الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترغيب من ولي شيئاً من أمور المسلمين في العدل إماماً كان أو غيره وترهيبه أن يشق على رعيته، أو يجور، أو يغشهم، أو يحتجب عنهم، أو يغلق بابه دون حوائجهم
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعةٌ يُظِلُّهُمُ الله في ظلهِ (1) يوم لا ظلِّ إلا ظلهُ: إمامٌ عادلٌ (2)، وشابٌ (3) نشأ في عبادة الله،
= (س)"ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم"(204 - 209 من سورة البقرة).
وفي البخاري في باب متى يستوجب الرجل القضاء ص 118 جـ 13:
وقال الحسن أخذ الله على الحكام أن لا يتبعوا الهوى ولا يخشوا الناس، ولا يشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ثم قرأ "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب" وقرأ:"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" استحفظوا استودعوا من كتاب الله الآية، وقرأ:"وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً" فحمد سليمان ولم يلم داود ولولا ما ذكر الله من أمر هذين لرأيت أن القضاة هلكوا فإنه أثنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده.
(ع) وقال تعالى: "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"(22 - 24 من سورة محمد).
(1)
يدخلهم في رحمته ويمنع عنهم عذاب الآخرة. قال المناوي: المراد يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين وقربت الشمس من الرءوس واشتد عليهم حرها وأخذهم العرق ولا ظل هناك لشيء إلا العرش. وقال ابن دينار: المراد بالظل هنا الكرامة والكنف والسكن من المكاره في ذلك الموقف يقال فلان في ظل فلان: أي في كنفه وحمايته، وهذا أولى الأقوال، وقيل المراد بالظل الرحمة. أ. هـ جامع صغير 313 جـ 2
(2)
قال العلقمي: قالوا هو كل من نظر في شيء من أمور المسلمين من الولاة والحكام وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه.
(3)
أي فتى ابتدأ عمره في طاعة الله مؤدياً حقوق الله نما وترعرع على حب الله منذ صغره ولم تكن له صبوة ولا يمشي في اتباع شهواته مستضيئاً بكتاب الله وسنن حبيبه.
ورجلٌ قلبهُ (1) معلقٌ بالمساجد، ورجلان تحابا في اللهِ (2) اجتمعا عليه، وتفرقا (3)
عليه، ورجلٌ دعتهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ (4) وجمالٍ (5)، فقال (6): إني أخاف الله، ورجلٌ تصدَّقَ (7) بصدقةٍ، فأخفاها (8) حتى لا تعلم شمالهُ ما تُنفقُ يمينهُ (9)، ورجلٌ ذكر الله خالياً (10) ففاضت عيناه" رواه البخاري ومسلم.
تفتح أبواب السماء لدعوة المظلوم
2 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتهم (11):
الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق
(1) أي شديد الحب للمساجد، يؤدي الصلوات في أوقاتها جماعة مع الإمام الراتب ويعتكف فيها قال النووي وليس معناه دوام القعود فيها: أي ينظفها، ينورها، يعمرها.
(2)
أي أحب كل منهما صاحبه في طلب رضا الله جل وعلا لا لغرض دنيوي بل نتعاون على البر والتقوى ونتسامر لله.
(3)
استمرا على محبتهما لله حتى فرق بينهما الموت. أ. هـ عزيزي. وقال العلقمي: حتى تفرقا من مجلسهما، قال: ومحبة الله تعالى اسم لمعان كثيرة منها أن يحرص على أداء فرائضه تعالى والتقرب إليه من نوافل الخير بما يطيقه.
(4)
أي صاحبة حسب ونسب شريف ومال، منصب كمجلس.
(5)
بهجة وزينة ونضارة ومزيد حسن إلى الزنا بها.
(6)
بلسانه أو بقلبه زاجراً لها عن الفاحشة وامتنع خشية من حسابه قال تعالى: "ولمن خاف مقام ربه جنتان"(26 من سورة الرحمن).
(7)
فعل صدقة لله وتطوع حباً في الله وأنفق لله وشيد مشروعات الخير لله.
(8)
كتمها عن الناس خشية الرياء وستر أعماله لله.
(9)
ذكره مبالغة في الإخفاء، والمعنى لو قدرت الشمال رجلاً مستيقظاً ما علم صدقة اليمين، وقيل المراد من عن يمينه وشماله من الناس، وقيل أن يتصدق على الضعيف في صورة المشترى منه فيدفع له درهماً مثلاً في شيء يساوي نصف درهم فالصورة مبايعة والحقيقة صدقة وهو اعتبار حسن. أ. هـ عزيز 314 جـ 2
(10)
بلسانه أو بقلبه خالياً من الناس أو من الالتفات لما سواه: أي أكثر البكاء من خشية الله جل وعلا عند ذكره سبحانه، وقد نظم السبعة المذكورة أبو شامة في قوله:
وقال النبي المصطفى إن سبعة
…
يظلهم الله العظيم بظله
محب عفيف ناشئ متصدق
…
وباك مصل والإمام بعدله
(11)
أرأيت أبدع من هذا؟ نفوس أخلصت لربها جل وعلا، ذلك الذي يتولى مصالح الناس فيتقي الله ويعدل ويخاف حسابه جل وعلا على الصغيرة والكبيرة
(أ)"يوم ينظر المرء ما قدمت يداه".
(ب)"يوم تبلى السرائر".
(جـ)"يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً ذلك حشر علينا يسير".
الغمام (1)، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الربُّ: وعزتي لأنصرنك (2)، ولو بعد حينٍ" رواه أحمد في حديث، وحسنه ابن ماجة، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما.
ثانياً: غضن نضير، نما على طهارة وزهرة يانعة صانها الله عن القبائح، وإنسان عكف على طاعة الله من صغره.
ثالثاً: محب بيت الله ومعمره بالذكر والتسبيح والعمران والإنفاق على تجديده.
رابعاً: أخوان متصاحبان في الله عاقدان العزيمة على ذكر الله وحبه.
خامساً: غادة حسناء هيفاء حوت بدائع الحسن فراودت رجلاً عن نفسه فأبى خوفاً من الله.
سادساً: الممتلئ قلبه إيماناً بالله وثقة به فبينا هو في خلوة فتذكر أعماله ويوم الموقف وشدائده ونعم الله عليه فبكى لتقصيره في الصالحات:
(أ) قال تعالى: "من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون"(15 من سورة الجاثية).
(ب) وقال تعالى: "ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذاباً أليماً لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً"(17 - 18 من سورة الفتح).
(جـ) وقال تعالى: "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً"(29 من سورة الفتح).
وقال في الجامع الصغير: وذكر السبع لا مفهوم له، فقد روي الإظلال لذوي خصال أخر وتتبعها بعضهم فبلغت سبعين: فمنها من أنظر معسراً أو وضع عنه، ومن أعان مجاهداً في سبيل الله أو غارماً في عسرته أو مكاتباً في رقبته، ورجل كان مع سرية قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم حتى نجوا ونجا أو استشهد، ومنها الوضوء على المكاره، والمشي إلى المساجد في الظلم، وإطعام الجائع حتى يشبع، ومن أعان أخرق والتاجر الصدوق، وحسن الخلق ولو مع الكافر، ومن كفل يتيماً أو أرملة، والذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوا بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم، والحزين، ولفظ حديثه:"صل على الجنائز لعل ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله والناصح للوالي في نفسه وفي عباد الله" ومن لم يكن على المؤمنين غليظاً وكان بهم رءوفاً رحيماً، ومن يعزي الثكلى، وواصل رحمه، وامرأة مات زوجها وترك عليها أيتاماً صغاراً فقالت لا أتزوج أقيم على أيتامي حتى يموتوا أو يغنيهم الله، وعبد صنع طعاماً فأضاف ضيفه فأحسن ضيافته فدعا اليتيم والمسكين لوجه الله، ورجل حيث توجه علم أن الله معه، ورجل يحب الناس لجلال الله تعالى، ورجل لم تأخذه في الله لومة لائم، ورجل لم يمد يده إلى ما لا يحل له، ورجل لم ينظر إلى ما حرم الله عليه، والذين لا يبتغون في أموالهم الربا ولا يأخذون على أحكامهم الرشا، ومن فرج عن مكروب من أمته صلى الله عليه وسلم، ومن أحيا سنته، ومن أكثر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وذراري المسلمين، والذين يعودون المرضى ويسقون الهلكى، والصائمون، ومحبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومحبة شيعته ومن قرأ إذا صلى الغداة ثلاث آيات من سورة الأنعام إلى ويعلم ما تكسبون ومن ذكر الله تعالى بلسانه وقلبه، والذين يستغفرون بالأسحار ومن لا يحسد الناس، ومن بر والديه، ومن لم يمش بالنميمة، ومن قتل في سبيل الله، والمعلم لكتاب الله، ورجل أم قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة، وعبد أدى حق الله وحق مواليه والقاضي لحوائج الناس، والمهاجرون، وشخص لم يمش بين اثنين بمراء قط، ومن لم يحدث نفسه بزنا قط، وحملة القرآن، وأهل الورع. أ. هـ ص 35 جـ 2
(1)
كناية عن قبولها "قد جعل الله لكل شيء قدرا".
(2)
أبشر فلك إجابة طلبك ولو بعد مدة. قال تعالى: "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين"(47 من سورة الروم).
عدل ساعة أفضل من عبادة ستين سنة
3 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المُقْسِطِينَ (1) عند الله على منابرَ (2) من نورٍ عن يمينِ الرحمن، وكلتا يديه يمينٌ. الذين يعدلون في حُكمهم، وأهلهم، وما وَلُوا (3) " رواه مسلم والنسائي.
4 -
وعن عياض بن حمارٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أهل الجنة ثلاثةٌ: ذو سلطانٍ مُقْسطٌ مُوَفقٌ، ورجلٌ رَحِيمٌ رقيق القلب لكل ذي قُربى مسلمٍ، وعفيفٌ متعففٌ ذو عيالٍ" رواه مسلم.
[المقسط]: العادل.
5 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يومٌ من إمامٍ عادلٍ أفضلُ من عبادة ستين سنةً، وحدٌّ يُقامُ في الأرض بحقه أزكى فيها من مَطَرٍ أربعين صباحاً" رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وإسناد الكبير حسن.
6 -
ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة عَدْلُ ساعةٍ أفضل من عبادة ستين سنةً: قيامٌ ليلها وصيامٌ نهارها، ويا أبا هريرة: جَوْرُ ساعةٍ في حُكْمٍ أشد وأعظمُ عند الله عز وجل من معاصي ستين سنةً" وفي رواية: "عدل يوم واحد أفضل من عبادة ستين سنة" رواه الأصبهاني.
7 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبُّ الناسِ إلى الله يوم القيامة، وأدناهم (4) منه مجلساً: إمامٌ عادلٌ، وأبغض الناس إلى الله تعالى، وأبعدهم منه مجلساً: إمامٌ جائرٌ" رواه الترمذي والطبراني في الأوسط مختصراً، إلا أنه قال:"أشد الناس عذاباً يوم القيامة إمامٌ جائرٌ (5) "، وقال الترمذي حديث حسن غريب.
(1) العادلين.
(2)
درجات عالية.
(3)
وما تتبعهم.
(4)
أقربهم.
(5)
ظالم يغضب ويأكل أموال الناس ويجور في حكمه.
أفضل الناس عند الله منزلة يوم القيامة إمام عادل رفيق
8 -
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الناس عند الله منزلةً يوم القيامة إمامٌ عادلٌ رفيقٌ (1)، وشرُّ عباد الله عند الله منزلةً يوم القيامة إمامٌ جائرٌ خَرِقٌ (2) " رواه الطبراني في الأوسط من رواية ابن لهيعة وحديثه حسن في المتابعات.
9 -
ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُجاء بالإمام الجائرِ يوم القيامة فتخُاصمهُ الرعيةُ فيفلجوا عليه، فيقال له: سُدَّ (3) رُكناً من أركان جهنم" رواه البزار، وهذا الحديث مما أنكر على أغلب بن تميم.
[فيفلجوا عليه] بالجيم: أي يظهروا عليه بالحجة والبرهان، ويقهروه حال المخاصمة.
10 -
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أشد أهل النار عذاباً يوم القيامة من قتل نبياً، أو قتله (4)
نبيٌ، وإمامٌ جائرٌ" رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا ليث بن أبي سليم، وفي الصحيح بعضه، ورواه البزار بإسناد جيد إلا أنه قال: وإمامُ ضلالةٍ.
11 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعةٌ يُبغضهم (5) الله: البياعُ الحلَاّفُ (6)، والفتى المختالُ (7)، والشيخُ الزاني (8)، والإمام الجائر" رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه، وهو في مسلم بنحوه إلا أنه قال:"وملكٌ كذابٌ، وعائلٌ مُستكبرٌ".
12 -
وعن طلحة بن عُبيد الله رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم
(1) شفيق رحيم. قال تعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" فالرحمة من صفات المؤمنين.
(2)
أحمق غر جاهل سفيه.
(3)
أي يرمى به في النار ليملأ فراغاً كبيراً فيها، قال تعالى:"إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم"(42 من سورة الشورى). أي يبتدئونهم بالإضرار، ويطلبون ما لا يستحقون تجبراً عليهم (عذاب) على ظلمهم وبغيهم.
(4)
دفاعاً عن نفسه عليه الصلاة والسلام.
(5)
يكرههم سبحانه ولا يرحمهم.
(6)
الذي يبيع ويقسم بالله كثيراً.
(7)
الشاب المتكبر الجبار.
(8)
الهرم العاصي وكبير السن الذي يفعل الفاحشة مع ضعفه البشري والمعنى عقاب هؤلاء أشد من غيرهم مع ضياع هذه الحدة فيهم.
يقول: ألا أيها الناسُ لا يقبلُ الله صلاةَ إمامٍ جائرٍ" رواه الحاكم من رواية عبد الله بن محمد العدوي وقال: صحيح الإسناد.
[قال الحافظ]: وعبد الله هذا واهٍ متهم، وهذا الحديث مما أنكر عليه.
13 -
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يقبلُ الله لهم شهادة أن لا إله إلا اللهُ، فذكر منهم الإمام الجائر" رواه الطبراني في الأوسط.
14 -
ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السلطانُ ظِلُّ الله في الأرض يأوي (1) إليه كُلُّ مظلومٍ من عباده، فإن عَدَلَ كان لهُ الأجرُ، وكان - يعني - على الرعية الشُّكُرُ، وإن جار، أو حَافَ، أو ظَلَمَ كان عليه الوزرُ (2)، وعلى الرعية الصبرُ، وإذا جارت الولاةُ (3) قُحطتْ (4) السماء، وإذا مُنعتِ (5) الزكاة هلكت المواشي (6)،
وإذا ظهر الزنا ظهرَ (7) الفقرُ، والمسكنةُ (8)، وإذا أُخْفِرَتِ الذمة (9) أُدِيلَ (10) الكفار أو كلمةً نحوها" رواه ابن ماجة.
وتقدم لفظه، والبزار واللفظ له، والبيهقي، ولفظه عن ابن عمر قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمسٌ، وأعوذ بالله أن تكون فيكم، أو تُدركوهنَّ: ما ظهرت الفاحشةُ (11) في قومٍ قطُّ يُعْمَلُ بها فيهم علانيةً إلا ظهر فيها الطاعون (12) والأوجاعُ التي لم تكن في أسلافهم (13)، وما منع قومٌ الزكاة
(1) يلجأ.
(2)
الذنب.
(3)
ظلم الحكام.
(4)
لم تنزل الأمطار.
(5)
لم يؤدوا الحقوق الواجبة.
(6)
الدواب.
(7)
عم الفقر واشتدت الأزمة.
(8)
الذل والضعة.
(9)
ضاعت الأمانة وانتقض العهد وفشا الغدر.
(10)
جعل للكفار سلطة وقويت دولتهم، وزادت شوكتهم، إنذارات للمسلمين تساق أدلة الخراب.
(أ) جفاف مياه الأنهار وقلة الأمطار من ظلم أولياء الأمور.
(ب) نفق الحيوان وانتزاع البركة من الشح وعدم إخراج الزكاة.
(جـ) غلو الذهب وقلة الأموال وانقطاع المعاملة وعدم الثقة وقلة الخير من ارتكاب الفاحشة.
(د) الخيانة وقلة الأدب وعدم الوفاء ينزع الحكم من المسلمين ويوصله إلى الكفار فتكون لهم الدولة والصولة والكلمة النافذة والحكم المطلق عليهم، لماذا؟ لأنهم لم يعملوا بكتاب الله وسنة نبيه كما قال تعالى:"ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً"(141 من سورة النساء) فإذا خربت ذممهم تحكم فيهم غيرهم.
(11)
الزنا.
(12)
الوباء.
(13)
الأمم السابقة.
إلا مُنِعُوا القَطْرَ (1) من السماء، ولولا البهائم لم يُمْطَرُوا، وما بَخَسَ (2) قومٌ المكيال والميزان إلا أُخِذُوا بالسنين (3)،
وشدة المؤنة، وَجَوْرِ السلطان، ولا حَكَمَ أُمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم؛ وما عَطَّلُوا كتاب الله، وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم" رواه الحاكم بنحوه من حديث بريدة، وقال: صحيح على شرط مسلم.
15 -
وعن بُكَيْر بن وهبٍ رضي الله عنه قال: "قال لي أنسٌ: أحدثك حديثاً ما أحدثه كل أحدٍ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قام على باب البيتِ ونحن فيه، فقال الأئمة من قريشٍ، إن لي عليكم حقاً، ولهم عليكم حقاً مثل ذلك ما إن اسْتُرْحِمُوا (4) رَحِمُوا، وإن عاهدوا (5) وَفَّوْا، وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله (6) والملائكة والناس أجمعين" رواه أحمد بإسناد جيد واللفظ له، وأبو يعلى والطبراني.
(1) المطر.
(2)
أنقص.
(3)
القحط وشدة الأزمة وغلاء الأسعار وقلة الحاصلات وفتك الدودة بالزرع وكثرة الآفات الثقيلة وانتزاع البركة، فهل آن أوان الاتعاظ والتوبة إلى الله تعالى رجاء أن يمنع الله عنا الأمراض ويبارك في ماء الأنهار ويوفق سبحانه الحكام للعدل في الأحكام ويضعف شوكة الأعداء وينصر المسلمين عليهم.
(4)
طلبت منهم الرحمة والرأفة.
(5)
أعطوا عهداً "صدقوا ما عاهدوا الله عليه".
(6)
إبعادهم من رحمته، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر أن الولاة والحكام من هذه القبيلة العظيمة على شريطة:
(أ) الرحمة.
(ب) الوفاء.
(جـ) العدل.
وفي البخاري في باب (الأمراء من قريش) قوله صلى الله عليه وسلم "إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين".
قال في الفتح: أي لا ينازعهم أحد في الأمر إلا كان مقهوراً في الدنيا معذباً في الآخرة مدة إقامتهم أمور الدين، فإذا لم يقيموه لا يسمع لهم، وقيل يحتمل أن لا يقام عليهم وإن كان لا يجوز إبقاؤهم على ذلك ذكرهما ابن التين ثم قال وقد أجمعوا أنه أي الخليفة إذا دعا إلى كفر أو بدعة أنه يقام عليه، واختلفوا إذا غصب الأموال وسفك الدماء وانتهك الحرمات هل يقام عليه أو لا. أ. هـ، ثم قال: وقد جاء وعيدهم باللعن إذا لم يحافظوا على المأمور به وبأن يسلط عليهم من يبالغ في أذيتهم. أ. هـ ص 93 جـ 13
قال تعالى: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، قال في الفتح: أطيعوا الله فيما نص عليكم في القرآن وأطيعوا الرسول فيما بين لكم من القرآن وما ينصه عليكم من السنة، أو المعنى أطيعوا الله فيما يأمركم به من الوحي المتعبد بتلاوته وأطيعوا الرسول فيما يأمركم به من الوحي الذي ليس بقرآن، ومن بديع الجواب قول بعض التابعين الأمراء من بني أمية لما قال له: أليس الله أمركم =
16 -
وعن سَيَّارِ بن سلامة أبي المنهال رضي الله عنه قال: "دخلت مع أبي على أبي بَرْزَةَ، وإن في أذني لقرطين وأنا غلامٌ قال: قال صلى الله عليه وسلم: الأمراء مِنْ قريش ثلاثاً ما فعلوا ثلاثاً: ما حكموا فعدلوا، واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فَوَفَّوْا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين" رواه أحمد، ورواته ثقات والبزار وأبو يعلى بنصه.
17 -
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على باب بيتٍ في نفرٌ (1) من قريش، وأخذ بِعُضَادتي (2) الباب، فقال: هل في البيت إلا قرشيٌ؟ قال: فقيل يا رسول الله: غير فلان ابن أختنا، فقال: ابن أخت القوم منهم ثم قال: إن هذا الأمر في قريشٍ (3) ما إذا استرحموا رَحِمُوا، وإذا حكموا عَدَلُوا، وإذا قَسَمُوا أقْسَطُوا (4)، فمن لم يفعل ذلك منهم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يُقبلُ منه صَرْفٌ (5) ولا عدلٌ" رواه أحمد ورواته ثقات، والبزار والطبراني.
18 -
وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقَدَّسُ (6) أمةٌ لا يُقْضَى (7) فيها بالحق، ولا يأخذُ الضعيفُ حقهُ من القوي غير متعتعٍ (8) " رواه الطبراني، ورواته ثقات، ورواه البزار بنحوه من حديث عائشة مختصراً والطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد جيد، ورواه ابن ماجة مطولاً من حديث أبي سعيد.
19 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
= أن تطيعونا في قوله: "وأولي الأمر منكم" فقال له ليس قد نزعت عنكم يعني الطاعة إذا خالفتم الحق بقوله جل شأنه "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر"(59 من سورة النساء).
قال الطيبي: أعاد الفعل في قوله "وأطيعوا الرسول" إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته ثم بين ذلك بقوله "فإن تنازعتم في شيء" كأنه قيل: فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله. أ. هـ ص 91 جـ 3.
(1)
جماعة من الرجال من ثلاثة إلى سبعة أو إلى ثلاث عشرة.
(2)
العضادة: جانب العتبة من الباب.
(3)
مدة رحمتهم بخلق الله وعدلهم.
(4)
أنصفوا.
(5)
نفل ولا فرض.
(6)
لا تحترم ولا تكرم.
(7)
لا يحكم.
(8)
بفتح التاء: أي من غير أن يصيبه أذى يقلقله ويزعجه، يقال تعتعه فتتعتع، وغير منصوب لأنه حال للضعيف. أ. هـ نهاية ص 115
"من طلب قضاء المسلمين حتى يناله (1) ثم غَلَبَ عَدْلَهُ جَوْرُهُ (2) فله النارُ" رواه أبو داود.
20 -
وعن أبي بُريدة عن أبيه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القضاة ثلاثةٌ: قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة: رجلٌ قضى بغير حقٍ يعلمُ بذلك، فذلك في النار، وقاضٍ لا يَعْلَمُ فأهلكَ حقوق الناس فهو في النار، وقاضٍ قضى بالحق فذلك في الجنة" رواه أبو داود، وتقدم لفظه، وابن ماجة والترمذي، واللفظ له، وقال حديث حسن غريب.
إن الله مع القاضي ما لم يَجُرْ
21 -
وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله مع القاضي ما لم يَجُرْ (3)، فإذا جَارَ تخلى عنه، ولَزِمَهُ الشيطان (4) " رواه الترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم إلا أنه قال: "فإذا جار تبرأ الله منه" رووه كلهم من حديث عمران القطان، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
[قال الحافظ]: وعمران يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
22 -
وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه: "أن مسلماً ويهودياً اختصما إلى عمر رضي الله عنه فرأى الحق لليهودي، فقضى له عمر به، فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق، فضربهُ عمر بالدِّرَّةِ (5)،
وقال: وما يدريك؟ فقال اليهودي: والله إنا نجد في التوراة ليس قاضٍ يقضي بالحق إلا كان عن يمينه ملكٌ، وعن شماله ملكٌ يُسددانه، ويوفقانه للحق مادام مع الحق (6)، فإذا ترك الحق عَرَجَا (7) وتركاهُ" رواه مالك.
(1) يدركه ويتولى منصبه.
(2)
ظلمه غطى عدله.
(3)
يظلم ويتعد ويتجاوز الأذى.
(4)
زين له الشيطان الأبهة والجور.
(5)
بالسوط لأنه تجارأ على المدح، وسيدنا عمر لا يحب الثناء أمام واجب يؤديه فتحرى رضي الله عنه العدل في القضاء وفرح بالإصابة والتوفيق وزاد سروره فضربه بالدرة ابتهاجاً بصوابه ضرباً غير مؤلم، ضرباً يدل على الحبور والعجب.
(6)
مدة تحريه الحق.
(7)
صعدا إلى السماء.
من ولي أمة من أمتي قلت أو كثرت فلم يعدل فيهم كبه الله على وجهه في النار
23 -
وعن عبد الله، يعني ابن مسعود رضي الله عنه يرفعه قال:"يُؤتى بالقاضي يوم القيامة، فَيُوقَفُ على شفير (1) جهنم، فإن أُمِرَ به دُفِعَ فَهَوَى فيها سبعين خريفاً" رواه ابن ماجة والبزار، واللفظ له كلاهما من رواية مجالد عن عامر عن مسروق عنه، وتقدم لفظ ابن ماجة في الباب قبله.
24 -
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن بشر بن عاصمٍ الجُشَمِيِّ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يَلي (2) أحدٌ من أمر الناس شيئاً إلا وقَفَهُ الله على جسر جهنم، فزلزل به (3) الجسر زلزلةً، فناجٍ، أو غير ناجٍ، فلا يبقى منه عظمٌ إلا فارقَ صاحبهُ، فإن هو لم يَنْجُ ذُهِبَ به في جُبٍ (4) مُظلمٍ كالقبر في جهنم لا يبلغُ قَعْرَهُ سبعين (5) خريفاً، وإن عمر رضي الله عنه سأل سلمان وأبا ذرٍ: هل سمعتما ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالا: نعم" رواه ابن أبي الدنيا وغيره.
25 -
وعن مَعْقَلٍ بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وَلِيَ أمةً من أمتي قَلَّتْ أو كَثُرَتْ فلم يعدل فيهم كبه (6)
الله على وجهه في النار" رواه الطبراني في الأوسط من رواية عبد العزيز بن الحصين، وهو واهٍ، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ولفظه قال: "ما من أحدٍ يكون على شيء من أمور هذه الأمة: فلم يعدل فيهم إلا كبهُ الله في النار" وهو في الصحيحين بغير هذا اللفظ، وسيأتي لفظه إن شاء الله.
26 -
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في جهنم وادياً وفي الوادي بئرٌ يُقالُ له: هَبْهَبٌ، حقٌ على الله أن يُسْكِنَهُ كل جبارٍ عنيدٍ" رواه الطبراني بإسناد حسن وأبو يعلى، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
(1) طرف وحد، حتى ينتظر الإذن، فإن عاقبه الله سقط يهوي مدة سبعين سنة، والتوراة لسيدنا موسى عليه السلام وفيها ترغيب القضاة في العدل رجاء الفوز.
(2)
لا يرأس.
(3)
فتحرك.
(4)
بئر لم تطو: أي بعيد النهاية.
(5)
أي لا يصل إلى عمقه النازل فيه مدة سير سبعين سنة.
(6)
ألقاه، من كببته: ألقيته على رأسه.
ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكه إلا العدل
27 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أمير (1) عشرةٍ إلا يُؤتى به يوم القيامة مغلولاً (2) لا يَفُكُهُ إلا العدلُ" رواه أحمد بإسناد جيد رجاله رجال الصحيح.
28 -
وعن رجلٍ عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: "سمعتهُ غير مرَّةٍ ولا مرتين يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أمير عشرةٍ إلا يُؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكهُ من ذلك الغُلِّ إلا العدل" رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح إلا الرجل المبهم.
29 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أمير عشرةٍ إلا يُؤتى به مغلولاً يوم القيامة حتى يَفُكُّهُ العدلُ، أو يُوبِقُهُ (3) الجورُ" رواه البزار والطبراني في الأوسط، ورجال البزار رجال الصحيح. وزاد في رواية:"وإن كان مُسيئاً زيد غُلاً إلى غُلِّهِ" ورواه الطبراني في الأوسط بهذه الزيادة أيضاً من حديث بريدة.
30 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعهُ قال: "ما من رجلٍ وَلِيَ عشرةً إلا أُتيَ به يوم القيامة مغلولةً يدهُ إلى عنقه حتى يُقضى بينه وبينهم" رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات.
31 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من والي ثلاثةٍ إلا لَقِيَ الله مغلولةً يمينهُ (4) فَكَّهُ عَدْلُهُ أو غَلَّهُ جَوْرُهُ" رواه ابن حبان في صحيحه من رواية إبراهيم بن هشام الغساني.
32 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَ عليَّ أولُ ثلاثةٍ يدخلون النار: أميرٌ مُسَّلطٌ وذُو ثَروةٍ من مالٍ لا يُؤدي حق الله فيه وفقيرٌ فَخُورٌ" رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما.
(1) رئيس.
(2)
مقيداً لا يزيل هذه القيود والأغلال إلا عدله، وحسن معاملته، ورعايته للحق وحبه للقسط، وخشيته من الله.
(3)
يهلكه الظلم، والغل: طوق من حديد يجعل في العنق.
(4)
مقيدة بسلاسل غير مطلقة، والمعنى أن الذي رأس ثلاثة يسجنه في العذاب ظلمه ويطلقه عدله.
من ولي شيئاً من أمور المسلمين لم ينظر الله في حاجته حتى ينظر في حوائجهم
33 -
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني أخاف على أمتي من أعمالٍ ثلاثةٍ. قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال زَلَّةُ عالمٍ، وَحُكْمُ جائرٍ، وهوىً مُتبعٌ" رواه البزار والطبراني من طريق كثير بن عبد الله المزني، وهو واهٍ، وقد احتج به الترمذي، وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه، وبقية إسناده ثقات.
34 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: "اللهم من وَلِيَ من أمْرِ أمتي شيئاً فشقَّ (1) عليهم، فاشقق عليه (2) ومن وَلِيَ من أمْرِ أمتي شيئاً فَرَفَقَ (3) بهم، فارفق به" رواه مسلم والنسائي.
ورواه أبو عوانة في صحيحه، وقال فيه: من وَلِيَ منهم شيئاً فَشَقَّ عليهم فعليه بَهْلَةُ الله: قالوا يا رسول الله: وما بَهْلَةُ الله؟ قال لعنةُ الله" [قال الحافظ]: ويأتي في باب الشفقة إن شاء الله.
35 -
وعن أبي عثمان قال: "كتب إلينا عمر رضي الله عنه، ونحن بأذربيجان: يا عتبةُ بن فَرْقَدٍ إنه ليس من كَدِّكَ، ولا كَدِّ أبيك، ولا كَدِّ أمكَ، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبعُ منه في رَحْلِكَ، وإياكم والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير" رواه مسلم.
36 -
ورويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أمتي أحدٌ وليَ من أمْرِ الناس شيئاً لم يحفظهم بما يحفظُ به نفسه إلا لم يجد رائحة الجنة (4) " رواه الطبراني في الصغير والأوسط.
37 -
وعن ابن عباس أيضاً رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من وَلِيَ شيئاً من أمور المسلمين لم ينظر الله في حاجته حتى ينظر في حوائجهم (5) " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح إلا حسين بن قيس المعروف بحنش، وقد وثقه ابن نمير، وحسّن له، والترمذي غير ما حديث، وصحح له الحاكم، ولا يضر في المتابعات.
(1) عذبهم وأساء إليهم واستعمل الشدة وظلم وقسا.
(2)
فعذبه واغضب عليه.
(3)
ألان جانبه واستعمل الرأفة وكان رفيقاً على الناس، والرفق لين الجانب، وهو خلاف العنف.
(4)
لم يشمها.
(5)
يؤجل حسابه حتى يرى أعمالهم وماذا صنع بهم؟
من ولي من أمر المسلمين شيئاً فغشهم فهو في النار
38 -
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ (1)
الله عز وجل رَعِيَّةً يموتُ يوم يموت، وهو غاشٌ رَعِيَّتَهُ إلا حرَّمَ الله تعالى عليه الجنة" وفي رواية:"فلم يَحُطْهَا (2) بِنُصْحِهِ لم يرح رائحة الجنة" رواه البخاري ومسلم.
39 -
وعنه أيضاً رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أميرٍ يلي أمور المسلمين، ثم لا يجهدُ لهم، وينصحُ لهم إلا لم يدخل معهم الجنة" رواه مسلم والطبراني، وزاد: كنصحهِ وجهدهِ لنفسه.
40 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وَلِيَ من أمر المسلمين شيئاً فغشهم فهو في النار" رواه الطبراني في الأوسط والصغير، ورواته ثقات إلا عبد الله بن ميسرة أبا ليلى.
41 -
وعن عبد الله بن مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ رضي الله عنه قال: "أشهدُ لَسَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من إمامٍ ولا والٍ بات ليلةً سوداء (3) غاشاً لرعيته إلا حرَّمَ الله عليه الجنة" رواه الطبراني بإسناد حسن
(1) يجعله والياً راعياً، وفي رواية البخاري:"ما من والٍ يلي رعية من المسلمين"، قال في الفتح قال ابن بطال: هذا وعيد شديد على أئمة الجور فمن ضيع من استرعاه الله أو خانهم أو ظلمهم فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة، فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة؟ ومعنى حرم الله عليه الجنة: أي أنفذ الله عليه الوعيد ولم يرض عنه المظلومين.
ونقل ابن التين عن الداودي نحوه قال ويحتمل أن يكون هذا في حق الكافر لأن المؤمن لابد له من نصحية، قلت وهو احتمال بعيد جداً، والتعليل مردود، فالكافر قد يكون ناصحاً فيما تولاه ولا يمنعه ذلك الكفر، وقال غيره ويحمل على المستحل، والأولى أنه محمول على غير المستحل، وإنما أريد به الزجر والتغليظ.
وقد وقع في رواية لمسلم بلفظ "لم يدخل معهم الجنة" وهويؤيد أن المراد أنه لا يدخل الجنة في وقت دون وقت، وقال الطيبي: الفاء في قوله "فلم يحطها" وفي قوله "فيموت" مثل اللام في قوله تعالى: "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً" وقوله وهو "غاش" قيد للفعل مقصود بالذكر، يريد أن الله إنما ولاه على عباده ليديم لهم النصيحة لا ليغشهم حتى يموت على ذلك فلما قلب القضية استحق أن يعاقب. أ. هـ ص 105 جـ 13
(2)
يكلأها أو يصنها وزنه ومعناه، والاسم الحياطة، يقال حاطه إذا استولى عليه وأحاط به مثله.
(3)
شديدة الظلمة لم يتفقد مصالح الناس مدلساً عليهم غير منتبه لأمنهم وطمأنينتهم أبعده الله من الجنة.
وفي رواية له: "ما من إمامٍ يبيتُ غاشاً لرعيته إلا حَرَّمَ الله عليه الجنة، وَعَرْفُهَا يوجدُ يوم القيامة مسيرة سبعين عاماً".
42 -
وعن ابن مريم عمرو بن مُرَّةَ الجهني رضي الله عنه أنه قال لمعاوية: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من وَلَاّهُ (1) الله شيئاً من أمور المسلمين فاحتجبَ (2) دون حاجتهم وَخَلَّتِهِمْ وفَقْرِهمْ احتجب (3) الله دون حاجته وَخَلَّتِهِ وفقرهِ يوم القيامة، فجعل معاوية رجلاً (4)
على حوائج المسلمين" رواه أبو داود واللفظ له والترمذي.
ولفظه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من إمامٍ يُغْلِقُ (5) بابهُ دون ذوي الحاجةِ (6) وَالخلَّةِ (7)،
والمسكنة (8) إلا أغلق الله أبواب السماء دُونَ خَلَّتِهِ
(1) أسند إليه رياسة، وجعل في يده مصلحة.
(2)
امتنع عن النظر إليها وقصر في البحث عما يفيدهم ويرقيهم.
(3)
تركه الله عند الشدائد لم يرحمه.
(4)
نصب رجلاً يبحث عن قضاء حاجات المسلمين ويعاونهم على أمور الحياة.
(5)
يقفل، بمعنى أن الوصول إليه صعب، قال في الفتح: وفي هذا الحديث وعيد شديد لمن كان حاكماً بين الناس، فاحتجب عنهم لغير عذر لما في ذلك من تأخير إيصال الحقوق أو تضييعها، واتفق العلماء على أنه يستحب تقديم الأسبق فالأسبق والمسافر على المقيم لا سيما إن خشي فوات الرفقة، وأن من اتخذ بواباً أو حاجباً أن يتخذه ثقة عفيفاً أميناً عارفاً حسن الأخلاق عارفاً بمقادير الناس. أ. هـ ص 109 جـ 12.
وفي البخاري باب ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب، عن أنس بن مالك يقول لامرأة من أهله تعرفين فلانة؟ قالت نعم. قال فإن النبي صلى الله عليه وسلم مر بها وهي تبكي عند قبر فقال "اتقي الله واصبري" فقالت إليك عني فإنك خلو من مصيبتي قال فجاوزها ومضى بها فمر بها رجل فقال ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت ما عرفته قال إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فجاءت إلى بابه فلم تجد عليه بواباً فقالت يا رسول الله والله ما عرفتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الصبر عند الصدمة الأولى" قال الكرماني: معنى قوله "لم تجد عليه بواباً" أي لم يكن له بواب راتب أو في حجرته التي كانت مسكناً له أو لم يكن البواب بتعيينه بل باشرا ذلك بأنفسهما، يعني أبا موسى ورحاباً. أ. هـ.
قال الشافعي وجماعة: ينبغي للحاكم أن لا يتخذ حاجباً، وذهب آخرون إلى جوازه، وحمل الأول على زمن سكون الناس واجتماعهم على الخير وطواعيتهم للحاكم، وقال آخرون: بل يستحب ذلك ليرتب الخصوم ويمنع المستطيل ويدفع الشرير، ونقل ابن التين عن الداودي قال الذي أحدثه بعض القضاة من شدة الحجاب وإدخال بطائق الخصوم لم يكن من فعل السلف. أ. هـ ص 108 - جـ 13
(6)
عند ذوي المصالح.
(7)
الفقر والحاجة والخلة مثل الخصلة، والخلة: الصداقة.
(8)
أصحاب الذلة، والمسكين الذليل المقهور "ضربت عليهم الذلة والمسكنة" والمعنى أنه منع نفسه أن تنظر إلى مصالح الناس المختلفة وحرم الطبقة الفقيرة من بث شكواها إليه مباشرة وترفع عن محادثة السوقة، وتكبر عن إجابة مطالب من دونه.
وحَاجَتِهِ ومَسْكَنَتِهِ (1) " ورواه الحاكم بنحو لفظ أبي داود، وقال صحيح الإسناد.
43 -
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وَلِيَ من أمْرِ الناس شيئاً، فاحْتَجَبَ عن أولِي الضَّعْفِ والحاجةِ احْتَجَبَ الله عنهُ يوم القيامة" رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني وغيره.
44 -
وعن أبي السَّمَاح الأزدي عن ابن عمٍ له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى معاوية، فدخل عليه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من وَلِيَ من أمْرِ المسلمين، ثم أغْلَقَ بابهُ دون المسكين والمظلوم، وذوي الحاجة أغلق الله تبارك وتعالى أبواب رحمته دون حاجته وفقرهِ أفقرَ ما يكونُ إليها" رواه أحمد وأبو يعلى، وإسناد أحمد حَسَن.
45 -
وعن أبي جُحَيفةَ أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: "ضرب على الناس بعثاً فخرجوا، فرجع أبو الدحداح، فقال له معاوية: ألم تكن خرجت؟ قال بلى، ولكن سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً أحببتُ أن أضعهُ عندك مخافةَ أن لا تلقاني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) يقول: يأيها الناس: من وَلِيَ عليكم عملاً: فَحَجَبَ بابهُ عن ذي حاجةِ المسلمين حَجَبَهُ الله أن يَلِجَ (3) بابَ الجنة، ومن كانت هِمَّتُهُ الدنيا حَرَّمَ الله عليه جِوَارِي (4)،
فإني بُعثتُ بِخَرَابِ الدنيا ولم أُبْعَثْ بِعِمَارتِها" رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا شيخه جبرون بن عيسى، فإني لم أقف فيه على جرح ولا تعديل، والله أعلم به.
(1) المعنى عذبه الله ولم ينظر نظر رحمة وإحسان إليه.
(2)
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا (د وع) ص 281
(3)
يدخل.
(4)
قربي، لأنه منهمك في ملذات الدنيا الفانية، قال تعالى مبيناً حال مؤمن آل فرعون، أو هذا قول سيدنا موسى عليه السلام:"وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب"(39 - 41 من سورة المؤمن)، سبيل الرشاد: سبيلاً يصل سالكه إلى المقصود، (متاع): تمتع يسير لسرعة زوالها (بغير حساب): نعيم مقيم بغير تقدير فضلاً منه ورحمة، يطلب صلى الله عليه وسلم من المسلمين أن يتفرغوا إلى مصالحهم ويتدبروا شئونهم ويعدلوا بين مرءوسيهم ويتفقدوا أمورهم ولا يتفانون في الإقبال على زهرة الدنيا رجاء أن يفوزوا بدخول الجنة بجوار الصديقين والصالحين.