الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الآنك] بمد الهمزة وضم النون: هو الرصاص المذاب.
الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط
1 -
عن عامر بن سعدٍ قال: "كان سعد بن أبي وقاص في بيته، فجاءهُ ابنهُ عمر فلما رآهُ سعدٌ قال: أعوذُ بالله من شرِّ هذا الراكبِ، فنزل فقال له: أنَزَلْتَ في إبلك وغنمكَ، وتركتَ الناس يتنازعون المُلْكَ بينهم، فضرب سعدٌ في صدرهِ، وقال اسكتْ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يُحِبُّ العبدَ التقيَّ الغنيَّ الخفيَّ" رواه مسلم.
[الغني]: أي الغني النفس القنوع.
2 -
وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: "قال رجلٌ أيُّ الناس أفضلُ يا رسول الله؟ قال: مؤمنٌ يُجاهدُ بنفسهِ ومالهِ في سبيل الله. قال: ثم مَنْ؟ قال: ثم رجلٌ مُعْتَزِلٌ (1) في شِعْبٍ (2) من الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ".
3 -
وفي رواية: "يتقي الله وَيَدَعُ الناسَ من شَرِّهِ" رواه البخاري ومسلم وغيرهما، ورواه الحاكم بإسناد على شرطهما إلا أنه قال:"عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سُئل: أيُّ المؤمنين أكملُ إيماناً؟ قال: الذي يُجاهد بنفسه ومالهِ، ورجلٌ يعبدُ ربهُ في شِعْبٍ من الشعاب، وقد كَفَى الناس شَرَّهُ".
4 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُوشكُ أن يكون خير مال المسلم غَنَمٌ يَتَّبِعُ بها شَعَفَ الجبال، ومواقعَ القَطْرِ يَفِرُّ بدينه من الفتن" رواه مالك والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[شعف الجبال] بالشين المعجمة والعين المهملة مفتوحتين: هو أعلاها ورءوسها.
5 -
وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه قال مِنْ خَيْرِ
(1) مجتنب أي بعيد.
(2)
طريق في جبل.
مَعَايِشِ الناس لهم رجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ في سبيل الله يطيرُ على مَتْنِهِ (1) كُلما سمع هَيْعَةً (2) أو فَزْعَةً (3) طار عليه يبتغي (4) القتلَ أو الموت مَظَانَّهُ، ورجلٌ في غُنَيْمَةٍ في رأس شَعَفَةٍ من هذه الشُّعَفِ، أو بطن وادٍ من هذه الأوديةِ يُقيمُ الصلاة، ويؤتي الزكاةَ، ويعبدُ ربهُ حتى يأتيهُ اليقينُ (5) ليس من الناس إلا خيرٍ" رواه مسلم، وتقدم بشرح غريبه في الجهاد.
6 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بخير الناس: رجلٌ مُمسك بعنان (6) فرسهِ في سبيل الله. ألا أخبركم بالذي يتلوهُ: رجلٌ مُعتزلٌ في غُنيمةٍ له يؤدي حق الله فيها. ألا أخبركم بِشَرِّ الناس؟ رجلٌ يُسْألُ بالله ولا يُعْطي" رواه النسائي والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن حبان في صحيحه، ولفظه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم جلوسٌ في مجلسٍ لهم فقال: ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: رجلٌ أخذ برأس فرسه في سبيل الله حتى يموتَ أو يُقتلَ. ألا أخبركم بالذي يليه؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: امرؤ معتزلٌ في شعبٍ يُقيمُ الصلاة، ويؤتي الزكاةَ، ويعتزل (7) شُرورَ الناس. ألا أخبركم بشرِّ الناس؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الذي يُسأل بالله، ولا يُعطي" ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب العزلة من حديثه، ورواه أيضاً هو والطبراني من حديث أم مبشر الأنصارية أطول منه.
7 -
وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جاهد في سبيل الله كان ضامناً على الله، ومن عاد مريضاً كان ضامناً على الله، ومن
(1) ظهره.
(2)
الصوت الذي تفزع منه وتخافه من عدو، وقد هاع هيعاً وتهيع إذا جبن. أهـ نهاية.
(3)
الفزع في الأصل: الخوف، فوضع موضع الإغاثة والنصر، لأن من شأنه الإغاثة والدفع عن الحريم مراقب حذر.
(4)
يطلب.
(5)
الموت.
(6)
حبل لجامه.
(7)
يبتعد، ويترك.
دخل على إمامهِ يُعَزِّرُهُ (1) كان ضامناً (2) على الله، ومن جلس في بيتهِ لم يغتبْ (3)
إنساناً كان ضامناً على الله" رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان، واللفظ له، وعند الطبراني: "أو قعد في بيته فَسَلِمَ الناسُ منهُ، وَسَلِمَ من الناس" وهو عند أبي داود بنحوه، وتقدم لفظه، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة، ولفظه: "قال: خصالٌ ستٌّ ما من مُسلمٍ يموتُ في واحدةٍ منهنَّ إلا كان ضامناً على الله أن يدخُلَ الجنة، فذكر منها: ورجلٌ في بيته لا يغتاب المسلمين ولا يَجُرُّ إليهم سُخْطاً ولا نِقْمَةً".
8 -
ورويَ عن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أعجبَ الناس إليَّ رجلٌ يؤمن بالله ورسوله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويُعَمِّرُ ماله (4)، ويحفظ دينه، ويعتزلُ الناس" رواه ابن أبي الدنيا في العزلة.
9 -
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طُوبى (5) لمن مَلَكَ لسانهُ، وَوَسِعَهُ بَيْته، وبكى على خطيئته (6) " رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وحسن إسناده.
10 -
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "قلتُ يا رسول الله: ما النجاةُ (7) قال: أمْسِكْ (8) عليك لسانكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ (9)، وَابْكِ على خطيئتك (10) " رواه
(1) ينصره في الحق ويهزمه في الباطل، ومنه قوله تعالى:"فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون"(157 من سورة الأعراف). (وعزروه): أي عظموه بالتقوية، ومنه التعزير.
(2)
أي الله تفضل عليه بالقبول ودخول الجنة تكرماً ووعداً صادقاً.
(3)
يذكر أحداً بما يكره.
(4)
يتجر وينميها في حلال.
(5)
شجرة في الجنة يملك مدى ظلها الذي حفظ لسانه من الفحش والبذاءة.
(6)
ذنب اقترفه.
(7)
استفهام عن السلامة من العذاب.
(8)
احفظ من الشتائم لسانك، ومن كل مكروه وإفساد.
(9)
اجعل بيتك نادياً لك ليبعدك عن المحارم.
(10)
اندم وتضرع إلى الله أن يعفو عنك ويغفر لك آثامك.
الترمذي وابن أبي الدنيا والبيهقي، كلهم من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد، وقال الترمذي: حديث حسن.
11 -
وعن مكحولٍ رضي الله عنه قال: "قال رجلٌ: متى قيام الساعة (1)
يا رسول الله؟ قال: ما المسئول عنها بأعلمَ من السائلِ (2)، ولكن لها أشراطٌ (3) وتقاربُ أسواقٍ. قالوا: يا رسول الله وما تقاربُ أسواقها؟ قال: كسادها (4) وَمَطَرٌ (5) ولا نباتَ، وأن تَفْشُوَ (6) الغيبةُ وتَكْثُرَ أولادُ البغيةِ (7)، وأن يَعُظَّمَ ربُّ المالِ (8)، وأن تعلوَ أصواتُ الفَسَقَةِ (9) في المساجد، وأن يظهر (10) أهلُ المنكرِ على أهل الحقِّ. قال رجلٌ: فما تأمرني (11)؟ قال: فِرَّ بدينكَ (12)
وَكُنْ حِلْساً من أحْلَاسِ بيتكَ" رواه ابن أبي الدنيا هكذا مرسلاً.
12 -
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بين أيديكم فتناً (13) كَقِطَعِ الليلِ المُظْلِمِ يُصْبِحُ الرجلُ فيها مؤمناً، ويُمسي كافراً،
(1) في أي زمن يأتي يوم الحساب والعذاب.
(2)
انفرد الله بعلمها دون من وجه إليه السؤال أو سأل.
(3)
علامات.
(4)
بوار تجارتها وعدم رواجها وضيق أهلها وزيادة كربهم وعدم البركة في أرباحهم.
(5)
إنزال الماء من السماء في أرض مجدبة قحلة لم تخصب ولم ينفع فيها زرع.
(6)
تكثر الأقوال الذميمة التي فيها عيوب الناس، والغيبة أن تذكر أخاك بما يكره.
(7)
الزانية.
(8)
صاحب الأموال الطائلة يحترم لغناه، وإن كان على باطل ولن يجد ما يزجره أو يمنعه.
(9)
العصاة يبين صلى الله عليه وسلم الدلائل الواضحة على دنو القيامة:
أولاً: نزع البركة من التجارة والصناعة وعدم رواجهما.
ثانياً: عدم إخصاب الأرض وإنباتها مع كثرة الآفات المبيدة للزروع المدمرة التالفة الهالكة.
ثالثاً: إكثار المجالس من المعائب وذكر القبائح.
رابعاً: وفرة الأشرار وكثرة العصاة الفسقة المجرمين.
خامساً: إهانة الاتقياء وإكرام الأثرياء الأغنياء غير الصالحين.
سادساً: كثرة لغو الفجرة في بيوت الله، ومجالس ذكره سبحانه.
(10)
انتصار أهل البدع وفوز الضالين المضلين، ثم أمر صلى الله عليه وسلم باختيار العزلة واتباع الوحدة وملازمة البيت وانتهاج مناهج الأبرار البعيدين عن الفتن المتبيعن الرسول صلى الله عليه وسلم المتواضعين السالكين سبل الخير والمجتنبين صحبة الأشقياء.
(11)
أي شيء تأمرني أتبعه.
(12)
اظفر بسلامة دينك واترك الفتن.
(13)
اختلافات.
ويمسي مؤمناً، ويصبحُ كافراً، القاعد (1) فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: كونوا أحْلاسَ بُيُوتكم" رواه أبو داود، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة في الصحاح وغيرها.
[الحلس]: هو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب، يعني الزموا بيوتكم في الفتن كلزوم الحلس لظهر الدابة.
إن السعيد لمن جنب الفتن
13 -
وعن المقداد بن الأسود قال: "أيْمُ الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن السعيد لمن جُنِّبَ الفتن، إن السعيدَ لمن جُنِّبَ الفتنَ، إن السعيد لمن جُنِّبَ الفتن، وَلَمَنِ ابْتُلِيَ فصبر فَوَاهاً" رواه أبو داود.
[واهاً]: كلمة معناها التلهف، وقد توضع للإعجاب بالشيء.
14 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة، فقال: إذا رأيتم الناس قد مَرَجَتْ عُهُودُهُم، وَخَفَّتْ أماناتُهُمْ وكانوا هكذا، وَشَبَّكَ بين أصابعهِ. قال: فقمتُ إليه فقلتُ: كيف أفعلُ عند ذلك جعلني الله تبارك وتعالى فداك؟ قال: الزم بيتكَ، وَابْكِ على نفسكَ وَدَعْ عنك أمْرَ العامة" رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن.
[مرجت]: أي فسدت، والظاهر أن معنى قوله: خفت أماناتهم، أي قلّت، من قولهم: خَفَّ القوم: أي قلّوا، والله أعلم.
15 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن عمر خرج إلى المسجد، فوجد مُعاذاً عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: حديثٌ سمعتهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اليسيرُ من الرِّيَاء شِرْكٌ (2)، ومن
(1) المعنى قليل العمل وقت إيقاد نار الفتن أفضل من الباعث على انتشارها.
(2)
الرياء: المراءاة والتشيع، والقليل من التظاهر بالعمل الصالح لغير الله شرك، فكأن من يفعل خيراً لقصد المدح أو الفخر أشرك بالله: أي جعل له شريكاً يستحق أن يعمل له، والله تعالى لا يقبل إلا من كان عمله خالصاً لله وحده.
عَادَى (1) أولياء (2) الله، فقد بارزَ (3) الله بالمحاربة. إن الله يُحِبُّ الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يُفْتَقَدُوا (4)، وإن حضروا لم يُعْرَفُوا، قلوبهم مصابيحُ الهدى يخرجون من كُلِّ غَبراء مظلمة (5) " رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقي في الزهد، وقال الحاكم: صحيح، ولا علة له.
من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة
16 -
ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمانٌ لا يَسْلَمُ لذي دينٍ دِينُهُ إلا من هَرَب (6) بدينهِ من شاهقٍ إلى شاهقٍ، ومن جُحْرٍ إلى جُحْرٍ، فإن كان ذلك كذلك لم تُنَلِ المعيشةُ إلا بسخط الله (7)،
فإذا كان ذلك كذلك كان هلاكُ الرجل على يديْ زوجتهِ وولده، فإن لم يكن له زوجةٌ ولا ولدٌ كان هلاكهُ على يديْ أبويه، فإن لم يكن له أبوانِ كان هلاكهُ على يديْ قرابته أو الجيران. قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: يُعَيِّرُونَهُ بضيق المعيشةِ، فعند ذلك يُوردُ نفسهُ المواردَ التي يُهْلِكُ فيها نفسهُ" رواه البيهقي في كتاب الزهد.
17 -
وعن عمران بن حُصينٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من انقطعَ إلى الله (8) كَفَاهُ (9) الله كُلَّ مؤنةٍ، ورزقهُ من حيث لا يحتسبُ
(1) قدم لهم الأذى وعاكسهم واستهزأ بهم.
(2)
المتقون الصالحون العاملون بكتاب الله تعالى وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم.
(3)
أي شق عصا الطاعة وخالف أوامر الله.
(4)
لم يبحث عنهم ولم يظهر لهم مكان خلا بفقدهم وقل بهاؤه بغيابهم ولم يؤبه لهم، والمعنى أنهم متواضعون مائلون إلى عدم الفخر وحب الرياسة.
(5)
فتن تضر بالدين وتجلب الشقاق.
(6)
فر، والمعنى انتقل من مكان الفتن إلى مكان بعيد خالٍ من نار العداوة وإخوان الشقاق، في (ط) بلا كذلك، وفي (ن د وع): كذلك ص 213 - 2
(7)
غضبه وعصيانه وغشيان أمكنة الفسوق ومكاسب الحرام، والمعنى أن زوجته وأولاده يصرفونه عن طاعة الله تعالى إلى الكد في الدنيا وضياع الوقت في السعي وراء المعيشة ونسيان حقوق الله تعالى، فإن لم يكن له أهل انصرف إلى جمع المال للتظاهر والتفاخر ليظهر أمام أقاربه وجيرانه مظهر العز والبذخ ولا يفكر في تشييد الصالحات وعمل البر تخليداً لذكره وابتغاء رضوان الله ودخول جنته سبحانه، ففيه الحث على الإقبال على الله تعالى وتفريغ قلبه لعبادته جل وعلا.
(8)
أخلص إلى الله في عبادته.
(9)
سهل الله عسيره وأجاب دعاءه ووقاه ذلك الحاجة وأعطاه الدرجة الثانية تفضلاً.