيل: الهمزة النمام.
(جـ) وقال تعالى: "سيصلى ناراً ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد"(3 - 5 من سورة المسد). قيل إنها كانت نمامة حاملة للحديث.
(د) وقال تعالى: "وضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين"(10 من سورة التحريم). قيل كانت امرأة لوط تخبر بالضيفان، وامرأة نوح تخبر أنه مجنون. أهـ إحياء الغزالي في باب الآفة السادسة عشرة النميمة ص 134 جـ 3.
(هـ) وقال تعالى: "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد"(1 - 5 من سورة الفلق). أمر صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من الليل إذا أغمر بظلمته الكائنات، ومن السحرة الكهنة وأصحاب الخداع والمسكر والحيل المفسدين المؤذين.
(و) وقال تعالى: "أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون"(34 من سورة الزمر). أي يجعل له وقاية تقيه العذاب. وقال البيضاوي: أي يجعله درقة يقي به نفسه لأنه تكون يده مغلولة إلى عنقه فلا يقدر أن يتقي إلا بوجهه كمن هو آمن. أهـ. فكذلك النمام لا يأمن عذاب الله ولا يتقي الله في إفساده وإضلاله.
نتائج النميمة كما بينها صلى الله عليه وسلم في أحاديثه:
أولاً: يحرم من نعيم الجنة.
ثانياً: يعذب في قبره ويشابه الذي يتساهل في تمام الاستبراء من البول ولم يستكمله فقد يخرج منه ما ينقض وضوءه فيصلي بغير وضوء وبذا يصلي فلا تقبل صلاته فكأنه تاركها، وترك الصلاة كبيرة.
ثالثاً: تدخل النار.
رابعاً: تشن غارة العداوة فيحمى وطيسها بين المتآلفين.
خامساً: تؤذي وتضر وتؤلم وتجلب الخصام والنفور والثبور. =
في حجة الوداع (1): إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت (2) " رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
2 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ المسلم على المسلم حرامٌ دمهُ (3) وعِرْضُهُ (4) ومالهُ (5) " رواه مسلم والترمذي في حديث.
3 -
وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الربا اثنان وسبعون باباً، أدناها (6) مثل إتيان الرجل أمهُ، وإن أربى الربا (7) استطالةُ الرجل في عِرْضِ أخيهِ" رواه الطبراني في الأوسط من رواية عمر بن راشد.
4 -
وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أمر الربا، وَعَظَّمَ شأنه، وقال: إن الدرهم يُصيبهُ الرجلُ من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ستٍ وثلاثين زنيةً يزنيها الرجلُ، وإن أربى الربا عِرْضُ الرجلِ المسلم" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغيبة.
= سادساً: تحمل النمام ذنوباً جمة.
سابعاً: تدل على أن النمام لقيط طريد ابن فاحشة زانية (زنيم).
ثامناً: تدل على سوء الخاتمة وتمسخ حسن الصورة وتجعلها مثل (وجوه الكلاب).
تاسعاً: عنوان الدناءة والجبن والضعف والدس والكيد والملق والنفاق (الهمازون).
عاشراً: محبطة للحسنات ومضيعة ثواب الأعمال الصالحات (الحالقة).
الحادي عشر: مزيلة كل محبة، مبعدة كل مودة وتآلف وتآخ وتصاف وتعاون واتحاد، ولابن دريد في الحكم:
إن امرؤ خيف لإفراط الأذى
…
لم يخش مني نزق (1) ولا أذى
من غير ما وهن (2) ولكني امرؤ
…
أصون عرضاً لم يدنسه ألطخا (3)
وصون عرض المرء أن يبذل ما
…
ضن به مما حواه وانتضى (4)
(1)
آخر حجة حجها صلى الله عليه وسلم.
(2)
اللهم قد أديت الرسالة وحفظت الأمانة وقلت ما أحببت.
(3)
إهراق دمه وإراقته والتعرض لأذاه.
(4)
إباحة عرضه وتعرضه لأي إهانة أو قبيحة أو ارتكاب فاحشة.
(5)
غصب ما يملك أو نهبه أو سرقته أو تعرضه للتلف.
(6)
أقلها جرماً عقاب ناكح أمه ووقوع الزنا بها.
(7)
أكثر الذنوب انتقاماً وعذاباً التحدث بما يكره الإنسان وغيبته وتعداد عيوبه.
_________
(1)
خفة.
(2)
ضعف.
(3)
العيب.
(4)
اختار.
5 -
ورويَ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الربا نَيَّفٌ (1) وسبعونَ باباً، أهونهن (2) باباً من الربا مثلُ من أتى أمَّهُ في الإسلام، ودرهمٌ من الربا أشدُّ من خمسٍ وثلاثين زنيةً وأشدُّ الربا، وأربى الربا، وأخْبَثُ الربا انتهاكُ عِرْضِ المسلم (3) وانتهاكُ حُرْمَتِهِ (4) " رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي، وروى الطبراني منه ذكر الربا في حديث تقدم.
6 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أرْبَى الربا استطالةُ المرء في عَرْضِ أخيه" رواه البزار بإسنادين أحدهما قوي، وهو في بعض نسخ أبي داود إلا أنه قال:"إن من الكبائر استطالة الرجل في عِرْضِ رجلٍ مسلمٍ بغير حقٍ، ومن الكبائر السَّبَّتَأنِ بالسَّبَّةِ" ورواه ابن أبي الدنيا أطول منه، ولفظه:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الربا سبعون حُوباً، وأيسرها (5) كنكاح الرجل أمهُ، وإن أربى الربا عِرْضُ الرجل المسلم".
[الحوب] بضم الحاء المهملة: هو الإثم.
7 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: تَدْرون (6) أربى الربا عند الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن أربى الربا عند الله
(1) من واحد إلى ثلاث، والبضع من أربع إلى تسع، ولا يقال نيف إلا بعد عقد نحو عشرة ونيف ومائة ونيف وألف ونيف. أهـ مصباح.
(2)
أيسرهن في العذاب.
(3)
التحدث في موضع ذمه والاستطالة بالسوء والقدح، وفي النهاية وفي حديث ابن عباس "إن قوماً قتلوا فأكثروا وأوزنوا وانتهكوا" أي بالغوا في خرق محارم الشرع وإتيانها، وفي حديث أبي هريرة "تنتهك ذمة الله وذمة رسوله" يريد نقض العهد والغدر بالمعاهد. أهـ.
(4)
أي انتهاك ما حفظه الله من رعاية جانبه واحترامه، وفي النهاية كل مسلم عن مسلم محرم، ويقال مسلم محرم، وهو الذي لم يحل من نفسه شيئاً يوقع به، يريد أن المسلم معتصم بالإسلام ممتنع مجرمته ممن أراده أو أراد ماله، ففيه الترغيب في حفظ سيرة المسلم وعدم ذكره بسوء.
(5)
أخفها في العقاب مثل الزنية في الوالدة مع احترامها ووجوب رعاية الأدب معها وبرها، وعدم أذاها وأكثر من هذا عقاباً الغيبة وإرخاء العنان للسان أن يقدح ويذم ويقول ما يكره الغائب.
(6)
تعلمون، يريد صلى الله عليه وسلم عدم غيبة المسلم وذكره بما يكره.
استحلالُ عِرْضُ امرئٍ مُسلمٍ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَملُوا بُهْتَاناً وَإثْماً مُبِيناً) " رواه أبو يعلى، ورواته رواة الصحيح.
8 -
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أربى الربا الاستطالةَ في عِرْضِ المسلمِ بغير حقٍ (1) " رواه أبو داود.
9 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "قُلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حَسْبُكَ (2) من صفيةَ كذا وكذا. قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: لقد قُلْتِ كلمةً لو مُزجتْ بماء البحر لمزجته (3) قالتْ: وحكيتُ له إنساناً فقال: ما أُحِبُّ أن حَكَيْتِ لي إنساناً، وإن لي كذا وكذا (4) " رواه أبو داود والترمذي والبيهقي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
10 -
وعن عائشة أيضاً رضي الله عنها: "أنه اعْتَلَّ (5) بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ بنت حُيَيٍّ، وعند زينب فضْلُ ظهرٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزينب: أعطيها بعيراً، فقالت: أنا أُعْطِي تلك اليهودية، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَهَجَرهَا (6) ذا الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمَ، وبَعضَ صَفَرٍ" رواه أبو داود عن سمية عنها، وسمية لم تنسب.
11 -
ورويَ عنها رضي الله عنها قالت: "قلتُ لامرأةٍ مَرَّةً وأنا عند النبي صلى الله عليه وسلم
(1) ذكره لولي أمره ليردعه عن معصية يريد أن يفعلها أو يخبر الحاكم عن عقد العزيمة على مؤامرة أو سرقة أو ارتكاب عمل فيخبر من يمنع هذا أو يصده أو يهديه أو يرشده فكأنه ذكر هذا للنصيحة وللحذر. قال تعالى: "خذوا حذركم" من سورة النساء. وقال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" فلا مانع أن يعلم الإنسان شيئاً مخيفاً فيذهب لمن يتدارك هذا قبل وقوعه ويخبره على سبيل النجدة والغوث والزجر والهداية، لا على سبيل التشهير والذم.
(2)
كافيك منها كذا، وفي هامش (ع ص 222) قال النووي: وهذا من أعظم الزواجر عن الغيبة.
(3)
أي لخلطته وكدرته، لأنها على سبيل الذم فارتكبت بذكرها ذنباً والله تعالى حرم الغيبة.
(4)
وإن لي كذا وكذا. كذا (د وع)، وفي (ن ط): وإني كذا.
(5)
مرض وسقم.
(6)
تركها صلى الله عليه وسلم أكثر من شهرين على هذه اللفظة تأديباً لها وزجراً وردعاً وتعليماً لأمته أن تتجنب ألفاظ السب وتترك الهجاء وتحذر الذم.
: إن هذه لَطَوِيلَةُ الذَّيْلِ فقال: الْفِظِي الْفِظِي، فلفظتُ بضعةً من لحمٍ" رواه ابن أبي الدنيا.
[الفظي] معناه ارمي ما في فمك.
[والبضعة]: القطعة.
12 -
ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجلٌ فقالوا: يا رسول الله ما أعجزَ فلاناً! أو قالوا: ما أضعفَ (1) فُلاناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغتبتمُ صاحبكم وأكلتم لَحْمَهُ" رواه أبو يعلى والطبراني. ولفظه: أن رجلاً قام من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فرأوا في قيامهِ عجزاً فقالوا: ما أعجز فُلاناً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلتم أخاكم واغتبتموه.
13 -
وعن عمرو بن شُعيبٍ عن أبيه عن جده: "أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فقالوا: لا يأكلُ حتى يُطعمَ (2)، ولا يَرْحَلُ حتى يُرْحَلَ له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغتبتموه، فقالوا: يا رسول الله! إنما حدثنا بما فيه. قال: حَسْبُكَ (3)
إذا ذكرت أخاك بما فيه" رواه الأصبهاني بإسناد حسن.
14 -
وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقام رجلٌ فوقعَ فيه (4) رجلٌ من بعدهِ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تَحَلَّلْ (5) فقال: ومما أتَحَلَّلُ (6)؟ ما أكلتُ لحماً، قال: إنك أكلتَ لَحمَ أخيكَ" حديث غريب رواه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني، واللفظ له، ورواته رواة الصحيح.
(1) أي عجزه أو ضعفه ما أكثره، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنهم اغتابوه وذكروا ما يكره فكأنهم طعموا قطعة من لحمه.
(2)
معناه أنه ضعيف إلى درجة احتياجه إلى مساعد يطعمه وخادم يوكله وساق يسقيه، ولا يسافر إلا إذا حمله آخر أو ركب على دابة.
(3)
كافيك بتعداد أوصاف ثابتة فيه: ولكن يكره ذكرها، ويجب سترها، ففيه الترهيب عن ذكر أخيك بما يكره مطلقاً.
(4)
ذكر عيوبه واغتابه.
(5)
تحلل بالحاء في (ع)، وبالخاء في (ط): أي افعل الحلال واطلب التوبة من هذه الغيبة.
(6)
ومن أي شيء اطلب الحل واترك الحرام.
ما جاء في ذم الغيبة
15 -
ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بصوم يومٍ، وقال: لا يُفْطِرَنَّ أحدٌ منكم حتى آذن له، فصام الناسُ حتى إذا أمْسَوْا، فجعل الرجلُ يجئ، فيقولُ: يا رسول الله إني ظللتُ صائماً، فائذن لي فأُفِطِرَ فيأذنُ له، الرجل والرجلُ حتى جاء رجلٌ فقال: يا رسول الله! فتاتان من أهلكَ ظَلَّتَا صائمتين، وإنهما يستحيان أن يأتياك فَأْذَنْ لهما فليفطرا، فأعْرَضَ عنه (1)، ثم عَاوَدَهُ (2) فأعرضَ عنه، ثم عَاوَدَهُ فأعرضَ عنه، ثم عاودهُ فأعرضَ عنه، فقال: إنهما لم يصوما (3)، وكيف صامَ من ظلَّ هذا اليوم يأكلُ لحومَ الناسِ، اذهبْ فَمُرْهُمَا إن كانتا صائمتين فَلْيَسْتَقِيئا (4)،
فرجعَ إليهما فأخبرهما فاستقاءتا، فقاءتْ كل واحدةِ عَلَقةً من دمٍ، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرهُ، فقال: والذي نفسي بيده لو بقيتا في بطونهما لأكلتهما النار" رواه أبو داود الطيالسي، وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة والبيهقي، ورواه أحمد وابن أبي الدنيا أيضاً، والبيهقي من رواية رجل لم يسم عن عُبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه إلا أن أحمد قال: "فقال لإحداهما: قِيئي فقاءت قيْحاً وَدَماً وصديداً ولحماً حتى ملأت نصف القدح، ثم قال للأخرى: قِيئي، فقاءت من قيْحٍ ودمٍ وصديدٍ ولحمٍ عبِيطٍ (5) وغيره حتى ملأت القدحَ ثم قال: إن هاتين صامتا عَمَّا أحَلَّ الله لهما، وأفطرتا على ما حَرَّمَ الله عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا تأكلانِ من لُحُومِ الناس" وتقدم لفظ أحمد بتمامه في الصيام.
16 -
وعن شُفَيِّ بن مانع الأصبحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربعةٌ يُؤذُونَ أهل النار على ما بهم من الأذى يَسْعَوْنَ ما بين الحميمِ (6)
(1) تركه ولم يجبه.
(2)
طلب مرة ثانية.
(3)
لم يقبل الله صومهما لأنهما اغتابتا بذكر ما يكره.
(4)
فليخرجا ما في معدتهما، ينهى صلى الله عليه وسلم عن الغيبة خشية استحلال أكل لحم المغتاب فيجر إلى عذاب النار، وبئس القرار.
(5)
سليم من الأمراض سمين فتي.
(6)
يمشون في الماء المغلي من صديد وقيح.
والجحيم (1) يدعون بالويل (2) والثبور يقول بعض أهل النار لبعضٍ: ما بالُ هؤلاء قد آذوْنا على ما بنا من الأذى. قال: فرجلٌ مُغْلَقٌ عليه تابوتٌ من جَمْرٍ (3)، ورجلٌ يَجُرُّ أمعاءهُ (4)، ورجلٌ يسيلُ فُوهُ قَيْحاً ودماً، ورجلٌ يأكلُ لحمهُ، فيقالُ لصاحبِ التابوتِ (5):
ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقولُ: إن الأبعدَ قد ماتَ وفي عُنُقِهِ أموال الناس، ثم يقالُ للذي يَجُرُّ أمعاءه: ما بالُ الأبعدِ قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقولُ: إن الأبعدَ كان لا يُبالي أين أصاب البول منه (6) ثم يقالُ للذي يسيلُ فُوهُ قيحاً ودماً: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان ينظر إلى كلمةٍ فيستلذها كما يُستلذُ الرَّفَثُ (7)، ثم يقال للذي يأكلُ لحمهُ: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة، ويمشي بالنميمة" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت، وفي ذم الغيبة والطبراني في الكبير بإسناد لين وأبو نعيم، وقال:[شفي بن مانع] مختلف في صحبته، فقيل له صحبة.
[قال الحافظ]: شُفَي ذكره البخاري وابن حبان في التابعين.
17 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل لحمَ أخيه (8)
في الدنيا قُرِّبَ إليه يوم القيامة، فيقالُ له: كُلْهُ مَيِّتاً كما
(1) النار.
(2)
الهلاك والدمار.
(3)
مغلق عليه تابوت من جمر كذا (ع ص 233 - 2)، وفي (ن د): معلق بالعين، وفي (ن ط): جمرة أي نار متقدة.
(4)
حوايا معدته.
(5)
الصندوق.
(6)
معناه لا يتحرز من النجاسة ولا يحفظ ثيابه عند التبول ولا يتطهر ولا ينظف جسمه منها.
(7)
الفحش وقبح القول والجماع والخنا والسوء. يخبرنا صلى الله عليه وسلم عن أربعة يعذبون بأنواع العذاب وينادون بالدمار والهلاك لشدة آلامهم:
(أ) في صندوق متقدة ناره يصلى ناراً حامية ذات لهب، لأنه ضيع حقوق الناس في حياته وأكل أموالهم ظلماً وعدواناً.
(ب) تخرج أحشاؤه فضيحة وقذارة ويمر على الناس يستقذرون منه في الآخرة، لأنه كان لا يحترز من بوله في دنياه.
(جـ) يخرج من فيه السوائل القذرة من صديد وقيح ودم، لأن كلامه ردئ خشن بطال قبيح.
(د) يأكل لحم جسمه على مرأى من الناس، لأنه اغتاب الناس في دنياه ونهش أعراضهم وذمهم بما يكرهون.
(8)
كناية عن ذكره بسوء.
أكلتهُ حياً، فيأكلهُ ويَكْلَحُ وَيَضِجُّ" رواه أبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ إلا أنه قال: يَصِيحُ. بالصاد المهملة، كلهم من رواية محمد بن إسحق، وبقية رواة بعضهم ثقات.
[يضج]: بالضاد المعجمة بعدها جيم ويصيح كلاهما بمعنى واحد كذا قال بعض أهل اللغة والظاهر أن لفظة يضج بالضاد المعجمة فيها زيادة إشعار بمقارنة فزع أو قلق، والله أعلم.
[ويكلح] بالحاء المهملة: أي يعبس ويقبض وجهه من الكراهة.
18 -
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه: "أنه مَرَّ على بَغْلٍ ميتٍ فقال لبعضِ أصحابه لأن يأكلَ الرجلُ من هذا حتى يملأ بطنه خيرٌ لهُ من أن يأكل لحم رجلٍ مُسلمٍ (1) " رواه أبو الشيخ بن حبان وغيره موقوفاً.
19 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء الأسلميَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد على نفسه بالزنا أربع شهاداتٍ يقول: أتيتُ امرأةً حراماً وفي كُلِّ ذلك يُعْرِضُ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ الحديث إلى أن قال: فما تريدُ بهذا القول؟ قال: أريدُ أن تُطَهِّرَنِي (2)، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرجم، فَرُجِمَ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من الأنصار يقولُ أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم يَدَعْ نفسهُ (3) حتى رُجمَ رَجْمَ الكلبِ. قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سار ساعةً، فَمرَّ بجيفةِ حمارٍ شائلٍ برجلهِ (4)، فقال: أين فلانٌ وفلانٌ (5)؟
فقالوا: نحن ذا يا رسول الله، فقال لهما كلا من جيفة هذا الحمار، فقالا يا رسول الله: غَفَرَ الله لك، من يأكلُ من هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نِلْتُما من عِرْضِ هذا الرجلِ آنفاً (6) أشدُّ من
(1) معناه الأكل من هذه الجيفة النتنة القذرة أسهل من اغتياب المسلم.
(2)
تنقذني من العذاب بالحد وإقامة العقاب في الدنيا لأسلم من عذاب الله في الآخرة.
(3)
فلم يترك نفسه حتى أقيم عليه الحد.
(4)
شائل برجله كذا (ط وع ص 233 - 2)، وفي (ن د): شائل برجله.
(5)
في أي مكان اللذان اغتابا ذلك الرجل النقي الطاهر؟
(6)
سابقاً.
أكل هذه الجيفة، فوالذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة (1) ينغمسُ فيها" رواه ابن حبان في صحيحه.
20 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ليلة أُسريَ بنبي الله صلى الله عليه وسلم، ونظر في النار، فإذا قومٌ يأكلون الجيفَ (2). قال: من هؤلاء يا جبريلُ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحومَ الناس (3)، ورأى رجُلاً أحمرَ أزرقَ جِداً (4)، فقال: من هذا يا جبريلُ؟ قال: هذا عاقرُ الناقة (5) " رواه أحمد ورواته رواة الصحيح خلا قابوس ابن أبي ظبيان.
إن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه
21 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما عُرجَ (6) بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نحاسٍ يَخْمِشُونَ (7) وجوههم وصدورهم، فقلتُ من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس (8)، ويقعون في أعراضهم" رواه أبو داود، وذكر أن بعضهم رواه مرسلاً.
22 -
وعن راشد بن سعد المقرائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما
(1) يتمتع بنعيم الجنة ويستحم في مائها العذب الحلو الجميل. رجل وقع في حمأة الفاحشة وانغمس في أدرانها فتاب إلى الله وذهب إلى سيدي رسول الله وأخذ قسطه من حدود الله فرضي الله عنه وأرضاه فانتقد عليه رجلان واغتاباه، ولو أكلا من حمار نتن قذر لكان أيسر وأسهل من الغيبة.
(2)
الجيفة: جثة الميت إذا أنتن، يقال جافت الميتة وجيفت واجتافت. أهـ نهاية.
(3)
يغتابون.
(4)
أزرق جداً كذا (د وع ص 234 - 2)، وفي (ن ط): أزرق جلداً: أي لونه شديد الزرقة.
(5)
ناحرها وذابحها، يشير صلى الله عليه وسلم إلى عذاب من نحر ناقة سيدنا صالح عليه السلام الذي طلب من قبيلة ثمود بالشام عبادة الله وحده واستغفاره، والتوبة إليه، قال تعالى:"هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعداً لثمود"(64 - 67 من سورة هود).
(6)
صعد بي إلى السموات وارتفع بي إلى الملأ الأعلى.
(7)
يخدشون ويقطعون.
(8)
كانوا يغتابون الناس فجعل الله تعالى عقابهم من جنس عملهم بالتسلط على نهش أجسامهم وتقطع أطرافها كما كانوا ينهشون أعراض الناس ويذمون البراء.
عُرجَ بي مررتُ برجالٍ تُقْرَضُ (1) جلودهم بمقاريضَ من نارٍ، فقلتُ: من هؤلاء يا جبريلُ. قال: الذين يتزينون للزنية (2). قال: ثم مررت بُجِبٍّ (3) مُنتنِ الريحِ، فسمعتُ فيه أصواتاً شديدةً، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: نساء كُنَّ يتزينَّ للزنية (4)، ويفعلن ما لا يحلُّ لهنَّ، ثم مررت على نساءٍ ورجالٍ مُعلقين بِثُديِّهِنَّ، فقلتُ من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء اللمازون (5)
والهمازون، وذلك قول الله عز وجل:(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) " رواه البيهقي من رواية بقية عن سعيد بن سنان، وقال: هذا مرسل، وقد رويناه موصولاً، ثم روي عن ابن جريج قال: الهمز بالعين والشدق واليد، واللمز باللسان. قال: وبلغني عن الليث أنه قال: اللمزة الذي يعيبك في وجهك، والهمزة: الذي يعيبك بالغيب.
23 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعتْ ريحٌ مُنتنةٌ (6)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون (7) ما هذه الريحُ؟ هذه ريحُ الذين يغتابون المؤمنين (8) " رواه أحمد وابن أبي الدنيا، ورواة أحمد ثقات.
24 -
ورويَ عن جابر بن عبد الله، وأبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغيبةُ أشد من الزنا. قيل: وكيف؟ قال: الرجلُ يزني، ثم يتوب، فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبةِ لا يُغفر له (9) حتى يغفرَ له صاحبُهُ (10) " رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الغيبة والطبراني في الأوسط والبيهقي، ورواه
(1) تقطع.
(2)
كجلسة بكسر الجيم: الذين يقيمون الشراك للوقوع في الفاحشة القبيحة ويمثلون فعلتها.
(3)
بئر أو وعاء قذر كريه الرائحة شديدها.
(4)
اللاتي يظهرن التبرج ويتعطرن ويتحلين لصيد الرجال في شرك الغواية تبين هيئة القدوم على الرذيلة.
(5)
هؤلاء اللمازون كذا (ط وع ص 235 - 2)، وفي (ن د): حذف هؤلاء.
(6)
مرت رائحة قذرة.
(7)
أتعلمون.
(8)
يذكرونهم بسوء.
(9)
لا تمحى سيئاته.
(10)
حتى يعفو. الله أكبر، الوقوع في فاحشة الغيبة أشد جرماً عند الله سبحانه من الوقوع في الزنا، =
البيهقي أيضاً عن رجل لم يسمّ عن أنس، ورواه عن سفيان بن عيينة غير مرفوع، وهو الأشبه، والله أعلم.
25 -
وعن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال: "بَيْنَا أنا أُمَاشِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو آخذٌ بيدي، ورجلٌ على يساره، فإذا نحن بقبرين أمامنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهما لَيُعَذَّبَانِ وما يُعذبان في كبيرٍ (1) وَبَلى (2)، فأيكم يأتيني بجريدةٍ، فاستبقنا فسبقتهُ، فأتيتهُ بجريدةٍ، فكسرها نصفين، فألقى على ذا القبر قطعةً، وعلى ذا القبر قطعةً. قال: إنه يُهَوَّنُ عليهما ما كانتا رَطبتين (3)، وما يُعذَّبان إلا في الغيبة والبول" رواه أحمد وغيره بإسناد رواته ثقات.
26 -
وعن يعلى بن سيابة رضي الله عنه: "أنه عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأتى على قبرٍ يُعَذَّبُ صاحبهُ، فقال: إن هذا كان يأكلُ لحوم الناس (4)، ثم دعا
= لأن حق المسلم مبني على رضاه وهو شحيح، وحق الله مبني على المسامحة والكرم، لأنه زنى في امرأة ليست زوجة لأخيه المسلم، وكانت حرة طليقة ليست ملكاً لآخر، وأما إذا زنى بزوجة فهناك حقان:
(أ) حق الله تعالى الذي حرم الفواحش.
(ب) وحق الزوج الذي صان هذه المرأة وأكرمها ورعاها وعقد عليها النكاح فصارت درة مصونة مكنونة.
(1)
نقل الأبى عن المازري: أي شاق تركه، لأن المنهي عنه منه: ما يشق تركه كالمستلذات، ومنه ما ينفر الطبع كالمسمومات ومنه ما لا يشق تركه كهذا. قال عياض: وقيل المعنى في كبير عندكم، وهو عند الله كبير: أي أن هذا العمل كان يعدانه صغيراً لا يأبهان به في حياتهما معتقدين أن الله يسمح ويصفح ويعفو، ولكن الله تعالى جعل من شروط صحة الصلاة الطهارة والنقاء من النجاسة.
(2)
بلى في (ط وع ص 235 - 2)، أي نعم إنه كبير يعاقب الله عليه، وقد عاقبهما سبحانه في القبر بعد موتهما، وفي (ن د): وبكى.
(3)
أي ما لم تيبسا: أي مدة وجود خضرتهما. قال الأبي: وأخذت منه تلاوة القرآن على القبر، لأنه إذا رجى التخفيف بتسبيح الشجر فالقرآن أولى. وأوصى بريدة السلمي أن يجعل على قبره جريدتان فلعله أوصى تيمناً بهذا الحديث وفعله صلى الله عليه وسلم ولتسمية الله تعالى لها شجرة طيبة وتشبيهها بالمؤمن. قال والأظهر أنه من سر الغيب الذي أطلعه الله عليه. أهـ شنقيطي في زاد مسلم.
وهذا الحديث يشدد النكير ويعلن الحرب على كل من يتساهل في تمام الاستبراء، ووجه كونه كبيرة تساهله في النقاء والتطهير، قال تعالى:"وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر"(4 - 7 من سورة المدثر). أي تباعد من النجاسات ما أمكن الاحتراز منه، فإن التطهير واجب في الصلوات محبوب في غيرها، والرجز القبائح والمعاصي والشرك بالله، ولا تعط مستكثراً واصبر على مشاق التكاليف.
(4)
يغتاب في حياته.
بجريدةٍ رطبةٍ، فوضعها على قبرهِ، وقال: لعله أن يُخفف عنه مادامت هذه رطبةً" رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد ثقات إلا عاصم بن بهدلة.
27 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيع الغرقدِ، فوقف على قبرين ثَرِيَّيْنِ (1) فقال: أدفنتم فلاناً وفلانةً، أو قال: فلاناً وفلاناً؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: قد أُقْعِدَ فلانٌ الآن، فَضُربَ (2)، ثم قال: والذي نفسي بيده لقد ضُرب ضربةً ما بقي منه عضوٌ إلا انقطعَ، ولقد تطاير (3) قبرهُ ناراً، ولقد صرخَ (4) صرخةً سمعها الخلائقُ إلا الثقلين: الإنس والجنَّ، ولولا تَمْرِيِجُ قلوبكم (5) وتزَيُّدُكم في الحديثٍ لسمعتم ما أسمعُ (6)، ثم قالوا: يا رسول الله وما ذنبهما؟ قال: أما فلانٌ، فإنه كان لا يستبرئ (7) من البول، وأما فلانٌ أو فلانةٌ فإنه كان يأكل لحوم الناس (8) " رواه ابن جرير الطبري من طريق علي بن يزيد عن القاسم عنه، ورواه من هذه الطريق أحمد بغير هذا اللفظ، وزاد فيه:"قالوا: يا نبي الله، حتى متى (9) هما يُعذبان؟ قال: غيبٌ لا يعلمهُ إلا الله" وتقدم لفظه في النميمة.
(1) غنيين، يقال ثري القوم يثرون وأثروا: إذا كثروا وكثرت أموالهم.
(2)
فضرب كذا (ط وع ص 236 - 2)، وفي (ن د): فيضرب، والمعنى يرمى بمطرقة من نار.
(3)
تناثر منه شرر ولهب.
(4)
ارتفع صوته.
(5)
ولولا تمريج قلوبكم كذا (ط وع)، وفي (ن د): تمزع، ومعنى تمريج: ساد وخلط، وفيه كيف أنتم إذا مرج الدين: أي فسد وقلقت أسبابه، ومرجت عهودهم: أي اختلطت. أهـ نهاية، وتمزع: تقطع.
(6)
لقد أعطى الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم قوة السمع خاصة به ليدرك ما لم يدركه الإنس والجن فسمع صوت عذابهما ونوعه.
(7)
لا يتطهر، وفي المصباح استبرأ من البول، الأصل استبرأ ذكره من بقية بوله بالنثر والتحريك حتى يعلم أنه لم يبق فيه شيء، واستبرأت من البول: تنزهت عنه. أهـ.
(8)
قد جعل الله من يتعاطى الغيبة ويذكر إنساناً بما يكره، ولو كان فيه سواء أكان في بدنه كالقصر والحول والسواد أم في نسبه كابن حجام وابن مزين وابن كذا مثلاً أم في خلقه كالشره والطمع أم في دينه كالتهاون بالصلاة أو يشير بالرأس استهزاء أو بأي عضو تحقيراً كمن يأكل لحم أخيه الميت، ولاشك أن أكل لحم الإنسان أمر تعافه النفوس السليمة وتأباه الطباع الكريمة فضلاً عن كونه ميتاً، وكونه لحم أخ، ولذا قال تعالى:"فكرهتموه" من سورة الحجرات. أي فكرهتم أكل لحم الأخ الميت، وإذا كان ذلك كذلك فوجب عليكم أن تكرهوا الغيبة المشابهة له.
(9)
إلى أي زمن ينقطع العذاب.
[قال الحافظ]: وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة مشهورة في الصحاح، وغيرها عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وفي أكثرها أنهما يعذبان في النميمة والبول، والظاهر أنه اتفق مروره صلى الله عليه وسلم مرة بقبرين يعذب أحدهما في النميمة، والآخر في البول، ومرة أخرى بقبرين يعذب أحدهما في الغيبة، والآخر في البول، والله أعلم.
28 -
وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الغيبةُ والنميمةُ يَحُتَّانِ (1) الإيمان كما يَعْضِدُ الراعي (2) الشجرة" رواه الأصبهاني.
29 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم (3) له، ولا متاع (4)، فقال: المفلس (5) من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفكَ دم هذا (6)، وضرب هذا، فَيُعْطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته (7) قَبْلَ أن يَقْضِيَ (8) ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فَطُرِحَتْ عليه، ثم طُرحَ في النار" رواه مسلم والترمذي وغيرهما.
(1) أي ذكر الإنسان بما يكره والسعي بالفساد يزيلان الإيمان فتتساقط أوراق شجره المورقة، يقال حت الرجل الورق وغيره حتاً: أزاله من باب قتل.
(2)
يقطع البستاني، يقال عضدت الشجر أعضده عضداً من باب ضرب.
(3)
لا نقود.
(4)
لا ضيعة ولا أثاث.
(5)
الفقير المجرد من ملك شيء الذي يكثر العبادة في حياته، ولكن أرخى العنان للسانه فأرغى وأزبد، وكان التهم وردح وذم واغتاب وشتم فأحصى الله سيئاته حتى جاء يوم الحساب فاقتص منه وأخذت حسناته كلها جزاء سبه، قال تعالى:"ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"(18 - من سورة ق).
(6)
دم هذا كذا (د وع ص 236 - 2)، وفي (ن ط): دم ذاك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(7)
انتهت.
(8)
قيل أن يؤدي ما عليه من عقاب السب والغيبة فيتحمل أوزار من اغتابهم ويرمى في النار من جراء لسانه، ولسعيد المغربي لابنه:
وامش الهوينى مظهراً عفة
…
وابغ رضا الأعين عن هيئتك
وانطق بحيث العي مستقبح
…
واصمت بحيث الخير في سكتتك
ولج على رزقك من بابه
…
واقصد له ما عشت في بكرتك
ووف كلاً حقه ولتكن
…
تكسر عند الفخر من حدتك
ولتجعل العقل محكماً وخذ
…
كلاً بما يظهر في نقدتك =
30 -
وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل لَيُؤتى كتابهُ منشوراً (1) فيقول: يا رب فأين حسناتُ (2) كذا وكذا عملتُها ليست في صحيفتي؟ فيقول: مُحِيتْ باغتيابك الناس (3) " رواه الأصبهاني.
31 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما الغيبةُ؟ قالوا: الله ورسولهُ أعلمُ. قال: ذكرك أخاك بما يكرهُ. قيل: أرأيتَ إن كان في أخي ما أقولُ؟ قال: إن كان فيه ما تقولُ فقد اغتبتهُ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّهُ (4) " رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة، وعن جماعة من الصحابة اكتفينا بهذا عن سائرها لضرورة البيان.
32 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ذكر امرأ بشيءٍ ليس فيه لِيَعِيبهُ (5) به حَبَسَهُ الله في نار جهنم حتى يأتي بنفادِ ما قال فيه (6) " رواه الطبراني بإسناد جيد.
33 -
وفي رواية له: أيما رجلٍ أشاع (7) على رجلٍ مُسلمٍ بكلمةٍ وهو منها برئ (8) يَشِينُهُ بها (9) في الدنيا كان حقاً على الله أن يُذِيبَهُ (10) يوم القيامة في النار حتى يأتيَ بنفادِ ما قال".
= ولا تضيع زمنا ممكناً
…
تذكاره يذكى لظى حسرتك
والشر مهما استطعت لا تأته
…
فأنه حور على مهجتك
(1)
ظاهرة صفحاته متقدمة أمامه يراها.
(2)
غير مقيدة.
(3)
زالت بكثرة ذكر الناس بسوء.
(4)
ادعيت عليه ظلماً، وفي المصباح قذفته بالباطل وافتريت عليه بالكذب، والاسم البهتان، وفي الغريب "ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن" من سورة الممتحنة. قيل بل ذلك لكل فعل شنيع يتعاطينه باليد والرجل من تناول ما لا يجوز والمشي إلى ما يقبح (فبهت الذي كفر) أي دهش وتحير، وقد بهته، قال عز وجل: هذا بهتان عظيم: أي كذب يبهت سامعه لفظاعته. أهـ.
(5)
لينقصه.
(6)
يستمر عذابه حتى يحقق قوله الذي صدر منه كذباً وزوراً.
(7)
أظهر وأباح القول.
(8)
بعيد عن وصفها.
(9)
يذمه ويعيبه وينقصه.
(10)
يصهره حتى يسيل حتى يتحقق قوله، ولن يحصل، قال الله تعالى: "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة =
34 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنه الله رَدْغَةَ الخَبَالِ (1) حتى يخرجَ مما قال" رواه أبو داود في حديث، والطبراني، وزاد: وليس بخارجٍ، والحاكم بنحوه، وقال: صحيح الإسناد.
[ردغة الخبال]: هي عصارة أهل النار كذا جاء مفسراً مرفوعاً، وهو بفتح الراء وإسكان الدال المهملة، وبالغين المعجمة.
[والخبال] بفتح الخاء المعجمة وبالموحدة.
35 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمسٌ ليس لَهُنَّ كفارةٌ (2) الشركُ بالله (3) وقتلُ النفسِ بغير حقٍ (4) وَبَهْتُ مُؤمنٍ (5) والفرارُ من الزحفِ (6) ويمينٌ صابرةٌ (7) يقتطعُ بها مالاً بغير حقٍ" رواه أحمد من طريق بقية، وهو قطعة من حديث.
36 -
وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
= في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم" (19 - 21 من سورة النور).
(1)
عقاب الذي يتكلم في أعراض الناس أن يسقى عصارة النار الآتية من انصهار أجسام الفجار، وفي النهاية والخبال في الأصل الفساد، ويكون في الأفعال والأبدان والعقول، وبين يدي الساعة الخبل: أي الفتن المفسدة.
(2)
أي لا يمكن للإنسان أن يخفف عقابها بدفع شيء من ماله أو تحليلها أو فرار من عقابها الأليم.
(3)
أن يجعل الإنسان لله تعالى الواحد القهار شريكاً في أفعاله أو صفاته أو في ذاته.
(4)
إزهاق نفس بريئة لم تفعل جناية تستحق الإعدام.
(5)
تكذيب الموحد بالله تعالى والمصدق بوجوده المتحلي بحلل الإيمان والمقيم دعائم الإسلام والافتراء عليه بالأقوال الملفقة المطلية بطلاء الهزء والسخرية والنفاق والازدراء.
(6)
الهروب من صفوف المجاهدين في سبيل الله تعالى والجبن عند ملاقاة الأعداء والتنصل من الدفاع والالتجاء إلى الاختفاء وقت الهجوم والكفاح.
(7)
القسم بالله تعالى أو بصفاته باطلاً لضياع حق، وفي النهاية "من حلف على يمين صبر": أي ألزم بها وحبس عليها، وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم، وقيل لها مصبورة، وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها: أي حبس فوصفت بالصبر وأضيفت إليه مجازاً. أهـ. قال تعالى: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم"(224 من سورة البقرة).
"مَنْ ذَبَّ (1) عن عِرْضِ أخيه بالغيبةِ كان حقاً على الله أن يُعتقهُ من النار" رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا والطبراني وغيرهم.
من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة
37 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رَدَّ (2)
عن عِرْضِ أخيه رَدَّ الله عن وجههِ (3) النار يوم القيامة" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ، ولفظه قال: "من ذَبَّ عن عِرْضِ أخيه رَدَّ الله عنه عذابَ النار يوم القيامة، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وَكانَ حَقاً عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنينَ) ".
38 -
وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حَمَى (4) مؤمناً من مُنافقٍ (5) أراهُ قال: بعث الله (6) مَلَكاً يَحْمِي لحمهُ يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مُسلماً يريدُ به شَيْنَهُ (7) حَبَسَهُ (8) الله على جسرِ جهنم حتى يخرج مما قال" رواه أبو داود وابن أبي الدنيا.
[قال الحافظ]: وسهل بن معاذ يأتي الكلام عليه، وقد أخرج هذا الحديث ابن يونس في تاريخ مصر من رواية عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب بإسناد مصري كما أخرجه أبو داود، وقال ابن يونس: ليس هذا الحديث فيما أعلم بمصر، ومراده أنه إنما وقع له من حديث الغرباء، والله أعلم.
(1) دفع كلام السوء عن أخيه المسلم أبعده الله من جهنم، ففيه الحث على عدم سماع الغيبة والدفاع عن الغائب بالكلام الحسن الطيب ليكافئه الله بنعيم الجنة في الآخرة ويقيه عذاب النار، قال تعالى:"ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز"(40 من سورة الحج).
(2)
نهر القائل وردعه وزجره وأسكته عن باطله.
(3)
صد ومنع ووقاه عذاب جهنم جزاء دفاعه عن أخيه ابتغاء وجه الله الكريم.
(أ) قال تعالى: "إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور"(37 من سورة الحج).
(ب) وقال تعالى: "وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين"(171 من سورة آل عمران).
(جـ) وقال تعالى: "ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين"(145 من سورة آل عمران).
(4)
حفظه وسلم سيرته من لسانه البذيء.
(5)
كذاب مخادع مذبذب، أراه أي أظنه.
(6)
أرسل.
(7)
عيبه ونقصه وفضيحته.
(8)
سجنه.
من نصر أخاه المسلم بالغيب نصره الله في الدنيا والآخرة
39 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حمى عِرْضَ أخيهِ في الدنيا بعث الله عز وجل ملكاً يوم القيامة يحميهِ عن النار" رواه ابن أبي الدنيا عن شيخ من أهل البصرة لم يسمه عنه، وأظن هذا الشيخ أبان بن أبي عياش وهو متروك كذا جاء مسمى في رواية غيره.
40 -
ورويَ عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغْتِيبَ عنده أخوه المسلم فلم ينصرهُ، وهو يستطيعُ نصرهُ أدركهُ إثمه (1) في الدنيا والآخرة" رواه أبو الشيخ في كتاب التوبيخ، والأصبهاني أطول منه، ولفظه قال:"من اغتيب عنده أخوه، فاستطاع نصرته، فنصرهُ نصرهُ الله في الدنيا والآخرة، وإن لم ينصره أدركهُ الله في الدنيا والآخرة".
41 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "من نصر أخاه المسلم بالغيبِ نصرهُ الله في الدنيا والآخرة" رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً.
42 -
وعن جابر بن أبي طلحةَ الأنصاري رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئٍ مسلم يخذلُ (2) امْرَأ مُسلماً في موضع تُنتهكُ فيه حُرمتهُ، وَيُنتقصُ فيه من عرْضِهِ إلا خذلهُ الله في موطنٍ (3)
يُحبُّ فيه نُصرتَهُ، وما من
(1) أصابته ذنوب الغيبة، وحوسب على سماعه وعدم إزالة هذا الباطل، ونصره: الدفاع عنه ما استطاع أو عدم المكث في مجلس الغيبة، قال تعالى:"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون"(68 - 70 من سورة الأنعام).
أمر سبحانه وتعالى أن لا نجالس الذين يطعنون في القرآن بالتكذيب والاستهزاء، وكذا مجالس الغيبة تترك كي لا يلزم المتقين قبائح أعمال الفساق المغتابين (ولكن ذكرى) أي يذكرونهم بالمنع عن الخوض رجاء اجتناب ذلك حياءً أو كراهة، قال تعالى:"أبسلوا بما كسبوا" أي سلموا إلى العذاب بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائفة، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن يشرب المغتاب درغة الخبال وعبر عنها الله جل جلاله بقوله: لهم شراب من حميم.
(2)
يهزمه ولا يدافع عن عرضه.
(3)
أي الله جل جلاله يهزمه في كل أموره التي يريد قضاءها أو يتمنى نجاحها فكأن الذب عن سيرة أخيه =
امرئٍ مسلمٍ ينصرُ مسلماً في موضعٍ يُنتقصُ فيه من عِرْضِهِ، وينتهك فيه من حرمته
= بما يكره سبب لنصر الله ومساعدته وعونه في دنياه وأخراه وسبب لإجابة الله الدعاء. والاستطالة في عرض المسلم سبب للخيبة والهزيمة والطرد من رحمة الله دنيا وأخرى، نسأل الله السلامة.
نتائج ما تجره الغيبة على صاحبها كما قال صلى الله عليه وسلم:
أولاً: يرتكب حراماً (وأربى الربا).
ثانياً: فعل أكثر عقاباً من الربا.
ثالثاً: استطعم لحم أخيه وأساغه.
رابعاً: لم ينفع صومه.
خامساً: كأنه أكل ما هو أنتن من الجيفة.
سادساً: يعذب في النار بأكل النتن القذر ذي الرائحة الكريهة (بجب منتن).
سابعاً: لا يغفر الله له حتى يعفو عنه المغتاب.
ثامناً: ينال عقاب الله في قبره (صرخ صرخة).
تاسعاً: تذهب أنوار إيمانه ويذهب إسلامه (يحتان الإيمان).
عاشراً: يقابل الله بلا حسنة ومحمل بالخطايا (المفلس).
الحادي عشر: يستمر عذابه في النار حتى يغير (يأتي بنفاد ما قال).
الثاني عشر: يذوب جسمه حتى يحقق غيبته.
الثالث عشر: يشرب شراب عرق أهل جهنم (ردغة الخبال).
الرابع عشر: لا يجد لفعله فدية: أي كفارة.
الخامس عشر: حبس على قنطرة جهنم مدة طويلة (على جسر).
السادس عشر: لا ينصره الله ولا يساعده دنيا وأخرى.
وفي الغريب: الغيبة أن يذكر الإنسان غيره بما فيه من عيب من غير احتياج إلى ذكره، قال تعالى:"ولا يغتب بعضكم بعضاً" من سورة الحجرات. وقال قتادة: ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة، وثلث من النميمة، وثلث من البول، وقال مالك بن دينار: مر عيسى عليه السلام ومعه الحواريون بجيفة كلب، فقال الحواريون ما أنتن ريح هذا الكلب! فقال عليه الصلاة والسلام ما أشد بياض أسنانه، كأنه صلى الله عليه وسلم نبههم عن غيبة الكلب، ونبههم على مدحه. وقال عمر رضي الله عنه: عليكم بذكر الله تعالى فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس، فإنه داء، نسأل الله حسن التوفيق لطاعته.
معنى الغيبة وحدودها عند الإمام الغزالي رحمه الله:
اعلم أن حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكره لو بلغه سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو في خلقه أو في فعله أو في قوله أو دينه أو في دنياه حتى في ثوبه وداره ودابته. أما البدن فكذكرك العمش والحول والقرع والقصر والطول والسواد والصفرة وجميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه كيفما كان، وأما النسب فأن تقول أبوه نبطي أو هندي أو فاسق أو خسيس أو إسكاف أو زبال أو شيء مما يكرهه كيفما كان. وأما الخلق فبأن تقول هو سيء الخلق بخيل متكبر مراء شديد الغضب جبان عاجز ضعيف القلب متهور، وما يجري مجراه، وأما في أفعاله المتعلقة بالدين فكقولك هو سارق أو كذاب أو شارب خمر أو خائن أو ظالم أو متهاون =
إلا نصرهُ الله في موطنٍ يُحبُّ فيه نُصرَتَهُ" رواه أبو داود، وابن أبي الدنيا وغيرهما، واختلف في إسناده.
= بالصلاة أو الزكاة أو لا يحسن الركوع أو السجود أو لا يحترز من النجاسات أو ليس باراً بوالديه أو لا يضع الزكاة موضعها أو لا يحسن قسمتها أو لا يحرس صومه عن الرفث والغيبة والتعرض لأعراض الناس. وأما فعله المتعلق بالدنيا فكقولك إنه قليل الأدب متهاون بالناس أو لا يرى لأحد على نفسه حقاً أو يرى لنفسه الحق على الناس أو أنه كثير الكلام كثير الأكل نئوم ينام في غير وقت النوم ويجلس في غير موضعه. وأما في ثوبه فكقولك إنه واسع الكم طويل الذيل وسخ الثياب، وقال قوم: لا غيبة في الدين، لأنه ذم ما ذمه الله تعالى فذكره بالمعاصي وذمه بها يجوز بدليل ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له امرأة، وكثرة صلاحها وصومها، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال: هي في النار. رواه ابن حبان والحاكم وقال الحسن: ذكر الغير ثلاثة: الغيبة، والبهتان، والإفك، وكل في كتاب الله عز وجل، فالغيبة أن تقول ما فيه، والبهتان أن تقول ما ليس فيه، والإفك أن تقول ما بلغك. أهـ. وقال في بيان أن الغيبة لا تقتصر على اللسان فالتعريض به كالتصريح والفعل فيه كالقول والإشارة والإيماء والغمز واللمز والكتابة والحركة، وكل ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام، وفي بيان الأسباب الباعثة على الغيبة:
1 -
أن يشفي الغيظ.
2 -
موافقة الأقران، ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم على الكلام.
3 -
أن يستشعر من إنسان أنه سيقصده ويطول لسانه عليه أو يقبح حاله عند محتشم أو يشهد عليه بشهادة.
4 -
أن ينسب إلى شيء فيريد أن يتبرأ منه فيذكر الذي فعله.
5 -
إرادة التصنع والمباهاة.
6 -
الحسد فيريد زوال نعمة من هو أحسن منه.
7 -
اللعب والهزل والمطايبة وتزجية الوقت بالضحك فيذكر عيوب غيره بما يضحك الناس على سبيل المحاكاة، ومنشؤه التكبر والعجب.
8 -
السخرية والاستهزاء استحقاراً له. أهـ ص 128 جـ 3.
الأعذار المرخصة في الغيبة:
أولاً: التظلم فللمظلوم أن يتظلم إلى السلطان وينسب القاضي إلى الظلم، تعدى في حكمه وجانب الصواب.
ثانياً: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى منهج الصلاح.
ثالثاً: الاستفتاء كما يقول للمفتي ظلمني فلان، وقد روي عن هند بنت عتبة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان رجل شحيح، فقال صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك.
رابعاً: تحذير المسلم من الشر كالنصح إلى من يذهب إلى مبتدع أو فاسق.
خامساً: أن يكون الإنسان معروفاً بلقب يعرب عن عيبه كالأعرج والأعمش فلا إثم على من يقول.
سادساً: أن يكون مجاهراً بالفسق كالمخنث وصاحب الماخور والمجاهر بشرب الخمر ومصادرة الناس بحيث لا يستنكف من أن يذكر له، ولا يكره أن يذكر به، وذكر الغزالي في بيان كفارة الغيبة: اعلم أن الواجب على المغتاب أن يندم ويتوب ويتأسف على ما فعله ليخرج به من حق الله سبحانه وتعالى، ثم يستحل المغتاب ليحله فيخرج من مظلمته. أهـ ص 133 جـ 3. =